تساؤل ياسر عرمان عن مشروع (السنط) !

 


 

 

لم يتطرق الأخ ياسر عرمان الى حقيقة نجزم بانه يعرفها تماماً ولكنه يتحاشى ذكرها، وهى حقيقة أن السودان قد ظل تحت استعمار المخابرات المصرية بمساعدة عساكر الكيزان منذ فشل محاولة اغتيال الرئيس المعزول حسنى مبارك، وان كل مشاريع القوات المسلحة السودانية وشركات أمن نظام البشير هي نوافذ لشركات الجيش المصرى، يسهر على حراستها كبار ضباط الكيزان الذين يشرفون على تقتيل أبناء الشعب في المظاهرات التي تطالب برحيلهم. ان هذا الاستعمار السرى هو الذى ينهب خيرات السودان، وسوف يظل هذا الاستعمار داعماً لعملائه ومتشبساً بكل الاسلاب التي ظل يجمع فيها طيلة العشرين عاماً الماضية، سواء كانت هذه الاسلاب هي أسواق المواشى في غرب السودان أو المشاريع العمرانية في قلب العاصمة مثل مشروع (سنط) الذى فتح الله على الأخ ياسر عرمان بان يقول عنه كلمة اخيراً. علماً بان هذا المشروع الذى ابتدأت المؤامرة حوله منذ عام 2008
ثم اننا نشير الى المقال التالى الذى تم نشره في عدد من مواقع الصحف الاكترونية في ذلك الوقت. الى المقال

ماذا وراء موقع مشروع (السنط)

بقلم أبوبكر بشير الخليفة
‏25‏/يناير /2008

لا شك أن أغلب السودانيين قد سمعوا بمشروع (السنط) المزمع انشاؤه فى منطقة الغابة بمدينة الخرطوم، ولا شك أن أغلبهم قد أعجبوا بالصور و الرسومات وأشرطة الفيديو التى تعرض مجسمات البنايات العصرية، الشاهقة، التى تتلألأ حوائطها الزجاجية مع أشعة الشمس، تحيط بها المياه الزرقاء وتتخللها الشوارع الاسفلتية بخطوطها الجانبية الأنيقة، ولا شك أن كل ذلك قد أحدث أثره فى المشاهدين، وأعجبهم، وجعلهم يتحرقون شوقا ليصبح هذا الحلم حقيقة ، وفى أسرع وقت، حتى نتنفس جميعا الصعداء أن صارت لنا عاصمة جميلة نستطيع أن نفاخر بها الآخرين كبقية البشر. وفى حقيقة الأمر أن عاصمتنا (كانت) مبعث فخر، و (كانت) جميلة، و(كنا) فخورين بها وبسودانيتنا. ولا شك أن شعب السودان لديه الكثير الذى يمكن أن يكون مبعث فخر هو به جدير، متى ما منّ الله عليه بحكومة تمثله و تليق به.
ولنعود الآن لما رآه أغلب السودانيين عن مشروع (السنط)، ولنبادر بذكر حقيقة مهمة، وهى أن العالم ،اليوم، يذخر بملايين التصورات الأولية لمشاريع التنمية العمرانية، وقد وٌضعت هذه التصورات الأولية واُعّدت لجذب المشترين والمستثمرين فى مجال العقارات. جميع هذه التصورات تُستخدم فيها مواد وأفكار وبرامج كمبيوتر معروفة ورخيصة الثمن و قد تم أعداد هذه البرامج وهذه المواد خصيصا لهذا الأمر ،أعنى أمر العرض والتسويق، وقد يحالف الحظ جزء يسير من هذه التصورات الأولية فتنجح فى جذب المشترين أو المستثمرين، ويذهب الجزء الأكبر منها الى سلة المهملات أو الى أرشيف مكاتب التصميم المعمارى. والجدير بالذكر أن مثل هذه الصور والمجسمات وأشرطة الفيديو ليست معقدة، أو صعبة، أذ أن المواد والبرامج التى تستعمل فيها، يمكن أعتبارها كألعاب الأطفال إذا ما قيست بالأعمال الهندسية الأخرى التى تحتاجها مثل هذه المشاريع لكى ترى النور وتصير حقيقة ماثلة، نعم هذه التصورات الأولية تحتاج لمهندس معمارى، يمكن أن يكون خريجا جديدا، أو حتى على وشك التخرج، لينفق بعض الوقت أمام الكمبيوتر ليستعمل برامج بسيطة، تستخدم منذ زمن طويل فى كل المكاتب الهندسية، وفى كل كليات الهندسة، وفى كل معاهد الهندسة، وفى كل المدارس الصناعية، وحاليا يمكن الإلمام بهذه البرامج وإتقانها فى وقت لا يتجاوز أربعة شهور، وبدون أن تكون لديك شهادة فى الهندسة ، وتستطيع بعدها أن تجهز مثل هذه الصور الجميلة وأشرطة الفيديو للبنايات الشاهقة، الجميلة، ذات الطابع العصرى. أردت من هذه المقدمة أن أقول أن ما رأيناه من صور وأفلام عن مشروع (السنط) لا يتعدى أن يكون أحدى انجازات رسام هندسى، أو مشروع تخريج لطالب هندسة معمارية، ويجب الا نسمح لهذه الصور الجميلة أن تصرف نظرنا عن حقيقة المشروع فنصبح بذلك كالأطفال الذين تجذبهم الرسومات الملونة المصقولة عن محتوى الكتاب أو عن محتوى المجلة.

أذا أردنا أن ننظر لمحتوى وحقيقة المشروع (مشروع السنط) فيجب النظر اليه فى كثير من التفاصيل، جميع هذه التفاصيل تحتاج لشرح ونقاش ولكن يمكن القول أن أهم هذه التفاصيل على الإطلاق إنما هو موقع المشروع، ولا أعتقد بان مثل هذه الصور والأفلام كان يمكنها أن تثير نقاشا أو جدلا لو كان موقعها المقترح فى أحد أطراف العاصمة، أو أى أرض خالية أخرى.
موقع المشروع المزمع يقع على ضفاف احد أطول الأنهار فى العالم، و فى ملتقى نهرين كبيرين، وفى قلب عاصمة مكتظة بالسكان، وفى أرض عامة يمتد أثر اى نشاط فيها الى مواقع أخرى ومثل هذه المواقع فى جميع الدول المتقدمة لا يمكن المساس بها، و دائما ما تعتبر ملك عام لا يمكن بيعه لأحد ، كل ذلك يجعل من اختيار هذا الموقع لإنشاء البنايات الشاهقة خطأ فادح، وسوف يكون لهذا الخطأ، أذا ما تم، أسوأ العواقب على النهر، وعلى ملتقى النهرين، وعلى العاصمة، بل أن أثره السلبى سوف يظهر على كل الإنشاءات التى تقع على ضفاف النيلين، الأبيض و الأزرق، جنوب موقع المشروع وأيضا على الإنشاءات التى تقع على ضفاف النيل شماله.

لكل نهر فى العالم حرم أو منطقة معينة تسمى حوض النهر، ولاى نهر مناطق معينة داخل الحوض تسمى مناطق فيضان ، تستعمل هذه المناطق فى أوقات الفيضانات الموسمي ليتمدد فيها النهر ويتسع، فتقل سرعة جريانه وتقل بالتالى طاقته على الحفر والنحت، أو، قل، تقل طاقته على تدمير المنشئات على ضفافه، وتسمى هذه المناطق صمامات الامان، وموقع المشروع معروف لجميع سكان العاصمة بانه منطقة فيضان تغمرها مياه النيل الأبيض خلال فترة الصيف وترتفع فيها المياه لتغطى الأشجار تماما وتصل حتى حدود فندق الهيلتون. وبالتالى فان هذه المنطقة هى أحدى صمامات الأمان التى ينفث النهر من خلالها طاقته متى ما زادت هذه الطاقة عن مقدرة احتمال المجرى المعهود.

فى بداية أعمال مشروع (السنط) تم إنشاء حوائط حاجزة فى هذه المنطقة لحجز مياه النهر داخل مجرى محدد وضيق ، وبذلك فقد تم إغلاق صمام الأمان ، وسوف تصل مياه الفيضان فى الأعوام القادمة الى هذه المنطقة، فيتم حجزها داخل المجرى المحدد بهذه الحوائط ، فتزيد سرعتها وسوف تصطدم بالمياه السريعة القادمة من النيل الأزرق لتصبح الحالة فى هذه المنطقة حالة ولادة متعسرة لطاقة نحت وتجريف كبيرة و خطيرة وفى جميع الاتجاهات. ولن تهدأ هذه الحالة حتى تجد متنفس آخر يمكن للنهر ان يتمدد فيه، وسوف تزيد مقدرة النهر على ما يسمى بالحفر الموضعى، وهو الحفر حول أعمدة الجسور والكبارى. وبالتالى فان عاصمتنا القومية سوف تكون مهددة بالغرق و فى جميع الاتجاهات ، وستصبح منشئاتنا على ضفاف النيل معرضة للانهيار . قد نرى هذا الأثر فى سنة واحدة متى ما تعرضنا فيها لفيضانا قياسيا، كما يمكن ان يتم هذا الدمار على مراحل تمتد لعدد من السنين. واعتقد انه من المعلوم أن معالجة مثل هذه الحالات من الفيضانات والغرق وانسداد المجارى وانهيار الطرق والكبارى يستلزم صرف المال العام ، الأمر الذى يلقى باثره على جميع السودانيين ولن ينحصر هذا الأثر السلبى على شركة دال أو على معتمدية الخرطوم.

من بديهيات هندسة الأنهار أن النهر يعتبر جسما حيا مليئا بالطاقة، لا يمكن المساس به دون أن يتحرك بردة فعل ، وقد تكون ردة فعله ذات اثر كبير ومبالغ فيه، ولذلك فان توخى الحذر واجراء الدراسات، المبنية على تمثيل مصغر للحالة، أمر ضروري، قد تمتد هذه الدراسة لمدة طويلة لتغطى كافة الاحتمالات التى قد تؤثر على النهر. ومن البديهى أيضا ان مناطق التقاء نهرين هى من أكثر المناطق تعقيدأ من حيث حساسيتها لأية تغييرات قد تطرأ فى طبيعة المجرى أو فى كمية المياه، فان صح كل ذلك: فهل قامت معتمديه الخرطوم أو شركة دال، بوصفهم ملاك المشروع، بإجراء مثل هذه الدراسات؟ لا أعتقد، بل هم لا يعرفون أهميتها فى أغلب الظن.

أمر آخر : هل يعرف أعضاء حكومة الوحدة الوطنية تفاصيل هذا المشروع، وهل يعرف أعضاء حكومة الوحدة الوطنية أن مسئولية الأنهار يجب أن تكون مسئولية قومية، ليس لحكومات الولايات التقرير بشأنها دون أخذ موافقة الحكومة القومية، وذلك لان قيام مشروع على النهر سوف يصل أثره الى جميع الولايات، سواء كان هذا المشروع جسرا، أو سدأ، او مجرى لتفريغ المياه المعالجة، أو حتى مشروعا زراعيا.
لا أشك لحظة فى أن كل السادة الوزراء قد باتوا يستشعرون انبلاج فجر محاسبة المسئولين فى دول العالم الثالث و فى اعتقادى المتواضع أن كل من السادة وزير النقل ووزيرالرى ووزير البيئة بحكومة الوحدة الوطنية تقع على عاتقهم مسئولية دراسة هذا المشروع بغرض تغيير موقعه.

ABUBAKER2@msn.com
/////////////////////////

 

آراء