وتمتد الذكريات مع وردي بالدوحة (٤)
صلاح الباشا
15 April, 2022
15 April, 2022
بلا أدني شك .. فإن فكرة تكوين اللجنة القومية لإستقبال وعلاج الأستاذ وردي بالدوحة بذلك الشكل الاجتماعي الكبير والذي جمع كل تيارات السياسة والثقافة والمجتمع بالدوحة والتي تحدثنا عنها في مقالنا السابق قد حققت عدة نجاحات .. ويأتي في مقدمتها مزج الجهد السوداني الشعبي في قطر مع الجهد السوداني الرسمي وقد حدث ذلك ولأول مرة بالدوحة منذ عام 1989م حين كانت مجموعات عريضة من النـُخب السودانية العاملة بالدوحة في حالة مقاطعة للسفارة السودانية منذ عام 1990م بسبب تقاطعات السياسة وقسوة تعامل النظام الحاكم بالخرطوم مما زاد من معدلات نشاط المعارضة بالخارج والتي انتظمت في هيئة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض بعد مؤتمر القضايا المصيرية في اسمرا وبرئاسة السيد محمد عثمان الميرغني الي ان تحقق السلام لاحقا في نايفاشا في العام ٢٠٠٥م ولحقه سلام التجمع مع الحكومة بالقاهرة فعادت قيادات التجمع الي الخرطوم لتشارك في البرلمان الانتقالي بعشرين مقعدا ولمدة ست سنوات حتي عام ٢٠١١م .
وكان لابد لي من أن أشير إلي المكتسبات التي تحققت علي ايادي تلك اللجنة التي كان قد قاطعها البعض .. حيث أن كل من السفير وقتذاك الفريق أول الدابي والمستشار الثقافي بالدوحة وقتذاك ايضا الصديق الأستاذ نادر يوسف ( سفير بالخارجية لاحقا ) قد وقفا مع اللجنة في كافة إجراءات إستقدام أبناء وردي وأهله المنتشرين في كافة أصقاع الدنيا عن طريق مخاطبة وزارة الخارجية القطرية لحضور العملية .. حيث أتي إبنه الموسيقار مظفر من لوس أنجلوس .. وأتي الدكتور حافظ من بريطانيا والسيدة جوليا وزوجها المهندس ناجي ابوزيد من مسقط والموسيقار عبدالوهاب وردي من الخرطوم .. وأفواج عديدة من السعودية وفي مقدمتهم الراحل المقيم سعدالدين عشري ( إبن عم وردي ) ومن دول الخليج والخرطوم .. كما أن صالة كبار الزوار بالمطار والتي تتبع إدارياً لمراسم الخارجية القطرية قد كانت إستجابتهم فورية عندما طلبنا منها عن طريق سفارتنا لذلك لإستقبال الأستاذ وردي بها وبالمجان .. كما أن تمديد زيارات عائلة وردي من وقت لآخر كلها كانت تتم بطلبات من السفارة السودانية لإدارة الجوازات بالدوحة حسب طلب اللجنة . فالسودانيون بعضهم يخلط بين الصراع السياسي والبعد الاجتماعي للاشياء .
أما أهم إنجاز حدث بعد إجراء الجراحة هو عمل إقامة نظامية ودائمة للأستاذ وردي علي كفالة المدرسة السودانية بالدوحة كأستاذ للموسيقي بها. أليس هذا أجمل إنجاز يعود للأستاذ وردي بعد كل عطائه الثر والذي عمل علي تشكيل وجدان هذا الشعب المتميز ولعقود طويلة من الزمان بإضافاته الموسيقية والفنية الباهرة .
وقد تكرر ذات الموال ولكن بطريقة أخري من ذات الأشخاص بالدوحة .. فحين فـّكر صاحب هذا القلم في إحضار الصديق القديم وشاعر الشعب الراحل محجوب شريف إلي الدوحة بعد نجاح عملية وردي وذلك بسبب صلات عمل وعشرة إجتماعية وعملية قديمة وممتدة تربطني بمحجوب منذ أن كنا نعمل معاً كمعلمين في سلك التدريس بمدارس أم درمان منذ عام 1970م وذلك لعلاج محجوب من مشاكل مرض السكر ولكي يزور صديقه الأستاذ وردي بعد الجراحة .. ونجحنا في إستخراج زيارة سياحية له وبرفقته كريمته الصغري ( مي ) . فمشكلة هؤلاء انهم لايبادرون ، وعندما يبادر الآخرون في عمل الخير ، تأخذهم الغيرة وبلا مبرر .. يا سبحان الله .
ولنحكي هنا ذكريات صباح يوم العملية الجراحية لنقل الكِلية للأستاذ وردي فقد تم ذلك في صبيحة السادس من أكتوبر 2002م وهو يماثل يوم إنتصار مصر في حرب السادس من أكتوبر 1973م .. فقد حضرنا إلي المستشفي بعد صلاة الفجر في ذلك الصباح .. وفي السادسة تماماً حضر بروف الفاضل الملك إلي مقر ( الإستيشن ) الذي تتواجد فيه ممرضات الطابق وملفات المرضي في ذات الطابق الذي كانت توجد به غرفة وردي بالمستشفي حيث تحدث من هاتف الإستيشن مع غرفة العمليات بالطابق الأرضي وقد كنت وقتها أقف خارج غرفة وردي .. فرفع البروف الفاضل يده لي محيياً وأردفها بعبارة : ( نحن جاهزين ياباشا .. وإنتو كيف ؟ ) فقلت له جاهزين عشرة علي عشرة .. وهو يقصد جاهزية الأستاذ وردي للعملية .. ولكن بعدها بربع ساعة حضر البروف مرة اخري ودخل إلي غرفة وردي فوجده قد تم تحضيره تماماً للعملية .. بل وقد ألبسوه ملابس العملية وكان وردي لايزال ممسكاً بالمجموعة الكاملة للشاعر محمد المكي إبراهيم التي ظل يطالع فيها لعدة أيام سابقة حين احضرتها له من مكتبتي بالمنزل .. فهمس البروف في أذن وردي ثم أطلق الإثنان ضحكة عالية .. فسحب البروف ديوان ودالمكي من أيادي وردي وسلمني له ثم أتت النقالة فتحركت الجموع نحو المصاعد العديدة بالطابق السادس للنزول إلي الطابق الأرضي حيث يوجد مسرح العمليات .. وهناك بدأت وفود السودانيين واهل وردي وأعضاء اللجنة القومية وطاقم السفارة تتقاطر نحو صالات الإنتظار بالمستشفي .. وقد كانت نقالة أخري تحمل المتبرع هشام وتتبعه جموع أخري من غرفته حتي مجمع العمليات .. حيث سبق إدخاله لها قبل إدخال وردي بربع ساعة .. وفي الثانية والنصف ظهراً علي وجه التحديد .. والجموع كانت تنتظر نتيجة العملية والسيدة الراحلة علوية رشيدي زوجة الأستاذ وردي وكريمتها جوليا لم تتوقفان عن قراءة القرآن بمصاحف كانت معهما في صالة الانتظار.
وكانت العديد من الصحف السودانية تتواصل إتصالاتها الهاتفية معنا من الخرطوم منذ منتصف النهار للمتابعة واذكر منهم الاصدقاء الاساتذة الراحلين فضل الله محمد وكمال حسن بخيت واحمد البلال الطيب ..
وفجأة إتصل بي بروفيسور الفاضل الملك بالجوال من داخل غرفة العمليات قائلاً : ( مبروك ياباشا ... الكلية الجديدة بتاعة صاحبك حارقة تش الآن ) فقلت له بكل براءة وعفوية : مبروك يا بروف ، لكن عرفتها كيف حرقت ؟ فأضاف : إن نجاح زراعة أي كلية تتم معرفتهت فور نقل الكلية بنصف دقيقة .. لأن عملية الفلترة تبدأ فوراً حيث تطرد الكلية الجديدة كل البول المتراكم عبر المسالك والمريض لايزال مسجي فوق طاولة العمليات ـ وإن لم يحدث ذلك فإن الأمر يكون قد أصابه الإخفاق لأي سبب . وهنا نقول أن كلمة ( حارقة تش ) هي مفردة سودانية خالصة ونستخدمها دائماً في حياتنا العامة سواء لمريض شفي من المرض وبدأ في الأكل أو حتي سيارة كانت متعطلة تم إصلاح ماكينتها أو تعميرها فتصبح الماكينة حارقة تش للبنزين .. ثم إنتشر الخبر عبر النت والصحف والهواتف لأهل السودان في كل الدنيا ..
ونواصل الحكاوي عن مسيرة الأستاذ وردي الفنية والابداعية بكل ذكريات اغنياته الجميلة ومستحيلة .... نواصل ،،،،،،
bashco1950@gmail.com
وكان لابد لي من أن أشير إلي المكتسبات التي تحققت علي ايادي تلك اللجنة التي كان قد قاطعها البعض .. حيث أن كل من السفير وقتذاك الفريق أول الدابي والمستشار الثقافي بالدوحة وقتذاك ايضا الصديق الأستاذ نادر يوسف ( سفير بالخارجية لاحقا ) قد وقفا مع اللجنة في كافة إجراءات إستقدام أبناء وردي وأهله المنتشرين في كافة أصقاع الدنيا عن طريق مخاطبة وزارة الخارجية القطرية لحضور العملية .. حيث أتي إبنه الموسيقار مظفر من لوس أنجلوس .. وأتي الدكتور حافظ من بريطانيا والسيدة جوليا وزوجها المهندس ناجي ابوزيد من مسقط والموسيقار عبدالوهاب وردي من الخرطوم .. وأفواج عديدة من السعودية وفي مقدمتهم الراحل المقيم سعدالدين عشري ( إبن عم وردي ) ومن دول الخليج والخرطوم .. كما أن صالة كبار الزوار بالمطار والتي تتبع إدارياً لمراسم الخارجية القطرية قد كانت إستجابتهم فورية عندما طلبنا منها عن طريق سفارتنا لذلك لإستقبال الأستاذ وردي بها وبالمجان .. كما أن تمديد زيارات عائلة وردي من وقت لآخر كلها كانت تتم بطلبات من السفارة السودانية لإدارة الجوازات بالدوحة حسب طلب اللجنة . فالسودانيون بعضهم يخلط بين الصراع السياسي والبعد الاجتماعي للاشياء .
أما أهم إنجاز حدث بعد إجراء الجراحة هو عمل إقامة نظامية ودائمة للأستاذ وردي علي كفالة المدرسة السودانية بالدوحة كأستاذ للموسيقي بها. أليس هذا أجمل إنجاز يعود للأستاذ وردي بعد كل عطائه الثر والذي عمل علي تشكيل وجدان هذا الشعب المتميز ولعقود طويلة من الزمان بإضافاته الموسيقية والفنية الباهرة .
وقد تكرر ذات الموال ولكن بطريقة أخري من ذات الأشخاص بالدوحة .. فحين فـّكر صاحب هذا القلم في إحضار الصديق القديم وشاعر الشعب الراحل محجوب شريف إلي الدوحة بعد نجاح عملية وردي وذلك بسبب صلات عمل وعشرة إجتماعية وعملية قديمة وممتدة تربطني بمحجوب منذ أن كنا نعمل معاً كمعلمين في سلك التدريس بمدارس أم درمان منذ عام 1970م وذلك لعلاج محجوب من مشاكل مرض السكر ولكي يزور صديقه الأستاذ وردي بعد الجراحة .. ونجحنا في إستخراج زيارة سياحية له وبرفقته كريمته الصغري ( مي ) . فمشكلة هؤلاء انهم لايبادرون ، وعندما يبادر الآخرون في عمل الخير ، تأخذهم الغيرة وبلا مبرر .. يا سبحان الله .
ولنحكي هنا ذكريات صباح يوم العملية الجراحية لنقل الكِلية للأستاذ وردي فقد تم ذلك في صبيحة السادس من أكتوبر 2002م وهو يماثل يوم إنتصار مصر في حرب السادس من أكتوبر 1973م .. فقد حضرنا إلي المستشفي بعد صلاة الفجر في ذلك الصباح .. وفي السادسة تماماً حضر بروف الفاضل الملك إلي مقر ( الإستيشن ) الذي تتواجد فيه ممرضات الطابق وملفات المرضي في ذات الطابق الذي كانت توجد به غرفة وردي بالمستشفي حيث تحدث من هاتف الإستيشن مع غرفة العمليات بالطابق الأرضي وقد كنت وقتها أقف خارج غرفة وردي .. فرفع البروف الفاضل يده لي محيياً وأردفها بعبارة : ( نحن جاهزين ياباشا .. وإنتو كيف ؟ ) فقلت له جاهزين عشرة علي عشرة .. وهو يقصد جاهزية الأستاذ وردي للعملية .. ولكن بعدها بربع ساعة حضر البروف مرة اخري ودخل إلي غرفة وردي فوجده قد تم تحضيره تماماً للعملية .. بل وقد ألبسوه ملابس العملية وكان وردي لايزال ممسكاً بالمجموعة الكاملة للشاعر محمد المكي إبراهيم التي ظل يطالع فيها لعدة أيام سابقة حين احضرتها له من مكتبتي بالمنزل .. فهمس البروف في أذن وردي ثم أطلق الإثنان ضحكة عالية .. فسحب البروف ديوان ودالمكي من أيادي وردي وسلمني له ثم أتت النقالة فتحركت الجموع نحو المصاعد العديدة بالطابق السادس للنزول إلي الطابق الأرضي حيث يوجد مسرح العمليات .. وهناك بدأت وفود السودانيين واهل وردي وأعضاء اللجنة القومية وطاقم السفارة تتقاطر نحو صالات الإنتظار بالمستشفي .. وقد كانت نقالة أخري تحمل المتبرع هشام وتتبعه جموع أخري من غرفته حتي مجمع العمليات .. حيث سبق إدخاله لها قبل إدخال وردي بربع ساعة .. وفي الثانية والنصف ظهراً علي وجه التحديد .. والجموع كانت تنتظر نتيجة العملية والسيدة الراحلة علوية رشيدي زوجة الأستاذ وردي وكريمتها جوليا لم تتوقفان عن قراءة القرآن بمصاحف كانت معهما في صالة الانتظار.
وكانت العديد من الصحف السودانية تتواصل إتصالاتها الهاتفية معنا من الخرطوم منذ منتصف النهار للمتابعة واذكر منهم الاصدقاء الاساتذة الراحلين فضل الله محمد وكمال حسن بخيت واحمد البلال الطيب ..
وفجأة إتصل بي بروفيسور الفاضل الملك بالجوال من داخل غرفة العمليات قائلاً : ( مبروك ياباشا ... الكلية الجديدة بتاعة صاحبك حارقة تش الآن ) فقلت له بكل براءة وعفوية : مبروك يا بروف ، لكن عرفتها كيف حرقت ؟ فأضاف : إن نجاح زراعة أي كلية تتم معرفتهت فور نقل الكلية بنصف دقيقة .. لأن عملية الفلترة تبدأ فوراً حيث تطرد الكلية الجديدة كل البول المتراكم عبر المسالك والمريض لايزال مسجي فوق طاولة العمليات ـ وإن لم يحدث ذلك فإن الأمر يكون قد أصابه الإخفاق لأي سبب . وهنا نقول أن كلمة ( حارقة تش ) هي مفردة سودانية خالصة ونستخدمها دائماً في حياتنا العامة سواء لمريض شفي من المرض وبدأ في الأكل أو حتي سيارة كانت متعطلة تم إصلاح ماكينتها أو تعميرها فتصبح الماكينة حارقة تش للبنزين .. ثم إنتشر الخبر عبر النت والصحف والهواتف لأهل السودان في كل الدنيا ..
ونواصل الحكاوي عن مسيرة الأستاذ وردي الفنية والابداعية بكل ذكريات اغنياته الجميلة ومستحيلة .... نواصل ،،،،،،
bashco1950@gmail.com