عن العنصرية (حالة لقمان)!!

 


 

 

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
اللغة الساقطة في التسجيل المنسوب للمدعو محمد شوكت، تثير الاشمئزاز والصدمة للوجدان السليم. كما انها تعكس كم التشوه الذي يستبطنه الاسلامويون، كاصحاب عقيدة دغمائية. والاخطر ان هذا الاستعلاء الاجوف والشوفينية والتعصب، هو ما يفسح المجال امام اهدار ليس كرامة الآخر المختلف، وانما يبيح استئصاله وابادته بعد خفض قيمته الانسانية، بعد تشويهها وشيطنتها. وهل النازية شئ آخر سوي الاعتزاز العرقي والتطلع لاكسابه الامتياز علي حساب الآخرين؟
وعموما يبدو ان هنالك وشائج مضمرة تمد خيوط التواصل بين الايديولوجيات الخلاصية، والاعتداد بالعرق او العقيدة او الفكرة. وكأن الايديولوجية الخلاصية (الدينية بصفة خاصة) هي التعبير عن احساس التميُز او مأسسته كمقدمة لشرعنته وتسلطه!
وصحيح ان الاحساس بالتميُز والرغبة في التفوق مرتبطان بالتكوين النفسي للانسان، ولكن يظل الفارق في الاسلوب والتعبير والافق الذي يتم فيه التميُز والتفوق. فقد يكون افق متحضر معترف به، او همجي اجرامي ينحو للعنف والاكراه. في هذا السياق العنصرية هي الجانب السلبي والمجاني للتميُز، والذي يكتسبه الفرد لمجرد صدفة الميلاد او البيئة او الثقافة. وبتعبير آخر العنصرية هي السطو علي التميُز لمن يفتقد احقية او شرعية التميُز؟! ولذلك هي اكثر ارتباط بالاعراق والاجناس سواء داخل الدول او بينها. لانها تحتاج للاختلاف وتتغذي علي التباينات وتصلبها، ومن ثمَّ فهي حريصة علي قمع اي محاولة للاختلاط او مجرد التواصل بين الاختلافات/المختلفين. خصوصا بعد ان تحولت العنصرية لثقافة تجد تعبيراتها في التراتبية الاجتماعية والاوضاع الاقتصادية، او اذا جاز التعبير البنية الفوقية التي تحدد القيم والمعايير. واحتمال هذا ما جعل تاريخ المهمشين والمضطهدين والمنبوذين هو تاريخ نضالهم من اجل اثبات الذات والحصول علي الاعتراف. وهو ما قد يتبدي في شكل ثورات او تمردات علي المألوف.
وهذا الاثبات (الاعتراف) ارتبط بعامل تطور سلوك ووعي الانسان ان لم يكن احد ركائزه، ليتحول من لغة العنف والاكراه التي تهدد بالفناء، الي نوع من التسوية السلمية، تقوم علي الاعتراف بحقوق الانسان من حيث كونه انسان. ورغم ان هذه التسوية انتجت مردود هائل علي مستوي سلامة الانسان وتقدم انماط حياته، وتحويل التنافس الي نطاقات مفيدة واحيانا مسلية. إلا انها للاسف لم تكن شاملة، لتترك بيئات وجيوب وتشكيلات، بذات الوسائل والدوافع البدائية في السطو علي التميُز، لتحيله لامتياز، مستخدمة في ذلك النزعة العنصرية وتضخم الذات والقوة العسكرية، في مروحة واسعة تمتد من نظام بوتين بكل وسائل عنفه المتطورة الي مليشيا الدعم السريع بكل همجيتها وتخلفها.
وبالعودة للحديث العنصري والاستعلائي لمحمد شوكت، نجده يتعدي لقمان، للتعرض لقطاعات واسعة من المكونات السودانية، ويطال الثورة (كوعي) والثوار (كابطال) علي وجه الخصوص. والمفارقة انه يسب العقيدة التي يفترض انها تشكل مرجعية المشروع الاسلاموي الذي ينتمي اليه! وهذا بدوره يشير الي ان المشروع الاسلاموي بكل خواءه وتعاليه ومصادرته لخيارات السودانيين، ما هو إلا تعبير عن خواء وتعالي وغرور وتسلط الاسلامويين! وبكلام واضح، المشروع الاسلاموي ليس اكثر من فضح للاسلامويين. والحال، ان الاسلاموية كمنظومة استباحة، اصبحت هي معيار الاسلامويين للتعامل مع الآخر وموارد ومؤسسات البلاد. اما النتيجة، فهي حالة من الاستبداد والفساد وانتهاك حقوق المواطنين لدرجة، لم يشهد لها السودان مثيل. وهي ذات الشئ الذي جعلهم يستنكفون عن الاعتراف باخطاءهم رغم كارثيتها، ناهيك ان يقدموا اعتذارا عنها! بل هم يصرون علي العودة من جديد، لاستئناف ما بدأوه من طريقة حكم استبدادية، ونزعة لصوصية، وروح انتقامية، مع احتقار كامل لخبرات المجتمع، واستهتار بكل الاساليب الحديثة في ادارة الدولة.
وكما سبق العنصرية ليست حالة غريبة، ان لم تكن ملازمة للوجود الانساني منذ ان بدأ رحلته لاحتكار الامتياز والسيطرة، لذلك نجدها حتي بين السحنات والاعراق في ذات المنطقة، طالما عجزت عن الاستعانة بالادوات الحديثة في علاج علل المجتمع. ولكن ما فاقم هذا المرض الاجتماعي، هو تحوله لاداة في يد المستبدين والطغاة، لضرب المجتمع ببعضه البعض، وبما يشغله عن مواجهة الخطر الوجودي، المتمثل في ذات الانظمة الشمولية المستثمرة في الفتن.
وما يزيد من خطورة الامر، ان العنصرية قد تستخدم بطريقة عكسية. اي تحويل اخطاء وترسبات تاريخية لها ظروفها كالعنصرية، الي استثمار يتم تضخيمه كآلية تعبئة، من جانب نخب وعلي الخصوص حركات مسلحة، للحصول علي مكاسب سلطوية وامتيازات وظيفية ومادية، او لمجرد الانتقام وتصفية الحساب، غض النظر عن خطورة ذلك علي السلم الاهلي وتماسك الدولة.
اي جزء كبير من الخطاب العنصري والخطاب المضاد، هي في الاصل خطابات نخبوية، وتستخدم في صراعات النخب التي تدور حول السلطة وامتيازاتها. وهي لذلك لم ترتقِ لعلاج مشاكل او ترقية قضايا او رعاية مصالح عامة. اي النخب البائسة، تستخدم في صراعها وسائل بائسة (استغلال العرق الدين..الخ) للوصول لمكاسب اكثر بؤسا (السلطة المطلقة كوسيلة لاشباع احط الغرائز). والحال كذلك، علاج الامراض الاجتماعية وغيرها من الامراض السياسية والاقتصادية ...الخ، لا يمر إلا عبر عملية اصلاح شاملة تطال الدولة واحوال المجتمع، وهو ما يحتاج لنخب مؤهلة، وقبلها راغبة في الاصلاح، والاكثر اهمية بيئة مواتية للاصلاح. ولسوء الحظ يبدو اننا خلو من كل ذلك، ولولا جسارة الثوار واصرارهم علي الانتصار، لتم اعلان البلاد حال ميؤس منها.
المهم، ذلك الخط العنصري او العنصري المضاد لا يخدم إلا اجندة السلطة، وما يؤسف له انه دائما ياتي بمردود عكسي علي الضحايا الحقيقيين، والذين غالبا ليس لهم ناقة ولا جمل في هكذا مناكفة ديوك! والحال كذلك، هنالك ردة فعل علي اخطاء الحركات المسلحة، تم تحميله دون جريرة لانسان دارفور! وهو ما يجعل هؤلاء المواطنين ضحايا مرتين، مرة باستغلالهم لخدمة اجندة الحركات المسلحة الخاصة، ومرة بسحب الدعم والتعاطف المستحق، بوصفهم ضحايا مباشرين لعنف السلطات الانقلابية حاليا، واجرام العصبة الانقاذية سابقا.
ولكن هذا لا يمنع ان محاربة العنصرية ورد الاعتبار لانسان درافور، لا ينجح بالتنديد العاطفي بخطاب العنصرية، ولا بالطبطبة علي انسان دارفور وكانه غير مؤهل للقيام بمسؤولية نفسه، او يحتاج لاوصياء ينوبون عنه. وانما يتم عبر انسان دارفور نفسه، الذي لا يحتاج لشهادة اعتراف من الآخر، ليعرف مكانته ومقدارها، حتي تهزه او تقل من قيمته الجهالات اي كان مصدرها. كما انه يؤسس علي معاملة ابناء دارفور كمواطنين سودانيين، ليس هنالك ما يميزهم، حتي ما تعرضو له من ظلم وتخريب ودمار لبيئتهم نتيجة للحرب الاجرامية. وان معالجة مشاكل دارفور تعالج ضمن حزمة تعالج كل قضايا الوطن، وإلا كيف تصبح جزء من نسيج ولحمة الوطن؟ اي علاج مشكلة دارفور يمر عبر لغة الدولة وقوانين الدولة والتاسيس الحقيقي للدولة. وضمن هذه الاطار تمنح دارفور حقها، بما يناسب حاجتها ومظالمها، وفق امكانيات واولويات الدولة. اي حتي لو كان هنالك تمييز ايجابي، لتعويض دارفور وانسانها، ما تعرضا له من خراب ونزوح وابادة، يجب ان يخضع لمنطق الدولة، وليس منطق المحاصصات وتصفية الحسابات والتعامل مع المظلومية كوسيلة ابتزاز! لان هكذا ممارسات تهدم كيان الدولة نفسه قبل ان يستوي علي سوقه، قبل ان يضع حاجز حقيقي بين ابناء دارفور وغيرهم من المواطنين، وهو ما يعد بانتاج المآسي ليس في دافور ولكن في كامل البلاد.
واذا كان ما تعرض له لقمان من اساءة عنصرية يستحق الادانة والمحاكمة والعقاب، ولكن ذلك لا يمنع ان لقمان نفسه، يمثل النموذج السيئ لنخبة دارفور (وهي النخبة المستلبة، معيارها المركز واشكالها انسان المركز وهاجسها احلال مركزية محل اخري!) اكثر من تمثيله لانسان دارفور، الذي يشارك بقية مواطنين الوطن، همومهم الحقيقية، في انجاز التحول الديمقراطي والدولة المدنية. فما ناله لقمان من تاهيل اكاديمي وخبرات عملية عالمية، كان يُتوقع منه ان يقدم نموذج وطني (وعي نوعي) في الاداء المهني/الثوري، والدفاع عن الثورة من خلال الوقوف بحزم ضد الانقلاب كما تظاهر في بدايته! إلا انه اختار الاداء الروتيني الباهت، والوقوف في صف الانقلاب بعد ان اتاح له حمدوك فرصة العودة! ليقع في فخ العسكر (الكنكشة في منصبه)، وتاليا خدمة خط الاستبداد الذي اقعد بالدولة السودانية وحكم علي اهلها بالبؤس والشقاء. بل مارس لقمان نوع من التسلط علي موظفيه خلال ادارته للتلفزيون! وخنوع مخجل للعسكر عبر تحكمهم في كل ما يخص المادة الاعلامية، لدرجة سيطرة عميد في الجيش علي التلفزيون وكانه وحدة جهادية علي ايام سيئة الذكر الانقاذ، وهذا غير الطريقة غير اللائقة التي يختم به برنامجه، وهو يلوح بيديه بطريقة طفولية مستفزة!
والحال هذه، ما اقترفه لقمان، لا يختلف عن جريرة جبريل ومناوي وعسكوري واردول وغيرهم من (الكرور) الذين ردو جميل الثورة بطعنها في ظهرها! ولو ان لقمان لم يخدع احد، بادعاء النضال والمعارضة، ولم يتورط في المتاجرة بدماء رفاقه! ليحجز الاخيرون مكانتهم في مزبلة الخيبة ومكب سوء المنقلب، مع اشباههم الاسلامويين، غض النظر عن وهم السلطة والمناصب التي يشغلونها كادوات في لعبة البرهان وحميدتي. واكبر دليل علي انهم الوجه الآخر للاسلامويين، انهم لم يتعظو من تجربة الانقاذ وعاقبتها؟!
واخيرا
معضلة السلطة في دولة لم يكتمل نصاب تكوينها، تحتاج لمقاربة خاصة لمعرفة علاقتها بنقص التكوين، وانعكاس ذلك بدوره علي طبيعة ذات السلطة؟ اما الاهم فهي ما تعرضه من اختبار مخجل وفشل كاسح وهشاشة كامنة، في كل من يقترب منها طوعا او يتعاطاها قهرا، غض النظر عن صفته مدني كان ام عسكري، تكنوقراطي ام سياسي، مناضل ام انتهازي؟! ولله في بلدنا شؤون. ودمتم في رعايته.
///////////////////////////

 

آراء