عفراء والبزعي في ميزان الإعلام
زين العابدين صالح عبد الرحمن
7 May, 2022
7 May, 2022
أن المقابلات السياسية التي أجرتها الإعلامية عفراء فتح الرحمن في "قناة سودانية 24" في برنامج "الميزان السياسي" كانت طفرة إعلامية متميزة في محاولة لإحداث أختراق حقيقي لعقل الأزمة السياسي في السودان، و يؤكد أن جراءة الفكرة تبين اتساع الرؤية الإعلامية و القدرة الإبداعية عند صاحبة البرنامج. و في ذات الوقت يؤكد إن إدارة قناة " سودانية 24" تتمتع بصفتين أساسيتين: الأولى أنها إدارة لا تتردد في السماح بمناصرة الأفكار الجيدة الباحثة عن فتح طرق للحل والتي تفكر خارج الصندق المحكومة بالثقافة الشمولية التي خلفته الإنقاذ في الثلاث عقود الماضية، و أيضا مخلفات النظم الشمولية الأخرى التي وضعت الإعلام في (Infinite track ) لا يستطيع المرء أن يخرج منه إلا من خلال تقديم رؤية جديدة تتجاوز مخلفات الثقافة الشمولية. الثاني أن الإدارة تؤكد بذلك أنها سوف تتحمل كل ردات الفعل الإيجابية و السالبة التي تنتج من خلال تقيمها للفكرة. هذه الإرادة هي التي تعبد طريق الحرية و الديمقراطية، لأنها ممارسة لها أنعكاساتها و سوف تخلق حوارا يتسع لكي يخلق وعيا جديدا. و لا أقول هذه كانت بداية في مسار القناة. بل هي كان أيضا جريئة في برامج أخرى منها ( دائرة الحدث).
أن البرنامج رغم أنه كان معايدة سياسية، لكن الحالة التي يعيشها السودان تجعل استمراره ضرورة بهدف أحداث أختراق في الأزمة السياسية. و الحديث عن البرنامج ينقلنا مباشرة لدور الإعلام في مثل هذه الأزمة المستمرة، و التي تحاول كل قوى سياسية أن توظفها لمشروعها السياسي. الأمر الذي يجعل قضية التحول الديمقراطي في أدني سلم أولويات الجميع. رغم أن التاريخ و تجارب الشعوب التي انتقلت من النظم الشمولية إلي النظام الديمقراطي و جعلتها تستوطن فيها، كانت من خلال الممارسة اليومية التي تنتج ثقافة ديمقراطية جديدة بديلة للموروث الشمولي. الهدف منها جعل العقل السياسي يتحرك باستمرار. و تبعده عن حالة الجمود التي عاش فيها في ظل النظام الشمولي، و تهيئه لحراك مستمر يتقبل فيه العديد من الأفكار و يفكر كيف يختار أفضلها. أي أن تخلق وعيا سياسيا جديدا.
كنت قد تابعت الإعلامية عفراء في نشاطها الإعلامي منذ أن كانت تقدم برامج في قناة "الشروق" و كانت أفكارها فريدة و متميزة. و هذه التجربة جعلت الأفكار عندها تتولد بصورة تتماشى مع اجتهادها في الاطلاع و السعي في اتسلع المعرفة، و هي الأدوات الضرورية للإبداع. الأمر الذي جعلها تقدم أشياء مميزة. و في نفس الوقت كسرت تابوهات كانت قد صنعتها الثقافة الشمولية المختزنة حتى الآن في عقول العديد من السياسيين، و حتى عند الآجيال التي تتراوح أعمارهم ما بين 45 – 20 عاما. و من خلال هذا البرنامج يتبين أن الفكرة واضحا في مخيلة عفراء، أن الأزمة في السودان نتاج خلاف عميق بين تيارات سياسية ليس لديها الاستعداد لقبول بعضها البعض، و في ذات الوقت تخاف جميعا من الحوارات المباشرة للبحث عن طريق للوصول لنظام ديمقراطي مستقر. و يخلق المواعين الديمقراطية التي تستطيع هذه التيارات أن تدير حواراتها الفكرية داخلها، وبشكل مؤسس ديمقراطيا يفضي في النهاية لتوافق وطني. و يظهر ذلك من خلال أختيارها للشخصيات المتنوعة و المختلفة سياسيا في الساحة، و حاورتهم بكل صراحة، و الحوار يكشف كيف تفكر هذه الشخصيات، و قبول الشخصيات للحوار مع عفراء يعني هناك استعدادا عند الجميع للحوار. و السؤال هل هناك إعلاميين و صحافيين قادرين أن يخرجوا من دائرة الاستقطاب السياسي الحاد الدائر الآن، و يقدموا أعمالا و حوارات جريئة تحدث تغييرا في بنية الوعي الموروث لتخلق وعيا جديدا في المجتمع؟
أن عفراء وضعت نموذجا يجب أن تتبعه كل القنوات التلفزيونية، بأن لا تتقيد بشعارات السياسيين، يجب أن تخلق لها واقعا جديدا، الهدف منه إنتاج الثقافة الديمقراطية. و هنا يجب تناول دور الإعلام الحكومي. هل يستطيع أن يخرج من جلباب السلطة و تصوراتها، و أن لا ينتظر تعليمات القيادات الفوقيه، أن الحرية لا تعطى بل تؤخذ أخذا. فالذي ينتظر تعليمات السلطة لا يقدم جديدا، لأنه يريد فقط أن ينفذ ما يملأ عليه. و يؤكد ليس لديه رؤية و لا قدرة على تحليل الواقع السياسي في البلاد. أن القاعدة الأساسية التي يجب أن ينطلق منها الإعلام تكون الإجابة على سؤال واحد فقط: كيف يستطيع أن يخلق الشروط و الوعي لقيام الدولة المدنية الديمقراطية؟ فهل إبراهيم البزعي مدير هيئة الإذاعة و التلفزيون مدرك للدور الذي يجب أن يلعبه الإعلام في هذه الفترة. أنني شخصيا اعرف إبراهيم البزعي رجل مهني قدير، و رجل مبدع، منذ أن تم تعينه في الإذاعة في اوائل ثمانينيات القرن الماضي، و هو رجل غير منتمي سياسيا. لكن المشكلة أن النظم الشمولية " عبود – نميري – الإنقاذ" خلقت ثقافة الرقيب الذاتي عند الإعلامي حتى لا يخرج من جلباب ثقافتها، بسبب احتكاريتها للإعلام و توظيفه التوظيف الكامل لحماية تلك النظم، فالعملية تحتاج لشجاعة و تصور و تحليل للواقع. لكي يبدأ الإعلام أن يلعب دورا مهما في عملية التحول الديمقراطي، فالإعلام غير مقيد بالشعارات و التابوهات التي ينتجها السياسيون، هو مهمته أن يتعامل مع الواقع بكلياته بهدف تقديم التشخيص السليم للواقع، و معرفة المكنزمات المحركة له و الرؤى المطروحة فيه، و هي المعلومات المطلوبة خاصة للذين يشتغلون بالفكر لكي يقدموا تصوراتهم للحل. فهل إبراهيم البزعي على قدر التحدي المطلوب من أجل تقديم برامج تحدث تحولا جديدا في معادلات السياسية لمصلحة الديمقراطية و حل الأزمة؟ فالقضية ليست أن تستضيف بعض السياسيين للحوار في برنامج، ما هية الأسئلة التي يجب أن تطرحها بكل شجاعة و أحترام، و أيضا أختيار السياسيين الذين لديهم القدرة على الخروج من الصندق و تقديم الأفكار التي تساعد على تحقيق الهدف.
أن عفراء من خلال هذه اللقاءات بينت أن فكرة الحوار بين التيارات السياسية المختلفة ممكنة، و ليست مستعصية. و هي رؤية إعلامية سليمة. باعتبار أن الإعلام و الإعلاميين يجب أن لا يتعاملوا مع الواقع بالسندات الحزبية المغلقة و المشروطة، و الذين يعملون في مجال الإعلام يجب أن يفكروا خارج دائرة التفكير التي تحاول أن ترسيها العقليات السياسية. و يجب استيعاب أن ادوات الإعلام ليست هي أدوات السياسي و اللغة المستخدمة واحدة. كما أن الإعلام يجب أن يكشف بشكل واضح الرؤى المطروح في الساحة و يبين أين نقاط الاتفاق و اين الخلاف، حتى يستطيع أن يخلق وعيا جديدا يتجاوز الوعي المبني على الثقافة الشمولية، و يجب التأكيد أن الثقافة الديمقراطية تنتج من خلال الممارسة المستمرة، و الحوار بين التيارات الفكرية المختلفة. و نواصل الحديث في ذلك. نسأل الله حسن البصيرة للجميع.
zainsalih@hotmail.com
أن البرنامج رغم أنه كان معايدة سياسية، لكن الحالة التي يعيشها السودان تجعل استمراره ضرورة بهدف أحداث أختراق في الأزمة السياسية. و الحديث عن البرنامج ينقلنا مباشرة لدور الإعلام في مثل هذه الأزمة المستمرة، و التي تحاول كل قوى سياسية أن توظفها لمشروعها السياسي. الأمر الذي يجعل قضية التحول الديمقراطي في أدني سلم أولويات الجميع. رغم أن التاريخ و تجارب الشعوب التي انتقلت من النظم الشمولية إلي النظام الديمقراطي و جعلتها تستوطن فيها، كانت من خلال الممارسة اليومية التي تنتج ثقافة ديمقراطية جديدة بديلة للموروث الشمولي. الهدف منها جعل العقل السياسي يتحرك باستمرار. و تبعده عن حالة الجمود التي عاش فيها في ظل النظام الشمولي، و تهيئه لحراك مستمر يتقبل فيه العديد من الأفكار و يفكر كيف يختار أفضلها. أي أن تخلق وعيا سياسيا جديدا.
كنت قد تابعت الإعلامية عفراء في نشاطها الإعلامي منذ أن كانت تقدم برامج في قناة "الشروق" و كانت أفكارها فريدة و متميزة. و هذه التجربة جعلت الأفكار عندها تتولد بصورة تتماشى مع اجتهادها في الاطلاع و السعي في اتسلع المعرفة، و هي الأدوات الضرورية للإبداع. الأمر الذي جعلها تقدم أشياء مميزة. و في نفس الوقت كسرت تابوهات كانت قد صنعتها الثقافة الشمولية المختزنة حتى الآن في عقول العديد من السياسيين، و حتى عند الآجيال التي تتراوح أعمارهم ما بين 45 – 20 عاما. و من خلال هذا البرنامج يتبين أن الفكرة واضحا في مخيلة عفراء، أن الأزمة في السودان نتاج خلاف عميق بين تيارات سياسية ليس لديها الاستعداد لقبول بعضها البعض، و في ذات الوقت تخاف جميعا من الحوارات المباشرة للبحث عن طريق للوصول لنظام ديمقراطي مستقر. و يخلق المواعين الديمقراطية التي تستطيع هذه التيارات أن تدير حواراتها الفكرية داخلها، وبشكل مؤسس ديمقراطيا يفضي في النهاية لتوافق وطني. و يظهر ذلك من خلال أختيارها للشخصيات المتنوعة و المختلفة سياسيا في الساحة، و حاورتهم بكل صراحة، و الحوار يكشف كيف تفكر هذه الشخصيات، و قبول الشخصيات للحوار مع عفراء يعني هناك استعدادا عند الجميع للحوار. و السؤال هل هناك إعلاميين و صحافيين قادرين أن يخرجوا من دائرة الاستقطاب السياسي الحاد الدائر الآن، و يقدموا أعمالا و حوارات جريئة تحدث تغييرا في بنية الوعي الموروث لتخلق وعيا جديدا في المجتمع؟
أن عفراء وضعت نموذجا يجب أن تتبعه كل القنوات التلفزيونية، بأن لا تتقيد بشعارات السياسيين، يجب أن تخلق لها واقعا جديدا، الهدف منه إنتاج الثقافة الديمقراطية. و هنا يجب تناول دور الإعلام الحكومي. هل يستطيع أن يخرج من جلباب السلطة و تصوراتها، و أن لا ينتظر تعليمات القيادات الفوقيه، أن الحرية لا تعطى بل تؤخذ أخذا. فالذي ينتظر تعليمات السلطة لا يقدم جديدا، لأنه يريد فقط أن ينفذ ما يملأ عليه. و يؤكد ليس لديه رؤية و لا قدرة على تحليل الواقع السياسي في البلاد. أن القاعدة الأساسية التي يجب أن ينطلق منها الإعلام تكون الإجابة على سؤال واحد فقط: كيف يستطيع أن يخلق الشروط و الوعي لقيام الدولة المدنية الديمقراطية؟ فهل إبراهيم البزعي مدير هيئة الإذاعة و التلفزيون مدرك للدور الذي يجب أن يلعبه الإعلام في هذه الفترة. أنني شخصيا اعرف إبراهيم البزعي رجل مهني قدير، و رجل مبدع، منذ أن تم تعينه في الإذاعة في اوائل ثمانينيات القرن الماضي، و هو رجل غير منتمي سياسيا. لكن المشكلة أن النظم الشمولية " عبود – نميري – الإنقاذ" خلقت ثقافة الرقيب الذاتي عند الإعلامي حتى لا يخرج من جلباب ثقافتها، بسبب احتكاريتها للإعلام و توظيفه التوظيف الكامل لحماية تلك النظم، فالعملية تحتاج لشجاعة و تصور و تحليل للواقع. لكي يبدأ الإعلام أن يلعب دورا مهما في عملية التحول الديمقراطي، فالإعلام غير مقيد بالشعارات و التابوهات التي ينتجها السياسيون، هو مهمته أن يتعامل مع الواقع بكلياته بهدف تقديم التشخيص السليم للواقع، و معرفة المكنزمات المحركة له و الرؤى المطروحة فيه، و هي المعلومات المطلوبة خاصة للذين يشتغلون بالفكر لكي يقدموا تصوراتهم للحل. فهل إبراهيم البزعي على قدر التحدي المطلوب من أجل تقديم برامج تحدث تحولا جديدا في معادلات السياسية لمصلحة الديمقراطية و حل الأزمة؟ فالقضية ليست أن تستضيف بعض السياسيين للحوار في برنامج، ما هية الأسئلة التي يجب أن تطرحها بكل شجاعة و أحترام، و أيضا أختيار السياسيين الذين لديهم القدرة على الخروج من الصندق و تقديم الأفكار التي تساعد على تحقيق الهدف.
أن عفراء من خلال هذه اللقاءات بينت أن فكرة الحوار بين التيارات السياسية المختلفة ممكنة، و ليست مستعصية. و هي رؤية إعلامية سليمة. باعتبار أن الإعلام و الإعلاميين يجب أن لا يتعاملوا مع الواقع بالسندات الحزبية المغلقة و المشروطة، و الذين يعملون في مجال الإعلام يجب أن يفكروا خارج دائرة التفكير التي تحاول أن ترسيها العقليات السياسية. و يجب استيعاب أن ادوات الإعلام ليست هي أدوات السياسي و اللغة المستخدمة واحدة. كما أن الإعلام يجب أن يكشف بشكل واضح الرؤى المطروح في الساحة و يبين أين نقاط الاتفاق و اين الخلاف، حتى يستطيع أن يخلق وعيا جديدا يتجاوز الوعي المبني على الثقافة الشمولية، و يجب التأكيد أن الثقافة الديمقراطية تنتج من خلال الممارسة المستمرة، و الحوار بين التيارات الفكرية المختلفة. و نواصل الحديث في ذلك. نسأل الله حسن البصيرة للجميع.
zainsalih@hotmail.com