يُرجح أنها لقتلى الاحتجاجات.. مشارح الخرطوم تفيض بجثث “مجهولة الهوية”

 


 

 

المشارح السودانية.. أن تموت أكثر من مرة

كشف مدير إدارة الطب العدلي بالخرطوم عن تكدس كبير داخل مشارح العاصمة بعد قرارات النيابة العامة عدم دفن مجهولي الهوية منذ العام 2019، خشية طمس أدلة قد تكون ذات صلة بفض اعتصام القيادة العامة.

 

مقداد خالد/الخرطوم

أعلنت هيئة الطب العدلي السودانية إغلاق مشرحة مستشفى بشائر جنوبيّ العاصمة، الخرطوم، تجنبا لكارثة صحية وبيئية وشيكة، بعد تحلل مئات الجثث فيها.

 

وحصلت الجزيرة نت على صور صادمة لا يمكن نشرها لفظاعتها، من داخل المشرحة المُغلقة، وتظهر تكدّس الجثامين في ظروف غير إنسانية.

 

وسبق أن نظّمت لجان المقاومة (كيانات برزت في سياق الاحتجاجات المطالبة باستعادة المسار المدني)، في أبريل/نيسان الماضي، اعتصاما أمام "مشرحة المستشفى الأكاديمي" جنوبي العاصمة، بعد تحلل مئات الجثث وانبعاث الروائح الكريهة منها وتبعثرها.

 

ويعتقد المحتجون أن مشارح العاصمة تحتوي على بعض جثامين لمفقودين قضوا خلال ما يُعرف بفض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو/حزيران 2019.

 

وقُتل خلال هذه الأحداث نحو 200 من المحتجين، إلى جانب أعداد كبيرة من الجرحى والمفقودين، وفق تقارير غير رسمية. بينما قدرت إحصائية حكومية الضحايا بحوالي 85 شخصا فقط.

 

والتحقت مشرحة بشائر بمشرحة الأكاديمي التي أغلقتها النيابة العامة السنة الماضية، طبقا لإفادات هيئة الطب العدلي، لتبقى مشرحة مستشفى أم درمان وحيدة في تقديم خدماتها لأكثر المدن السودانية اكتظاظاً بالسكان.

 

خشية طمس الأدلة

يكشف مدير إدارة الطب العدلي بولاية الخرطوم، هشام زين العابدين، عن تكدس كبير داخل مشارح العاصمة، بعد قرارات النيابة العامة عدم دفن مجهولي الهوية منذ العام 2019 خشية طمس أدلة قد تكون ذات صلة بفض اعتصام القيادة العامة.

 

ويشتكى زين العابدين، في حديثه للجزيرة نت، من وجود حوالي ألف جثة داخل مشرحة مستشفى بشائر، موزعة بين الثلاجات والصالات وحتى الممرات والمكاتب، في ظروف وصفها بغير الإنسانية.

 

وحسب هذا المسؤول، فإنّ الطاقة الاستيعابية لكل مشرحة منفردة تقدر بحوالي 100 إلى 150 جثة، بينما تحتضن مشارح العاصمة حوالي 2300 جثمان لمجهولي الهوية.

 

ويردف زين العابدين أن التكدس المهول للجثامين، وانقطاع الكهرباء المتواصل وارتفاع درجات الحرارة إلى فوق 40 درجة مئوية، نجم عنه تحلل وتعفن للجثث، مع بدء ظهور الفئران التي تعيش على المخلفات والبقايا البشرية.

 

ويضيف "لا الإنسانية ولا تعاليم الدين الإسلامي ولا القيم السودانية ترتضي هذه الأوضاع، مما دفعنا لإصدار بإغلاق مشرحة بشائر، بحضور النائب العام وممثلين عن وزارتي الصحة والعدل".

 

ويشكو مدير إدارة الطب العدلي بالخرطوم من ضغط كبير تواجهه مشرحة مستشفى أم درمان (الوحيدة العاملة حالياً) مما قد يؤدي إلى إغلاقها في مرحلة لاحقة بحال لم يتم تدارك الوضع.

 

يعكس غياب الدولة

ويؤدي دفن الجثامين مجهولة الهوية، والتي يُعتقد بوجود أسباب جنائية وراء وفاتها، من دون تشريح وتقرير عدلي، إلى الإخلال بسير عمليات العدالة وفقدان ذوي القتلى لأي فرصة لإلقاء نظرة وداعية عليهم قبل مواراتهم الثرى.

 

ويحذّر رئيس "منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر"، فرح عباس، من وجود رغبة لدى أطراف في السلطة لطمس الحقائق الخاصة بمفقودي فض اعتصام القيادة العامة.

 

وتساءل عباس، في حديثه مع الجزيرة نت، عن أسباب عدم اضطلاع الدولة بمسؤولياتها في تشريح هذا الكم الكبير من الجثث، ودفنها بطريقة لائقة.

 

ويقول "تكدّس الجثث وتحللها إلى حد إغلاق المشارح يوضح حالة اللادولة التي نعيشها، ويبين إلى أي مدى يرخص الدم السوداني، بصورة لا تمكن ذوي القتلى من معرفة أبنائهم ومصير قتلتهم".

 

وفي السياق ذاته، يعبر المتحدث الخارجي باسم لجان مقاومة الخرطوم، حسام علي، عن خشيته من "إفلات الجناة في حادثة فض اعتصام القيادة العامة، والأحداث التي تلت استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021".

 

ويحذّر علي، في حديثه مع الجزيرة نت، من وجود توجّه لدفن الجثامين خارج إطار القانون، لطمس أدلة ذات صلة بتورط عسكريين في قتل المحتجين السلميين، على حد تعبيره.

 

وتفيد متابعات لجنة أطباء السودان المركزية، وهي كيان مواز لاتحاد الأطباء السودانيين، بسقوط 95 قتيلاً في الاحتجاجات المناهضة للسلطة وذلك حتى صبيحة 19 مايو/أيار الجاري.

 

ويطالب علي بتشريح الجثث الموجودة في المستشفيات، وكتابة تقرير عدلي عن ملابسات رحيلها، والاحتفاظ بنسخ من الحمض النووي "دي إن إيه" قبل دفنها في مقابر معلومة وفقاً لأرقام تسلسلية.

 

صعوبات تعترض تشريحها

من ناحيته، ينفى مدير إدارة الطب العدلي بولاية الخرطوم، بشدة، الاتهامات المصوبة إليهم بشأن تحقيقات فض اعتصام القيادة العامة، مشددا على كفاءة ومهنية منسوبي الهيئة.

 

بيد أن زين العابدين يعود ويشير إلى صعوبات بالغة تعترض مسار عملهم جراء القرارات الحكومية، والظروف الاقتصادية التي يعانيها القطاع الصحي، والتي حالت دون تشريح آلاف الجثث، خاصة بعد وصول عدد كبير منها إلى مرحلة التحلل.

 

بدوره، يقول المحامي المدافع عن حقوق الإنسان أيمن محمود، للجزيرة نت، إن مشكلة المشارح قد جرى تسييسها بشكل كبير، بصورة أخلت بأداء هيئات الطب العدلي.

 

وبحسب محمود، فإن الحل يكمن في تفعيل عمل اللجنة الفنية التي كوّنها مجلس السيادة في أبريل/نيسان الماضي لدفن الجثامين مجهولة الهوية. ويشدد على أن ذلك يتطلب اتخاذ كافة الإجراءات الطبية والقانونية بحضور الجهات ذات الصلة بما فيها ذوو ولجان القتلى والمفقودين.

 

شبهات جنائية

منذ إعلان إغلاق مشرحة مستشفى بشائر، تصاعدت التساؤلات عن تأثيرات الخطوة على أعمال لجنة التحقيق المستقلة في فض اعتصام القيادة العامة.

 

ويقر رئيس اللجنة المحامي نبيل أديب بوجود الجثامين في ظروف غير طبيعية "نتيجة لوجود شبهة العمل الجنائي".

 

ويقول أديب، للجزيرة نت، إنهم خاطبوا الجهات المختصة بضرورة عدم مواراة الجثامين مجهولة الهوية، قبل الرجوع إليهم، وأخذ العينات اللازمة.

وبدوره، يطالب مدير إدارة الطب العدلي بالخرطوم السلطات بتوفير الميزانيات اللازمة لتفريغ ثلاجات الموتى بالمشارح، وتأهيل وصيانة مقارها، وتزويدها بثلاجات جديدة، وفي مرحلة لاحقة زيادة أعدادها.

 

ويقول زين العابدين إن عدم المسارعة في إنجاز المعالجات سينجم عنه خروج كافة المشارح عن الخدمة، وكوارث صحية وبيئة، واختلالات في سير أعمال العدالة.

 

المصدر : الجزيرة

https://www.aljazeera.net/news/politics/2022/5/20/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d9%86-%d8%aa%d9%85%d9%88%d8%aa-%d8%a3%d9%83%d8%ab%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%b1%d8%a9

 

آراء