من مقرن النيلين إلى بلاد الحرمين (5): بين سحر المقاهي ومذاق المطاعم ..!! .. يرويها : صديق السيد البشير*

 


 

 

abumaha76@gmail.com
(1)
(لحن الإفتتاح)
أيا وطني تفدي ترابَك أنفسٌ
تجودُ بلا خوف الممات وخطبه
جمال بهِ في السَّهلِ أو بجباله
وسحر لرمْلٍ لامعٍ فوقَ كُثبهِ
ووحَّدهُ عبدالعزيزِ بِجُهدِه
وجُندٍ لهُ شقُّوا الطريق لدربهِ
وصرْناَ نفوق الغير فيه تقدما
‍وجزْنا بهِ الجوزاء في ظلِّ ركبه
بهِ قبلةُ الدنيا بمكة بوركت
وقدْ شعَّ نور الحقِّ من فوقِ تُربهِ
هكذا كان ينظم الشاعر علي الحازمي بمحبة أبياتا في عشق وطنه المملكة العربية السعودية ، التي مضت مجددا نحو التنمية والإستقرار وبلغت شأوا عظيما في الإزدهار والإعمار والتحول الرقمي ، ومواكبة مستجدات الحداثة والحضارة والرقي والتقدم ، وهي التي أراها بعين سائح قادم من مقرن النيلين إلى بلاد الحرمين ، وبخطى متسارعة ، قطع قطار تنميتها محطات بعيدة ومتقدمة نحو الهبوط على سطح القمر ، عملا ، علما ، ومعرفة ، ثم تمضي حكومتها حثيثا لتطبيق رؤية 2030 ، بحزمة متكاملة تسهم هي الأخرى في أن تصبح الرياض مركزا إقليميا لكبريات الشركات العالمية ، العاملة في مجالات التقنية والتجارة والاستثمار والتسويق والتنمية والسياحة وغيرها.
(2)
ومع زخات المطر التي كانت تهطل على أرض الرياض ، حين كانت شمس السبت تلوح بالوداع ، كنا قد خرجنا في جولة على أحياء الرياض ، من عتيقة العتيق مرورا بوادي حنيفة ، وغبيرا ، ثم البطحاء ، لنقصد حي (منفوحة) بصحبة بن أختي محمد الصادق محمد الصادق ووالده وبن عمي مهند محمود ، هذه أحياء تصنف شعبية ، سكانها وفدوا من بلاد آسيا والشام ومصر وأثيوبيا والسودان وغيرها. وتمتاز بعمران يمزج بين الأصالة والمعاصرة في تناغم عذب بديع ، المطاعم تقدم أشهى وجباتها ، آسيوية ، تركية ، عربية ، وأفريقية ، كما للمقاهي سحرها الأخاذ ، تقدم مشروباتها للزبائن بجلسات عربية وأوروبية ،
فهنا وعلى شارع الطيف ، مقابل مجمع منفوحة الطبي تقع قهوة الرفاعي السودانية المؤسسة منذ سنوات خلت ، والتي تعد مقصدا مناسبا لأهل السودان وآخرين ، يرتادونها بغرض الإستجمام وقضاء أوقات رائعة وجلسات عامرة بالإمتاع والمؤانسة ، تتخللها تناول القهوة بنكهة سودانية خالصة ، وأخرى مزجت بالزنجبيل ، يستعيدون معها ذكريات البلد والأهل ، ومشاهدة برامج رياضية وإخبارية وأفلام ومسلسلات تعرض على قنوات فضائية مختلفة.
وفق معلومات الهيئة الملكية لمدينة الرياض ، فإن "منفوحة" بلدة قديمة ولد فيها الشاعر الشهير أعشى قيس (من شعراء المعلقات) ، وهي اليوم حي من أحياء مدينة الرياض، وما تزال تحمل اسمها القديم، وقد وصفها ياقوت الحموي في “معجم البلدان” بقوله: “على شط اليمامة قرية في حجر اليمامة قبلتها من الوتر (وادي البطحاء) والعرض (وادي حنيفة) قد اكتنفها حجر اليمامة “. وكان لهذه البلدة حظ وافر من الشهرة لاقترانها باسم الشاعر الأعشى الذي ذكرها كثيراً في شعره، وقد روى صاحب كتاب “الأغاني” عن أحدهم، قال: “أتيت اليمامة فمررت بمنفوحةالتي يقول فيها الأعشى:
بسفح منفوحة فالحاجر
فقلت: هذه قرية الأعشى؟ قالوا: نعم، قلت: أين منزله؟ قالوا: ذاك، وأشاروا إليه، فقلت: وأين قبره؟ قالوا بفناء بيته.
والشطر المذكور من قصيدة الأعشى التي يقول فيها:
شافتك من قيلة أوطانها
بالشط فالوتر إلى الحاجر
فركن مهراس إلى مارد
فقاع منفوحة فالحائر
وجميع الأمكنة الواردة في هذين البيتين باقية إلى اليوم.
(3)
حين إنتصف نهار السبت 28 مايو 2022م كانت شمس العاصمة السعودية الرياض ترسل حرارة تجاوزت أربعين درجة ، ومحمد تاج السر محجوب يمضي بي لقضاء أوقات عذبة ، من خلال رحلات ممتعة ، سياحة وتسوق ، علما ومعرفة
، وجولات بين "العزيزية" و"البطحاء" ، ثم "غبيرا" ، فهي منطقة تشابه "عتيقة" و"منفوحة" في كل شئ ، سكان وافدون توزعوا بين عرب وعجم ، مارسوا التجارة والوظائف والعمل الخاص ، بجانب فروع لمؤسسات حكومية وخاصة ، تقدم خدماتها للجميع ، أغذية ، أدوية ، مشروبات ، وإتصالات وغيرها ، ثم مطاعم تقدم وجبات من المطبخ الآسيوي والسعودي والشامي والأفريقي.
فهنا وعلي الشارع العام بحي "غبيرا" ، كنت أقصد "ليالي السودان" فهو مطعم يقدم وفق عنوانه لزبائنه الكرام من الجنسية السودانية وغيرها أشهى الأطباق السودانية التي تطهى بحب عميق ومذاق يبدو ممتعا لي و الكثيرين ، مثل الفطيرة بالحليب أو باللبن المخثر ، أو القراصة ، والكسرة بالتقلية والنعيمية ، وسلطة خضراء وأخرى بالفاكهة ، بجانب لحوم بيضاء وحمراء تطهى وأخرى بنكهة الشواء ليتم تناولها بلذة ومحبة ، ثم عصائر ، أرز ، أقاشي ، أسماك ، وإيدامات ، في هذه الأجواء ، كنت هناك ضيفا على الصحفي محمد تاج السر ، شكرا له على كرم الضيافة والإستقبال ، ولكم المحبة والتقدير ، هكذا أمضي إلى حال سبيلي من مقرن النيلين مستمتعا ببلاد الحرمين.
(4)
في الثالث من يونيو 2022م ، الرابع من ذي القعدة 1443ه ، كانت شمس الجمعة الجامعة معتدلة الحرارة تستأذن بالمغيب ، كانت سيارة شقيقي حسن تطوي بنا عشرات الكيلومترات في سباق مع الزمن ، تلبية لدعوة ثلة من الإعلاميين السودانيين إتخذوا من السعودية ملاذا لهم منذ سنوات ، إحتفاءا بنا وآخرين قدموا حديثا إلى بلاد الحرمين من مقرن النيلين.
واجتمعنا هناك في مطعم ومقهى بنجوان بواجهة مميزة يفتح على شارع الضباب بحي العليا ، أرقى أحياء العاصمة الرياض ، بمساكن شيدت بطراز معماري جذاب ، وبين هذه المناطق يلفت مطعم ومقهى بنجوان زائريه بشكل خارجي جذاب ومن الداخل الهدوء يعم المكان ، الثريات وزعت بعناية ، والاستماع لمقاطع موسيقية كلاسيكية هادئة تريح الأعصاب ، وتضبط المزاج ، وطاقم مزيج من شباب و حسان يمتلئن نشاطا ، وحيوية ، وجاذبية تخطف القلوب والعقول والأبصار ، يقدمن لنا مشروبات ساخنة وباردة ، تنوعت بين قهوة وشاي ومياه ، بجانب أشكال مميزة من خبائز وفطائر معجنات ، صنعت بأياد ماهرة وذوق رفيع وقدمت بمحبة ، تداعى إلى ذات المكان من فئة 5 نجوم أو يزيد ، أكثر من عشرين سوداني وسودانية ، من أرض السمر والنيل ، جمعتهم محبة الوطن بنيله ورماله ونخيله ووديانه وتلاله وعاداته وتقاليده ، فضلا عن أواصر المهنة ، بجانب إحياء فضيلة التواصل والتراحم بين زملاء الإعلام (صحف ، راديو ، إنترنت ، تلفزيون) ، وترقية الأداء المهني العام لمنسوبيه ، ثقافة كونية ، وصحافة رقمية ، بجانب السعي لنشر الثقافة والفنون ، والمحافظة على التراث السوداني ، والتوثيق له ، وإحداث إختراقات في المجال الإعلامي على مختلف الصعد ، ونشرا للثقافة السودانية والتوثيق لها ، ووضع خطط لازمة لإنجاز شركة للإنتاج الإعلامي والتسويق الرقمي ، تسهم هي الأخرى في توظيف طاقات الإعلاميين السودانيين ، بجانب تبادل المنافع ، عملا ، علما ومعرفة ، هكذا هم أبناء مقرن النيلين في بلاد الحرمين.
(5)
(لحن الختام)
بمحبة الوطن الذي نحمله في حدقات العيون نمضي لنقول أنت عشقي ، ونردد مع لحن محمد وردي وغناءه العذب ، عذوبة كلمات أسماها مرسى صالح سراج (يقظة شعب) ، وسكب فيها عصارة قريحة أدبية ، جمعت بين الشعر الرصين والنقد الحصيف والترجمة المميزة ، (رحمة الله عليهما)
هامَ ذاك النّهرُ يستلهـمُ حُسنا
فإذا عبْرَ بلادي ما تـمنّى
طرِبَ النّيلُ لَدَيْها فتثنَّىَ
فأروي يا تاريخ للأجيالِ أنّا
ثائرٌ إذ هبَّ من غفوتِهِ
ينشدُ العلياءَ في ثورتِهِ
ما إندفاعُ السّيلِ في قوّتِهِ
عجباً مَن لهُ جندٌ على النّصر يُعين
كُلُّنا نفساً ومالاً وبنين
نـحنُ في الشِّدَّةِ بأسٌ يتـجلَّىَ
وعلى الوُدِّ نـضُمُّ الشّملَ أهلا
ليسَ في شِرعتِنا عبدٌ وموْلَىَ
قسَماً سنرُدُّ اليومَ كيدَ الكائدين
وحدةً تَقْوَىَ على مَرِّ السّنين
قلْبُ إفريقيا بِوَعْيٍ نابِضِ
حَلَّ مِنّا بالـجّنوبِ النّاهِضِ
مِن عدو الغابِ بِلَيْثٍ رابِضِ
قِدَمَاً هي كانت جنّة المستعمرين
مالـَهُم منها تبارَوْا هاربين
نـحنُ أبناء ملوك في الزّمان
توّجوا الفونج وزانوا كردفان
أفسحَ المجدُ ليهم خيْرَ مكان
نسباً نِعْمَ أجدادٍ بِهِم يزهو جبين
خُلُقٌ يسمو وعَزْمٌ لا يلين
شرقـُنا يوم اللقاء كيفَ سعَىَ
حينَ داعي البذلِ بالرُّوحِ دعا
كيفَ بالسَّيْفِ تحدَّىَ المِدْفَعَ
ودِمَاً بذَلوها ثرّةً لا تستكين
للخنا للقيْدِ للعَيْشِ الـمُهين
حِينَ خَطَّ الـمَجْدُ في الأرْضِ دُرُوبَ
عَزْمَ تِرْهاقا وإيـمان العروبة
عَرَبَاً نـحنُ حملْناها ونُوبة
بِدِمانا مِن خلودِ الغابرين
هُوَ يحدونا إلى عِزٍّ مُبِين
هـَمُّنا في العَيْشِ إقْدامٌ وجُود
وعنِ الأوطانِ بالمَوْتِ نذُود
لِنَرَىَ السُّودانَ خفّاق البنود
وغَدَاً سوفَ يَعْلو ذِكْرُنا في العالمين
فعُلُوَّاً كان شأنُ العامِلين
*صحفي سوداني مقيم بالمملكة العربية
السعودية

 

آراء