الشباب ديل بموتوا

 


 

 

تأمُلات

. قالت محدثتي إنها تعرف واحداً ممن يجندهم القتلة للمساعدة في قنص المتظاهرين.


. وأضافت أن الشريك الأصيل في قتل شبابنا قال لها إنهم يلجأون لطرائق مختلفة في تحديد شخصية الشاب المستهدف  مثل رفع علامة محددة كعلم السودان أثناء وقوفه بجانب الشهيد المحتمل لكي يقنصه قاتل ووحش كاسر يمشي بين الناس بلا ضمير أو حس إنساني.


. فقلت لها لمثل هذا كنت قد كتبت مقالاً بعد أيام من انقلاب البرهان أنبه فيه لضرورة توخي الحذر وعدم ظهور القيادات الشبابية في الصفوف الأمامية أو محاولة اخفاء ملامحهم أثناء التظاهرات.


. فالشيء الأكيد الذي لم يعد خافياً على أحد أن هؤلاء المجرمين لا يستهدفون بالقتل المتعمد سوى خيرة شبابنا.


. كل من قُتلوا خلال المواكب شهد لهم الناس بحسن الخلق والحس الوطني العالي وحب الخير للآخرين.


. هذه المشاهد المأساوية تكررت كثيراً وما زلنا كأجيال تكبر هؤلاء الشباب سناً نكتفي بالآهات وعبارات الحزن والكتابات المؤثرة قبل أن نمضي لحال سبيلنا وكأن فقدان حيوات هؤلاء الشفع اليفع صار أمراً لابد منه.


. فلا تكفي أمام مثل هذه المآسي اليومية عبارات الحزن ولو ملانا بها المسافة بين الأرض والسماء.


. كما أن المواكب وحدها لن تسقط هذا الإنقلاب الدموي وإن استمرت لسنوات.


. وقبل أن نناقش الوسائل الأخرى التي كان من المفترض أن تصاحب هذه المواكب منذ زمن علينا أن نقر ونعترف بقصورنا الكبير في تقديم الدعم القوي والفاعل لهؤلاء الشباب الذين قدموا دروساً لا تحصى في حب الوطن دون أن نتعلم منهم شيئاً.


. صحيح أننا نتعاطف معهم ونشيد في جلساتنا بجسارتهم وإصرارهم وعزيمتهم التي لا تلين، لكن هل يكفي ذلك!


. بالطبع لا.


. وهذا الانقلاب لن يسقط بالشعارات ولا بكتاباتنا الحماسية ولا بنشر وتداول المقاطع المؤثرة والأشعار الوطنية القوية.


. فكل ما تقدم لابد أن يصحبه عمل جاد وحشد للطاقات ومساعٍ جادة لتوحيد الصفوف وتوعية بعض البسطاء الذين لا يزال بعضهم يردد عبارات من شاكلة " عهد البشير كان أفضل".


. لكننا للأسف نبرع كثيراً في الكلام ونفشل حد الفشل في اتخاذ الخطوات العملية الجادة التي من شأنها أن تعجل بعملية التغيير.


. وحتى لا يبدو كلامي نظرياً سأحدثكم عن تجربة مجموعة واتس أب لبعض الصحفيين وأرجو ألا يغضب مقالي هذا الزملاء بالمجموعة المقصودة لأننا إن لم نمارس نقداً ذاتياً لتصرفاتنا فعلى الدنيا السلام.


. بعد محاولة حميدتي لإستغلال الرياضيين في إيجاد شعبية له ولمليشيته هاتفني الزميل أبو بكر عابدين للتشاور حول إمكانية القيام بعمل لمناهضة محاولات الزج بالرياضيين في أنشطة تدعم الانقلابيين.


. واتفقنا على البدء بتشكيل مجموعة واتس أب حددنا لها أهدافاً واضحة.


. وبعد ضم الكثير من الزملاء والزميلات العزيزات للمجموعة تم التذكير مراراً وتكراراً بأهداف هذه المجموعة وأوُضِح للجميع الحرص الشديد على أن تكون المجموعة مختلفة، وضرورة أن يتفق أعضاء القروب على أعمال ميدانية والتحرك وسط الرياضيين بمختلف فئاتهم من أجل خلق موقف موحد ضد هذا الانقلاب.


. واتفقنا أيضاً على أن الكتابة وحدها لا تكفي ولذلك لابد من تكوين مجموعات تنشط ميدانياً لنشر رسائل الوعي مع السعي لإيجاد وسائل لتعزيز التضامن حتى لا يستغل الانقلابيون فقر وعوز بعض الرياضيين.


. فما الذي حدث بعد ذلك!!


. لم يتحقق ولا واحد من الأهداف المرسومة واكتفت الغالبية بنشر الأخبار والمقالات، دون أن نقوم ولو بفعل جاد واحد.


. وأذكر أن هذا الأمر تكرر قبل سنوات طويلة إبان هبة 2015.


. فوقتذاك تشكلت مجموعة أيضاً لجمع أكبر عدد من توقيعات الزملاء المؤيدين لخطوة العصيان المدني وقد وقع الكثيرون بالفعل وكان التفاعل سريعاً.


. وقتها طُرحت فكرة تشكيل مجموعات من ثلاثة أشخاص معروفين وموثوقين في كل حي لتتوسع المجموعة تدريجياً لكسر الأطواق الأمنية التي كانت محكمة وقتها.


. ورويداً رويداً كان من الممكن نشر أكبر قدر من الوعي وسط المواطنين وكسب أعداد هائلة من الثوار ليبدأ أهل كل حي بعد ذلك في تنظيم أنفسهم.


. لكن لم يتحقق شيء من ذلك أيضاً.


. وإن تصرف قادة الرأي على هذا النحو فلك أن تتخيل عزيزي القاريء حال بقية فئات المجتمع.


. أخلص مما تقدم إلى أننا شعب يفشل في اتخاذ الخطوات العملية الجادة ونكتفي بالتنظير ليدبج الكاتب مقالاته ويكثر السياسي من خطبه الرنانة ويسفسط المفكر دون أن نسوق الناس بإتجاه الفعل الجاد والعمل الميداني.


. لهذا صرت أشعر بأننا نقابل تضحيات هؤلاء الشباب بالمزيد من الشعارات البراقة والتنظير الذي لا أظنه سيفضي لشيء ملموس.


. ولو كانت هناك جدية في احداث التغيير ودعم هؤلاء الشباب الكواسر فلنبدأ بأهم خطوة عملية تتمثل في افساح المجال لهم.


. وما دمنا نتحدث كل يوم عن جسارتهم وأفكارهم الخلاقة وابداعهم وقدرتهم على التكيف مع الظروف فما الذي يمنع قادة أحزابنا الكبار أن يتنحوا جانباً ويمنحوا هؤلاء المبدعين فرصتهم لقيادة هذه الأحزاب بوصفهم الأقدر على التفاهم مع أندادهم المستقلين في كل الأحياء والشوارع!


. الطريقة المثلى في رأيي لتحقيق الهدف المنشود هي أن يحترم الكبار ويقدروا تضحيات هؤلاء الشباب الذين نفقد أرواحهم الغالية كل يوم بالتراجع للصفوف الخلفية في كل مجال، وأن نثق في قدرة شبابنا على تحقيق ما عجزت عنه أجيالنا والأجيال التي سبقتنا.


. هذه هي الطريقة الوحيدة في نظري لتغيير واقعنا المرير.


. أما أن يستمر الشباب في التضحية بأرواحهم العزيزة مع إصرار الكبار على تصدر المشهد في مختلف المجالات فهذا ما لا يقبله عقل أو منطق.


. فهذا السودان ظل محله سر منذ الاستقلال، ولو كان في الكبار ولو القليل من الأمل والرجاء لما وصلنا لهذا الدرك السحيق.


kamalalhidai@hotmail.com

 

آراء