امدرمان … عندما يحكم الغسال بالإعدام

 


 

شوقي بدري
14 July, 2022

 

الى الاخ الابن جناب ضابط البوليس أحمد الزبير جاه الله ابن امدرمان مع التحية والاحترام .
بعد تواصل قبل يومين ذكرني باخيه شرطي المرور ابو داؤوود الذي ذكرته في كتاب حكاوي امدرمان، لانه كان حيب امدرمان يفرح الناس لمشاهدته مهمته كانت المساعدة والعلاج وليس النهب والاضرار . والده الزبير جاه الله والعم وبطل طفولتنا الشاويش ميرغني والشهيد راخي شجر مطر . وكما عرفت من اخيامد الزبير جاه الله ان الثلاثة قد استشهدوا اثناء تأديتهم للواجب في 21 اغسطس 1961 في حوادث المولد عندما اتو بالانصار المخدوعين بعد أن سلم حزب الامة بمعرفة على الميرغني السلطة لحكومة عبود في 17 نوفمبر 1958.
الابطال الثلاثة قبورهم متجاورة في البكري بالقرب من قبري الازهري ومبارك زروق بالقرب من استراحة ابو العلا .
الاتصال الكريم من اخي احمد الزبير جعلني اقضي الليل وانا افكر في امدرمان ووجدت نفسي افكر في الغسالين في امدرمان .
اسعدني الحظ بمعرفة اغلب قطاعات المجتمع الامدرماني ، من الاغنياء رجال الدولة ، رجال الدين كبار الموظفين الحدادين الميكانيكيين العجلاتية الى النشالين صغار المجرمين الكناسين عمال الصحة والشحادين واثنين من المجذمين هما كمال في العرضة ورمضان بالقرب من دكان الجبرتي . الغسالون مجموعة من سكان امدرمان قدمواعظم الخدمات لمجتمعهم . وجد الكثير منهم الاحترام والتقدير امتازوا بالامانة والصدق والاهتمام بملابس ممتلكات الزبائن . في بعض الاحيان يعيدون النقود الورقية التي قد نسيها الزبون في جيب البنطلون او الجلابية . امدرمان علمتنا أن الجميع اخة لا شئيفرقك من الآخرين .

هنالك قصة غسال امبدة الذي كان السبب المباشر في اعدام قاتل حقير لم تتعاطف معه امدرمان وهلل الناس عندما حكم عليه بالاعدام . اذكر أنه حتى والدتي العطوفة كانت تبدي رضاها بمصيره .
القاتل ترصد بسيدة يذهب زوجها للعمل ويتركها مع طفلها الصغير . اخرج الطفل من الغرفة وقام باغتصاب الوالدة ثم قتلها . والدتي كانت تعود للطفل الذي لم يستطيع الرجوع الى الغرفة المغلقة بعد انصراف القاتل وتعرض جسم الطفل للتسلخ بسبب وجوده تحت الشمس الحارقة قبل أن يحضر والده من العمل . ما تعرض له الطفل الصغير جعل الناس يغلون من الغضب .
مصيبة القاتل انه كان قد نزع جلبابه لارتكاب جريمته البشعة ، الا انه قد ارتدي جلباب زوج القتيلة اثناء اضطرابه بعد جريمته . اكد الزوج للشرطة أن الجلباب لا يخصه . استعان البوليس بالغسال لأن الجلباب كان يحمل علامة بقلم الكوبيا كعادة الغسالين. تلك العلامة تختلف من زبون الى زبون ، وتمثل الرقم الوطني للجلباب وكل الملابس . وبسهولة دل الغسال الشرطة على صاحب الجلباب ....... الغسال اصدر حكم الاعدام .
اول غسال ارتبط بذاكرتي هو العم عمر الذي كان دكانه في مجموعة دكاكين الطاهر خال العيال , وتلك المجموعة من الدكاكين كانت في بيت المال حى السيد المحجوب. اكبرها كان دكان الطاهر خال العيال . الاسم عرفت به كل الاسرة الكبيرة كتاجر كريم متساهل واسمه الاصلي هو عوض الكريم زوجته بت كراوية بت ابتر من الدناقلة وابتر هو جدنا الاكبر ومن كان باشا في الحكومة التركية . عوض الكريم الجعلى اصيب بوعكة وسلم الدكان لابناء اخته الذين من يتساهلوا مع الزبائن واوقفوا الدين . بعد أن تعافى عوض الكريم عاد لدكانه . بدأ النساء في نشر الخبر الجميل .... خال العيال جا .... خال العيال جا ....
العم عمر كان يستعين باثنين من الشباب الاقوياء ويتفرغ للونسة مع الزبائن وجلساءه اما الدكان الذي كان يفتح جنوبا ويواجه طاحون بيت المال الضخمة . من جلساءة الدائمين الخالة حليمة بت بشا من اشهر ستات الظار في امدرمان لها نظرات نفاذة وشخصية قوية . قالت لى الاستاذة ام سلمة خال العيال ف يدبي انهم كانوا يخيفونم وهم اطفال باخذهم الى حليمة بت بشه وتتوقف الشيطنة .
لحليم اخت هى من الله التي كانت على رأس فرقة النظافة في سوق امدرمان . وعرفوا بالقشاشات ولهم مرتبات جيد لا تقل عن مرتب الرجال . الانجليز كانوا يعطون فرصا للنساء في العمل الشريف ويوظفون حتى المكفوفين في المخازن والمهمات وينحصر عملهم على عد الكتب الكراسات الأقلام الطباشير وتعبئته في صناديق او كراتين .

حبل غسيل العم عمر كان يمتد على شعبتين من منزل آل نقد ودكان الاخ عوض شمشوم الي دكان الطاهر خال العيال على طول الحائط . ولم يكن الصبية يلعبون كرة الشراب عندما تكون الملابس على حبل الغسيل .
الاسعار كان قرشين للقميص غسيل ومكوى . الجلابية 3 قروش التوب خمسة قروش . بنطلون الصوف بسبعة قروش . وهذا يشمل ازالة البقع بالبنزين والكي بالشاش المبلول حتى لا يتأثر القماش الصوفي . وأخيرا عاد السودانيون لعقلهم واقلعوا عن ارتداء بناطلين الصوف في بلد صحراوي وكان قماش ،، الترلين ،، الفنلة والاقمشة الاقل حراة والتي صارت معروفة في بداية الستينات ويمكن غسلها .

الأخ فاروق حاج الامين زميل الدراسة الحى ، والامدرماني المتفرد وممثل المسرح المدرسي طيب الله ثراه عاد من المانيا و مع شقيقه الشاعر السفير عبد المجيد حاج الامين اتوا باول ما عرفنا من الغسيل الجاف والغسيل بالبخار الخ .الشاعر عبد المجيد محمد حاج الامبين هو مركز تجمع الادباء والشعراء منهم الكابلي والشعراء صديق مدثر وتاج السر الحسن الخ
العم ،، ق ،، كان الغسال المشهور في الموردة . كان محبوبا ومن معالم الموردة . عرف بخفة الدم وصداقة واحترام الجميه . ما أن جلس مع بعض كبارات اهل الموردة حتى اتاه صبي وقدم له دفتر البرنسيس الذي يساوي تعريفة ويستخدم في لف السجاير الخاص . قال الصبي يا عم .... ده وقع منك . فقال العم ..... اسي لو دي طرادة ،، 25 قرش ،، ومرسوم فيها صورة عمك ... شايل المكوة كان حترجعها ؟ مالك على ؟

نحن العبسنجية نتمتع باشياء غير عادية وطعم خاص . الغسال في فريق فنقر بالقرب من دكان ود اباري وجامع قدح الدم وضع يافطة .... مواعيد مظبوط غسيل نضيف مكوة سيف . اخي الاصغربابكر ابراهيم بدري صار صديقا لعبد الرحمن ناصر بلال والذي استمتع بخفة الدم وهو من ظرفاء امدرمان مثل شقيقه عبد الله صديقي اللصيق واظرف ظرفاء الموردة عباسية قبل ان يأخذه الجيش وشقيقهم الاكبر هو رفيق دربي ومن يحمل اسمه ابني عثمان . عبد الرحمن كان لاعب كرة ممتاز كان من المفروض أن يكون لاعبا كبيرا الا انه اتجه الى الموسيقى مثل شقيقه محمد سكسيف عازف السكسفون . اخي بابكر كان يحكي لى كيف كان عبد الرحمن المشاغب يغيظ الفريق المنافس بعد تسجيل هدف صارخا .... مواعيد مظبوط غسيل نضيف مكوى سيف .عباسييييييية

صابون ،، تايد ،، ظهر في سنه 1953 في شكل مسحوق. وكان هذا مع بداية الحكومة الانتقالية التي مع بدايتها طبق قانون تفكيك الاستعمار واحتكار التجارة واطلاق سياسة حرية التجارة الملزمة لبريطانيا وكل الدول الاستعمارية باستقلال الشعوب . واتتنا مشربات مثل الكيتي كولا السينالكو ثم البيبسي كولا والكوكا كولا والسيارات الالمانية مثل الفولكسواجن الخ وكانت تساوي 320 جنيها فقط من الشركة . وسبقت التايد دعاية مكثفة . وكانوا يقولون ان الانسان لا يحتاج لدعك وسيقوم المسحوق بعملية الغسل ، وتطير الغسالون في البداية .
تلك كانت بداية الفلهمة وانتشر الراديو وكبرت تطلعات السودانيين خاصة في المدن الكبيرة . عبد المجيد عمل عندنا في المنزل لفترة كان متوازنا ويفرض الاحترام على من يتعامل معه . بعد فترة قصيرة وبناء سوق حى الملازمين ظهر عبد المجيد وهو يدير اول محل غسيل حديث. كان الدكان يفتح شمالا في مواجهة منزل آل بتي والدكتور الهادي النقر ومنزل آل المغربي قبل أن ينتقلوا الى منزلهم الذي كان تحت التشييد القرب من منزل حكيم باشا المستشفى في الملازمين والذي صار مكتب الجوازات .

عبد المجيد كان يستخدم صابون تايد في ماكينة الغسيل الكهربائية التي شاهدناها لاول مرة . وعلى راسها اسطوانتان يلفهما الانسان بمقبض ليقوم بعصرالماء من الملابس . قبل نشرها . في البداية كنا نستمتع برؤيته يتحكم في ذلك الاختراع العجيب . صرنا من الزبائن وكان يحاسب بالقطعة وفي بعض الاحيان لا يحسب قطع الاطفال الصغيرة .

ابريدة صا من غسالين امدرمان . عرفناه عندما كان معنا في المنزل وبينما هو يقوم بنشر الغسيل فتحت حقة التمباك وانا في الثامنة واخذت سفة . وكان من صار صديقي فيما بعد ابراهيم اب دقن السائق يتابعني من خلف نظارات ،،ابو مراية ،، وكنت اظن انه لا يراني. بعد أن تقيأت اتى البخور وتحدث البعض عن العين . الا أن ابراهيم اتى وقال لهم مافي عين وكلام فارغ ، اخد سفة من حقة ابوريدة . وعندما سألوه لماذا لم يمنعني ؟ رده كان علشان يتأدب . وتاني ما حيسف كل حياتو .

ابراهيم كان مميزا في لبسه وفي بعض الأحيان يرتدي بدلة كاملة بالكرفته كان صاحب مزاج . وقد يسوق السيارة بقدمة عندما لا يكون معنا احد الكبار . صرت اقابله في منزل ،، تورو ،، في بانت احد اساطين الكمخ ومخخنجي كبيرن ويسوق ابراهيم سيارته التاكسي . من العادة أن يعمل السائق لمدة سنتين ثم يتحصل على رخصة تاكسي وينتقل الى التاكسي . ابوريدة صار غسالا امدرمانيا خارج منطقة السوق . في منطقة السوق اشتهر غسالان . وهما آدم الغسال الذي اعطاه المفتش برمبل رخصة وصار له دكان غسيل ومكوى . الزم جميع الجزارين بارتداء المريلة النظيفة وتغطية اللحم بملاءات لوقايتها من الذباب الذي ينشر مرض الدسنتاريا الذي قضى على الكثر من السودانيين وكان يسبب ما عرف ب ،، العصرة ،،. وهذا مغص حاد , كان يدفع البعض الى الذهاب الى ،، ود نكير ،، الشخص الوحيد الذي كان يبيع الافيون في امدرمان . الافيون كان يخدر ذلك الالم .

امام دكان آدم الغسال كان يجتمع البعض للدردشة وتبادل الاخبار احدهم كان الفنان فضل المولى ،، زنقار ،،. وسمعنا انه بعد اختلافه مع احد الشيالين الذي كان من المفروض أن يصطحبه معه الى القاهرة قام باستبداله بآخر . وانتهى الامر بأن قتله الشيال بسكين .
عبد القادر ابو الدرداق كن له دكان مكوى غرب سوق الحداحيد ويسكن في نفس المنزل الصغير . ابو الدرداق كان قد تعرض لحريق ترك آثاره على رجليه وجسمه عنما كان يعمل في طرمبة بنزين موبيل اويل . كان يقوم بييع الصنف الرخيص ويساعدة في الغسيل والمكوي والبيع نلسون ، الذي غير اسمه بعد فترة الى ابراهيم وصارمنفتحا يحب المزاح والضحك ......صار امدرمانيا كامل الدسم.

الغسال الذي كان أحد سكان منزلنا وجزءا من حياتنا هو محمد عبد الجليل الانصاري ولقد كتبت عنه اكثر من موضوع .

اقتباس

مأتم الجنرال

مع الفجر خرج الجنرال الفاتح عبد العال بقامته المميزة من منزله شمال المجلس البلدي . والحي عرف قديما بحي اليهود . كانت وجهة الجنرال منزلنا في منتصف الشارع ويجاور قبة الشيخ دفع الغرقان .وبصوت حزين قال الجنرال لاختي نضيفة ,, محمد عبد الجليل اسلم الروح ,, محمد عبد الجليل او محمد الانصاري كان من سكان منزلنا لاربعة عقود ولكن تلك الليلة كان محمد عبد الجليل طيب الله ثراه يقضي الليلة مع اسرته الاخري . محمد عبد الجليل كان غسالا يالقطعة . تعتبرة عدة اسر في امدرمان احد افرادها . .
نضيفة متعها الله بالصحة هي امبراطورة منزلنا نهابها ونحترمها قبل كل الرجال والنساء . وهي مثل نساء امدرمان تحل وتربط . ووصيتها للاخ الفاتح عبد العال ان يتوجه الي الاذاعة لكي يعلن خبر الوفاة وان يزكر اسم بلدته الرماش بالقرب من سنجة . وفي نفس اليوم حضر اهل محمد عبد الجليل للمأتم في منزل الجنرال .وسكنوا مع الاهل . واتي المعزون لمأتم الجنرال .
محمد عبد الجليل ترك الرماش وهو صبي بعد ان ضاق بقسوة زوجة ابيه الذي لم يكن يتواجد كل الوقت في المنزل ، بسبب مشاغلة . وطلب من سائق اللوري ان يساعده في ايجاد عمل في امدرمان التي تفتح زراعيها للجميع كما عملت مع جدودنا . والسائق كان يعرف ان طباخ آل,, ابو العلا ,, يحتاج لما عرف قديما ببنجوس . وهو الصبي الذي يساعد في المهنة . ومحمد كان يقول انه بالرغم من اجتهاده ,, شغلة التبيخ دي اصلو ما ركبت لي ,, وانتهي به الامرممارسا عملية الغسيل والمكوة في منزلنا . وصار صديقا لمئات الناس احدهم هارون الغسال في حي الامراء .ولكن صلته لم تنقطع بآل ابو العلا . وهو الذي اطلق اسم بنجوس علي الدكتور محمد عبد الحميد شقيق السيدة سلوي عبد الحميد زوجة اللواء الفاتح عبد العال، وهم من آل ,, ابو العلا ,, .
اللواء الفاتح هو شقيق المناضلة محاسن عبد العال واحسان عبد العال وهما زوجات الاقتصادي بابكر بوب والمهندس عمر بوب رحمة الله علي الميتين والحيين . والدتهم هي زينب بت الناظر وهي وشقيقتها آمنة من المتعلمات ويتقن اللغة الانجليزية . وشقيقتهن الخالة عشة والدة المناضلة فاطمة احمد ابراهيم . وشقيقهم اول سوداني يصير مديرا للسكة حديد ، العم محمد الفضل زوج وردة اسرائيل شقيقة سكرتير نادي الخريجين الاستاذ ابراهيم اسرائيل . وكل هؤلاء وعشرات الاسر الامدرمانية كانت تعتبر محمد الانصاري احد افرادها .
محمد احب امدرمان واحبته امدرمان . اكثر ما يبهجه ويجعلة يقفز كالطفل كان حضور ام سلمة ابنة الصادق المهدي الي منزلنا ، فهي صديقة شقيقتي لمياء . وكان يسعده الذهاب الي قبة المهدي والجلوس تحت الحائط واحتساء كوب شاي . كما كان يحب الذهاب الي مشاهدة صراع النوبة في حمد النيل . ويأتي ليحكي لشقيقي يوسف كل تفاصيل المنافسات . وعندما صاروا يأخذون رسوما للدخول ، صار محبطا . فطلب منه شقيقي العميد ان يبلغ صديقه الاخ حسن سعيد النور بانه خال العميد . فاعطاه حسن كرتا اكراميا للدخول .
حسن هو اول من بدا معرضا للموبيليا في شارع الاربعين . وكان قبلها يرسم ويلون الزهريات في كشك بالقرب من مدرسة امدرمان الاميرية . كما ظهرت رسوماته في دربوكات دار فلاح للفنون الشعبية ، وصار هذا تقليدا.
بعد وفاة والدتي ووفاة الشنقيطي الذي كان يربطه حب واحترام مع محمد عبد الجليل ولا يذكره محمد الا بالملك ، صار المنزل العامر كحال الدنيا . وطلبت منه اختي الهام ان ينتقل معها الي الخرطوم اثنين ، ولكنه رفض ان يترك امدرمان. والشنقيطي قال لي عندما دعوت الي اجتماع مجلس ادارة في نهاية الثمانينات في مكتبنا في شارع واحد العمارات ، وكان موظفا في وزارة المالية. ,, انحنا ما حصل قطعنا كوبري بالليل . اجتماعكم ده يا تسووه بالنهار يا تسووه في امدرمان .
صديقي عبد السخي السمكري في زقاق الصابرين قال لي انه ذهب الي الخرطوم في اكتوبر . والبقية لم تذهب ابدا للخرطوم ، يسووا شنو ؟؟ شقيقي يوسف لم يذهب الي الخرطوم من قبل اكتوبر .
منذ الصيف وانا اتذكر محمد ، فعندما كان ابن اخي شهاب الدين في زيارتنا كان يجتر الزكريات مع ابن شقيقتي محمد صلاح المولود في لندن وشهاب الدين امه اسكندنافية ومولود في السويد ، ولكنهما ترعرعا في امدرمان ودرسا سويا في مدرسة المجلس الافريقي . ويدور حديثهما كثيرا عن محمد عبد الجليل وهو صغير . وكان شهاب يتعرض للضرب من محمد الانصاري ويبكي . وعندما يكون عاليا في البلكونة ، وهو متأكد من ان محمد لن يصله ، يبدا في وصف محمد ب ,, دوما ,,. وهي نفس الكلمة الانجليزية دام . وتعني بليد ولكن بالسويدي . والالف للتعريف وتعني البليد او السيئ. وتستمر المناكفة لمدة طويلة . ومحمد يمارس عمله في غرفة المكوي . ويقول له تهمة انا يا شهاب ؟ تهمة ليه انا سارق ولا حرامي ؟

عندما كنت اسأل شهاب عن السبب ، اعرف ان شهاب كان صغيرا وعندما يرجع من اللعب في الشارع وهو مغطي بتراب امدرمان وهو عرقان وحران ، ولا يستطيع ان يقاوم التياب السودانية بالوانها الجميلة والماء الذي يقطر منها . ويبدأ في الدخول بينها وعيونه مفتوحة مستمتعا الالوان والرطوبة . وقد يصل السلم راكضا الي امه التي لاتؤمن بضرب الاطفال قبل ان يقبض عليه محمد الانصاري ، و السير يكون في انتظاره .

شهاب الدين الآن بلحيته الطويلة وغرة الصلاة ووقاره ، يبدوا مختلفا من ذ لك الطفل . ولكن المرض بتاور . ففي بعض الاحيان يبرز ذالك الصبي الامدرماني بالرغم من انه متزوج واب ، ومسؤول في جامع يوتوبورج . وزوجته السويدية ووالدته وشقيقتة لايؤخرن فرضا . وهؤلاء لايعتبروت الدين قشرة اووسيلة . ولكن لسانه الرباطابي يجد حريته . ويذكر محمد عبد الجليل ويتذكر تلك الايام الجميلة ويحن الي امدرمان كثيرا . ويقضي شهورا مع عائلته في امدرمان ويخطط لشراء شقة .

لم اري محمد خارجا عن طوره الا مرة واحدة في حياتي . محمد كأنصاري متشدد لم يكن يؤمن بأن الامام الهادي قد قتل ، ويؤمن بأن الامام سيعود . وعندما نقل الصادق رفاة الامام لكي يسمح لنفسه بأن يكون اماما ، اتت اختي حفصي كنتباي ابو قرجة المشهورة بالعمدة . وهي عمدة اسرتنا وكل امدرمان . واكدت العمدة لمحمد ان الامام قد مات وان رفاته دفنت في القبة . وكان محمد يصرخ في وجهها رافضا كلامها . مما اضطرني مع حبي واحترامي ان احتد معها واطلب منها ترك محمد في حاله.

ـــــــــــــــــــــــــ
الرائع الشاعرصلاح احمد ابراهيم في ملحمته الحاجة يتكلم عن شقاء ورهق اهل غرب افريقيا الذين نعرفهم بالحاج والحاجة . وكثير منهن يعملن كغسالات في البيوت وهن في طريقهن الى مكة المكرمة .

نقرت بابهم في أمل

تتساءل هامسة عن عمل

فأطلت لها امراة ذات صدر جهام

وكفل

مستقل، مهيب ، ثقيل

كلما حركته احتفل

واشمخر بها فتميل

ادخلى فلدينا غسيل

دخلت ورنت فى قلق

الملابس مردومة كالجبل

والملاءات فى كومة ، لوجمل

حملوه بها لنفق

وهى لا تعترض

كلهم يفترض

إنحنت فوقها باركة

صبت الماء يغلى وبالقدمين مضت داعكة

وبكى طفلها لم يذق

لبنا ، ثديها محترق

نهريه مراطنه فاستنام

واتوا بمزيد لها - لم تقل

كثير.. فكل كثير قليل

على حاجة مثلها ذات ثوب خلق

وجسم نحيل

يصنع المستحيل

لو انفلق الصخر لا ينفلق

وعند الغروب

نفحوها الذى يتّفق

حزمت طفلها فى شحوب

وانثنت لتؤوب

هالكة

فى أزقتنا الحالكة

إنها الحاجة
شوقي

shawgibadri@hotmail.com
/////////////////////////

 

آراء