السودانيون والحصاد المُر !!

 


 

 

يقول بيت الشعر: ازرع جميلاً ولو في غير موضعه ... فلن يضيع جميل أينما زرع، وعلى عكس مقصد هذا البيت يكون الحصاد سلبياً في حال أنك قمت بزراعة السوء، فعلى مستوى الأفراد والجماعات يخطط أرباب الأسر من أجل مستقبل زاهر لأطفالهم الصغار اليوم الكبار غداً، وكما يقول الفيزيائي والعبقري الرياضي إنشتاين ما معناه أنك لن تحصل على نتيجة مغايرة في حال اتباعك لخطة واحدة من غير تطوير ولا تحديث أو مراجعة، وحينما نُسقط هذه النظرية على تجارب الحكم في السودان يراودنا الإحساس القوي، بأن العلّامة إنشتاين لم يقصد بنظريته هذه سوى الساسة وأئمة الحكم في بلادنا، فقد ظلت البلاد ومنذ اليوم الأول لرفع العلم تراوح مكانها بين إنقلاب عسكري وحكم مدني قصير الأجل، والمنظومات الحزبية والطائفية والدينية والأيدلوجية يردد قادتها بببغاوية مثيرة للشفقة، الشعارات الدخيلة على الثقافة والفلكلور الشعبي السوداني التي عفا عنها الدهر، فلم يستطع أساطين المنظومات الحزبية من تقديم الحلول الناجعة للمشكل السوداني ولم يتناغموا مع الوجدان الجمعي، هؤلاء الأساطين الذين بشّروا بتعاليم سيد قطب وحسن البنا وماركس ولينين وميشيل عفلق وعبد الناصر ومحمد بن عبد الوهاب، وكان ومازال كل هم هذه المنظومات الحزبية تناول شئون الحكم من باب الترف السياسي والمحاكاة، لم يبتكر منظرو هذه المنظومات - عبد الخالق وحسن والصادق والميرغني وبدر الدين - شيء ذا بال.
المحصلة النهائية لحصاد السنين المر هي هذه الحالة البائسة المعيشة اليوم والانهيار الكامل للدولة، ونذر الحرب الأهلية، بعد أن سطا على جهاز الدولة الجاهلون والفاقدون للتربية والمؤهل التربوي، فتضعضعت المنظومة الأمنية المؤسسة على الحزبية والجهوية، والمخترقة من المخابرات الدولية والإقليمية، هذه النتيجة لم تأت من فراغ ولم تنبت شيطانياً، بل هي نتاج عمل عشوائي غير منظم وتلاعب بمقدارت الدولة من عسف واعتداء على الناس والمال العام، وتكبر واستعلاء عرقي وجهوي أجوف جعل من القبيلة والانتماء الجغرافي بديلاً للعمل النقابي والمهني المنظم، فما يجري من خطف لممتلكات المواطنين في وضح النهار ليس أمراً مدهشاً، لأن التلاعب بأجهزة الجيش والشرطة والأمن بدأ منذ زمان بعيد، منذ أن تمت صناعة أجهزة ملائشية موازية للجيش والشرطة والأمن – دفاع شعبي وشرطة شعبية وأمن شعبي، فما يحدث اليوم قد بدأ التجهيز له والتخريب من أجله منذ اليوم الأول لحكم الجبهة الاسلاموية – المؤتمر الوطني، ذلك الحزب الذي قيل عنه أنه (حزب قائد لوطن رائد)، لقد عمل هذا الحزب الماسوني على تخريب منظومة القيم الاجتماعية والدينية السودانية منذ أمد بعيد، فنشر الفساد المالي والاداري والانحلال الأخلاقي وشجع الشباب على تعاطي المخدرات والسرقة والإلحاد والمثلية الجنسية والدعارة، ما أدى لاعتناق المسلمين المسيحية هرباً من قذائف الأنتونوف القاتلة.
كان الطيار الحربي الإسلاموي القبلي والعنصري المغرور، الذي جندته الجبهة الاسلامية غير القومية منذ أن كان طالباً بالمدارس الابتدائية والوسطى، هو نفسه قائد الطائرة الأنتونوف العسكرية قاذفة اللهب، وبكبسة زر من يده السمينة غير الأمينة واللاحمة بفتات موائد التنظيم التخريبي الإسلاموي القبلي والعنصري البغيض، الذي أهلك ملايين الأبرياء القاطنين للبيوت المؤسسة من القش السهل والسريع الاشتعال بدارفور وجبال النوبة والأنقسنا، تخيلوا معي يا سادتي أن مثل هذا القاتل المختبيء وراء المؤسسة العسكرية، ما زال يحسب نفسه أنه بأفاعيله الشنعاء تلك كان يظن وإن بعض الظن سوء أنه يتقرب إلى الله زلفى، يا أعزائي هكذا وصل بنا الحال اليوم من أوضاع مثيرة لشفقة العدو (الكافر) قبل الصديق (المسلم)، وهكذا جنينا أشواك الحصاد المر الذي تذوق طعم جرعات سمه الزعاف اللاجئون والنازحون والفقراء المعدمون، وسوف يدفع ثمنه كل من اعتلى كرسي الحكم ولم يقدم حلاً لهؤلاء البائسين، وكل من صمت لسانه عن قول كلمة الحق واستحت نفسه من التعبير برفض ما طالها من جور وظلم، فالمظلومون تربطهم عدالة القضية وتفرّقهم الجهوية، فهم موجودون ببورتسودان وكجبار وحلفا والأنقسنا وجبال النوبة ودارفور، لقد سأل الصحفيون يوماً أيقونة النضال والثورة العالمية تشي جيفارا، لماذا يقاتل وسط غابات إفريقيا وهو الأمريكي اللاتيني؟ فكان رده: (أينما وجد اظلم وجدت)، فلنقف مع المظلوم أينما وجد دون النظر إلى لونه وعرقه ودينه وجهته.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
16 يوليو 2022
//////////////////////////

 

آراء