القيادات وتصورها لاستلام السلطة

 


 

 

قالت الدكتور مريم الصادق عن لقائها مع فولكر بيرتس رئيس بعثة اليوتنامس، أنها أكدت له (أن الإسراع في استلام الحكم المدني حاجة ملحة لازالة المعاناة التي يكابدها الشعب السوداني من غلاء، و ندرة الدواء، و كوارث السيول و الفيضانات( و أضافت قائلة (أن الإسراع في استلام الحكم المدني حاجة ملحة لازالة المعاناة التي يكابدها الشعب السوداني من غلاء، و ندرة الدواء، و كوارث السيول و الفيضانات، فضلا عن بسط هيبة الدولة و إنهاء النزاعات التي عصفت بأمن المواطنين في مختلف الأرجاء و استعادة التعاون البناء مع المجتمع الدولي) لكن الدكتورة مريم لم توضح ما هي الخطوات المطلوبة لكي تتم عملية الاستلام؟ و معلوم أن عملية الاستلام ليست مسؤولية البعثة الأممية، بل مسؤولية القوى السياسية السودانية، على أن تتفق على حكومة للفترة الانتقالية، أو حتى أتفاق على رئيس وزراء و توكل إليه عملية أختيار بقية حكومته بمعايير واضحة للأختيار. لكن هل الدكتور مريم تستطيع أن تجاوب على سؤال؛ هل القوى السياسية لديها الإرادة و الرغبة من أجل التوافق لاستلام السلطة من العسكريين؟ أم تريد العسكر لوحدهم يقدموا السلطة للمدنيين دون أي شروط لعملية التوافق الوطني؟ و إذا استجاب العسكر لتقديم السلطة إلي أي مجموعة مدنية أي مجموعة تعتقد أن تقدم لها؟
هناك بعض القيادات السياسية تحاول أن تجد لعجزها تبريرات، عندما تقول أن العسكر يناورون و لا يريدون البعد عن السلطة. أو تقول أن العسكر على يقين أن القوى السياسية لن تصل إلي اتفاق مطلقا، و يبقى العسكر في السلطة. و تصبح القضية مسؤولية القوى المدنية. و القيادات السياسية على علم كامل أن المجتمع الدولي هو الذي يضغط في اتجاه تسليم السلطة للمدنيين. و كان على القوى السياسية أن تضع العسكر في اختبار حقيقي بدلا عن البحث عن تبريرات تبرر بها عجزها. و حقيقة العجز تفرضه دوافع السلطة، باعتبار كل مجموعة سياسية تعتقد هي التي تمثل الثورة دون الأخريات، و هي التي يجب أن تسلم لها السلطة و تنفذها بالصورة التي تعتقد أنها تحدث التغيير الذين ينادي به الثوار. أن سيادة فكرة السلطة على العقل السياسي، هي التي تقيد هذا العقل و لا تجعله يفكر التفكير الصحيح الذي يخدم عملية التحول الديمقراطي في البلاد. و هي نفسها التي تجعل الحوار بينها غير ممكن. لآن فكرة السلطة و اغتنامها تجعل صاحبها يحاول أن يضيق عملية المشاركة فيها حتى يكون هو القوى التي تتحكم في إدارة الفترة الانتقالية.
أن العملية السياسية بعد الانقلاب أصبحت أكثر تعقيدا، و تحتاج لتفكير خارج الصندوق، خاصة بعد حدوث شروخ عديدة في جسم القوى المدنية، إذا كانت في تحالفات الأحزاب أو القوى المهنية و منظمات المجتمع المدني، و هذه الشروخ كل يوم تزيد اتساع الشقة بينها، الأمر الذي يطيل عمر الانقلاب. و القوى المؤمنة بعملية التحول الديمقراطي هي المناط بها دون غيرها أحداث أختراق في جسم الأزمة، ليس بالتباري من خلال تقديم المبادرات، حيث يشهد كل صباح مبادرة جديدة يعتقد أصحابها هي المبادرة التي يجب أن يلتف حولها الجميع. بل المطلوب أن تشرع مجموعة مباشرة في تفتح حوارات عديدة مع كل المجموعات استثناء و تتحمل مسؤولية الخطوة التي تقوم بها، و تهدف من الحوارات أن تصل ألي تحديد المشتركات و القضايا المختلف عليها، ربما يستهجن البعض الخطوة لكن لا مناص من كسر الحواجز النفسية في العملية السياسية. أن السياسة تحتاج بعد المرات إلي خطوات جريئة تكسر بها التابوهات التي صنعتها القوى السياسية بنفسها في مراحل تاريخية، و تعتقد إنها سوف تحقق بها مقاصدها ثم تكتشف أنها عوائق صنعتها بنفسها.
أن القيادات السياسية المؤمنة بعملية التغيير و التحول الديمقراطي يقع عليها عبء تهيئة البيئة المناسبة للحوارات الفكرية و السياسية، لأنها سوف تساعد على خلق واقع سياسي جديد يحترم فيه الرآي الأخر، و الكل يعتقد أنهم يملكون جزءا من الحقيقة، و ليست الحقيقة كلها التي تهمش الأخرين. و أيضا يجب عليها أن تدير عملية فحص الأدوات التي تساعد على التغيير، و إنتاج الخطاب السياسي المناسب، و مهما كانت هناك قوى متطرفة في رأيها سوف ترضخ للحوار عندما تجد نفسها معزولة عن حراك سياسي بدأ يغير في وعي المجتمع، و يخلق وعيا جديدا يتناسب مع المرحلة القادمة.
أن القوى السياسية تشتكي من الدور الذي تلعبه عناصر النظام السابق، و في الاعتقاد ليس هو المهم. لآن التحدي الكبير الذي تواجهه عملية التحول الديمقراطي، هي الثقافة الشمولية التي تراكمت عبر النظم الدكتاورية العسكرية المختلفة لعقود، و هذه الثقافة الشمولية هي التي تشكل بها وعي الناس، و بالتالي أصبح الأغلبية يحملون هذه الثقافة مع رفع شعارات ديمقراطية تتناقض معها كليا. لذلك تجد الممارسة تتناقض مع الشعار و أصبح التناقض واضحا، و تحاول القوى السياسية أن تجد له تبريرا مقبولا فلا تجد غير أن ترمي بالأئمة على عناصر النظام السابق. و كان على القوى السياسية أن تتحسب منذ سقوط النظام أن عناصر النظام السابق لن يستسلموا، بل سوف يخوضون صراعا عنيفا من أجل الحفاظ على مصالحهم. لكن مشكلة قوى التغيير أهملت عملية إنتاج الثقافة الديمقراطية التي يجب أن تنداح على الثقافة الشمولية و تحاصرها، و هذا يتأتي بالممارسة الديمقراطية المستمرة ليس على مستوى الدولة فقط. أيضا في الأحزاب نفسها و المنظمات المجتمع المدني و في قاعات الدراسة و الرياضية و كل النشاط الانساني، و حتى الندوات السياسية. فالثقافة الديمقراطية تنتج من خلال الممارسة اليومية. فالديمقراطية ليست سلطة و أدواتها فقط ، بل أيضا سلوك و ممارسة يومية ترعاها الأحزاب السياسية. و نسأل الله حسن البصيرة.

 

zainsalih@hotmail.com
//////////////////////////////

 

آراء