نخبتان
عمر الحويج
27 August, 2022
27 August, 2022
تلك النخبة التي أدمنت الفشل
وتلك التي أدمنت حرب الفشل .
مقال تحليلي ، سبق ونشرته قبل عام من الآن ، وبداية استميحكم عذراً وتخوفاً مبرراً ، في إعادة نشره ، لأني وجدت في الإعادة تحذيراً من أن يعيد التاريخ نفسه مرتين ، ونحن في الطريق إلي مصبه ، وقولته الأخيرة ، فهو هذة المرة ، إما ماساة أو ملهاة . فحالنا في هذه اللحظات الحرجة والخطرة من تاريخ بلادنا ، هي اللحظات التي تكررت من قبل ، في وأد الثورات وإجهاضها . فالنخبة (بأحفادها الجدد وشيوخهم) التي أدمنت الفشل ، استعدت بكل جبهاتها وزواياها وملحقاتها ، وبعد أن استكملت كل معداتها وأدواتها ، بما فيها جيشها ومليشياتها ، ولم يتبقى على إخراج دولتها الخفية ، التي كانت ضمير زايف مستتر ، طيلة سنواتها الثلاث وما قبلها ، في العلن ، وإلى العلن مرة أخرى ، أجزم وأنا أرى شجراً يتحرك ، أنها ليست سوى سويعات ، على الإنقضاض وحسب خطتهم ، الإعلان عن نهاية ثورة ديسمبر العملاقة ، وإغلاق ملفها إلى الأبد كما يتوهمون .
ولكن تقول لهم ثورة ديسمبر هذه المرة..هيهات ثم هيهات !! .
****
لماذا تفشل ثورات السودان في تحقيق أهدافها رغم وضوح الرؤيا عند إندلاعها ، وتبني أهدافها وشعاراتها ومطالبها المتفق عليها من جميع فئات الشعب ، المتنوعة والمتعددة ، أطيافه ومنظماته وسحناته وأعراقه ودياناته ، وحتى جغرافياته ، وهي في مجملها تلك الجموع التي تصنع الثورات ويصنفونها في العلوم السياسيةبالكتلة التاريخية التي تسقط أعتي الديكتاتوريات .
ثم يسهل إختطافها وتوجهيها الوجهة التي ترغبها الجهات الهادمة لملذات الإنتصار لهَبَّات الشعوب وإنتفاضاتها ، وهي ذات الجهات المتهمة بإجهاض الثورات والقعود بالبلاد في هذا الدرك الأسفل من فشل الحضيض الذريع .
فلنبدأ بمقولة د/ منصور خالد بما اسماهم ( النخبة التي أدمنت الفشل) وتوقف . ونبحث داخلها عن أسباب هذا الفشل وهذا المآل الكئيب للوطن وسنأتي على مقابلها ، وهي النخبة المسكوت عنها والمغضوب عليها، والتي أدمنت الحرب ضد الفشل ، من داخل ذواتها ، ومن خارج مكوناتها . فيما سوف يأتي عنها من حديث لاحقاً . أما النخبة المعنية بإدمان الفشل ، فهي النخبة التي تشكلت بعد إستقلال السودان مباشرة ، أو حتى ما قبله ، وبذرتها الأولي كانت نخبة مؤتمر الخريجين ، ألتي هرعت إلى الأحزاب الطائفية حيث وجدت سندها بفعل الجهل والتخلف ، في القبلية والعشائرية والمناطقية ، ويمكن القول ، أن الجذور الأولية ، لما قبل ذلك ، في فشل هذه النخبة التى شكلت الأحزاب الطائفية فيما بعد هي معارضتها لثورة (٢٤م) لأسباب عنصرية قبيحة وسخيفة ، في آن كما إدَّعو حينها ، وإن كانت حقيقة معارضتها ، كامنة في المنافسة للسيطرة على السلطة والثروة والبلاد والعباد ، وإبعاد هذه الفئة الجديدة ، التي أرادت أن تجاذبها وتنازعها ، في مكانتها الإجتماعية والسياسية كممثل وحيد ، لفئات الشعب كافة ولا مجال لآخرين للمجادلة في هذا الحق ، الذي تعتبره لها كحق إلاهي . ووضحت النوايا أكثر ، بعد ثورة اكتوبر حيث تشكلت ، بذلك نواة تحالف أحزاب اليمين واليمين المتطرف ، الذي يمثله تنظيم الأخوان المسلمين كما كان هناك أحزاب الوسط التي ربطت كفاحها ومسيرتها بأحزاب اليمين واليمين المتطرف وتجلى ذلك في تماهيهم الكامل ، في تجربة ما بعد اكتوبر في هجمتهم الشرسة ضد جبهة الهيئات التي قادت الثورة ، ونجح هذا التحالف في إقصاء جبهة الهئيات من المشهد ، ولم يتم الإكتفاء بذلك ، بل قادوا معركتهم ضد نواة الثورة ، التي منذ عزف المارش العسكري الأول صباح 17نوفمبر ١٩٥٨م ، أعلن هذا الحزب ، علي الحكم العسكري الأول ، قيادة معارضة ومقاومة شرسة إستمرت ، حتى نهايته في21 اكتوبر 1964م، وأعني بذلك إفتعال هذا التحالف لمسرحية حديث الإفك التى بموجبها تم حل الحزب الشيوعي والتي ساهم فيها الوسط بمفهوم الحزب السياسي ، بقيادة الراحل إسماعيل الأزهري والمناط به الدفاع عن الثورة والجماهير التي يمثلها ، ولكنه تخلى عن دوره التاريخي ، ولعب دور القائد الفعلي لهذا الحراك ، ضد الديمقراطية ومن خلفه وبدفعه ، كانت جماعة الأخوان المسلمين ، وكان مسماها جبهة الميثاق الإسلامي حينها ، حيث كانت ، بداية فقه تقيتهم الأولى ، بعدها واصلوا تغيير المسمى حسب ضرورات المرحلة ، حتى وصلوا به الى المؤتمر الوطنى وسيئ الصيت والسمعة والذكرى . ومنذ ذلك الزمان المر ، أصبحت الأحزاب الطائفية أسيرة ومسيرة . تسير طائعة مختارة دارعة دثارها وغطاءها وقناعها، ملتفة ، خاضعة لإبتزاز الجناح الإسلامي المتطرف بدعوى تطبيق الشريعة الإسلامية المفترى عليها ، جرعة الإبتزاز الإسلاموية ، التي جرعوها لمرضاهم من الأحزاب الطائفية ومن والاهم من الوسط السياسي ، في كل مراحل الدائرة الشريرة توزعت على ثلاثة ، جرعات لكل مرحلة جرعة، وواحدة كانت عند اللزوم ، ومع ذلك ازدادت ، هذه الأحزاب سقماً وسؤ حال ومآل وتهافتاً ، على السلطة ، رغم ضآلة ذلك التنظيم وصغر حجمه ، وبؤس طرحه ، وسط هذا التحالف غير الأخلاقي ، حيث قادهم من أذانيهم، وجرهم من تلابيبهم ، في كل المراحل منذ اكتوبر حتى بعد مارس/ابريل ، حين إنصاع لإبتزازهم الراحل الصادق المهدي مستسلماً لصياحهم التهديدي الإرهابي في اعلامهم المتمكن ذلك الزمان ، بفعل الأموال المنهوبة من بعض البنوك الإسلامية ، المتآمرة معهم وبعض شيوخ الصحوة المسماة كذباً إسلامية وهي إسلاموية التوجه. وحاصروه لإشغاله بمقولة ( الشريعة قبل الخريف) (ورفع المصاحف على أسنة الرماح / مجازاً لأنهم أخفوها ) وما مر خريف وتلاه خريف ، وخريف ، إلا وقد قرر تنظيم الجبهة الإسلامية القومية التخلى عن حلفائه وأنفرد بالسلطة ، في إنقلابه المشؤوم في فجر جمعة 30 يونيو ١٩٨٩م ، بعد أن قضمهم ولاكهم وإستلذ بهم لحماً ، ورمى بهم عظماً ، طيلة مراحل حاجته اليهم ، وقذف بهم في سجونه وتخلص منهم بتمكين نفسه في كل مفاصل السلطة والدولة ، وظل يراوغهم ويلاعبهم من موقع قوته ، وعلمه ببواطن ضعفهم فشتت شملهم شيعاً وأحزاباً ، كثيرها أحزاباً مصنوعة ، وبعضها لافتات فارغة حتى من دون مسمى ، ودون جمهور ، وآخرين أفرادأً كانوا قياديين في أحزابهم الأصل ، إنسحبوا منها دون حياء ، والتحقوا بخدمة النظام البائس .
وإلى هنا ، ولكي نكون صادقين مع أنفسنا ونعترف بأن ذات القوى التي بدأت الحرب ورفعت راية النضال والعصيان والإضراب السياسي ضد إنقلاب عبود حتى إزاحته ، استطاع ذلك الحلف أن يحول مسار اكتوبر لصالحه ويجهض تلك الثورة الشعبية ، ولنواصل اعترافنا ، فالقوى التي رفعت راية المقاومة طيلة سنوات النميري وإن شاركتها جماهير ذلك التحالف حتى لحظة الانتصار في مارس/ابريل ، تجمعت تلك القوى ، وساقت جماهيرها الوفية دائماً لطموحات شعبها وثوراته ، وهزمت بهم الإنتفاضة ، وهذه المرة بضعفها وتقاعسها ، في إقصاء الطرف الذي شارك الديكتاتور حكمه الفاسد وتصالح معه ، فتهاونوا معه بل صالحوه وشاركوه كيكتهم في الحكم الى أن جاء وقت خيانته لهم ، وتغدى بهم ، وإن لم يكن في نيتهم حتى التعشي به ، فهم أقل من ذلك بكثير .
وهاهم بعد ثورة ديسمبر المجيدة تجمعوا بخيلهم ورماحهم ، غضهم وغضيضهم ، وأضافوا لهم ،( وإن كان الصحيح ، هم الذين أُضِيفوا) وأعني عسكر لجنة البشير الأمنية لتصبح ، ومعهم الدعم السريع الصورة المنقحة (للانقاذ تو) أو (الطرة للكتابة) التي تم عزلها والتضحية بقياداتها التاريخية وزجها في سجن كوبر ، وغداً في آخرتهم سجن لاهاي ، دون وجيع يذرف دمعة الوداع عليهم .
وتكراراً لما حدث فيما سبق أن سجله التاريخ ما بعد اكتوبر 64 ومارس/ابريل إنضم اليهم الوسط (المفترض) الجديد ويمثله حزب المؤتمر السوداني وكما حزب الأزهري في زمانه ، الذي تنازعه الشتات ولم يعد إلا لافتات ، أصبح وسط اليوم ، التي تعشمت فيه الجماهير خيراً ، أن يكون في صفها ، مدافعاً عنها وعن ثورتها ، فإذا به يخذلها ويصبح لاعب الوسط الذي يمرر ، كرة التنازل ، والتخاذل ، والإنصياع. لكي يسدد أهدافه المتسللة ، فقط للمناصب والكراسى السندسية، والتي نالها فعلاً ، ومن خلفه ومن أمامه تحالف اليمين القديم الجديد ، وبعض فلول اليسار المغامر والآخر المنكسر.
ولنعد لمقولة الراحل د/منصور خالد (النخبة التي أدمنت الفشل) ، الذي تناسى أنه ، ومنذ تكوين تلك النخبة التى أدمنت الفشل - وإن كان مشكوراً قام بفضحها - هناك نخبة في الضفة الأخرى من العمل الوطني والسياسي ، قد أدمنت الحرب ضد الفشل ، في ذاتها ومن خارجها ، من اياً كان أو كائناً ما كان ، جاء وأطل لنشر فشله على البلاد .
وهي ضفة اليسار العريض ، بكل مكوناته ومن يتعاطف معه من الجماهير ، ومن في قلبه نخوة تعاطف مع بلده ومصيرها المأزوم ، يقودها ويتقدمها الشيوعيين . الذين ظلوا نخبة تعمل فوق الأرض وتحت الأرض . تعاني ما تعاني من قهر السلطة، وفقدان الحرية حتى في الحركة اليومية ، إضافة لشظف العيش وصعوباته ، وهي نخبة بكل معاني النخبة ، وتماثل في نخبويتها وصفويتها ، تلك النخبة التي أدمنت الفشل ، وآثرت لحس أحذية السلطان وما زالت ، وهذه النخبة ، التي أدمنت الحرب ضد الفشل ، بمثقفيها ومهنئيها وعمالها ومزارعيها وطلابها . هم الذين يقودون النقابات ، يؤسسون المنظمات ، يلهمون الجماهير ويرفدونها بالفكر والثقافة والفنون ، يوسعون معاني الوعي والمدارك ، يكتبون الشعر ويغنونه ، ويغنيه ويردده معهم شعبهم الوفئ ، يبذرون الأمل والتفاؤل في نفوس الجماهير البائسة واليائسة ، بفعل النخبة التي أدمنت الفشل ، حتى تصل الجماهير الى تجميع كتلتها التاريخية ، وتفجر ثورتها من تلقاء نفسها ، دون وصاية من أحد ، وهذا ما حدث حين قادت الجماهير ثوراتها المجيدة ، التي إنبثقت وإندلعت ثلاثية المفعول ، ولن يتوقف فعلها ومفعولها ، متى إحتاجتها الجماهير في مسيرتها إلى الحرية والسلام والعدالة
وبقراءة الواقع السياسي في السودان وبالوعي الكامل بضرورة مواصلة النزال ، لإنتزاع السودان الجديد من فك النخبة الإنتهازية ، التي أدمنت الفشل، وترغب في مواصلة العيش في سودانها القديم . ستظل الجماهير تناضل في ثورتها المستمرة .حتى يتم لها في النهاية ، تحويل إتجاه الريح منحى الثورة المنتصرة وجهتها حضن الشعب ونخبته التي أدمنت الحرب ضد الفشل داخل ذاتها، ومن خارجها، طال الزمن أم قصر .
فلا داعي ، يا أصحاب التحليلات الفطيرة ، والمقولات التي لا أساس لها في الواقع ، المنطلقة من مواقع البرجوازية الصغيرة ، قصيرة النفس والفهم والمتعجلة ، والباحثة عن المصالح الذاتية الضيقة و المتهافتة ، الموجهة والعامدة لإغتيال شخصية اليسار العريض ، المسنود بظهر الجماهير ، أقول لا داعي للغمزات واللمزات ، وباقي الافتراءات الكذوبة، أو الاستهزاء بمقولة ومقالات اليساروية، القاصدة التقليل من الشأن ، أو ألصاق تهمة (الثورة الدائمة) على هدى التروتسكية، التي لم تكن يوماً جزءاً من برنامج اليسار السوداني ، دون مسوغ منطقي لإستدعائها ، من كاتب قامة نحترمه ، والمعنى المقصود به - تصدير الثورة ونقلها خارجياً ، وهذا ما تخصص فيه الإسلام السياسي ، بملالئه الإيرانية وداعشيه وطالبانيه ومتطرفيه ومهووسيه الذين ينتقلون ، من بلد لآخر لنشر ثورتهم المدعاة، بالتفجيرات الإرهابية والعشوائية - ليصبح تحريضاً غير عادل ، كل ذلك تقليلاً وبديلاً لشعار -الثورة مستمرة - الذي تردده الجماهير صباح مساء . فأنتم تحرثون في البحر ، ضد هذا اليسار العريض ، الذي يقف ثابتاً منافحاً ومناضلاً ، يأتمر بأمر حاضنته الجماهيرية ، التي دائماً ، تملأ الشوارع التى لا تخون ، وتسقط بها الأنظمة الفاسدة ، والديكتاتورية وتلك المتسترة بالديمقراطية ، التي تقودها تلك النخبة التي أدمنت الفشل ، ولا زالت تريد أن تسوق البلاد إلى قديمها ، وتعمل جاهدة لإجهاض ديسمبر المجيد وسودانه الجديد .. ولكن هيهات !! .
omeralhiwaig441@gmail.com
////////////////////////////
وتلك التي أدمنت حرب الفشل .
مقال تحليلي ، سبق ونشرته قبل عام من الآن ، وبداية استميحكم عذراً وتخوفاً مبرراً ، في إعادة نشره ، لأني وجدت في الإعادة تحذيراً من أن يعيد التاريخ نفسه مرتين ، ونحن في الطريق إلي مصبه ، وقولته الأخيرة ، فهو هذة المرة ، إما ماساة أو ملهاة . فحالنا في هذه اللحظات الحرجة والخطرة من تاريخ بلادنا ، هي اللحظات التي تكررت من قبل ، في وأد الثورات وإجهاضها . فالنخبة (بأحفادها الجدد وشيوخهم) التي أدمنت الفشل ، استعدت بكل جبهاتها وزواياها وملحقاتها ، وبعد أن استكملت كل معداتها وأدواتها ، بما فيها جيشها ومليشياتها ، ولم يتبقى على إخراج دولتها الخفية ، التي كانت ضمير زايف مستتر ، طيلة سنواتها الثلاث وما قبلها ، في العلن ، وإلى العلن مرة أخرى ، أجزم وأنا أرى شجراً يتحرك ، أنها ليست سوى سويعات ، على الإنقضاض وحسب خطتهم ، الإعلان عن نهاية ثورة ديسمبر العملاقة ، وإغلاق ملفها إلى الأبد كما يتوهمون .
ولكن تقول لهم ثورة ديسمبر هذه المرة..هيهات ثم هيهات !! .
****
لماذا تفشل ثورات السودان في تحقيق أهدافها رغم وضوح الرؤيا عند إندلاعها ، وتبني أهدافها وشعاراتها ومطالبها المتفق عليها من جميع فئات الشعب ، المتنوعة والمتعددة ، أطيافه ومنظماته وسحناته وأعراقه ودياناته ، وحتى جغرافياته ، وهي في مجملها تلك الجموع التي تصنع الثورات ويصنفونها في العلوم السياسيةبالكتلة التاريخية التي تسقط أعتي الديكتاتوريات .
ثم يسهل إختطافها وتوجهيها الوجهة التي ترغبها الجهات الهادمة لملذات الإنتصار لهَبَّات الشعوب وإنتفاضاتها ، وهي ذات الجهات المتهمة بإجهاض الثورات والقعود بالبلاد في هذا الدرك الأسفل من فشل الحضيض الذريع .
فلنبدأ بمقولة د/ منصور خالد بما اسماهم ( النخبة التي أدمنت الفشل) وتوقف . ونبحث داخلها عن أسباب هذا الفشل وهذا المآل الكئيب للوطن وسنأتي على مقابلها ، وهي النخبة المسكوت عنها والمغضوب عليها، والتي أدمنت الحرب ضد الفشل ، من داخل ذواتها ، ومن خارج مكوناتها . فيما سوف يأتي عنها من حديث لاحقاً . أما النخبة المعنية بإدمان الفشل ، فهي النخبة التي تشكلت بعد إستقلال السودان مباشرة ، أو حتى ما قبله ، وبذرتها الأولي كانت نخبة مؤتمر الخريجين ، ألتي هرعت إلى الأحزاب الطائفية حيث وجدت سندها بفعل الجهل والتخلف ، في القبلية والعشائرية والمناطقية ، ويمكن القول ، أن الجذور الأولية ، لما قبل ذلك ، في فشل هذه النخبة التى شكلت الأحزاب الطائفية فيما بعد هي معارضتها لثورة (٢٤م) لأسباب عنصرية قبيحة وسخيفة ، في آن كما إدَّعو حينها ، وإن كانت حقيقة معارضتها ، كامنة في المنافسة للسيطرة على السلطة والثروة والبلاد والعباد ، وإبعاد هذه الفئة الجديدة ، التي أرادت أن تجاذبها وتنازعها ، في مكانتها الإجتماعية والسياسية كممثل وحيد ، لفئات الشعب كافة ولا مجال لآخرين للمجادلة في هذا الحق ، الذي تعتبره لها كحق إلاهي . ووضحت النوايا أكثر ، بعد ثورة اكتوبر حيث تشكلت ، بذلك نواة تحالف أحزاب اليمين واليمين المتطرف ، الذي يمثله تنظيم الأخوان المسلمين كما كان هناك أحزاب الوسط التي ربطت كفاحها ومسيرتها بأحزاب اليمين واليمين المتطرف وتجلى ذلك في تماهيهم الكامل ، في تجربة ما بعد اكتوبر في هجمتهم الشرسة ضد جبهة الهيئات التي قادت الثورة ، ونجح هذا التحالف في إقصاء جبهة الهئيات من المشهد ، ولم يتم الإكتفاء بذلك ، بل قادوا معركتهم ضد نواة الثورة ، التي منذ عزف المارش العسكري الأول صباح 17نوفمبر ١٩٥٨م ، أعلن هذا الحزب ، علي الحكم العسكري الأول ، قيادة معارضة ومقاومة شرسة إستمرت ، حتى نهايته في21 اكتوبر 1964م، وأعني بذلك إفتعال هذا التحالف لمسرحية حديث الإفك التى بموجبها تم حل الحزب الشيوعي والتي ساهم فيها الوسط بمفهوم الحزب السياسي ، بقيادة الراحل إسماعيل الأزهري والمناط به الدفاع عن الثورة والجماهير التي يمثلها ، ولكنه تخلى عن دوره التاريخي ، ولعب دور القائد الفعلي لهذا الحراك ، ضد الديمقراطية ومن خلفه وبدفعه ، كانت جماعة الأخوان المسلمين ، وكان مسماها جبهة الميثاق الإسلامي حينها ، حيث كانت ، بداية فقه تقيتهم الأولى ، بعدها واصلوا تغيير المسمى حسب ضرورات المرحلة ، حتى وصلوا به الى المؤتمر الوطنى وسيئ الصيت والسمعة والذكرى . ومنذ ذلك الزمان المر ، أصبحت الأحزاب الطائفية أسيرة ومسيرة . تسير طائعة مختارة دارعة دثارها وغطاءها وقناعها، ملتفة ، خاضعة لإبتزاز الجناح الإسلامي المتطرف بدعوى تطبيق الشريعة الإسلامية المفترى عليها ، جرعة الإبتزاز الإسلاموية ، التي جرعوها لمرضاهم من الأحزاب الطائفية ومن والاهم من الوسط السياسي ، في كل مراحل الدائرة الشريرة توزعت على ثلاثة ، جرعات لكل مرحلة جرعة، وواحدة كانت عند اللزوم ، ومع ذلك ازدادت ، هذه الأحزاب سقماً وسؤ حال ومآل وتهافتاً ، على السلطة ، رغم ضآلة ذلك التنظيم وصغر حجمه ، وبؤس طرحه ، وسط هذا التحالف غير الأخلاقي ، حيث قادهم من أذانيهم، وجرهم من تلابيبهم ، في كل المراحل منذ اكتوبر حتى بعد مارس/ابريل ، حين إنصاع لإبتزازهم الراحل الصادق المهدي مستسلماً لصياحهم التهديدي الإرهابي في اعلامهم المتمكن ذلك الزمان ، بفعل الأموال المنهوبة من بعض البنوك الإسلامية ، المتآمرة معهم وبعض شيوخ الصحوة المسماة كذباً إسلامية وهي إسلاموية التوجه. وحاصروه لإشغاله بمقولة ( الشريعة قبل الخريف) (ورفع المصاحف على أسنة الرماح / مجازاً لأنهم أخفوها ) وما مر خريف وتلاه خريف ، وخريف ، إلا وقد قرر تنظيم الجبهة الإسلامية القومية التخلى عن حلفائه وأنفرد بالسلطة ، في إنقلابه المشؤوم في فجر جمعة 30 يونيو ١٩٨٩م ، بعد أن قضمهم ولاكهم وإستلذ بهم لحماً ، ورمى بهم عظماً ، طيلة مراحل حاجته اليهم ، وقذف بهم في سجونه وتخلص منهم بتمكين نفسه في كل مفاصل السلطة والدولة ، وظل يراوغهم ويلاعبهم من موقع قوته ، وعلمه ببواطن ضعفهم فشتت شملهم شيعاً وأحزاباً ، كثيرها أحزاباً مصنوعة ، وبعضها لافتات فارغة حتى من دون مسمى ، ودون جمهور ، وآخرين أفرادأً كانوا قياديين في أحزابهم الأصل ، إنسحبوا منها دون حياء ، والتحقوا بخدمة النظام البائس .
وإلى هنا ، ولكي نكون صادقين مع أنفسنا ونعترف بأن ذات القوى التي بدأت الحرب ورفعت راية النضال والعصيان والإضراب السياسي ضد إنقلاب عبود حتى إزاحته ، استطاع ذلك الحلف أن يحول مسار اكتوبر لصالحه ويجهض تلك الثورة الشعبية ، ولنواصل اعترافنا ، فالقوى التي رفعت راية المقاومة طيلة سنوات النميري وإن شاركتها جماهير ذلك التحالف حتى لحظة الانتصار في مارس/ابريل ، تجمعت تلك القوى ، وساقت جماهيرها الوفية دائماً لطموحات شعبها وثوراته ، وهزمت بهم الإنتفاضة ، وهذه المرة بضعفها وتقاعسها ، في إقصاء الطرف الذي شارك الديكتاتور حكمه الفاسد وتصالح معه ، فتهاونوا معه بل صالحوه وشاركوه كيكتهم في الحكم الى أن جاء وقت خيانته لهم ، وتغدى بهم ، وإن لم يكن في نيتهم حتى التعشي به ، فهم أقل من ذلك بكثير .
وهاهم بعد ثورة ديسمبر المجيدة تجمعوا بخيلهم ورماحهم ، غضهم وغضيضهم ، وأضافوا لهم ،( وإن كان الصحيح ، هم الذين أُضِيفوا) وأعني عسكر لجنة البشير الأمنية لتصبح ، ومعهم الدعم السريع الصورة المنقحة (للانقاذ تو) أو (الطرة للكتابة) التي تم عزلها والتضحية بقياداتها التاريخية وزجها في سجن كوبر ، وغداً في آخرتهم سجن لاهاي ، دون وجيع يذرف دمعة الوداع عليهم .
وتكراراً لما حدث فيما سبق أن سجله التاريخ ما بعد اكتوبر 64 ومارس/ابريل إنضم اليهم الوسط (المفترض) الجديد ويمثله حزب المؤتمر السوداني وكما حزب الأزهري في زمانه ، الذي تنازعه الشتات ولم يعد إلا لافتات ، أصبح وسط اليوم ، التي تعشمت فيه الجماهير خيراً ، أن يكون في صفها ، مدافعاً عنها وعن ثورتها ، فإذا به يخذلها ويصبح لاعب الوسط الذي يمرر ، كرة التنازل ، والتخاذل ، والإنصياع. لكي يسدد أهدافه المتسللة ، فقط للمناصب والكراسى السندسية، والتي نالها فعلاً ، ومن خلفه ومن أمامه تحالف اليمين القديم الجديد ، وبعض فلول اليسار المغامر والآخر المنكسر.
ولنعد لمقولة الراحل د/منصور خالد (النخبة التي أدمنت الفشل) ، الذي تناسى أنه ، ومنذ تكوين تلك النخبة التى أدمنت الفشل - وإن كان مشكوراً قام بفضحها - هناك نخبة في الضفة الأخرى من العمل الوطني والسياسي ، قد أدمنت الحرب ضد الفشل ، في ذاتها ومن خارجها ، من اياً كان أو كائناً ما كان ، جاء وأطل لنشر فشله على البلاد .
وهي ضفة اليسار العريض ، بكل مكوناته ومن يتعاطف معه من الجماهير ، ومن في قلبه نخوة تعاطف مع بلده ومصيرها المأزوم ، يقودها ويتقدمها الشيوعيين . الذين ظلوا نخبة تعمل فوق الأرض وتحت الأرض . تعاني ما تعاني من قهر السلطة، وفقدان الحرية حتى في الحركة اليومية ، إضافة لشظف العيش وصعوباته ، وهي نخبة بكل معاني النخبة ، وتماثل في نخبويتها وصفويتها ، تلك النخبة التي أدمنت الفشل ، وآثرت لحس أحذية السلطان وما زالت ، وهذه النخبة ، التي أدمنت الحرب ضد الفشل ، بمثقفيها ومهنئيها وعمالها ومزارعيها وطلابها . هم الذين يقودون النقابات ، يؤسسون المنظمات ، يلهمون الجماهير ويرفدونها بالفكر والثقافة والفنون ، يوسعون معاني الوعي والمدارك ، يكتبون الشعر ويغنونه ، ويغنيه ويردده معهم شعبهم الوفئ ، يبذرون الأمل والتفاؤل في نفوس الجماهير البائسة واليائسة ، بفعل النخبة التي أدمنت الفشل ، حتى تصل الجماهير الى تجميع كتلتها التاريخية ، وتفجر ثورتها من تلقاء نفسها ، دون وصاية من أحد ، وهذا ما حدث حين قادت الجماهير ثوراتها المجيدة ، التي إنبثقت وإندلعت ثلاثية المفعول ، ولن يتوقف فعلها ومفعولها ، متى إحتاجتها الجماهير في مسيرتها إلى الحرية والسلام والعدالة
وبقراءة الواقع السياسي في السودان وبالوعي الكامل بضرورة مواصلة النزال ، لإنتزاع السودان الجديد من فك النخبة الإنتهازية ، التي أدمنت الفشل، وترغب في مواصلة العيش في سودانها القديم . ستظل الجماهير تناضل في ثورتها المستمرة .حتى يتم لها في النهاية ، تحويل إتجاه الريح منحى الثورة المنتصرة وجهتها حضن الشعب ونخبته التي أدمنت الحرب ضد الفشل داخل ذاتها، ومن خارجها، طال الزمن أم قصر .
فلا داعي ، يا أصحاب التحليلات الفطيرة ، والمقولات التي لا أساس لها في الواقع ، المنطلقة من مواقع البرجوازية الصغيرة ، قصيرة النفس والفهم والمتعجلة ، والباحثة عن المصالح الذاتية الضيقة و المتهافتة ، الموجهة والعامدة لإغتيال شخصية اليسار العريض ، المسنود بظهر الجماهير ، أقول لا داعي للغمزات واللمزات ، وباقي الافتراءات الكذوبة، أو الاستهزاء بمقولة ومقالات اليساروية، القاصدة التقليل من الشأن ، أو ألصاق تهمة (الثورة الدائمة) على هدى التروتسكية، التي لم تكن يوماً جزءاً من برنامج اليسار السوداني ، دون مسوغ منطقي لإستدعائها ، من كاتب قامة نحترمه ، والمعنى المقصود به - تصدير الثورة ونقلها خارجياً ، وهذا ما تخصص فيه الإسلام السياسي ، بملالئه الإيرانية وداعشيه وطالبانيه ومتطرفيه ومهووسيه الذين ينتقلون ، من بلد لآخر لنشر ثورتهم المدعاة، بالتفجيرات الإرهابية والعشوائية - ليصبح تحريضاً غير عادل ، كل ذلك تقليلاً وبديلاً لشعار -الثورة مستمرة - الذي تردده الجماهير صباح مساء . فأنتم تحرثون في البحر ، ضد هذا اليسار العريض ، الذي يقف ثابتاً منافحاً ومناضلاً ، يأتمر بأمر حاضنته الجماهيرية ، التي دائماً ، تملأ الشوارع التى لا تخون ، وتسقط بها الأنظمة الفاسدة ، والديكتاتورية وتلك المتسترة بالديمقراطية ، التي تقودها تلك النخبة التي أدمنت الفشل ، ولا زالت تريد أن تسوق البلاد إلى قديمها ، وتعمل جاهدة لإجهاض ديسمبر المجيد وسودانه الجديد .. ولكن هيهات !! .
omeralhiwaig441@gmail.com
////////////////////////////