وِفاق (في عينَك) !!

 


 

هيثم الفضل
31 August, 2022

 

صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح -

(بإمكانك أن تضع في البشير ما تشاء من سيئات ولكن عليك أن تعترف أن الرجل نجح في خلق وفاق بين كل السودانين طيله 30 سنه ، وسقط الوفاق يوم سقوطه) ، صدِّق أو لا تصدِّق أن ما بين القوسين جُملة ردَّدها أحد (الكيزان المُندسين) أو المُتدَّثرين بثوب الثوُّار الأحرار ، عقب صلاة الجمعة الماضية وأمام أحد مساجد حي الجريف غرب بالخرطوم ، وقائل المقولة للأسف كهلٌ تجاوز الستين من عمره مخاطباً مجموعة من الشباب الذين كنا نظنهم يوماً (يُفعاً جِهالاً) ، حتى إكتشفنا فجأةً وعلى حين غرة بأنهم مصدر أساسي للحكمة والكياسة والأخلاق النبيلة ، بما عبَّروا عنهُ بتضحياتهم التي إبتدروها ببذل الأرواح وختموها بالعزيمة والإصرار والثبات على مبدأ منازلة الطاغوت إلى يومنا هذا ، منهم من إستشهد ومن أُصيب بعاهة مُستديمة ومن إختفى قسرياً ولا يُعرف عنه خبراً ، ومنهم أيضاً من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا ، يقول شيخنا (المُندس) لهؤلاء الذين علَمونا نحنُ (الكبار) أن المُستحيل يتحقَّق بالصبر والتضحيات : أن ثورتهم معطوبة وأهدافها وهمية وأن من وصفوهُ بالطاغية المُتجبِّر كان أهلاً للإحترام والتقدير بما يدفع (الموجوعين من أبناء هذا الشعب الصابر) للإبقاء عليه ليستمر في جزّْ رقابهم ويتمادى في إهانة إباءهم ويمنع مضيِّهُم إلى الأمام مثل سائر شعوب الأرض ، لأنهُ وشرُ البلية ما يُضحك كان (مركزاً) يتوافق حولهُ السودانيين ، هل نطرح السؤال التراجيدي الذي سيخطر على بال أبسط الناس فكراً وكياسة (ولماذا خرجت ضدهُ الملايين تطلب الموت الزؤام دون وجوده على سُدة الحكم ؟) ، الإجابة المنطقية التي لا بديل لها أن نُقر بلا جدال أن كل من أمَّوا ثورة ديسمبر المجيدة كانوا مُجرَّد مجانين وفاقدي أهلية.
نحن المُنتمين إلى أجيالٍ سابقة لجيل اليوم الذي أدى رسالته تجاه الوطن بالتضحيات الجسام وما زال ، علينا إن (نتحزَّم) لمؤازرتهم والوقوف خلفهم وِفق أقل تقدير لما يبذلون من كفاح ، أو أن (نستحي) ونتركهم يتأمَّلون (صمتنا الحكيم) ، يكفينا أن معظمنا كان من الصامتين على إنقلاب 89 حتى تفاقم وترعرع وتنامى (سرطاناً) قضى على الأخضر واليابس ومازال يفعل حتى يومنا هذا ، وإن قلنا لهؤلاء شيئاً فليكن في إطار تقديس وتعظيم شعارات ومباديء ثورتهم التي بذلوا فيها الأرواح والغالي والنفيس ، كان من واجب هذا (الكوز المُندس) أن يقول لأولئك الشباب الذين على ما إعتقد إحترموا لحيته البيضاء بصمتهم أمامهُ ، أن البشير وطُغمته إذا فتحنا صفحة جديدة في تاريخ السودان المُعاصر وسميناها (الوفاق السوداني) لكُتب عليها بأُحرفٍ دامية ما يجب أن يُقال عن إنفصال الجنوب وما أدراك ما إنفصال الجنوب ، ولكتبنا عليها فظاعات التنافر والتناحُر العرقي والجهوي والسياسي في دارفور والنيل والأزرق وجبال النوبة وشرق السوادان وما تبع ذلك من خسائر في الأنفُس والثمرات ، وسنخُط على ذات الصفحة المشئومة ما نالتهُ المعارضة السياسية في عهد البشير المشئوم من إغتيالات وإعتقالات وتشريد وتكميم للأفواه ومضايقات لقطع سُبل العيش الكريم ، ثم ما عملت عليه مؤامرات الحركة الإسلامية بصحبة البشير في تفكيك الأحزاب وشرزمتها عبر مُناهضة أسباب وحدتها و(توافقها) فتناثر حزب الأمة القومي إلى أربع أحزاب والإتحادي الديموقراطي إلى ثلاثة أحزاب ومثلهم في ذات المضمار أحزاب أخرى ، عمر البشير في إطار (الوفاق الدولي) الذي تحتاجهُ كل البلدان النامية ، عزل السودان عُزلةً دولية لم يشهدها منذ إستقلالهُ ، فأصبح لا يجروء هو شخصياً على الخروج من الخرطوم إلا نحو أربع إتجاهات معلومة ثلاثة منها في الخليج العربي ، وعندما فعلها مرة وسافر إلى الكنغو عاد كالمجرمين مختبئاً على سطح مروحية عسكرية بلا مقاعد ، عمر البشير الذي لم ينجح في إستدامة (الوفاق) بينهُ وبين شيخهِ الترابي الذي أتى به لسُدة الحُكم ، بل أودعه السجن ومعه ثلةً من (أخوان الأمس) وأعداء المرحلة ، ثم أطلقوا على إنفراط عقد (الوفاق) بينهم إسم الدلع المُزركش (مفاصلة) ، والتي في حقيقة الأمر كانت (مُقاتلة) لا تخفي على عين حصيف في معركة التنازع على الجاه والسلطة و(الإستمتاع) بإغتيال آمال وتطلُّعات الشعب السوداني نحو الحرية والسلام والعدالة ، البشير بنفسه إعترف في أُخريات خطاباته عن (الوفاق المجتمعي السوداني) بأنه (أزهق أرواح الأبرياء في دارفور دون مُبرِّر وسبب مُقنع) وعلى الرأس الشهود والأشهاد ... اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللُطف فيه.
haythamalfadl@gmail.com

 

آراء