ماذا يستفيد الثوار من انزعاج الترويكا؟ … بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

نقلاً عن موقع الراكوبة الإخباري، قالت سفارات دول الترويكا بأنها منزعجة للغاية، بسبب فقدان أرواح أخرى في الاحتجاجات، وتدعو إلى إنهاء فوري لاستخدام القوة المفرطة. وطالبت جميع أصحاب المصلحة المشاركة في حوار شامل يعيد السودان إلى طريق الانتقال الديمقراطي، انتهى متن الخبر القادم من الراكوبة. وللتذكير: فـإن دول الترويكا تجاه السودان هي: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج، فدول بمثل هذه القامة العظيمة وبتقديسها لقيم ومعايير الديمقراطية والحرية والعدالة والسلام، زد على ذلك أنها تمتلك أكبر قوى ردع نووية وسياسية واقتصادية دولية وعالمية حاسمة متحصنة وراء أكبر مؤسسة دولية – الأمم المتحدة، كيف يجوز لها أن تكتفي بإبداء إنزعاجها من استمرار قوى الردة والإنقلاب في قتل المتظاهرين السلميين؟، فبريطانيا وأمريكا هما صاحبتا القدح المعلّى في سياقة الغرب والشرق نحو تحقيق السطوة والسيطرة الكاملة على عالم الاقتصاد والمال والسياسة، فهل يعجزهما القيام بدور فاعل وعملي غير هذا الدور المجامل المحصور في الشجب والإدانة، مثل هذا الموقف المائع وغير اللائق بدول (عظمى) كأمريكا وبريطانيا لا يجدي الثوار والمتظاهرين السودانيين في شيء، فالأولى لهؤلاء الثوار أن يستمروا في تنفيذ ما تمليه عليهم قناعاتهم الوطنية الراسخة، وكفرهم البواح بكل المبادرات والمجهودات المبذولة من قبل المنظمات الأممية والجهات القنصلية والممثليات الدبلوماسية الغربية أولاً، ثم الشرقية ثانياً.
ثوار السودان عليهم القراءة ثم تكرار المذاكرة والمثاقفة والعصف الذهني، والمدارسة والحوار والنقاش المثمر حول التجارب الثورية الجنوب إفريقية والرواندية والكوبية، لأنها الأقرب والأشبه لحالنا المترهل البائس المُتكالب عليه من القريب والبعيد، والظاهر للعيان أن القوى السياسية السودانية الآنية في حقيقة أمرها أنها ممثلة للامتداد الطبيعي للقوى القديمة المتغطية بلباس الطائفة، قد انكشفت سوءة عورتها بدرجة فائقة الدقة للرؤية العالية الكثافة للعدسة المقعرة، هذا الإنكشاف الذي يفضحه انهزام النفس المتطلعة إلى حلول المستعمر في ثوبه الجديد، فمن قبل كانت الحلول بيدي غردون وكتشنر القادمين من تحت ظلال سيوف التاج الملكي البريطاني، أما اليوم فالمهمة أصعب، فقد تحوّلت وبقدرة قادر لليانكي الأمريكي وسفيره المجوّد للهجة العربية (السودانية) أكثر من أصحابها، فالتحديات الجسام التي تواجه القوى السياسية (الوطنية) القديمة والحديثة كبيرة جداً وخطيرة، فلقد تمددت الأصابع الدولية والإقليمية ونضج صنيعها تحت رماد جمر نارها الهادئة، وخطف بريق لهب هذه النار ألباب الكثيرين من أبناء التراب التائهين والباحثين عن الحل داخل خياشيم الأبقار، وأخذت بعض القناعات التي كانت مؤمنة بعلو كعب مجهودات دول الترويكا في حسم تنطع الإنقلابيين بالخفوت والإضمحلال والذبول، فلم تعد الخيالات المرسومة حول الترويكا ومنظمات الأمم المتحدة تقنع المواطن السوداني البسيط، ولا حتى النظامي التابع للنظام البائد البغيض.
خاتمة القول، علينا توجيه رسالة مفحمة ومفتوحة وقاسية جداً لدول الترويكا؟ أن لا مكان أوسط بين الجنة والنار، إن كانت هذه الدول صادقة في دعمها للثوار وللثورة الديسمبرية المجيدة، الهادفة إلى إعلاء قيم الإنسانية والداعية إلى إرساء دعائم الحريات العامة والخاصة، والساعية بكل جهد واجتهاد لتثبيت أسس السلام المستدام وإنهاء الحروب العبثية التي قضت على بذرة ونواة وكينونة الدولة المرجو منها إعادة صياغة الفرد، بما يتواكب مع الحقوق الأساسية والعصرية المعلنة والمدرجة تحت بنود الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، فدول مثل هذه الدول الترويكية ما كان ينبغي لها أن تقف موقف المتفرّج والمشاهد المهيض الجناح المكتفي بقول كلمة لا، من دون الترقي للوصول إلى تحديد موقف يتناسب والمناسبة الأخلاقية العظمى التي تستوجب الحياد التام والتصريح المباشر المهدد لكيان المنظومة الإنقلابية بالويل والثبور، فأي مجلس يضم بريطانيا العظمى وأمريكا الكبرى لا يجب أن يخرج بمثل هذا البيان الهزيل الذي يمكن أن يصدره حزب ناشيء صغير مثل حزب المؤتمر السوداني – على سبيل المثال وليس الاحتقار ــ فدول الترويكا وبجلالة وعظمة قدرها لا يجب أن تقف مثل هذا الموقف المهادن الضبابي والغير متلائم مع فورة وثورة الشباب السوداني، فلابد من أن تصدر تصريحاً يشفي غليل أمهات الشهداء وقلوب اليتامى وآلام الجرحى وحزن ذوي المفقودين الذين لا يعلم أحد شيئاً عن مصيرهم المجهول والغامض.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
4 سبتمبر 2022

 

آراء