الطريق إلى النقابة: “خلفنا صُعوبات الجبال .. أمامنا، صُعوبات السُهول”!
فيصل الباقر
6 September, 2022
6 September, 2022
مدار أوّل:
"تبدو الأشياء، وكأنّها مُستحيلة، إلى نقوم بها" ((نيلسون مانديلا))
مدار ثاني:
"فى البداية يتجاهلونك .. ثُمّ يسخرون منك .. ثُمّ يُحاربونك .. ثُمّ تنتصر" ((المهاتما غاندي))
-1-
أكتب - اليوم - ((مدارات وأجراس))، فى لحظةٍ تاريخيّةٍ نادرة، بل، واستثنائيّة، طال انتظارها لأكثر من ثلاثة عقود، لتتأكّد المقولة النابهة، والخالدة "ما ضاع حق وراءه مُطالب". هي كتابة لا يدّعي صاحبها بها، ولها، الكمال، ولا الاِحاطة بكل شيء، وربّما تكون مُجرّد رؤوس أقلام، ومؤشرات وإشارات عامّة، فى مسألةٍ هامّة، أردت أن أفتح بها، وحولها، حواراً صادقاً حول القضايا المطروحة حول قضايا (الديمقراطية النقابية)، وها انذا أُحاول أن أكتب – اليوم - من (مدارات) وفضاءات الفرح النقابي البهيج، الذي أسعد "العائلة" الصحفية فى السودان، وأقرع عبرها (أجراس) إعلان الاحتفاء بالنصر المؤزر، الذي تحقّق، وبجدارة مُستحقّة، وبعد جهدٍ كبير، بإنجاز مشروع استعادة الحق في تكوين (نقابة الصحفيين السودانيين)، فمجرّد القناعة والاقتناع بالمشاركة والمساهمة فى تاسيس النقابة، وخوض (التمرين) الديمقراطي الإنتخابي، هو فى تقديري نصرٌ كبير وعظيم.
-2-
أحاول اليوم، أن أُساهم وأُشارك – بجهد المُقل – بهذه الكتابة، التي تأتي مُنسابة من الذاكرة، فى صورة (مؤانسة)، فى تسجيل وتوثيق بعض ملامح من رحلة السير الطويل فى الطريق إلى النقابة، فى هذا الظرف الإستثنائي الحرج، وهذه اللحظة التاريخية الهامة، من عمر النضال الطويل والجسور، لإنتزاع الحق فى التنظيم النقابي، والحق فى التعبير، عبر الإدلاء بالصوت الإنتخابي، لإختيار ممثلين وممثلات للقاعدة الصحفية، التي ارتضت طوعاً واختياراً، المشاركة والمساهمة فى هذا الحدث الهام، وهو استعادة تأسيس، وإجراء انتخابات (نقابة الصحفيين السودانيين).
-3-
ها أنذا أحاول – اليوم - وبقدر استطاعتي، تسطير هذه الأحرف والكلمات البسيطة، بإعتبارها مجرّد "خربشات" فى جدار، وذاكرة الكتابة، بسرد ذكريات، وتذكير، وتذكُّر، لأحداث أعتقد أنّها من الأهمية بمكان، جرت وستجري، فى – وعن - قضايا وهموم (التنظيم) والذي هو "أرقي أشكال الوعي"، فى تاريخ، وحاضر، ومستقبل، نقابة الصحفيين السودانيين.
-4-
نعم، أكتب –اليوم - من الذاكرة "الفردية"، وتجيء هذه الكتابة، كمحاولة أولي - متواضعة - لتنشيط الذاكرة "الجمعية"، وتحريضها، على أهميّة ومشروعية وضرورة الكتابة، والتوثيق، عن فكرة، ورحلة، ومبادرات، ومحطّات، وركائز، ومضامين، ومطلوبات واستحقاقات انجاز مشروع "استعادة" (نقابة الصحفيين السودانيين)، وإرثها التليد، منذ صرخة ميلاد (النقابة الأولي) فى العام 1952، وحتّي ميلاد آخر (نقابة شرعية)، حُرّة ومستقلّة، ومُنتخبة ديمقراطيّاً، فى فترة الديمقراطية الثالثة (1986-1989).
-5-
هاهو الطريق إلى النقابة - فى يومنا، وزماننا هذا - يتّسع، نحو استكمال البناء، ومواصلة المشوار الطويل، وقد أصبح (حُلم) استعادة نقابة الصحفيين السودانيين - اليوم – واقعاً، وحقيقةً ناصعة، ومرئية، وملموسة، ومسموعة، كتجربة رائدة، ومتقدّمة، فى تاريخ نقابة مهنة (البحث عن الحقيقة)، والنقابات المهنية الأُخري، وقد تحقّقت (نقابة الصحفيين السودانيين)، على أرض الواقع السوداني، وأصبح يُتابِع أمرها، وأخبارها، وينظر إلى تداعياتها ومآلاتها، المجتمع المدني السوداني، والإقليمي، والعالمي، وحركة حقوق الإنسان السودانية، والإقليمية، والعالمية، والمجتمع الصحفي العالمي بأكمله، ومن قبل، ومن بعد، "العائلة" الصحفية السودانية، وهي صاحبة الحق الأصيل، والمصلحة الأولي، والأخيرة، فى تكوين وتأسيس النقابة، والإبقاء على راياتها مرفوعة، وجذوتها مُتّقدة.
-6-
ظللنا، على مدي أكثر من ثلاثة عقود، نعمل بصبر، ونُساهم بكل ما ملكنا من قناعة، وإيمان بأهمية التنظيم النقابي، الديمقراطي، الحُر، والمستقل – وبكل ما نملك - من جهد وطاقة ومعرفة وتجربة وخبرات متراكمة – مع آخرين، وأُخريات، من زميلات وزملاء المهنة الصحفية – لتحقيق هذا الإنجاز الرائع، على أرض الواقع المُعاش، مُنذ أن صادر إنقلاب (الجبهة القومية الإسلامية) بـ(إنقلاب الإنقاذ) فى 30 يونيو 1989، الحق فى التنظيم النقابي، وقد تمّ – يومها - "حل" (نقابة الصحفيين السودانيين) الشرعية، مع غيرها، من النقابات الأخري، الحُرّة، والمستقلّة، المنتخبة ديمقراطياً، فى ذلك الزمان.
-7-
واصل الإنقلابيون بعد ذلك، السير و"التمكين" فى طريق فرض الإظلام الإعلامي، والنقابي، فى البلاد، بقمع الحركة النقابية، ومحاولات تدجينها، وتسخيرها لخدمة أجندة الإنقلاب، وشاهدنا، وشهدنا – مع غيرنا – من شركاء الهم النقابي، كل محاولات كسر شوكة الحركة النقابية، والثقافية، والرياضية، والإجتماعية، والسياسية، وقد نشط – الإنقاذيون، وسدنتهم - فى تكوين البدائل السلطوية، وترسيخ المسخ النقابي، فتجبّروا، وتفنّنوا، فى صُنع المؤسسات النقابية الفارغة من المحتوي والمضمون، فى أقبية الأجهزة الأمنية، ليُسبّح قادة النقابات السلطوية، بحمد السلطان، فياتمرون بأمره، وينتهون بنهيه، بعيداً عن أهداف النقابات، ودورها الحيوي فى خدمة منسوبيها الحقيقيين، لتصبح مؤسسات زائفة ومُزيّفة !.
-8-
أحاول – اليوم - أن أتذكّر، وأستعيد، وأحكي، من الذاكرة "الفردية" ، شريط ذكريات، وأحداث، ومواقف، لن تُمحي، لأسجّل -"بعض" من - تفاصيل البدايات الأولي، ورحلة السير فى طريق استعادة النقابة، وأذكر – من قبل ومن بعد - بالإعزاز والفخر والتقدير المُستحق، كل المجهودات والمبادرات والمحاولات، التي بُذلت، عبر السنوات الطوال، فى سبيل تحقيق ذلك الهدف النبيل، وتلك الغاية السامية، إلى أن تكلّلت الجهود والمساعي الصادقة والصبورة، والتحمت الجهود السابقة، باللاحقة، بنجاح، وتحقيق ما يُطلق عليها فى "العائلة الصحفية" بـ((مبادرة فيصل الباقر))، والتي بدأت عمليّأً فى شهر يونيو 2021، لجمع شمل، وتيسير الحوار الهادف، لتوحيد إرادة ثلاث مجموعات وأجسام صحفية، هي ((اللجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين، ولجنة إستعادة نقابة الصحفيين السودانيين، ومنصّة التاسيس لنقابة الصحفيين السودانيين))، فى طريق استعادة النقابة، فكان ميلاد وإعلان التوقيع على مشروعي الوثيقتين الهامّتين: (النظام الأساسي) و(ميثاق الشرف الصحفي) فى صورتهما الأولي، فى 15 فبراير 2022، فى إجتماعٍ مشهود بصحيفة (التيار)، بالخرطوم.
-9-
وقّعت – يومها - المجموعات الثلاث، على مشروع ((النظام الأساسي)) ومشروع ((ميثاق الشرف الصحفي)) ((للمزيد، أُنظر/ي، كلمتي المنشورة، فى ذات التاريخ))، وقد طُرحت – وقتها - الوثيقتان الهامّتان، للتداول العام، بغرض توسيع دائرة النقاش والمشورة والحوار، حول الوثيقتين "المسودّتين"، وفُتح باب الحوار – أوسع حوار - فيهما، وحولهما، لإثراء وتطوير المحتوي، بما فى ذلك، الحق فى الإضافة، والحذف، والتعديل، وحتّي الحق فى الالغاء، وفى تقديم البديل، وقد نُشرت الوثيقتان فى بعض الصُحف الورقية، وعدد من مواقع ومنصّات الصحافة الإليكترونية، إلى جانب النشر فى وسائط الميديا الإجتماعية (قروبات "الواتساب" والفيسبوك "نموذجاً")، وغيرها.
-10-
جاءت الخطوة التالية، بقيام الجمعية العمومية التاسيسية الأولي، التي اُنتخبت فيها ((لجنة تمهيدية)) فى يوم 26 مارس 2022، فى فناء (المجلس القومي للآداب والفنون) بالخرطوم شرق، وكُلّفت اللجنة المُنتخبة، بمهام محدّدة، أهمّها وفى مقدّمتها التجهيز والإعداد لقيام وعقد الجمعية العمومية الثانية، لتنتخب قيادة للنقابة من ((مجلس النقابة)) و(نقيب/ة الصحفيين)، و(اللجنة التنفيذية)، إلى جانب مهام أُخري - (راجع/ي مقالي بعنوان "هزيمة القحط النقابي .. رسالة عاجلة فى بريد القاعدة الصحفية العريضة، واللجنة التمهيدية المنتخبة لنقابة الصحفيين السودانيين"- بتاريخ 31 مارس 2022 – موقع سودانايل) - وقد عُقدت الجمعية العمومية الثالثة - وهي صاحبة الحق الأصيل، والأوّل والأخير- فى 23 يوليو 2022، بدار المهندس، بالخرطوم فأجازت (النظام الأساسي)، و(ميثاق الشرف الصحفي)، فى صورتهما الأخيرة، لتصبح الوثيقتان، المرجع الأوّل والأخير، الذي تحتكم إليه النقابة، فى طور ومرحلة التاسيس الحالي.
-11-
اختارت الجمعية العمومية الثالثة، وأمام مرأي ومسمع من الجميع، لجنةً للإنتخابات، وكلّفتها – الجمعية العمومية - بمهام وواجبات محددة، ليُستكمل المسار الديمقراطي، بعقد (الإنتخابات) امتثالاً وتنفيذاً لقرارالجمعية العمومية الأخيرة، وقد أُجري التصويت – بالفعل - يوم 27 أغسطس 2022، وبنجاح منقطع النظير، وفق الجدول الذي حدّدته لجنة الإنتخابات.
-12-
وُلدت لجنة الإنتخابات من رحم الجمعية العمومية، بإختيار حُر وديمقراطي، من ثمانية صحفيين، بينهم صحفيتين، برئاسة الزميل فيصل محمد صالح، والزميلة لمياء الجيلي "مقررة"، وانضمّ إلى الصحفيين الثمانية، خمسة محامين، بينهم محاميتين، بترشيح من (لجنة تسيير نقابة المحامين)، التي استجابت لنداء الواجب المهني، لطلب مشاركتهم فى لجنة الإنتخابات، وقد عملت هذه اللجنة - ليل، نهار، ودون كلل ولا ملل، وبصبرٍ "أيُّوبي"، بعد أن وضعت لنفسها لوائح وإجراءات ومنهج للعمل.
-13-
كوّنت لجنة الإنتخابات، من عضويتها، لجنة للطعون، وأُخري للإستئناف، وظلّت تعمل بمثابرة، ونكران ذات، وتناغم، وبصورة تستحق التقدير والإحترام، وهذا كُلّه اجتهاد عظيم، يستحقون عليه الثناء والتقدير، فلهم فى جهدهم، أجرين إن أصابوا، وأجر- الإجتهاد - إن أخطأوا، وربّما كان الإستعجال الذي لازم أعمال الجمعية العمومية الاخيرة، وحداثة التجربة الإنتخابية، سبباً جوهريّأً، فى أن لا تضع الجمعية العمومية للجنة الإنتخابات، خارطة طريق مُفصّلة ومكتملة المعالم، بلائحة انتخابية واضحة المعالم، ومُلزمة الاتّباع والتنفيذ، للعملية الإنتخابية، وسيرها من الألف إلى الياء، من لوائح وإجراءات وسيناريوهات متعددة، من مطلوبات أعمال لجان الإنتخابات المحترفة، وهذا، وذاك، كُلّه، بعض من الدروس التي يجب التعلُّم منها فى المرّات القادمة.
-14-
الحديث عن لجنة الإنتخابات، يُعيدني إلى ذكريات إنشاء لجنة السجل والإنتخابات الأولي، والتي تمّ تكوينها بمشورة واسعة، من مُيسّر المبادرة، مع اللجنة المشتركة للأجسام الثلاثة، ووجدت ترحيباً وموافقةً، وتأييداً من كل الأطراف، حيث قمنا وقتها بفتح حوار أوّلي وعميق، حول سجل العضوية والسجل الإنتخابي، وأجرينا جلسات "عصف ذهني" وتفكير عميق، حول قضايا سجل العضوية والسجل الإنتخابي، وقد شاركت – لجنة السجل – بالآراء السديدة، وأبدت الملاحظات القيّمة، حول مشروعي (النظام الأساسي) و(ميثاق الشرف الصحفي)، وسيناريوهات عامّة لعملية الانتخابات.
-15-
ضمّت تلك اللجنة فى عضويتها ثلاثة صحفيين - من الجيل الذهبي، هم : أستاذنا محمّد عبد السيد، وأستاذتنا آمال عبّاس، وزميلنا الأستاذ عبدالله رزق، والمحامي والخبير القانوني المعروف، الأستاذ محمد الحافظ - المحامي، والخبير فى الشان النقابي الأستاذ محجوب كناري، وأُستاذين من جامعة الخرطوم، هما :عميد كلية القانون - وقتها - الدكتور محمّد عبدالسلام، وعميد كلية المعمار – وقتها - الدكتورأكرم الخليفة، وقد أعانتنا عضوية هذه اللجنة – منفردين ومجتمعين – بمعارف، وخبرات، وأفكار، وآراء، وملاحظات قيّمة، ساعدتنا كثيراً فى جهودنا المستقبلية، وقد أبلت تلك اللجنة، بلاءاً حسناً، وانتهي عملها بقيام الجمعية العمومية الأخيرة فى (23يوليو 2022)، التي انتخبت لجنة الإنتخابات الجديدة.
-16-
جاءت، وسجّلت (طِيبة برس) بمبادرتها الذكيّة، وحضورها النابه والأنيق، فى اللحظة التاريخية المهمّة – كما عوّدتنا، وتعوّدنا منها – منذ سنوات التاسيس الأولي فى العام 1998، فكان مشروع وبرنامج ((مناظرات المرشحين لنقابة الصحفيين)) الذي صمّمته، ونفّذته، بمهنية وإحترافية عالية، كمساهمة مبتكرة وجديدة ونوعية، فى إثراء النقاش المفتوح، والحوار البنّاء، والنقاش الموضوعي، فى الشأن النقابي، والصحفي، وفى ممارسة (الديمقراطية النقابية)، بتهيئة المناخ الديمقراطي، والحُر، لإجراء الإنتخابات، وأبدعت (طِيبة برس) وفريق عملها المتفاني، فى تهيئة المناخ الصحّي والنظيف، لإدارة الحوار والنقاش الموضوعي والهادف، لتقديم البرامج الإنتخابية لممثلي/ات المرشحين/ات فى القوائم الإنتخابية، والأفراد "المستقلّين/ات"، عبر منصّة ثابتة فى مقرّها بقلب الخرطوم، ومنصّة أُخري "إفتراضية"، عبر صفحتها فى الفيسبوك.
-17-
استطاعت (طِيبة برس) عقد عشر مناظرات، شارك فيها عشرون مرشّحاً ومرشّحة، وتناولت هذه المناظرات قضايا ومواضيع حيوية، أستطيع تلخيصها – بإيجاز - فى التالي: عرض وتقديم البرامج الإنتخابية، وفتح الحوارات الجادّة والمسئولة حول قضايا المرأة الصحفية، وقضايا مناهضة خطاب الكراهية والتمييز، وقضايا الصحافة الرياضية، وقضايا دور النقابة فى صحافة ما بعد النزاع، وغيرها من المسائل الحيوية، فى الشأن الصحفي، والنقابي، والإنتخابي، والوطني، لنقابة الصحفيين السودانيين.
-18-
مضافاً، إلى كل ذلك، فقد جعلت (طِيبة برس) من مقرّها، مركزاً - مؤقّتاً - لإجتماعات لجنة الإنتخابات، وساعدت فى تيسير وتذليل كثير من الصعوبات "اللوجستية" و"التقنية"، لتيسير، وتسريع عمل لجنة الإنتخابات. وكانت طِيبة برس قد فتحت قلبها وأبوابها ومقرّها، لعدد من الإجتماعات واللقاءات التحضيريّة والأولية، فى مرحلة ما قبل الإنتخابات، فاستضافت قاعتها،عدد من الإجتماعات الهامّة، والحوارات المفصلية لـ((اللجنة المشتركة)) للاجسام الصحفية الثلاثة، فى مرحلة جمع الشمل، وتيسير حوارات ونقاشات الطريق نحو النقابة.
-19-
يجب الإشارة، والإشادة بكل الصُحف الورقية والمواقع الإليكترونية، والإذاعات والقنوات والمحطات التلفزيونية، التي ساهمت وشاركت بالنشر، واستضافة الحوارات الصحفية، حول نقابة الصحفيين، منذ البدايات الأولي، وحتّي النهايات الناجحة، وهنا يتوجّب الإشادة – بصورة خاصّة - بدور صحيفة (التيّار) التي وافقت على طلب لجنة الإنتخابات، بجعل مقرّها، مركزاً مُساعداً فى العملية الإنتخابية ، كما استضافت حديقتها الجميلة، حفل تكريم (لجنة الإنتخابات) الذي أقامته طِيبة برس، يوم 31 أغسطس 2022، وشرّفه أستاذ الأجيال، وعميد الصحافة السودانية، محجوب محمّد صالح، صاحب أهمّ مبادرات جمع شمل العائلة الصحفية، وهو أوّل سكرتير لنقابة الصحفيين فى العام 1952، وعلمٌ بارزٌ من أعلام ذلك الجيل الذي حمل على أكتافه القويّة، لواء الصحافة، وقضايا النقابات، والصحافة الديمقراطية، ودورها فى البناء الوطني، وغيره من شموس وأقمار ونجوم ونجمات الصحافة السودانية، من كل مشاربها ووسائلها الإعلامية، والعائلة الصحفية، من كلّ الأجيال، ولن ننسي لـ(صحيفة التيار) وحديقتها الغنّاء، استضافتها للإجتماع التاريخي (الأوّل) الذي تمّ فيه الإعلان عن توحيد جهود وغرادة ثلاثة أجسام صحفية، فى الطريق نحو النقابة، بتاريخ 15 فبراير 2022.
-20-
يُحمد لنقابة المحامين، ممثلة فى لجنتها التسييرية، دورها ومساهمتها العملية، فى نجاح انتخابات نقابة الصحفيين، ، ويكفيها – فخراً- أنّها مدّت نقابة الصحفيين بالكادر القانوني المؤهّل، من أهل القضاء الواقف، والذي كان لوجوده فى لجنة الإنتخابات "الأُم" ولجانها الفرعية، اثراً بالغاً فى تحقيق ذلك النجاح العظيم.
-21-
لن ننسي دور نقابة المهندسين السودانيين، ممثلة فى لجنتها التسييرية، فقد شاركتنا فى الهم النقابي، والنجاح الإنتخابي "كتفاً، بكتف"، إذ جعلت من دارها (دارالمهندس ) بالعمارات - الخرطوم، "ملاذاً آمناً"، للصحفيين والصحفيات، ولجنة الإنتخابات، وعشرات الضيوف والضيفات من المجتمع المدني، طيلة أيّام الإنتخابات، من لحظات الترتيبات الأولي، وحتّي إعلان النتيجة، وقد سخّرت كل امكانات دارها لإستضافة المنشط، فتمثّل المهندسون، بالقول الجميل:"يا ضيفنا، لو جئتنا، لوجدّتنا، نحن الضيوف، وأنت ربّ المنزل"، فشكراً للجنة تسيير نقابة المهندسين، ونأمل أن تكون تجربتنا محفّزاً لهم، ولغيرهم من المهنيين فى استكمال واستعجال انجاز مشروعهم القاصد نحو الطريق إلى النقابة.
-22-
من المهم، والأهم، أن نؤكّد، ونُذكّر، أننا حينما نتحدّث عن (استعادة النقابة) نقصد، ونعني بصريح العبارة، وكامل الوضوح، استعادة ((نقابة الصحفيين السودانيين)) التي كانت قائمة، ومُنتخبة ديمقراطياً، بالإرادة الحُرّة والمستقلة للصحفيين/ ات، فى ذلك الزمان، قبل انقلاب 30 يونيو 2022، وهي (النقابة الشرعية) التي تمّ حلّها إداريّاً، وتعسُّفياً، كما تمّت مُصادرة ممتلكاتها، وتشريد عضويتها، ضمن النقابات الأُخري التي كانت قائمة - وقتها – والتي حُلّت بقرار وإجراءات تعسّفية، قامت بها السلطة الإنقلابية (انقلاب الإنقاذ)، ثُمّ كوّنت بعد سنوات تنظيمات سلطوية، منها – فى حالتنا هذه (إتحاد الصحفيين السودانيين)، وقد نازلنا مع شعبنا، وقواه الحيّة، انقلاب الإنقاذ، وخُضنا مع شعبنا، ومجتمعنا الصحفي، معارك مشهودة، وموثّقة ضده، وضد مؤسساته المصنوعة، تارةً بالمنازلة الإنتخابية، رُغم علمنا وإدراكنا بطبيعة النظام وانتخاباته "المخجوجة"، وتارة أُخري بسلاح المقاطعة، وهي تكتيكات، فيما كان وظلّ الهدف الإستراتيجي والرئيسي هو استعادة الحق فى التنظيم والتعبير، واستعادة نقابتنا ((نقابة الصحفيين السودانيين)).
-23-
ها نحن نخطو – اليوم – خطوات واثقة، للأمام، ونواصل السير فى الطريق الذي اخترناه – بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 – المُعادي بطبيعته للديمقراطية والديمقراطية النقابية على وجه الخصوص، وقد انتزعنا - بجدارة - حقّنا فى استعادة نقابتنا، ونعلم أنّ الطريق نحو النقابة، وحريّتها، واستقلاليتها، وديمقراطيتها، طريق طويل وشاق، وهو طريق، ليس مفروشاً بالورود والرياحيين، وفيه صعوبات كبيرة، وكثيرة ، منها صعوبات حداثة التجربة والممارسة، بعد فترة انقطاع طويل، فى التجربة الديمقراطية، والديمقراطية النقابية، وتغيُّر الأجيال الصحفية، وتوسيع دائرة عضوية النقابة، لتشمل قطاعات صحفية وإعلامية جديدة.
-24-
لاحظنا - كما توقّعنا من قبل - حدوث أخطاء فى الممارسة والتنفيذ، والتطبيق، والإجراءات، وحتّي فى بعض مواد (النظام الأساسي)، وهي أخطاء تلازم بدايات التاسيس، فى أيّ عمل نقابي، ولكن، تبقي القناعة الراسخة، فى أنّ أخطاء الطريق نحو الديمقراطية النقابية، لا تُصحّح إلّا بالمزيد من المشاركة الواعية، والمساهمة الفاعلة، والمستنيرة، فى إرساء قيم وتقاليد وأعراف ديمقراطية العمل النقابي، وديمومة واستمرارية الفعل والعمل النقابي، ولنسمّي ما نحن فيه - اليوم - خطوة جديدة فى طريق بناء وتأسيس واستعادة النقابة/ات الحُرّة، والمستقلّة، والديمقراطية، والتي ترتكز على إرث وتقاليد الحركة النقابية السودانية التليد، وشعارها الموحي والخلّاق ((لكلٍّ حزبه/ا وفكره/ا، والنقابة للجميع)).
-25-
هذه مناسبة وفرصة سانحة، بإمكاننا، بل، يتوجّب علينا، فى "العائلة" الصحفية – اغتنامها دون ابطاء، ولكل الفئات المهنية والعمالية، لدراسة وتقييم تجربة الطريق إلى إعادة تاسيس ((نقابة الصحفيين السودانيين))، والبدء فى تنظيم الصفوف، وتوحيد الجهود، لإستعادة وتعزيز الحق فى التنظيم النقابي، فى كل النقابات المهنية، والنقابات العمالية، وهو حق من حقوق الإنسان، كرّسته وكفلته المواثيق والبروتوكولات والمعاييرالدولية والإقليمية المعروفة، ولا يحتاج لأن ننتظر فيه قرارات وإجراءات حكومية، ولا يحزنون!.
-26-
هذه التجربة والممارسة الحُرّة، فى استعادة تأسيس النقابة، وإجراء الإنتخابات، هي فى تقديري - وبلا أدني شك - انتصار للحق فى التنظيم، والحق فى التعبير، والحق فى الإنتخاب والترشيح والتصويت، وهي حقوق أصيلة فى منظومة حقوق الإنسان. ولأنّ "الثورة نقابة ولجنة حي"، أُضيف – وعن قناعةٍ راسخة – الحق صحافة المقاومة، و((نقابة المقاومة))، فى طريق مقاومة انقلاب 25 أكتوبر 2021، "البرهاني"، وهي خطوة متقدمة فى طريق تحقيق المسار الديمقراطي كامل الدسم، الذي لم يبدأ بعملية (إعلان الإنتخابات) ولن ينتهي بعملية إغلاق الصناديق، وإعلان فوز قائمة "زيد" على قائمة "عمرو"، أو العكس، ولكنّه، "مُدماك" أول، نضعه فى بنيان الديمقراطية النقابية، و"تِرس" قوي، فى عجلة التغيير الديمقراطي، الخاسر فيه، هم من أعداء الديمقراطية والحرية والسلام والعدالة، والفائز هم "العائلة " الصحفية، التي خاضت التجربة، ونالت شرف المشاركة والمساهمة فى بناء (الديمقراطية النقابية)، كمدخل رئيسي للتغيير الجذري، واستكمال البناء المُستدام، وهذا ما أزعج – وسيظل يُزعج – السلطة الإنقلابية، و"سدنتها" فى قيادة (اتحاد الصحفيين)، وجميع معسكر أعداء الديمقراطية النقابية، واعداء النقابات الديمقراطية الحرّة المستقلّة، حيثما كانوا، وأينما يكونون.
-27-
لاحظنا – مع الجميع – موجات الانزعاج والوجل والخوف، الذي بدا واضحاً فى محاولات التشكيك فى حق القاعدة الصحفية فى اختيار طريقها، فى تاسيس/ إعادة تاسيس مؤسستها النقابية ((نقابة الصحفيين السودانيين))، وفى بعض الكتابات التي سعت - وتسعي - لتحريض السلطة الإنقلابية على التدخُّل، فى الشأن النقابي، وتحثّها على إيقاف العملية الإنتخابية، كما لاحظناها فى "فتاوي" فطيرة، قام بها مُسجّل تنظيمات العمل، وفى تصريحات قيادة مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية، التي تمثّلت فى الحديث الممجوج، عن عدم مشروعية الحق فى تكوين النقابة، لعدم وجود قانون ينظّمها، وهذا، حديث "إفك" مردود على أصحابه، لأنّ منظومة حقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها جمهورية السودان، فى عام 2021، تكفل وتكرّس الحق فى تكوين النقابات المستقلة، بعيداً عن أيّ تدخُّل من الحكومة والسلطة القائمة.
-28-
من المهم أن ندرس - بصورة جماعية - التجربة الحالية، تجربة (التسجيل) و(التصويت) "الفردي/ الحُر المباشر/الأكثرية العددية"، و(التسجيل) و(التصويت الإليكتروني)، والتي شارك فيها الصحفيين والصحفيات فى العاصمة والأقاليم و"الدياسبورا"، وأن نعمل على تطوير التجربة النقابية، وديمقراطيتها وديمومتها، لنصل بعد دورةٍ واحدة، أو دورتين انتخابيتين - على أكثر تقدير- إلى تجذير الممارسة الديمقراطية، وعقد الإنتخابات الدورية، على نظام وقاعدة وأُسس (التمثيل النسبي) وفق معايير وقواعد وإجراءات أكثر ديمقراطية، تضمن الحرية والاستقلالية للنقابة، كما تضمن تمثيل النوع الإجتماعي بعدالة، لكونها الأمثل، والأفضل.
-29-
من واقع التجربة السودانية، وملامسة تجارب حيّة، فى مسالة الديمقراطية النقابية، أستطيع أن أقول، وبكل ثقة، إنّ أيّ نقابة فى وضع (نقابة الصحفيين السودانيين)، تضم فى عضويتها صحفيين وصحفيات من وسائل ووسائط ومؤسسات وبيئات صحفية بهذا القدر الكبير من التنوُّع، ستكون قاعدة (التمثيل النسبي)، و(التمثيل العادل للنوع الإجتماعي)، هي القاعدة – والخيار - الأمثل والأفضل، ولأنّ الطريق يصنعه المشي، فلنمضي في السير الواثق فى طريق الديمقراطية النقابية، وممارستها فى نقابتنا، فى أرقي صورها، ولنحرص على استلهام ودراسة تجربتنا السودانية، والتجارب المماثلة والمشابهة والنموذجية فى العالم، بهدف تحقيق أفضل ممارسة للديمقراطية النقابية.
-30-
فليعلم الجميع، وليخبر الداني، القاصي، أنّ قطار (نقابة الصحفيين السودانيين) قد انطلق، وأصبح من سابع المستحيلات، تعطيله، أو جرّه للوراء، ومن المؤكّد أنّ القاعدة الصحفية العريضة التي حقّقت هذا الإنجاز، ستهُب للدفاع عن نقابتها ضد كل تغوُّل خارجي، مهما كانت المخاطر والتحدّيات والتضحيات.
-31-
كل هذا، وذاك، هوالمطلوب، فـ(يا صحفيي وصحفيات السودان، اتّحدوا). فإنّ قوّتنا فى وحدتنا، وعزّتنا وكرامتنا فى استعادة نقابتنا، وفى الدفاع عنها أمام كل التحدّيات والمهدّدات، والمخاطر القريبة والبعيدة، وعلينا ان نُدرك أنّ ما تحقّق حتّي اليوم، هو انتصارنا الأوّل، على "صعوبات الجبال"، فلنشمّر – معاً – سواعدنا لتحقيق الإنتصار الحاسم، على "صعوبات السهول"، وفى هذا فليتنافس المتنافسون والمتنافسات !.
جرس قبل الأخير:
"أنا لا أخسر أبداً، فإمّا أن أفوز، أو أتعلّم" ((نيلسون مانديلا))
جرس أخير:
"طريقنا أنت تدري .. شوكٌ ووعرٌ عسيرُ .. موتٌ على جانبيه .. لكنّنا، سنسير... سنمضي .. سنمضي .. إلى ما نُريد .. وطنٌ حُرٌّ .. وشعبٌ سعيد" ((عبدالمجيد حسن مرهون))
فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com
"تبدو الأشياء، وكأنّها مُستحيلة، إلى نقوم بها" ((نيلسون مانديلا))
مدار ثاني:
"فى البداية يتجاهلونك .. ثُمّ يسخرون منك .. ثُمّ يُحاربونك .. ثُمّ تنتصر" ((المهاتما غاندي))
-1-
أكتب - اليوم - ((مدارات وأجراس))، فى لحظةٍ تاريخيّةٍ نادرة، بل، واستثنائيّة، طال انتظارها لأكثر من ثلاثة عقود، لتتأكّد المقولة النابهة، والخالدة "ما ضاع حق وراءه مُطالب". هي كتابة لا يدّعي صاحبها بها، ولها، الكمال، ولا الاِحاطة بكل شيء، وربّما تكون مُجرّد رؤوس أقلام، ومؤشرات وإشارات عامّة، فى مسألةٍ هامّة، أردت أن أفتح بها، وحولها، حواراً صادقاً حول القضايا المطروحة حول قضايا (الديمقراطية النقابية)، وها انذا أُحاول أن أكتب – اليوم - من (مدارات) وفضاءات الفرح النقابي البهيج، الذي أسعد "العائلة" الصحفية فى السودان، وأقرع عبرها (أجراس) إعلان الاحتفاء بالنصر المؤزر، الذي تحقّق، وبجدارة مُستحقّة، وبعد جهدٍ كبير، بإنجاز مشروع استعادة الحق في تكوين (نقابة الصحفيين السودانيين)، فمجرّد القناعة والاقتناع بالمشاركة والمساهمة فى تاسيس النقابة، وخوض (التمرين) الديمقراطي الإنتخابي، هو فى تقديري نصرٌ كبير وعظيم.
-2-
أحاول اليوم، أن أُساهم وأُشارك – بجهد المُقل – بهذه الكتابة، التي تأتي مُنسابة من الذاكرة، فى صورة (مؤانسة)، فى تسجيل وتوثيق بعض ملامح من رحلة السير الطويل فى الطريق إلى النقابة، فى هذا الظرف الإستثنائي الحرج، وهذه اللحظة التاريخية الهامة، من عمر النضال الطويل والجسور، لإنتزاع الحق فى التنظيم النقابي، والحق فى التعبير، عبر الإدلاء بالصوت الإنتخابي، لإختيار ممثلين وممثلات للقاعدة الصحفية، التي ارتضت طوعاً واختياراً، المشاركة والمساهمة فى هذا الحدث الهام، وهو استعادة تأسيس، وإجراء انتخابات (نقابة الصحفيين السودانيين).
-3-
ها أنذا أحاول – اليوم - وبقدر استطاعتي، تسطير هذه الأحرف والكلمات البسيطة، بإعتبارها مجرّد "خربشات" فى جدار، وذاكرة الكتابة، بسرد ذكريات، وتذكير، وتذكُّر، لأحداث أعتقد أنّها من الأهمية بمكان، جرت وستجري، فى – وعن - قضايا وهموم (التنظيم) والذي هو "أرقي أشكال الوعي"، فى تاريخ، وحاضر، ومستقبل، نقابة الصحفيين السودانيين.
-4-
نعم، أكتب –اليوم - من الذاكرة "الفردية"، وتجيء هذه الكتابة، كمحاولة أولي - متواضعة - لتنشيط الذاكرة "الجمعية"، وتحريضها، على أهميّة ومشروعية وضرورة الكتابة، والتوثيق، عن فكرة، ورحلة، ومبادرات، ومحطّات، وركائز، ومضامين، ومطلوبات واستحقاقات انجاز مشروع "استعادة" (نقابة الصحفيين السودانيين)، وإرثها التليد، منذ صرخة ميلاد (النقابة الأولي) فى العام 1952، وحتّي ميلاد آخر (نقابة شرعية)، حُرّة ومستقلّة، ومُنتخبة ديمقراطيّاً، فى فترة الديمقراطية الثالثة (1986-1989).
-5-
هاهو الطريق إلى النقابة - فى يومنا، وزماننا هذا - يتّسع، نحو استكمال البناء، ومواصلة المشوار الطويل، وقد أصبح (حُلم) استعادة نقابة الصحفيين السودانيين - اليوم – واقعاً، وحقيقةً ناصعة، ومرئية، وملموسة، ومسموعة، كتجربة رائدة، ومتقدّمة، فى تاريخ نقابة مهنة (البحث عن الحقيقة)، والنقابات المهنية الأُخري، وقد تحقّقت (نقابة الصحفيين السودانيين)، على أرض الواقع السوداني، وأصبح يُتابِع أمرها، وأخبارها، وينظر إلى تداعياتها ومآلاتها، المجتمع المدني السوداني، والإقليمي، والعالمي، وحركة حقوق الإنسان السودانية، والإقليمية، والعالمية، والمجتمع الصحفي العالمي بأكمله، ومن قبل، ومن بعد، "العائلة" الصحفية السودانية، وهي صاحبة الحق الأصيل، والمصلحة الأولي، والأخيرة، فى تكوين وتأسيس النقابة، والإبقاء على راياتها مرفوعة، وجذوتها مُتّقدة.
-6-
ظللنا، على مدي أكثر من ثلاثة عقود، نعمل بصبر، ونُساهم بكل ما ملكنا من قناعة، وإيمان بأهمية التنظيم النقابي، الديمقراطي، الحُر، والمستقل – وبكل ما نملك - من جهد وطاقة ومعرفة وتجربة وخبرات متراكمة – مع آخرين، وأُخريات، من زميلات وزملاء المهنة الصحفية – لتحقيق هذا الإنجاز الرائع، على أرض الواقع المُعاش، مُنذ أن صادر إنقلاب (الجبهة القومية الإسلامية) بـ(إنقلاب الإنقاذ) فى 30 يونيو 1989، الحق فى التنظيم النقابي، وقد تمّ – يومها - "حل" (نقابة الصحفيين السودانيين) الشرعية، مع غيرها، من النقابات الأخري، الحُرّة، والمستقلّة، المنتخبة ديمقراطياً، فى ذلك الزمان.
-7-
واصل الإنقلابيون بعد ذلك، السير و"التمكين" فى طريق فرض الإظلام الإعلامي، والنقابي، فى البلاد، بقمع الحركة النقابية، ومحاولات تدجينها، وتسخيرها لخدمة أجندة الإنقلاب، وشاهدنا، وشهدنا – مع غيرنا – من شركاء الهم النقابي، كل محاولات كسر شوكة الحركة النقابية، والثقافية، والرياضية، والإجتماعية، والسياسية، وقد نشط – الإنقاذيون، وسدنتهم - فى تكوين البدائل السلطوية، وترسيخ المسخ النقابي، فتجبّروا، وتفنّنوا، فى صُنع المؤسسات النقابية الفارغة من المحتوي والمضمون، فى أقبية الأجهزة الأمنية، ليُسبّح قادة النقابات السلطوية، بحمد السلطان، فياتمرون بأمره، وينتهون بنهيه، بعيداً عن أهداف النقابات، ودورها الحيوي فى خدمة منسوبيها الحقيقيين، لتصبح مؤسسات زائفة ومُزيّفة !.
-8-
أحاول – اليوم - أن أتذكّر، وأستعيد، وأحكي، من الذاكرة "الفردية" ، شريط ذكريات، وأحداث، ومواقف، لن تُمحي، لأسجّل -"بعض" من - تفاصيل البدايات الأولي، ورحلة السير فى طريق استعادة النقابة، وأذكر – من قبل ومن بعد - بالإعزاز والفخر والتقدير المُستحق، كل المجهودات والمبادرات والمحاولات، التي بُذلت، عبر السنوات الطوال، فى سبيل تحقيق ذلك الهدف النبيل، وتلك الغاية السامية، إلى أن تكلّلت الجهود والمساعي الصادقة والصبورة، والتحمت الجهود السابقة، باللاحقة، بنجاح، وتحقيق ما يُطلق عليها فى "العائلة الصحفية" بـ((مبادرة فيصل الباقر))، والتي بدأت عمليّأً فى شهر يونيو 2021، لجمع شمل، وتيسير الحوار الهادف، لتوحيد إرادة ثلاث مجموعات وأجسام صحفية، هي ((اللجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين، ولجنة إستعادة نقابة الصحفيين السودانيين، ومنصّة التاسيس لنقابة الصحفيين السودانيين))، فى طريق استعادة النقابة، فكان ميلاد وإعلان التوقيع على مشروعي الوثيقتين الهامّتين: (النظام الأساسي) و(ميثاق الشرف الصحفي) فى صورتهما الأولي، فى 15 فبراير 2022، فى إجتماعٍ مشهود بصحيفة (التيار)، بالخرطوم.
-9-
وقّعت – يومها - المجموعات الثلاث، على مشروع ((النظام الأساسي)) ومشروع ((ميثاق الشرف الصحفي)) ((للمزيد، أُنظر/ي، كلمتي المنشورة، فى ذات التاريخ))، وقد طُرحت – وقتها - الوثيقتان الهامّتان، للتداول العام، بغرض توسيع دائرة النقاش والمشورة والحوار، حول الوثيقتين "المسودّتين"، وفُتح باب الحوار – أوسع حوار - فيهما، وحولهما، لإثراء وتطوير المحتوي، بما فى ذلك، الحق فى الإضافة، والحذف، والتعديل، وحتّي الحق فى الالغاء، وفى تقديم البديل، وقد نُشرت الوثيقتان فى بعض الصُحف الورقية، وعدد من مواقع ومنصّات الصحافة الإليكترونية، إلى جانب النشر فى وسائط الميديا الإجتماعية (قروبات "الواتساب" والفيسبوك "نموذجاً")، وغيرها.
-10-
جاءت الخطوة التالية، بقيام الجمعية العمومية التاسيسية الأولي، التي اُنتخبت فيها ((لجنة تمهيدية)) فى يوم 26 مارس 2022، فى فناء (المجلس القومي للآداب والفنون) بالخرطوم شرق، وكُلّفت اللجنة المُنتخبة، بمهام محدّدة، أهمّها وفى مقدّمتها التجهيز والإعداد لقيام وعقد الجمعية العمومية الثانية، لتنتخب قيادة للنقابة من ((مجلس النقابة)) و(نقيب/ة الصحفيين)، و(اللجنة التنفيذية)، إلى جانب مهام أُخري - (راجع/ي مقالي بعنوان "هزيمة القحط النقابي .. رسالة عاجلة فى بريد القاعدة الصحفية العريضة، واللجنة التمهيدية المنتخبة لنقابة الصحفيين السودانيين"- بتاريخ 31 مارس 2022 – موقع سودانايل) - وقد عُقدت الجمعية العمومية الثالثة - وهي صاحبة الحق الأصيل، والأوّل والأخير- فى 23 يوليو 2022، بدار المهندس، بالخرطوم فأجازت (النظام الأساسي)، و(ميثاق الشرف الصحفي)، فى صورتهما الأخيرة، لتصبح الوثيقتان، المرجع الأوّل والأخير، الذي تحتكم إليه النقابة، فى طور ومرحلة التاسيس الحالي.
-11-
اختارت الجمعية العمومية الثالثة، وأمام مرأي ومسمع من الجميع، لجنةً للإنتخابات، وكلّفتها – الجمعية العمومية - بمهام وواجبات محددة، ليُستكمل المسار الديمقراطي، بعقد (الإنتخابات) امتثالاً وتنفيذاً لقرارالجمعية العمومية الأخيرة، وقد أُجري التصويت – بالفعل - يوم 27 أغسطس 2022، وبنجاح منقطع النظير، وفق الجدول الذي حدّدته لجنة الإنتخابات.
-12-
وُلدت لجنة الإنتخابات من رحم الجمعية العمومية، بإختيار حُر وديمقراطي، من ثمانية صحفيين، بينهم صحفيتين، برئاسة الزميل فيصل محمد صالح، والزميلة لمياء الجيلي "مقررة"، وانضمّ إلى الصحفيين الثمانية، خمسة محامين، بينهم محاميتين، بترشيح من (لجنة تسيير نقابة المحامين)، التي استجابت لنداء الواجب المهني، لطلب مشاركتهم فى لجنة الإنتخابات، وقد عملت هذه اللجنة - ليل، نهار، ودون كلل ولا ملل، وبصبرٍ "أيُّوبي"، بعد أن وضعت لنفسها لوائح وإجراءات ومنهج للعمل.
-13-
كوّنت لجنة الإنتخابات، من عضويتها، لجنة للطعون، وأُخري للإستئناف، وظلّت تعمل بمثابرة، ونكران ذات، وتناغم، وبصورة تستحق التقدير والإحترام، وهذا كُلّه اجتهاد عظيم، يستحقون عليه الثناء والتقدير، فلهم فى جهدهم، أجرين إن أصابوا، وأجر- الإجتهاد - إن أخطأوا، وربّما كان الإستعجال الذي لازم أعمال الجمعية العمومية الاخيرة، وحداثة التجربة الإنتخابية، سبباً جوهريّأً، فى أن لا تضع الجمعية العمومية للجنة الإنتخابات، خارطة طريق مُفصّلة ومكتملة المعالم، بلائحة انتخابية واضحة المعالم، ومُلزمة الاتّباع والتنفيذ، للعملية الإنتخابية، وسيرها من الألف إلى الياء، من لوائح وإجراءات وسيناريوهات متعددة، من مطلوبات أعمال لجان الإنتخابات المحترفة، وهذا، وذاك، كُلّه، بعض من الدروس التي يجب التعلُّم منها فى المرّات القادمة.
-14-
الحديث عن لجنة الإنتخابات، يُعيدني إلى ذكريات إنشاء لجنة السجل والإنتخابات الأولي، والتي تمّ تكوينها بمشورة واسعة، من مُيسّر المبادرة، مع اللجنة المشتركة للأجسام الثلاثة، ووجدت ترحيباً وموافقةً، وتأييداً من كل الأطراف، حيث قمنا وقتها بفتح حوار أوّلي وعميق، حول سجل العضوية والسجل الإنتخابي، وأجرينا جلسات "عصف ذهني" وتفكير عميق، حول قضايا سجل العضوية والسجل الإنتخابي، وقد شاركت – لجنة السجل – بالآراء السديدة، وأبدت الملاحظات القيّمة، حول مشروعي (النظام الأساسي) و(ميثاق الشرف الصحفي)، وسيناريوهات عامّة لعملية الانتخابات.
-15-
ضمّت تلك اللجنة فى عضويتها ثلاثة صحفيين - من الجيل الذهبي، هم : أستاذنا محمّد عبد السيد، وأستاذتنا آمال عبّاس، وزميلنا الأستاذ عبدالله رزق، والمحامي والخبير القانوني المعروف، الأستاذ محمد الحافظ - المحامي، والخبير فى الشان النقابي الأستاذ محجوب كناري، وأُستاذين من جامعة الخرطوم، هما :عميد كلية القانون - وقتها - الدكتور محمّد عبدالسلام، وعميد كلية المعمار – وقتها - الدكتورأكرم الخليفة، وقد أعانتنا عضوية هذه اللجنة – منفردين ومجتمعين – بمعارف، وخبرات، وأفكار، وآراء، وملاحظات قيّمة، ساعدتنا كثيراً فى جهودنا المستقبلية، وقد أبلت تلك اللجنة، بلاءاً حسناً، وانتهي عملها بقيام الجمعية العمومية الأخيرة فى (23يوليو 2022)، التي انتخبت لجنة الإنتخابات الجديدة.
-16-
جاءت، وسجّلت (طِيبة برس) بمبادرتها الذكيّة، وحضورها النابه والأنيق، فى اللحظة التاريخية المهمّة – كما عوّدتنا، وتعوّدنا منها – منذ سنوات التاسيس الأولي فى العام 1998، فكان مشروع وبرنامج ((مناظرات المرشحين لنقابة الصحفيين)) الذي صمّمته، ونفّذته، بمهنية وإحترافية عالية، كمساهمة مبتكرة وجديدة ونوعية، فى إثراء النقاش المفتوح، والحوار البنّاء، والنقاش الموضوعي، فى الشأن النقابي، والصحفي، وفى ممارسة (الديمقراطية النقابية)، بتهيئة المناخ الديمقراطي، والحُر، لإجراء الإنتخابات، وأبدعت (طِيبة برس) وفريق عملها المتفاني، فى تهيئة المناخ الصحّي والنظيف، لإدارة الحوار والنقاش الموضوعي والهادف، لتقديم البرامج الإنتخابية لممثلي/ات المرشحين/ات فى القوائم الإنتخابية، والأفراد "المستقلّين/ات"، عبر منصّة ثابتة فى مقرّها بقلب الخرطوم، ومنصّة أُخري "إفتراضية"، عبر صفحتها فى الفيسبوك.
-17-
استطاعت (طِيبة برس) عقد عشر مناظرات، شارك فيها عشرون مرشّحاً ومرشّحة، وتناولت هذه المناظرات قضايا ومواضيع حيوية، أستطيع تلخيصها – بإيجاز - فى التالي: عرض وتقديم البرامج الإنتخابية، وفتح الحوارات الجادّة والمسئولة حول قضايا المرأة الصحفية، وقضايا مناهضة خطاب الكراهية والتمييز، وقضايا الصحافة الرياضية، وقضايا دور النقابة فى صحافة ما بعد النزاع، وغيرها من المسائل الحيوية، فى الشأن الصحفي، والنقابي، والإنتخابي، والوطني، لنقابة الصحفيين السودانيين.
-18-
مضافاً، إلى كل ذلك، فقد جعلت (طِيبة برس) من مقرّها، مركزاً - مؤقّتاً - لإجتماعات لجنة الإنتخابات، وساعدت فى تيسير وتذليل كثير من الصعوبات "اللوجستية" و"التقنية"، لتيسير، وتسريع عمل لجنة الإنتخابات. وكانت طِيبة برس قد فتحت قلبها وأبوابها ومقرّها، لعدد من الإجتماعات واللقاءات التحضيريّة والأولية، فى مرحلة ما قبل الإنتخابات، فاستضافت قاعتها،عدد من الإجتماعات الهامّة، والحوارات المفصلية لـ((اللجنة المشتركة)) للاجسام الصحفية الثلاثة، فى مرحلة جمع الشمل، وتيسير حوارات ونقاشات الطريق نحو النقابة.
-19-
يجب الإشارة، والإشادة بكل الصُحف الورقية والمواقع الإليكترونية، والإذاعات والقنوات والمحطات التلفزيونية، التي ساهمت وشاركت بالنشر، واستضافة الحوارات الصحفية، حول نقابة الصحفيين، منذ البدايات الأولي، وحتّي النهايات الناجحة، وهنا يتوجّب الإشادة – بصورة خاصّة - بدور صحيفة (التيّار) التي وافقت على طلب لجنة الإنتخابات، بجعل مقرّها، مركزاً مُساعداً فى العملية الإنتخابية ، كما استضافت حديقتها الجميلة، حفل تكريم (لجنة الإنتخابات) الذي أقامته طِيبة برس، يوم 31 أغسطس 2022، وشرّفه أستاذ الأجيال، وعميد الصحافة السودانية، محجوب محمّد صالح، صاحب أهمّ مبادرات جمع شمل العائلة الصحفية، وهو أوّل سكرتير لنقابة الصحفيين فى العام 1952، وعلمٌ بارزٌ من أعلام ذلك الجيل الذي حمل على أكتافه القويّة، لواء الصحافة، وقضايا النقابات، والصحافة الديمقراطية، ودورها فى البناء الوطني، وغيره من شموس وأقمار ونجوم ونجمات الصحافة السودانية، من كل مشاربها ووسائلها الإعلامية، والعائلة الصحفية، من كلّ الأجيال، ولن ننسي لـ(صحيفة التيار) وحديقتها الغنّاء، استضافتها للإجتماع التاريخي (الأوّل) الذي تمّ فيه الإعلان عن توحيد جهود وغرادة ثلاثة أجسام صحفية، فى الطريق نحو النقابة، بتاريخ 15 فبراير 2022.
-20-
يُحمد لنقابة المحامين، ممثلة فى لجنتها التسييرية، دورها ومساهمتها العملية، فى نجاح انتخابات نقابة الصحفيين، ، ويكفيها – فخراً- أنّها مدّت نقابة الصحفيين بالكادر القانوني المؤهّل، من أهل القضاء الواقف، والذي كان لوجوده فى لجنة الإنتخابات "الأُم" ولجانها الفرعية، اثراً بالغاً فى تحقيق ذلك النجاح العظيم.
-21-
لن ننسي دور نقابة المهندسين السودانيين، ممثلة فى لجنتها التسييرية، فقد شاركتنا فى الهم النقابي، والنجاح الإنتخابي "كتفاً، بكتف"، إذ جعلت من دارها (دارالمهندس ) بالعمارات - الخرطوم، "ملاذاً آمناً"، للصحفيين والصحفيات، ولجنة الإنتخابات، وعشرات الضيوف والضيفات من المجتمع المدني، طيلة أيّام الإنتخابات، من لحظات الترتيبات الأولي، وحتّي إعلان النتيجة، وقد سخّرت كل امكانات دارها لإستضافة المنشط، فتمثّل المهندسون، بالقول الجميل:"يا ضيفنا، لو جئتنا، لوجدّتنا، نحن الضيوف، وأنت ربّ المنزل"، فشكراً للجنة تسيير نقابة المهندسين، ونأمل أن تكون تجربتنا محفّزاً لهم، ولغيرهم من المهنيين فى استكمال واستعجال انجاز مشروعهم القاصد نحو الطريق إلى النقابة.
-22-
من المهم، والأهم، أن نؤكّد، ونُذكّر، أننا حينما نتحدّث عن (استعادة النقابة) نقصد، ونعني بصريح العبارة، وكامل الوضوح، استعادة ((نقابة الصحفيين السودانيين)) التي كانت قائمة، ومُنتخبة ديمقراطياً، بالإرادة الحُرّة والمستقلة للصحفيين/ ات، فى ذلك الزمان، قبل انقلاب 30 يونيو 2022، وهي (النقابة الشرعية) التي تمّ حلّها إداريّاً، وتعسُّفياً، كما تمّت مُصادرة ممتلكاتها، وتشريد عضويتها، ضمن النقابات الأُخري التي كانت قائمة - وقتها – والتي حُلّت بقرار وإجراءات تعسّفية، قامت بها السلطة الإنقلابية (انقلاب الإنقاذ)، ثُمّ كوّنت بعد سنوات تنظيمات سلطوية، منها – فى حالتنا هذه (إتحاد الصحفيين السودانيين)، وقد نازلنا مع شعبنا، وقواه الحيّة، انقلاب الإنقاذ، وخُضنا مع شعبنا، ومجتمعنا الصحفي، معارك مشهودة، وموثّقة ضده، وضد مؤسساته المصنوعة، تارةً بالمنازلة الإنتخابية، رُغم علمنا وإدراكنا بطبيعة النظام وانتخاباته "المخجوجة"، وتارة أُخري بسلاح المقاطعة، وهي تكتيكات، فيما كان وظلّ الهدف الإستراتيجي والرئيسي هو استعادة الحق فى التنظيم والتعبير، واستعادة نقابتنا ((نقابة الصحفيين السودانيين)).
-23-
ها نحن نخطو – اليوم – خطوات واثقة، للأمام، ونواصل السير فى الطريق الذي اخترناه – بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 – المُعادي بطبيعته للديمقراطية والديمقراطية النقابية على وجه الخصوص، وقد انتزعنا - بجدارة - حقّنا فى استعادة نقابتنا، ونعلم أنّ الطريق نحو النقابة، وحريّتها، واستقلاليتها، وديمقراطيتها، طريق طويل وشاق، وهو طريق، ليس مفروشاً بالورود والرياحيين، وفيه صعوبات كبيرة، وكثيرة ، منها صعوبات حداثة التجربة والممارسة، بعد فترة انقطاع طويل، فى التجربة الديمقراطية، والديمقراطية النقابية، وتغيُّر الأجيال الصحفية، وتوسيع دائرة عضوية النقابة، لتشمل قطاعات صحفية وإعلامية جديدة.
-24-
لاحظنا - كما توقّعنا من قبل - حدوث أخطاء فى الممارسة والتنفيذ، والتطبيق، والإجراءات، وحتّي فى بعض مواد (النظام الأساسي)، وهي أخطاء تلازم بدايات التاسيس، فى أيّ عمل نقابي، ولكن، تبقي القناعة الراسخة، فى أنّ أخطاء الطريق نحو الديمقراطية النقابية، لا تُصحّح إلّا بالمزيد من المشاركة الواعية، والمساهمة الفاعلة، والمستنيرة، فى إرساء قيم وتقاليد وأعراف ديمقراطية العمل النقابي، وديمومة واستمرارية الفعل والعمل النقابي، ولنسمّي ما نحن فيه - اليوم - خطوة جديدة فى طريق بناء وتأسيس واستعادة النقابة/ات الحُرّة، والمستقلّة، والديمقراطية، والتي ترتكز على إرث وتقاليد الحركة النقابية السودانية التليد، وشعارها الموحي والخلّاق ((لكلٍّ حزبه/ا وفكره/ا، والنقابة للجميع)).
-25-
هذه مناسبة وفرصة سانحة، بإمكاننا، بل، يتوجّب علينا، فى "العائلة" الصحفية – اغتنامها دون ابطاء، ولكل الفئات المهنية والعمالية، لدراسة وتقييم تجربة الطريق إلى إعادة تاسيس ((نقابة الصحفيين السودانيين))، والبدء فى تنظيم الصفوف، وتوحيد الجهود، لإستعادة وتعزيز الحق فى التنظيم النقابي، فى كل النقابات المهنية، والنقابات العمالية، وهو حق من حقوق الإنسان، كرّسته وكفلته المواثيق والبروتوكولات والمعاييرالدولية والإقليمية المعروفة، ولا يحتاج لأن ننتظر فيه قرارات وإجراءات حكومية، ولا يحزنون!.
-26-
هذه التجربة والممارسة الحُرّة، فى استعادة تأسيس النقابة، وإجراء الإنتخابات، هي فى تقديري - وبلا أدني شك - انتصار للحق فى التنظيم، والحق فى التعبير، والحق فى الإنتخاب والترشيح والتصويت، وهي حقوق أصيلة فى منظومة حقوق الإنسان. ولأنّ "الثورة نقابة ولجنة حي"، أُضيف – وعن قناعةٍ راسخة – الحق صحافة المقاومة، و((نقابة المقاومة))، فى طريق مقاومة انقلاب 25 أكتوبر 2021، "البرهاني"، وهي خطوة متقدمة فى طريق تحقيق المسار الديمقراطي كامل الدسم، الذي لم يبدأ بعملية (إعلان الإنتخابات) ولن ينتهي بعملية إغلاق الصناديق، وإعلان فوز قائمة "زيد" على قائمة "عمرو"، أو العكس، ولكنّه، "مُدماك" أول، نضعه فى بنيان الديمقراطية النقابية، و"تِرس" قوي، فى عجلة التغيير الديمقراطي، الخاسر فيه، هم من أعداء الديمقراطية والحرية والسلام والعدالة، والفائز هم "العائلة " الصحفية، التي خاضت التجربة، ونالت شرف المشاركة والمساهمة فى بناء (الديمقراطية النقابية)، كمدخل رئيسي للتغيير الجذري، واستكمال البناء المُستدام، وهذا ما أزعج – وسيظل يُزعج – السلطة الإنقلابية، و"سدنتها" فى قيادة (اتحاد الصحفيين)، وجميع معسكر أعداء الديمقراطية النقابية، واعداء النقابات الديمقراطية الحرّة المستقلّة، حيثما كانوا، وأينما يكونون.
-27-
لاحظنا – مع الجميع – موجات الانزعاج والوجل والخوف، الذي بدا واضحاً فى محاولات التشكيك فى حق القاعدة الصحفية فى اختيار طريقها، فى تاسيس/ إعادة تاسيس مؤسستها النقابية ((نقابة الصحفيين السودانيين))، وفى بعض الكتابات التي سعت - وتسعي - لتحريض السلطة الإنقلابية على التدخُّل، فى الشأن النقابي، وتحثّها على إيقاف العملية الإنتخابية، كما لاحظناها فى "فتاوي" فطيرة، قام بها مُسجّل تنظيمات العمل، وفى تصريحات قيادة مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية، التي تمثّلت فى الحديث الممجوج، عن عدم مشروعية الحق فى تكوين النقابة، لعدم وجود قانون ينظّمها، وهذا، حديث "إفك" مردود على أصحابه، لأنّ منظومة حقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها جمهورية السودان، فى عام 2021، تكفل وتكرّس الحق فى تكوين النقابات المستقلة، بعيداً عن أيّ تدخُّل من الحكومة والسلطة القائمة.
-28-
من المهم أن ندرس - بصورة جماعية - التجربة الحالية، تجربة (التسجيل) و(التصويت) "الفردي/ الحُر المباشر/الأكثرية العددية"، و(التسجيل) و(التصويت الإليكتروني)، والتي شارك فيها الصحفيين والصحفيات فى العاصمة والأقاليم و"الدياسبورا"، وأن نعمل على تطوير التجربة النقابية، وديمقراطيتها وديمومتها، لنصل بعد دورةٍ واحدة، أو دورتين انتخابيتين - على أكثر تقدير- إلى تجذير الممارسة الديمقراطية، وعقد الإنتخابات الدورية، على نظام وقاعدة وأُسس (التمثيل النسبي) وفق معايير وقواعد وإجراءات أكثر ديمقراطية، تضمن الحرية والاستقلالية للنقابة، كما تضمن تمثيل النوع الإجتماعي بعدالة، لكونها الأمثل، والأفضل.
-29-
من واقع التجربة السودانية، وملامسة تجارب حيّة، فى مسالة الديمقراطية النقابية، أستطيع أن أقول، وبكل ثقة، إنّ أيّ نقابة فى وضع (نقابة الصحفيين السودانيين)، تضم فى عضويتها صحفيين وصحفيات من وسائل ووسائط ومؤسسات وبيئات صحفية بهذا القدر الكبير من التنوُّع، ستكون قاعدة (التمثيل النسبي)، و(التمثيل العادل للنوع الإجتماعي)، هي القاعدة – والخيار - الأمثل والأفضل، ولأنّ الطريق يصنعه المشي، فلنمضي في السير الواثق فى طريق الديمقراطية النقابية، وممارستها فى نقابتنا، فى أرقي صورها، ولنحرص على استلهام ودراسة تجربتنا السودانية، والتجارب المماثلة والمشابهة والنموذجية فى العالم، بهدف تحقيق أفضل ممارسة للديمقراطية النقابية.
-30-
فليعلم الجميع، وليخبر الداني، القاصي، أنّ قطار (نقابة الصحفيين السودانيين) قد انطلق، وأصبح من سابع المستحيلات، تعطيله، أو جرّه للوراء، ومن المؤكّد أنّ القاعدة الصحفية العريضة التي حقّقت هذا الإنجاز، ستهُب للدفاع عن نقابتها ضد كل تغوُّل خارجي، مهما كانت المخاطر والتحدّيات والتضحيات.
-31-
كل هذا، وذاك، هوالمطلوب، فـ(يا صحفيي وصحفيات السودان، اتّحدوا). فإنّ قوّتنا فى وحدتنا، وعزّتنا وكرامتنا فى استعادة نقابتنا، وفى الدفاع عنها أمام كل التحدّيات والمهدّدات، والمخاطر القريبة والبعيدة، وعلينا ان نُدرك أنّ ما تحقّق حتّي اليوم، هو انتصارنا الأوّل، على "صعوبات الجبال"، فلنشمّر – معاً – سواعدنا لتحقيق الإنتصار الحاسم، على "صعوبات السهول"، وفى هذا فليتنافس المتنافسون والمتنافسات !.
جرس قبل الأخير:
"أنا لا أخسر أبداً، فإمّا أن أفوز، أو أتعلّم" ((نيلسون مانديلا))
جرس أخير:
"طريقنا أنت تدري .. شوكٌ ووعرٌ عسيرُ .. موتٌ على جانبيه .. لكنّنا، سنسير... سنمضي .. سنمضي .. إلى ما نُريد .. وطنٌ حُرٌّ .. وشعبٌ سعيد" ((عبدالمجيد حسن مرهون))
فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com