بمناسبة اليوم العالمي للحد من مخاطر الكوارث

 


 

 

الإنذار المبكر أو الموت الزؤام
يأتي الاحتفال هذا العام 2022م باليوم العالمي للحد من مخاطر الكوارث في 13 أكتوبر وفقا للغاية السابعة من إطار عمل سنداي وهو الاطار الدولي الحاكم للحد من مخاطر الكوارث والموقع عليه السودان في العام 2015م ( زيادة وفرة وسهولة الحصول على نظم الإنذار المبكر للأخطار المتعددة والمعلومات الخاصة بمخاطر الكوارث وتقييمها للجميع بحلول عام 2030) من الواضح لكل المهتمين بقضايا الكوارث أن الإنذار المبكر هو الخيط الناظم لكل عمليات إدارة الكوارث بحسبانه عملية تمكينية تجنب الناس وقوع الخسائر في الأرواح والممتلكات.
فالإنذار المبكر كعملية معقدة يعتبر قيمة أساسية تبدأ بالفهم والمعرفة وتنتهي بوجوب العمل بموجب تلك المعرفة. ذلك أن الإنذار هو توصيل معلومة حول خطرٍ ما يتهدد منطقةٍ ما قبل وقت كافي من وقوع الخطر. لذلك فإن الحصول على الإنذار المبكر يُعتبر حق أساسي لكل المتأثرين المحتملين بالكوارث... وهو بهذه الصبغة ينفي سمة من سمات التعامل مع الكوارث في ثقافتنا وهي (المفاجئة) . لذلك فإن وقوع أي كارثة دون أن يصل المتأثرين المحتملين إنذاراُ حولها يُعد نوع من التقصير الذي يرقى للإشتراك في الجرم، أو الإهمال الجنائي، كما أنه من ناحية أخرى يوجب على متلقي الإنذار واجب مباشر وهو العمل وفقا للإنذار المبكر، لأن أي نوع من تجاهل الإنذار يعنى مضاعفة الخسائر الناجمة عن الكارثة. لذلك فإن نظام الإنذار المبكر يُعتبر في أدبيات الحد من مخاطر الكوارث أم كل النظم Mother of all systems. كما أنه ينفي أي اتجاه اعتذاري أو أي تفسير قدري Fatalistic لحدوث الكارثة وهذا الأخير يمكن تسميته بالاتجاه (الهروبي) أي الهروب من مسؤولية حماية المواطنين من الكوارث قبل وقوعها، فالحكومات العاجزة والتي لا تهتم بتأسيس نظم إنذار مبكر فاعلة للكوارث عادة ما تلجأ لهذا الإتجاه وتهرب من مسؤوليتها بتبرير وقوع الكارثة، وتعزوها إما للقدر الرباني أو على أنها عقاب إلهي حلَّ بالناس لعدم التزامهم بالأوامر والنواهي الربانية. وكل هذه مسوغات تنم عن العجز في تحصيل القدرة على ايجاد نظام إنذار مبكر يمكن الناس من التنبؤ بالكوارث قبل وقوعها ومن ثم أخذ كل الاحتيطات اللازمة للوقاية منها.
إن ما يؤسف له ورغم أن الكوارث في السودان محصورة في عدة أخطار متكررة في أويقات معلومة، إلا أنه لا يوجد نظام إنذار مبكر للأخطار المتعددة رغم العديد من الفرص المتاحة التي كان يمكن أن تجعل من السودان مثال يحتذى في القارة الأفريقية. فالسودان عضو في منظمة الإيقاد IGAD التي استطاعت أن تطور نظماً للإنذار المبكر للعديد من الأخطار، بل وطورت آلية إنذار مبكر للتنبؤ حتى بنشوب النزاعات المسلحة وكيفية الاستجابة لها منذ العام 2002م تُعرف اختصارا ب CEWARN وهي آلية يحتاجها السودان بشدة في واقعه الراهن لا سيما في ظل الوجود الكثيف وغير المبرر للجماعات المسلحة ذات المصالح المتعارضة داخل المدن. مما قد يُنذر بإحتمالية نشوب نزاعات مسلحة لا تبقي ولا تذر.
كما أن السودان عضو في العديد من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التي تقدم معونات فنية حديثة في هذا الصدد مثل منظمة الأرصاد الدولية W.M.O وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي UNDP و UNDRR. فضلاً عن المعارف التقليدية الثرة عند أهل الريف والبوادي الذين يعرفون الكثير عن "سيكولوجية الأخطار الطبيعية" بإلقاء نظرة فقط للسماء، وما قد يطرأ من تغير على سلوك الحيوانات.
على عموم الأمر إن تقليل ما تحدثه الكوارث من موت مجاني وخسائر اقتصادية فادحة، يظل رهين بما يمكن إنتاجه أو/ و تطويره من نظم للإنذار المبكر متعدد الأخطار للجميع مستفيدا من المعارف الحديثة والتقليدية حيث يظل كل ذلك مرهون بتوافر بالارادة السياسية التي يقع على عاتقها مهمة ايجاد نظم إنذار مبكرة فاعلة ودقيقة.

د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية

 

آراء