حكومة عسكرية بغطاء مدني !!

 


 

 

بدا قائد الانقلاب متفاءلاً وهو يبشر الشعب السوداني، بقرب الوصول لتكوين حكومة مدنية (دون قيد أو شرط)، وهو نفس (الزول) الذي نفى على لسان ناطقه الرسمي أبوهاجة بعد أن أعلن نائبه اتفاقهما حول تسليم المدنيين مقاليد الحكم، والذي قال: لن نسلم الحكم إلّا لحكومة منتخبة. لن يُسلّم العسكريون السلطة إلّا لمدنيين مدجنين خاضعين، فالقضيّة الرئيسية القاضّة لمضاجعهم – جريمة فض اعتصام القيادة العامة – دائماً ما تمثل القشة القاصمة لظهر بعير الحكم المدني الكامل الدسم، ولن يُصدّق وعود العسكر وقائدهم الإنقلابي إلّا من في رأسه (قنبور)، فالحكم المدني المنشود الذي تتداعى له كل قوى الشعب الحيّة، من اللجان المقاومة والتنظيمات والنقابات والهيئات والاتحادات الوطنية، لن تكتمل أركانه إلّا بتأكيد إجراء هيكلة حقيقية لمؤسسات الحكم، وأولها العدلية والقضائية والنيابية، فقضايا القصاص من مرتكبي جرائم القتل المتعمد لن يتنازل عنها إلّا خائن، فالجريمة المرتكبة في جنح ظلام الليل الذي أعقبه فجر العيد الحزين، لن يسلم من جريرتها العسكريون والأمنيون والمدنيون الساكتون عن الحق، وكل عاقل متتبع للمشهد التكالبي الوصولي الذي بدأ باجتماع بيت السفير، يعي أن الأمور ستؤول إلى إفراز حكومة ضعيفة - عسكرية بغطاء مدني، لا تصمد أمام أعاصير غضب الثوار الديسمبريين الأماجد.
القضية الثانية والتي بسببها ارتكبت حماقة الإنقلاب المشؤوم، ألا وهي إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو واسترداد الأموال المنهوبة، سوف تكون العامل الأقوى في إفشال الحكومة المقبلة، لأن العودة المهرولة لبعض رموز فساد النظام (البائد)، ومحاولة قائد الانقلاب الزج بهم في المشهد الحاضر، عشماً في أن يلعبوا دوراً فاعلاً يجدوا عبره موطيء قدم في مخرجات المنظومة الجديدة، هو أكبر تحدي يواجه كل من لبس رداء المدنية انتهازاً ووصولاً لينال حظاً من الكعكة، فالفاسدون لا يبنون أوطانهم بل يبنون ذواتهم، كما قال مانديلا، وامبراطورية الفساد التي بناها النظام (البائد) لن تفكك أو تزال مع وجود مدنيين فاسدين والغين في إناء جميع الحكومات، وعليه، فليبشر كل من حزم أمتعته وسال لعابه للمشاركة في المهزلة الجديدة، بغضب شعبي كامن في القلوب وتظاهرات مليونية لا تدع مجالاً لهدوء الحال وراحة البال، فما لم يرى المواطنون الذين نهبت أموالهم وأفقرت بلادهم حكومة وطنية حقّة تعيد الأصول الثابتة والأموال السائلة إلى الخزينة العامة، لن يتوقف طفل الروضة عن الهتاف (سلمية ضد الحرامية)، في وجه كل من يتسنم المنصب الدستوري تحت إشراف ما يسمى بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة المزعوم، فالثورة الديسمبرية المجيدة لن تخبو نارها لو يعلم الانقلابيون.
القضية الثالثة المحرجة للذين يهرولون من أجل فتات موائد الإنقلاب، هي محاكمة المدنيين المدبرين والعسكريين المنفذين لانقلاب الثلاثين من يونيو قبل ثلاثة عقود وأكثر، القضية التي سيستميت المجلس الأعلى للقوات المسلحة المرتقب ليشتت شمل جمع محاكمها وقضاتها ومحامييها، فإدانة إنقلاب يونيو بالضرورة تعني إدانة إنقلاب اكتوبر (واللبيب بالأشارة يفهم)، لذا يجب أن يصحا من نام تحت وسادة حلم ما أسماه قائد الانقلاب بتشكيل حكومة مدنية (دون قيد أو شرط)، فالحالة المأزومة الآنية هي محصلة تراكم فشل دام ستين عاماً، فشل عسكري انقلابي ومدني نخبوي، وليس من طريق للخروج إلّا بمساندة أجندة ثورة ديسمبر المجيدة التي لا حياد عنها ولا تنازل ولا استيئاس، فالحل الجذري قادم ومنظور لكل من متعه الله بنور البصيرة وقوة الإبصار، وأول هذه البشريات هو تهتك النسيج الداعم للإنقلاب وتفتت عضد حواضنه بطاعون القبيلة، وفي هذا انتقال سريع للأحداث، وحرق للمراحل مدهش، حيث الانهيار الكامل لبنيان العنكبوت، الذي يشكل إنقلاب اكتوبر آخر تجلياته، ومعقل كتائبه0، الفارّة من أجل أن تعيد الكرة، لكن هيهات، لقد فاتهم القطار وسيلحقون بقطار الرجل الأخطبوطي علي عبدالله صالح، الذي لعب على كل الحبال، لكن لم تسعفه حيلته البائسة فوقع في شر أعماله.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
14 اكتوبر 2022

 

آراء