أهداف الثورة غير قابلة للتسوية..!! بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

شغلت الناس أخبار التسوية السياسية المتوقع انعقادها بين مركزية الحرية والتغيير والعسكر، وهي محصلة بديهية لما انتظم الساحة من تزاحم وهرولة رموز قوى المركزية للحصول على شراكة جديدة، تدمجهم مع الشراكة القائمة بين الانقلابيين والمساندين لهم من جماعة اتفاق جوبا المشؤوم، وهنا لابد من الإشارة إلى أن ثورات التحرر الوطني لا تخضع للتسويات السياسية الموصلة للتحاصص السلطوي، فالشيب والشباب الثائر لا يقنع بما دون الوفاء للأهداف العليا للثورة الديسمبرية المجيدة – الحرية والسلام والعدالة، فالمساومة في هذه الأهداف تعني المكوث في المربع الأول، وعدم التقدم شبر واحد على طريق استكمال مطلوبات الحراك، ومن يساوم في حقوق الشهداء والأحياء من الجرحى والمفقودين، غير جدير بأن يطل على الشاشات ليحاضر الخلق في شأن الثورة الماجدة، فالثائر لا يساوم ولا يفاوض ولا يمنح الشرعية لمن ارتكب الجرم الفظيع بحق المعتصمين السلميين بميدان القيادة العامة للقوات المسلحة، ومن يسعى لذلك لا يعدو عن كونه متخاذل وانتهازي بغيض، يدوس على دم الشهيد الذي لم يجف بعد بحذاءه من أجل الكرسي، والأحرار لا يزايدون في حقهم في أن يعيشوا أحراراً، ولا يتلكأون حينما ينهض الثوار لعتق ذواتهم من ربقة الدكتاتوريات العسكرية الباطشة.
السياسيون الانتهازيون والثوار يفصل بينهم بون شاسع، فالثائر لا يكترث للسلطة الزائفة ولا يسيل لعابه أمام إغراءاتها الفاتنة التي لا تخدم قضية الثورة، أما السياسي الوصولي فبطبعه ضعيف شحيح النفس، لا ترتعد فرائصه لرؤية شاب يافع تسيل الدماء من جنبيه نصرة لشعار الثورة الهادرة، وقد رأينا جوقة قدامى الساسة المستطعمين من مائدة كل سلطان دكتاتوري وقد احتشدت بهم القاعات والصالات، يتحدثون دونما حياء ولا خجل عن ثورة الشعب السوداني، المتردية منهم والنطيحة والموقوذة وما أكل السبع، من بقايا القوى القديمة الغاسلة لأيدي القتلة والمجرمين من دماء الشهداء، هؤلاء هم أعداء الثورات التراكمية منذ عهود بعيدة، لا يجتمعون إلّا لوأد جنين ثوري في مهده، لا يتّحدون من أجل البناء والتعمير وإنّما للتدمير وللتأخير، تأخير قطار التنمية الاقتصادية عن ركب الأمم الناهضة بمواردها الذاتية، يثقون في تعهدات السفراء والمبعوثين الدوليين أكثر من ثقتهم في إرادة شعبهم الجبّار القاهر للجبروت والطغيان، ضعاف الهمّة رخيصو الثمن يقدمون الوطن صيداً سهلاً على موائد الدولار والدرهم والريال، لا يهمهم رهق الثائرين الهاتفين بسؤدد وكرامة الوطن الجريح، يقبعون بين مزالق مستنقعات التآمر والعمالة والارتزاق، يتشسبثون بسواعد النخّاسين في مزادات بيع الأوطان وهدر كرامة الانسان.
الثورة الديسمبرية المجيدة لا يمثلها هؤلاء الرافلون في نعيم الدكتاتوريات العسكرية السابقة والحاضرة، المداهنين لها ليلاً والناكرين لعلاقتهم بها نهاراً، هؤلاء لا يستجيبون لتطلعات الثائرين ولا يخضعون لمنفستو الثورة، إنّهم يعشقون الرضاعة من ثدي الانقلابات العسكرية ومنظومات الحكم الظُلامية، رأيناهم كيف زيّنوا للطاغية المخلوع حلم الخلود في العرش الأبدي، بطرح أحد دهاقنتهم لمشروع تأبيد حكم الدكتاتور لأبد الآبدين، هؤلاء لن يخدموا المشروع الثوري الشامل الساعي للتغيير الكامل، مثل هذه المشاريع الثورية الشعبية القومية تنتزع منهم الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تلك المنافع التي استأثروا بها عبر الحقب والسنين، ثورة كهذه الثورة الشاملة لا تتماشى مع رغباتهم وطموحاتهم الذاتية، لذلك سيعملون بكل جد واجتهاد على وأدها، ولن يتعايشوا مع شعارها – الحرية والسلام والعدالة – إلّا تُقيةً، فهم أعداء الحريات العامة والخاصة، ومشعلو الحروب العبثية على مدى تاريخ دولة ما بعد الاستقلال، وهم الناشطون والسابحون بعكس اتجاه تيار العدالة التي يتساوى في محرابها الجميع، وعلى النقيض من ذلك هم المعطّلون لسير قافلة ديمقراطية المؤسسات بمساندتهم لأول انقلاب عسكري، فلا يغرنّك ملبسهم الفخيم ولا مجلسهم البهيج، إنّهم ملة واحدة بعضها من بعض، تتوارث الجلوس على جسد الوطن الجريح.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com

////////////////////////

 

آراء