قضيّة دفن الجثامين بين أنين المشارح، وضجيج الأسافير: دفن بدون عدالة مُكتملة، انتهاك لحقوق المفقودين، وأُسر الشهداء
فيصل الباقر
17 October, 2022
17 October, 2022
مدار أوّل:
"بذلتُ لهم نُصحي، بمنعرج اللوي ..فلم يستبينوا النصح، إلّا ضُحي الغدِ" ((دُريد بنِ الصِمّة))
مدار ثاني:
"كل الجروح بتروح ..إلّا التي فى الروح ... خلّي القلب شُبّاك .. نحو الأمل مفتوح" ((محجوب شريف))
-1-
ظللنا نُتابع - على مدي الثلاث سنوات الماضية - ونُراقب - عن كثب - مع غيرنا من الحادبين والحادبات على المصلحة العامة، وتحقيق العدالة - أزمة الجثامين المتكدّسة، فى المشارح - وما أدراك ما المشارح - فى عاصمة البلاد، الخرطوم، والتي ظلّت تُراوح مكانها، بسبب غياب الإرادة السياسية، فى تحقيق عدالة مُكتملة تحفظ الكرامة الإنسانية، وتصون الحقوق والأمن والأمان للجميع، وتضمن لأُسر المفقودين العدالة والإنصاف، وتُحقق للمجتمع بأكمله السلامة والحماية من الأوبئة الخطيرة، ونعمة العيش فى منطقة آمنة، خالية من الأمراض والأزمات الصحية، وفى السكن فى بيئة صديقة للجميع.
-2-
اعتصمنا، طيلة الفترة الماضية، بشيءٍ من الصبر والتعقُّل والتريّث، بعيداً عن اطلاق الاتهامات المُتسرّعة، أو الأحكام المتعسّفة، أو الجائرة، عسي ولعلّ، أن يستشعِر من تولّوا منصب النائب العام، واجباتهم، ويضطّلعوا بدورهم وبمسئولياتهم، واختصاصاتهم الوظيفية، والقانونية والأخلاقية، التي تفرض عليهم تمثيل المجتمع، والإنابة عنه، فى أداء مهمة التطبيق السليم لأحكام القانون، وأن تتحمّل النيابة العامة، واجباتها، ومسئولياتها فى أمانة سلطة التحقيق والاتهام والترافع النزيه، ممثلة للحق العام، أو الحكومة، لتحقيق العدالة. ويأتي ضمن هذه المسئوليات الجِسام، ضرورة الاستماع، لآراء ونصائح وتوصيات أهل العلم والمعرفة، من ذوي الاختصاص، وهم فى هذه الحالة، خبراء الطب العدلي، والاستماع لأهل المصلحة الأولي والأخيرة، وهم - بلا مُنازع - أُسر المفقودين!.
-3-
مرّت السنوات، وكاد صبر الكثيرين من مُنتظري العدل النيابي، والطب العدلي، أن "يُضيّع"، بسبب الصمت المُخجِل، والضجيج المُهمِل، الذي يستعصم به أولي الأمر، فى النيابة، والطب العدلي، فى هذا الأمر بالغ الحساسية، من نواحي كثيرة، منها العلمية والصحية والدينية والثقافية والمجتمعية، ومع ذلك، لن نبارح هذه المحطّة، دون أن نُنبه ونُذكّر كل المعنيين بالأمر، فى قضيّة ملف الجثامين المتكدسة، فى المشارح، باستدراك واجباتهم المهنية، والأخلاقية، التي يوفّرها لهم – حصريّاً – القانون، والواجب المهني والأخلاقي والوطني.
-4-
ها نحن ندعو لأن يُحكّم كل المعنيين ضمائرهم، دون خوفٍ، أو وجل، سوي من الخالق الأحد، وأن يتصدّوا بشجاعة مهنية تليق بمسئولياتهم القانونية والأخلاقية، وفى مقدّمتهم – فى هذه الحالة - خبراء الطب العدلي، من الذين ظلّوا يُحذّرون من تراكم الجثامين فى هذه المشارح، التي ظلّت تعمل فوق احتمالها وطاقاتها القصوي، فى حفظ الجثامين المتكدّسة، واضعين فى الإعتبار أنّ بوادر فقدان ثقة المجتمع فى القائمين على أمر الطب العدلي، قد بدات تلوح فى الأُفق، إن لم نقل كادت أن تتجذّر، وهو أمرٌ خطير، يتوجّب الانتباه له قبل فوات الأوان، وذلك، لأنّ استعادة الثقة بعد فقدانها، أمر ليس باليسير!.
-5-
تناولت الميديا بمختلف وسائلها ووسائطها، المكتوبة والمسموعة والمرئيّة - وكثيراً - ملف الجثامين المُهملة فى مشارح عاصمة البلاد، الخرطوم، وتداولته فى أكثر من مرّة، وأكثر من منعطف، فى مسيرة هذا الملف الهام، وعرضت الصحافة المسئولة، القضيّة من زوايا مختلفة، وعكست وجهات نظر وآراء قيّمة، وحذّرت، وأنذرت، دون أن تجد صيحاتها أُذناً صاغية، وعيناً مُبصرة، تري المخاطر المحدّقة بالجميع، من اِهمال التفاعل الرسمي "الحكومي" مع قضيّة الجثامين !.
-6-
ودخلت الميديا الإجتماعية على الخط الساخن، والمفتوح، فأصابت مرّات قليلة، وأخطات مرّات كثيرة، وكاد ملف هذه القضيّة العدلية والصحية والمجتمعية الحساسة، أن يضيع بين رُكام الجدل العقيم، والكلام الماسخ والمكرور، لولا الانتباهة الذكية لـ((مبادرة مفقود وشركائها))، لإعادة وضع العربة، خلف الحصان، للخروج من عنق زجاجة الأزمة المتصاعدة، والتي تزداد خطورتها، يوماً بعد يوم، والتي سيكون لها نتائج كارثية، إذا لم يتدراك المسئولون الأمر، ويسرعوا فى خطوات تصحيح الأوضاع، بالسرعة المطلوبة!.
-7-
نعلم أنّ هناك نفرٌ من خيرة أطباء الطب العدلي، ممّن دفعوا ثمن مواقفهم الشجاعة فى قول الحقيقة المتجرّدة، المبنيّة على العِلم والمعرفة والنزاهة المهنية، وتجرّأوا بالصدع بها على رؤوس الأشهاد، فى أصعب الأوقات، فكان نصيبهم التهديد بالقتل، والشروع فى التصفية الجسدية، لاسكاتهم، عن قولة الحق، وقد تمّ ذلك، عبراساليب درج جهاز الأمن الإنقاذي على استخدامها ضد الخصوم السياسيين، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر – محاولات تدبير حوادث الحركة المرورية، بـ"فك صواميل إطارات السيارات"، للتخلُّص من "الهدف"، أو المطاردة "التخويفية" فى الشوارع العامّة، أو عبر اِمطار المكاتب المُستهدفة، بوابلٍ من الرصاص الحي، وغيرها من الأساليب الأمنية التي تهدف إلى دفن الادلّة الجنائية، وقمع الشهود. وجميعها "تحذيرات"، تطلب من (الهدف) الصمت، لتحقيق طمس معالم الجريمة النكراء.
-8-
ولكن، ثبت – بما لا يدع مجالاً للشك - أنّ كل محاولات قطع الطريق نحو تحقيق العدالة، عبر التهديدات و"البلطجة" الأمنية، لم تؤت أُكلها، وظلّ أهل المصلحة "أُسر المفقودين"، مُتيقّظين، وغير هيّابين فى التمسُّك بحقوقهم، والعض على مطالبهم المشروعة بالنواجز، طيلة السنوات الماضية، ومازالوا على استعداد لمواصلة مشوار البحث عن الحقوق، مهما كانت التحديات والعقبات.
-9-
هاهي (حملة مفقود)، وهي مبادرة مجتمع مدني حديث، تضم ((مبادرة مفقود، وتجمُّع أُسر المفقودين، وشركائهم))، تفتح الطريق مرّةً ثانية - وربّما أخيرة - نحو الأمل فى تحقيق العدالة، وتسريعها، بمطالبتها للنائب العام، عقد اجتماع عاجل وطاريء، تطرح فيه رؤيتها للحل العادل والمُنصف للجميع. ولن نذيع سرّاً، أو نكون من الراجمين بالغيب، إن قلنا إنّ ((حملة مفقود وشركائها))، تحالف مجتمعي فعّال، قابل للاتساع، تُشارك فيه – حتّي اليوم- عدد من منظمات المجتمع المدني المعروفة، والمشهود لها بالكفاءة والاحترافية، والنشاط المجتمعي المؤثّر والفعّال، والقدرة والفعالية العالية فى قضايا المناصرة، نذكر منها - على سبيل المثال، وليس الحصر – المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، ولجنة أطباء السودان المركزية، وصحفيون لحقوق الإنسان – جهر- السودان، ومحامو الطواريء، والتحالف الديمقراطي للمحامين، ومبادرة "لا، لقهر النساء"، وغيرهم. وقد ثبت فى التجربة السودانية، أنّ مثل هذه التحالفات، التي تنشأ صغيرة، ومحدودة الأثر، سرعان ما تتحوّل إلى حركة جماهيرية واسعة، بسبب عدالة المطالب التي تتبناها، وايمان منظميها بقضيتهم.
-10-
فى هذا المقام، والمقال، نري أنّ تسريع عقد اجتماع ((مبادرة مفقود وشركائهم)) مع النائب العام، فكرة صائبة، ومطلب مشروع، يجب أن يجد الإستجابة العاجلة والمتحمّسة، من النائب العام، اليوم، قبل الغد، وقبل فوات الأوان، لأنّ التأخير فى الجلوس إلى أهل المصلحة، والاستماع إلى وجهة نظرهم، يُساهم فى تأخير العدالة، إن لم نقل، يُعطّلها، ويُصيبها فى مقتل، وفى البال أنّ العدالة المتأخرة، عدالة منقوصة!.
-11-
ونحن فى انتظار استجابة النائب العام، العاجلة، لطلب "حملة" (مُبادرة مفقود وشركائها)، بالإجتماع معهم، لسماع وجهة نظرهم فى القضيّة، ومقترحاتهم لحل الأزمة، ودعوتهم لتحقيق الهدالة، ومن ثمّ مخرجات الإجتماع، نضع فى بريد النائب العام – بصورة إلى الرأي العام السوداني والعالمي- هذه المقترحات:
استعجال اصدار قرار من النائب العام، بالسماح بالإستعانة بفريق طب عدلي دولي مُحترف، ومؤهّل فنيّاً وأخلاقيّاً، للقيام بمهمة الطب العدلي، بطريقة صحيحة، تنال ثقة أُسر الضحايا، ليساعد – هذا الفريق المهني - فى عملية التحقُّق من هويّة الجثامين، بفحص وتوفير الأدلّة العلمية المعروفة والمجرّبة، عبر الالتزام بالتقيّد الصارم ببروتوكول (مينيسوتا) العالمي، وهو البروتوكول المعني بمسائل ((التحقيق فى حالات الوفاة التي يُحتمل أن تكون غير مشروعة - "2016"))، والذي اعتمدته الأمم المتحدة "دليلاً" لمنع تنفيذ عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسّفي، والإعدام دون مُحاكمة، والتحقيق بشفافية فى تلك الممارسات.
-12-
ولأننا نؤمن بأنّه "ماضاع حق، وراءه مُطالب"، فإنّ ثقتنا فى جهود (تحالف مبادرة مفقود وشركائها) لا تحدّها حدود، ولن نتردّد فى أن نضم صوتنا لصوت الآلاف من الباحثين/ات عن الحقيقة والعدالة والانصاف، وأن نضع قدراتنا وخبراتنا الصحفية، وكل جهودنا وخبراتنا المعرفية، فى خدمة قضيّة (الجثامين) حتّي تتكشّف الحقيقة لكل الناس، وينال الجُناة والمتستّرين عليهم العقاب الذي يستحقون، ومن قبل ومن بعد، تتحقّق العدالة والإنصاف، لأُسر الضحايا، وهو أمرٌ يراه الجناة بعيد، ونراه – نحن - فى حركة حقوق الإنسان السودانية، وفى الصحافة الحسّاسة تجاه قضايا حقوق الإنسان، قريب، ولو كره المتآمرون والفاسدون والمجرمون !.
-13-
فلنواصل، رفع الصوت عالياً - وعالياً جدّاً- ضد جريمة دفن الجثامين، حتّي تتحقّق العدالة الكاملة، فى هذه القضيّة المجتمعية الهامّة !. ولنطالب بالمزيد من الوضوح والمصارحة والشفافية، فى التعامل مع ملف (الجثامين)، قبل ضياع الفرصة الأخيرة.. ويبقي الحق أبلج، والباطل لجلج!.
جرس أخير:
"ولست بنحوّيٍ، يلوك لسانه... ولكنّي، سليقيٌّ أقولُ، فأُعربُ" ((أبو مروان النحوي))
فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com
////////////////////////////
"بذلتُ لهم نُصحي، بمنعرج اللوي ..فلم يستبينوا النصح، إلّا ضُحي الغدِ" ((دُريد بنِ الصِمّة))
مدار ثاني:
"كل الجروح بتروح ..إلّا التي فى الروح ... خلّي القلب شُبّاك .. نحو الأمل مفتوح" ((محجوب شريف))
-1-
ظللنا نُتابع - على مدي الثلاث سنوات الماضية - ونُراقب - عن كثب - مع غيرنا من الحادبين والحادبات على المصلحة العامة، وتحقيق العدالة - أزمة الجثامين المتكدّسة، فى المشارح - وما أدراك ما المشارح - فى عاصمة البلاد، الخرطوم، والتي ظلّت تُراوح مكانها، بسبب غياب الإرادة السياسية، فى تحقيق عدالة مُكتملة تحفظ الكرامة الإنسانية، وتصون الحقوق والأمن والأمان للجميع، وتضمن لأُسر المفقودين العدالة والإنصاف، وتُحقق للمجتمع بأكمله السلامة والحماية من الأوبئة الخطيرة، ونعمة العيش فى منطقة آمنة، خالية من الأمراض والأزمات الصحية، وفى السكن فى بيئة صديقة للجميع.
-2-
اعتصمنا، طيلة الفترة الماضية، بشيءٍ من الصبر والتعقُّل والتريّث، بعيداً عن اطلاق الاتهامات المُتسرّعة، أو الأحكام المتعسّفة، أو الجائرة، عسي ولعلّ، أن يستشعِر من تولّوا منصب النائب العام، واجباتهم، ويضطّلعوا بدورهم وبمسئولياتهم، واختصاصاتهم الوظيفية، والقانونية والأخلاقية، التي تفرض عليهم تمثيل المجتمع، والإنابة عنه، فى أداء مهمة التطبيق السليم لأحكام القانون، وأن تتحمّل النيابة العامة، واجباتها، ومسئولياتها فى أمانة سلطة التحقيق والاتهام والترافع النزيه، ممثلة للحق العام، أو الحكومة، لتحقيق العدالة. ويأتي ضمن هذه المسئوليات الجِسام، ضرورة الاستماع، لآراء ونصائح وتوصيات أهل العلم والمعرفة، من ذوي الاختصاص، وهم فى هذه الحالة، خبراء الطب العدلي، والاستماع لأهل المصلحة الأولي والأخيرة، وهم - بلا مُنازع - أُسر المفقودين!.
-3-
مرّت السنوات، وكاد صبر الكثيرين من مُنتظري العدل النيابي، والطب العدلي، أن "يُضيّع"، بسبب الصمت المُخجِل، والضجيج المُهمِل، الذي يستعصم به أولي الأمر، فى النيابة، والطب العدلي، فى هذا الأمر بالغ الحساسية، من نواحي كثيرة، منها العلمية والصحية والدينية والثقافية والمجتمعية، ومع ذلك، لن نبارح هذه المحطّة، دون أن نُنبه ونُذكّر كل المعنيين بالأمر، فى قضيّة ملف الجثامين المتكدسة، فى المشارح، باستدراك واجباتهم المهنية، والأخلاقية، التي يوفّرها لهم – حصريّاً – القانون، والواجب المهني والأخلاقي والوطني.
-4-
ها نحن ندعو لأن يُحكّم كل المعنيين ضمائرهم، دون خوفٍ، أو وجل، سوي من الخالق الأحد، وأن يتصدّوا بشجاعة مهنية تليق بمسئولياتهم القانونية والأخلاقية، وفى مقدّمتهم – فى هذه الحالة - خبراء الطب العدلي، من الذين ظلّوا يُحذّرون من تراكم الجثامين فى هذه المشارح، التي ظلّت تعمل فوق احتمالها وطاقاتها القصوي، فى حفظ الجثامين المتكدّسة، واضعين فى الإعتبار أنّ بوادر فقدان ثقة المجتمع فى القائمين على أمر الطب العدلي، قد بدات تلوح فى الأُفق، إن لم نقل كادت أن تتجذّر، وهو أمرٌ خطير، يتوجّب الانتباه له قبل فوات الأوان، وذلك، لأنّ استعادة الثقة بعد فقدانها، أمر ليس باليسير!.
-5-
تناولت الميديا بمختلف وسائلها ووسائطها، المكتوبة والمسموعة والمرئيّة - وكثيراً - ملف الجثامين المُهملة فى مشارح عاصمة البلاد، الخرطوم، وتداولته فى أكثر من مرّة، وأكثر من منعطف، فى مسيرة هذا الملف الهام، وعرضت الصحافة المسئولة، القضيّة من زوايا مختلفة، وعكست وجهات نظر وآراء قيّمة، وحذّرت، وأنذرت، دون أن تجد صيحاتها أُذناً صاغية، وعيناً مُبصرة، تري المخاطر المحدّقة بالجميع، من اِهمال التفاعل الرسمي "الحكومي" مع قضيّة الجثامين !.
-6-
ودخلت الميديا الإجتماعية على الخط الساخن، والمفتوح، فأصابت مرّات قليلة، وأخطات مرّات كثيرة، وكاد ملف هذه القضيّة العدلية والصحية والمجتمعية الحساسة، أن يضيع بين رُكام الجدل العقيم، والكلام الماسخ والمكرور، لولا الانتباهة الذكية لـ((مبادرة مفقود وشركائها))، لإعادة وضع العربة، خلف الحصان، للخروج من عنق زجاجة الأزمة المتصاعدة، والتي تزداد خطورتها، يوماً بعد يوم، والتي سيكون لها نتائج كارثية، إذا لم يتدراك المسئولون الأمر، ويسرعوا فى خطوات تصحيح الأوضاع، بالسرعة المطلوبة!.
-7-
نعلم أنّ هناك نفرٌ من خيرة أطباء الطب العدلي، ممّن دفعوا ثمن مواقفهم الشجاعة فى قول الحقيقة المتجرّدة، المبنيّة على العِلم والمعرفة والنزاهة المهنية، وتجرّأوا بالصدع بها على رؤوس الأشهاد، فى أصعب الأوقات، فكان نصيبهم التهديد بالقتل، والشروع فى التصفية الجسدية، لاسكاتهم، عن قولة الحق، وقد تمّ ذلك، عبراساليب درج جهاز الأمن الإنقاذي على استخدامها ضد الخصوم السياسيين، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر – محاولات تدبير حوادث الحركة المرورية، بـ"فك صواميل إطارات السيارات"، للتخلُّص من "الهدف"، أو المطاردة "التخويفية" فى الشوارع العامّة، أو عبر اِمطار المكاتب المُستهدفة، بوابلٍ من الرصاص الحي، وغيرها من الأساليب الأمنية التي تهدف إلى دفن الادلّة الجنائية، وقمع الشهود. وجميعها "تحذيرات"، تطلب من (الهدف) الصمت، لتحقيق طمس معالم الجريمة النكراء.
-8-
ولكن، ثبت – بما لا يدع مجالاً للشك - أنّ كل محاولات قطع الطريق نحو تحقيق العدالة، عبر التهديدات و"البلطجة" الأمنية، لم تؤت أُكلها، وظلّ أهل المصلحة "أُسر المفقودين"، مُتيقّظين، وغير هيّابين فى التمسُّك بحقوقهم، والعض على مطالبهم المشروعة بالنواجز، طيلة السنوات الماضية، ومازالوا على استعداد لمواصلة مشوار البحث عن الحقوق، مهما كانت التحديات والعقبات.
-9-
هاهي (حملة مفقود)، وهي مبادرة مجتمع مدني حديث، تضم ((مبادرة مفقود، وتجمُّع أُسر المفقودين، وشركائهم))، تفتح الطريق مرّةً ثانية - وربّما أخيرة - نحو الأمل فى تحقيق العدالة، وتسريعها، بمطالبتها للنائب العام، عقد اجتماع عاجل وطاريء، تطرح فيه رؤيتها للحل العادل والمُنصف للجميع. ولن نذيع سرّاً، أو نكون من الراجمين بالغيب، إن قلنا إنّ ((حملة مفقود وشركائها))، تحالف مجتمعي فعّال، قابل للاتساع، تُشارك فيه – حتّي اليوم- عدد من منظمات المجتمع المدني المعروفة، والمشهود لها بالكفاءة والاحترافية، والنشاط المجتمعي المؤثّر والفعّال، والقدرة والفعالية العالية فى قضايا المناصرة، نذكر منها - على سبيل المثال، وليس الحصر – المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، ولجنة أطباء السودان المركزية، وصحفيون لحقوق الإنسان – جهر- السودان، ومحامو الطواريء، والتحالف الديمقراطي للمحامين، ومبادرة "لا، لقهر النساء"، وغيرهم. وقد ثبت فى التجربة السودانية، أنّ مثل هذه التحالفات، التي تنشأ صغيرة، ومحدودة الأثر، سرعان ما تتحوّل إلى حركة جماهيرية واسعة، بسبب عدالة المطالب التي تتبناها، وايمان منظميها بقضيتهم.
-10-
فى هذا المقام، والمقال، نري أنّ تسريع عقد اجتماع ((مبادرة مفقود وشركائهم)) مع النائب العام، فكرة صائبة، ومطلب مشروع، يجب أن يجد الإستجابة العاجلة والمتحمّسة، من النائب العام، اليوم، قبل الغد، وقبل فوات الأوان، لأنّ التأخير فى الجلوس إلى أهل المصلحة، والاستماع إلى وجهة نظرهم، يُساهم فى تأخير العدالة، إن لم نقل، يُعطّلها، ويُصيبها فى مقتل، وفى البال أنّ العدالة المتأخرة، عدالة منقوصة!.
-11-
ونحن فى انتظار استجابة النائب العام، العاجلة، لطلب "حملة" (مُبادرة مفقود وشركائها)، بالإجتماع معهم، لسماع وجهة نظرهم فى القضيّة، ومقترحاتهم لحل الأزمة، ودعوتهم لتحقيق الهدالة، ومن ثمّ مخرجات الإجتماع، نضع فى بريد النائب العام – بصورة إلى الرأي العام السوداني والعالمي- هذه المقترحات:
استعجال اصدار قرار من النائب العام، بالسماح بالإستعانة بفريق طب عدلي دولي مُحترف، ومؤهّل فنيّاً وأخلاقيّاً، للقيام بمهمة الطب العدلي، بطريقة صحيحة، تنال ثقة أُسر الضحايا، ليساعد – هذا الفريق المهني - فى عملية التحقُّق من هويّة الجثامين، بفحص وتوفير الأدلّة العلمية المعروفة والمجرّبة، عبر الالتزام بالتقيّد الصارم ببروتوكول (مينيسوتا) العالمي، وهو البروتوكول المعني بمسائل ((التحقيق فى حالات الوفاة التي يُحتمل أن تكون غير مشروعة - "2016"))، والذي اعتمدته الأمم المتحدة "دليلاً" لمنع تنفيذ عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسّفي، والإعدام دون مُحاكمة، والتحقيق بشفافية فى تلك الممارسات.
-12-
ولأننا نؤمن بأنّه "ماضاع حق، وراءه مُطالب"، فإنّ ثقتنا فى جهود (تحالف مبادرة مفقود وشركائها) لا تحدّها حدود، ولن نتردّد فى أن نضم صوتنا لصوت الآلاف من الباحثين/ات عن الحقيقة والعدالة والانصاف، وأن نضع قدراتنا وخبراتنا الصحفية، وكل جهودنا وخبراتنا المعرفية، فى خدمة قضيّة (الجثامين) حتّي تتكشّف الحقيقة لكل الناس، وينال الجُناة والمتستّرين عليهم العقاب الذي يستحقون، ومن قبل ومن بعد، تتحقّق العدالة والإنصاف، لأُسر الضحايا، وهو أمرٌ يراه الجناة بعيد، ونراه – نحن - فى حركة حقوق الإنسان السودانية، وفى الصحافة الحسّاسة تجاه قضايا حقوق الإنسان، قريب، ولو كره المتآمرون والفاسدون والمجرمون !.
-13-
فلنواصل، رفع الصوت عالياً - وعالياً جدّاً- ضد جريمة دفن الجثامين، حتّي تتحقّق العدالة الكاملة، فى هذه القضيّة المجتمعية الهامّة !. ولنطالب بالمزيد من الوضوح والمصارحة والشفافية، فى التعامل مع ملف (الجثامين)، قبل ضياع الفرصة الأخيرة.. ويبقي الحق أبلج، والباطل لجلج!.
جرس أخير:
"ولست بنحوّيٍ، يلوك لسانه... ولكنّي، سليقيٌّ أقولُ، فأُعربُ" ((أبو مروان النحوي))
فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com
////////////////////////////