ما هو عارف قدمو المفارق .. زرياب السودان وكروانه: ساحر البهجة (2)
د. سامية عباس كرجويل
30 October, 2022
30 October, 2022
ما هو عارف قدمو المفارق
سبانا المبدع د. عبد الكريم الكابلي: نورانية الروح في المنجز الابداعي والفني:
د. عبد الكريم الكابلي وفنتازيا المقامات الموسيقية في أوبريت السلام والهجرة والاغتراب للشريف زين العابدين الهندي: المنجز الابداعي واللحني من بوابة التراث
ديباجة
اطلالة على المشهد ودلالاته
المشهد ودلالاته والإيحاءات المنبثقة منه ود. عبد الكريم الكابلي متجليا في وسط خشبة المسرح فكيفما عبقرية النص الشعري في وصف السودان ودلالاته الجغرافية، التاريخية، التراثية، القبلية، والرمزية كان انيقا في زيه القومي في جلبابه الأبيض الناصع وعمامته البيضاء وعباءته التي اضافت الى المشهد فخامة وهيبة فضاهه بها ‘كرومه ' وهو يحي الحفلات في ثلاثينيات القرن الماضي (1)، تكمن دلالاته في اضافة عمق أكبر الى النص الشعري والقومية السودانية.
الموسيقى في الشعر والشعر في الموسيقى
بنى الكابلي هيكل لحنيا لأوبريت السلام والهجرة والاغتراب للشريف زين العابدين الهندي ينافس شموخا وابداعا وعظمة النص الشعري للأوبريت فكان كولاج أوديسا شكل ملحمة بدوره. كما عكس هذا الكولاج جليا الموسيقى والايقاعات والتنوع الثقافي من خلال لونه الإيقاعي لحنا مميزا به فانبثقت الدلالة للنص من الأثر اللحني والصوتي والايقاعات وظلالها الدلالية للوحدة مؤكدة هذا البعد التراثي. إذن لم يغفل الكابلي هذا التنوع للوحدات العضوية فحقنه بهرمون الثقافة المختلط بالتراث والتنوع والعالمية ليحمل هذا التنوع في البناء الهيكلي للموسيقى فكسى كل وحده عضويه لونية تناسبها ، واعتمد في ذلك على قراءة الاختلاف والبعد التاريخي فملأ فضاء المفردة في النص الشعري بمختلف الإيقاعات والأوزان الموسيقية من موسيقى المارشا ت ، و الشاشاي ، و الشاشاي مع الجلالات ، والهوسيت، والاصوات المتنوعة من حنجرته التي يرتد صداها كالحان مقدسة من مزمار دَاوُود عليه السلام ، وأحيانا يشد على لجامه وتستوقفه المعرفة بالتراث ليقدم بعض المقاطع اي الوحدة العضوية على أساس المربوق. بجانب إضافات أخرى ومنها اضاف اللغة الانجليزية الى المربوق -وهو السرد دون العزف على الآلات الموسيقية وقد وجد ان الأهالي يستسيغونه بلا لحن وهو شكل من "أشكال الدوباي" وهناك انواع مختلفة منه وهي: البوباي والهوهاي والجابودي والسومار او البنينه والشاشاي ( 2 ) . لا يقل المربوق بصوت الكابلي سحرا وعذوبة عن ريشة عوده فهو يشجيك لجمال صوته وياسرك فترنو وتصغي حتى تمتلئ نشوة وقد استحسنه عشاقه فنافس بذلك الترانيم المقدسة عذوبة وسحرا (3). ان الحس العالي والتذوق الشعري كان بوصلة الكابلي الذي يستوقفه لاختيار النص الشعري المناسب ليسكب علية حرارة المربوق فينقل اليك جذوته ومن هذه الوقفات: " وعندك ألف خور في الوادي وألفين رافد/ وحسبنا الجزائر والجروف ما وارد/ والبنرو الحبيب لي عودوه سيدو اقالد / والساقية الحنين توريقها قائم وقاعد/ والبلدات ونجاحات حليلة فايد/ والمطر البكبكب أربع شهور ويدارد/....... كونه الفاو بقت ترع وجنائن وموارد/.......(4). ففي البناء الهندسي للموسيقى منحها الكابلي إيقاع موسيقي ونغمي ودرامي متماسك تتنوع فيه الأصوات بين خفيض هادئ وصاخب هادر ولكل وحدة كيان عضوي متكامل يحمل لونيتها، كما استعار الكابلي الصوت الغليظ للتدليل على الرمزية التراثية لمنطقة الجعلين كإشارة الى الرجولة والشجاعة وعدم المهابة وكان ذلك تماشيا مع النص الشعري وما وصف من احداث تاريخية لصد حملته 'محمد علي باشا ' وهناك سرد تاريخي طويل أوجز في
'حرق الباشا ‘، ودور 'مهيرة بت عبود'، فاستخدام الكابلي الصوت الغليظ يحكي كثير من سمات أهل المنطقة تراثيا. لحن وعزف موسيقى المارشات والتي تستخدمها فرقة الحراس الملكي البريطاني التابعة للجيش البريطاني والتي تعزف عند تغيير الحرس الملكي في قصر بكينجهام (5) مدللا على انها منطقة عسكرية فكانت الرمزية الي انها منطقة حرب تغطي وصف النص الشعري للجنوب فكان النص اللغوي الذي تغذى بالنص الموسيقي:
" وفيك بحر الجبل حاقب عري الرجاف/ وفيك بحر الغزال والجور وبحر زراف/ وفيك سوباط ملول زي دبيبا خاف/ وفيك
بحر العرب مليان نعام وزراف/.. ((6
كان الكابلي يستنطق النص الشعري في الحانة ليستنطق الاوتار بالمفردة مستفيدا من الجرس الموسيقي في النص الشعري وفي تواتر المفردة فيملأ فضاءاتها لحنا طروبا عربيدا ومطربا فيأتي ذلك متلاحقا يمسك بعضه بعضا ففي: “منو الزيك، ببز الدنيا مويه وزاد؟ / منو الزيك، ضروع وزروع ونيل مداد؟ / منو الزيك، بطانة وغابة دون حداد؟ / منو الزيك سهول وادي وجبال أوتاد؟ (7). اظهر الايقاع الموسيقي هذا التواتر فزاد من الجرس الموسيقي للنص الشعري فاظهر الترابط الدلالي لتأطير الصورة للوحدة العضوية وإظهارها كوحدة متكاملة. ففي التكرار تلاحق تصاعدي محركا ومحرضا للخيال لاستجلاب الرؤية الكاملة للوحدة العضوية وما ابرزته من فخر واعتزاز. كذلك شحن الكابلي بالموسيقى نواة كل مفردة متواترة ومكررة بطاقة مشعة ليضيء الصورة وتحقق الرؤية الكاملة، فهذا الأداء حدد بوضوح معالم كل وحدة جغرافيا، او تاريخيا وتراثيا. كما حرض الكابلي بالموسيقي الخيال ليتصور وصف النص الشعري المجسم للصورة مستفيدا من التواتر المتصاعد للمفردة المتكررة ففي:" فيك الفيل، وفيك العنزة والجاموس/ وفيك التيتل اليات قرونه تروس/ وفيك الأصلة، والدابي أب درق وجروس / وفيك أسد العرين، رب العراك والدوس/ وفيك ريل الودي، آلبي نالو راتع اجوس/ وفيك فهود... وفيك نمور وفيك طاؤوس / وفيك صقر الكواهله العينة كالفانوس/ وفي نيلك عشاري اشيل من الجاقوس/....(.8).كذلك استعانة بالشاشاي مصحوبا بالجلالات مما يستنهض به الجنود وكان يهزج بها جنود الفور ويلجا اليها الجنود للترويح عنهم عند قطع المسافات البعيدة وهي: " لا إله الا الله/ا لفقرا عبيد الله/ لا إله الا الله/ نحن نموت والحي الله/ لا إله الا الله الفقرا عبيد الله (9) . وقد سرت العدوى الي الجنود في مواقع اخري من البلاد وصارت قالب يقاس علية. لم يغفل الكابلي عن هذا الجانب من التراث فادخل في البناء الموسيقي للنص الشعري هذا الايقاع باسم الجلالة مما يدلل على المامه بهذا الجانب من التراث فجاءت نغمة الجلالة لتكسب البناء الموسيقي هيبة مدللا على هيبة النص الشعري فعزفت الاوتار ليصبح اسم الجلالة محركا للساكن ليتدفق الدم دافئا في الاوردة والشرايين وقد انتقلت الروحانية الي النص مسبقا. ب:" لا إله الا الله ..... محمد يا رسول الله/ على دينار كسب بها الشرف والطول / ابو زكريا أدأب العصاه زول زول / لا إله الا الله ..... لا إله الا الله محمد يا رسول الله/.. " (10.( نقب الكابلي في التراث ولحن وشدا بأغاني "البوباي " والتي تمجد الفروسية وتعالج موضوع تهذيب الجماعة وقد اشتهر البوباي في بيوت زعامة الجعلين و العبدلاب ومن قطوفها الدانيه اقتطف الكابلي بعض منها: "متين يا علي تكبر تشيل حملي/ ا ياك على الخلاك ابوي دخري/ متين تكبر تشيل حملك يفيض بالي/ للجار والعشير الكان ابوك غاني/ وللقوي والضعيف الكان ابوك حامي/ ........وفي أطار البوباي والمناحات عندما صدح الكابلي ب : " ما هو الفافنوس / ما هو الغليد البوص/ ود المك عريس /....../احي عليه سيفو البحد الرؤوس/ احي عليه سيف البسوي التح/..."(11). حير المتعلم وغير المتعلم فهرع الكل يبحث في التراث ليقف على "ما هو الفافنوس؟" ليجد إجابة لها ويشبع حب المعرفة الذي اثاره الكابلي في نفسه وهكذا كان الكابلي يأتي بالمثير ليخترق مواطن الدهشة وليزيد من الاعجاب به، وهنا تكمن نقاط القوة والتميز عنده قدس الله سره.
وفي ختام البناء الهيكلي للحن الأوبريت اختار الكابلي ان يكون على نهج الشاشاي للعمل والذي يكون الايقاع فيه سريع وخفيف ويحث على العمل والحركة (21). لم يفوت على الكابلي العزف اللحني على أساس أغنية الشاشاي للعمل والحركة وهنا اختلف الايقاع في سرعته وخفته فأثار الحماس فتجلت الروعة في أبهى صورها. ان المنجز الابداعي والفني الذي قدمه أوبريت الشريف زين العابدين نصا لغويا وكساه الكابلي لحنا كشكولي شجي كونَّا منه إيحاء الفيلم السينمائي وإطلالة من نافذة القطار المتحرك، وسياحة في ارجاء السودان المختلفة.
ومن خلال هذا اللحن الابداعي للأوبريت هل يمكننا القول بان عبد الكريم الكابلي قد عبر بِنَا للمقارنة بينة وبين السنباطي وَعَبَد الوهاب في مصر، والرحبانية في لبنان او بمسقارين عرب اخرين من عراقيين او تونسيين او مغاربه. ايضا يستوقفنا تساؤل اخر هل تشابه كابلي مع بليغ حمدي فكان مطرب الطبقة الوسطى والافندية والمثقفين ام كان يراوح ما بين الطبقات من الوسطى والارستقراطية والشعبية 13)).
وختاما يمكن القول بان د. عبد الكريم الكابلي ملك اللازمة الموسيقية فكان يعطي اللحن إحساسا وجذوه وشعورا يوصله الى المستمع فيشجيه التزاوج بين اللحن والنص الشعري فتجلى وأبدع في اخراج ذلك الكولاج الموسيقي لأوبريت الشريف زين العابدين الهندي واحتل بذلك مكانة مميزة في خريطة الغناء السوداني رفيعة المستوى وعالية المقام.
واخيرا وليس آخراً قد تعبر هذه الأبيات الشعرية التي نظمها الراوي على وزن رباعيات عمر الخيام عن قليل مما يجيش في النفس من أحاسيس ومشاعر حين قال:
” الى الله تمضي في غد خير زاهد/ وتترك في الدنيا دوي القصائد
وثقت بنفس حره فتقدمت / الى الهول يحدوها ثبتت مجاهد
تعبر عن حقا وترفض باطلا/ وما فارقت يوما طريق المحاميد
ومجاملتهما في الحق - والله شاهد/ وقد عرفت فيه بعزم معاند (الراوي: القصيدة: وثقت بنفس حرة ص 49) (14)
. المصادر
1. نجيله، حسن ( 1994 ) . ملامح من المجتمع السوداني 2
الناشر دار الخرطوم للطباعة والنشر والتوزيع.
2. الطيب، محمد الطيب (2013). الدوباي، الناشر هيئة الصحافة والنشر الطبعة الثانية
3 . مصدر السابق
. 4 Susanna .word press. Com http://Susanna
. Com http://http://www.omarfadlalla. Com
5.صحيفة العرب.
Http://alarab.co.uk (available 16 Oct 202)
6.الطيب، محمد الطيب (2013). دوباي، الناشر هيئة الصحافة والنشر، الطبعة الثانية
elation.com ,http so:s//www.elafoon com.
)7.( المصدر السابق
8 ( المصدر السابق
9) ا لطيب ،محمد الطيب )2013. الدوباي, الناشر هيئة الصحافة والنشر ، الطبعة الث.
01) المصدر السابق
11) المصدر السابق
(12)المصدر السابق
(13)الحكيم، سليمان(2009). المعاني في الأغاني، الناشر دار اخبار اليوم العدد536 ديسمبر
14)) الراوي ، حارث طه ( 2012.). رباعيات الراوي . شعر، الناشر مجلة دبي الثقافية ص (49)
kargwell65@yahoo.co.uk
سبانا المبدع د. عبد الكريم الكابلي: نورانية الروح في المنجز الابداعي والفني:
د. عبد الكريم الكابلي وفنتازيا المقامات الموسيقية في أوبريت السلام والهجرة والاغتراب للشريف زين العابدين الهندي: المنجز الابداعي واللحني من بوابة التراث
ديباجة
اطلالة على المشهد ودلالاته
المشهد ودلالاته والإيحاءات المنبثقة منه ود. عبد الكريم الكابلي متجليا في وسط خشبة المسرح فكيفما عبقرية النص الشعري في وصف السودان ودلالاته الجغرافية، التاريخية، التراثية، القبلية، والرمزية كان انيقا في زيه القومي في جلبابه الأبيض الناصع وعمامته البيضاء وعباءته التي اضافت الى المشهد فخامة وهيبة فضاهه بها ‘كرومه ' وهو يحي الحفلات في ثلاثينيات القرن الماضي (1)، تكمن دلالاته في اضافة عمق أكبر الى النص الشعري والقومية السودانية.
الموسيقى في الشعر والشعر في الموسيقى
بنى الكابلي هيكل لحنيا لأوبريت السلام والهجرة والاغتراب للشريف زين العابدين الهندي ينافس شموخا وابداعا وعظمة النص الشعري للأوبريت فكان كولاج أوديسا شكل ملحمة بدوره. كما عكس هذا الكولاج جليا الموسيقى والايقاعات والتنوع الثقافي من خلال لونه الإيقاعي لحنا مميزا به فانبثقت الدلالة للنص من الأثر اللحني والصوتي والايقاعات وظلالها الدلالية للوحدة مؤكدة هذا البعد التراثي. إذن لم يغفل الكابلي هذا التنوع للوحدات العضوية فحقنه بهرمون الثقافة المختلط بالتراث والتنوع والعالمية ليحمل هذا التنوع في البناء الهيكلي للموسيقى فكسى كل وحده عضويه لونية تناسبها ، واعتمد في ذلك على قراءة الاختلاف والبعد التاريخي فملأ فضاء المفردة في النص الشعري بمختلف الإيقاعات والأوزان الموسيقية من موسيقى المارشا ت ، و الشاشاي ، و الشاشاي مع الجلالات ، والهوسيت، والاصوات المتنوعة من حنجرته التي يرتد صداها كالحان مقدسة من مزمار دَاوُود عليه السلام ، وأحيانا يشد على لجامه وتستوقفه المعرفة بالتراث ليقدم بعض المقاطع اي الوحدة العضوية على أساس المربوق. بجانب إضافات أخرى ومنها اضاف اللغة الانجليزية الى المربوق -وهو السرد دون العزف على الآلات الموسيقية وقد وجد ان الأهالي يستسيغونه بلا لحن وهو شكل من "أشكال الدوباي" وهناك انواع مختلفة منه وهي: البوباي والهوهاي والجابودي والسومار او البنينه والشاشاي ( 2 ) . لا يقل المربوق بصوت الكابلي سحرا وعذوبة عن ريشة عوده فهو يشجيك لجمال صوته وياسرك فترنو وتصغي حتى تمتلئ نشوة وقد استحسنه عشاقه فنافس بذلك الترانيم المقدسة عذوبة وسحرا (3). ان الحس العالي والتذوق الشعري كان بوصلة الكابلي الذي يستوقفه لاختيار النص الشعري المناسب ليسكب علية حرارة المربوق فينقل اليك جذوته ومن هذه الوقفات: " وعندك ألف خور في الوادي وألفين رافد/ وحسبنا الجزائر والجروف ما وارد/ والبنرو الحبيب لي عودوه سيدو اقالد / والساقية الحنين توريقها قائم وقاعد/ والبلدات ونجاحات حليلة فايد/ والمطر البكبكب أربع شهور ويدارد/....... كونه الفاو بقت ترع وجنائن وموارد/.......(4). ففي البناء الهندسي للموسيقى منحها الكابلي إيقاع موسيقي ونغمي ودرامي متماسك تتنوع فيه الأصوات بين خفيض هادئ وصاخب هادر ولكل وحدة كيان عضوي متكامل يحمل لونيتها، كما استعار الكابلي الصوت الغليظ للتدليل على الرمزية التراثية لمنطقة الجعلين كإشارة الى الرجولة والشجاعة وعدم المهابة وكان ذلك تماشيا مع النص الشعري وما وصف من احداث تاريخية لصد حملته 'محمد علي باشا ' وهناك سرد تاريخي طويل أوجز في
'حرق الباشا ‘، ودور 'مهيرة بت عبود'، فاستخدام الكابلي الصوت الغليظ يحكي كثير من سمات أهل المنطقة تراثيا. لحن وعزف موسيقى المارشات والتي تستخدمها فرقة الحراس الملكي البريطاني التابعة للجيش البريطاني والتي تعزف عند تغيير الحرس الملكي في قصر بكينجهام (5) مدللا على انها منطقة عسكرية فكانت الرمزية الي انها منطقة حرب تغطي وصف النص الشعري للجنوب فكان النص اللغوي الذي تغذى بالنص الموسيقي:
" وفيك بحر الجبل حاقب عري الرجاف/ وفيك بحر الغزال والجور وبحر زراف/ وفيك سوباط ملول زي دبيبا خاف/ وفيك
بحر العرب مليان نعام وزراف/.. ((6
كان الكابلي يستنطق النص الشعري في الحانة ليستنطق الاوتار بالمفردة مستفيدا من الجرس الموسيقي في النص الشعري وفي تواتر المفردة فيملأ فضاءاتها لحنا طروبا عربيدا ومطربا فيأتي ذلك متلاحقا يمسك بعضه بعضا ففي: “منو الزيك، ببز الدنيا مويه وزاد؟ / منو الزيك، ضروع وزروع ونيل مداد؟ / منو الزيك، بطانة وغابة دون حداد؟ / منو الزيك سهول وادي وجبال أوتاد؟ (7). اظهر الايقاع الموسيقي هذا التواتر فزاد من الجرس الموسيقي للنص الشعري فاظهر الترابط الدلالي لتأطير الصورة للوحدة العضوية وإظهارها كوحدة متكاملة. ففي التكرار تلاحق تصاعدي محركا ومحرضا للخيال لاستجلاب الرؤية الكاملة للوحدة العضوية وما ابرزته من فخر واعتزاز. كذلك شحن الكابلي بالموسيقى نواة كل مفردة متواترة ومكررة بطاقة مشعة ليضيء الصورة وتحقق الرؤية الكاملة، فهذا الأداء حدد بوضوح معالم كل وحدة جغرافيا، او تاريخيا وتراثيا. كما حرض الكابلي بالموسيقي الخيال ليتصور وصف النص الشعري المجسم للصورة مستفيدا من التواتر المتصاعد للمفردة المتكررة ففي:" فيك الفيل، وفيك العنزة والجاموس/ وفيك التيتل اليات قرونه تروس/ وفيك الأصلة، والدابي أب درق وجروس / وفيك أسد العرين، رب العراك والدوس/ وفيك ريل الودي، آلبي نالو راتع اجوس/ وفيك فهود... وفيك نمور وفيك طاؤوس / وفيك صقر الكواهله العينة كالفانوس/ وفي نيلك عشاري اشيل من الجاقوس/....(.8).كذلك استعانة بالشاشاي مصحوبا بالجلالات مما يستنهض به الجنود وكان يهزج بها جنود الفور ويلجا اليها الجنود للترويح عنهم عند قطع المسافات البعيدة وهي: " لا إله الا الله/ا لفقرا عبيد الله/ لا إله الا الله/ نحن نموت والحي الله/ لا إله الا الله الفقرا عبيد الله (9) . وقد سرت العدوى الي الجنود في مواقع اخري من البلاد وصارت قالب يقاس علية. لم يغفل الكابلي عن هذا الجانب من التراث فادخل في البناء الموسيقي للنص الشعري هذا الايقاع باسم الجلالة مما يدلل على المامه بهذا الجانب من التراث فجاءت نغمة الجلالة لتكسب البناء الموسيقي هيبة مدللا على هيبة النص الشعري فعزفت الاوتار ليصبح اسم الجلالة محركا للساكن ليتدفق الدم دافئا في الاوردة والشرايين وقد انتقلت الروحانية الي النص مسبقا. ب:" لا إله الا الله ..... محمد يا رسول الله/ على دينار كسب بها الشرف والطول / ابو زكريا أدأب العصاه زول زول / لا إله الا الله ..... لا إله الا الله محمد يا رسول الله/.. " (10.( نقب الكابلي في التراث ولحن وشدا بأغاني "البوباي " والتي تمجد الفروسية وتعالج موضوع تهذيب الجماعة وقد اشتهر البوباي في بيوت زعامة الجعلين و العبدلاب ومن قطوفها الدانيه اقتطف الكابلي بعض منها: "متين يا علي تكبر تشيل حملي/ ا ياك على الخلاك ابوي دخري/ متين تكبر تشيل حملك يفيض بالي/ للجار والعشير الكان ابوك غاني/ وللقوي والضعيف الكان ابوك حامي/ ........وفي أطار البوباي والمناحات عندما صدح الكابلي ب : " ما هو الفافنوس / ما هو الغليد البوص/ ود المك عريس /....../احي عليه سيفو البحد الرؤوس/ احي عليه سيف البسوي التح/..."(11). حير المتعلم وغير المتعلم فهرع الكل يبحث في التراث ليقف على "ما هو الفافنوس؟" ليجد إجابة لها ويشبع حب المعرفة الذي اثاره الكابلي في نفسه وهكذا كان الكابلي يأتي بالمثير ليخترق مواطن الدهشة وليزيد من الاعجاب به، وهنا تكمن نقاط القوة والتميز عنده قدس الله سره.
وفي ختام البناء الهيكلي للحن الأوبريت اختار الكابلي ان يكون على نهج الشاشاي للعمل والذي يكون الايقاع فيه سريع وخفيف ويحث على العمل والحركة (21). لم يفوت على الكابلي العزف اللحني على أساس أغنية الشاشاي للعمل والحركة وهنا اختلف الايقاع في سرعته وخفته فأثار الحماس فتجلت الروعة في أبهى صورها. ان المنجز الابداعي والفني الذي قدمه أوبريت الشريف زين العابدين نصا لغويا وكساه الكابلي لحنا كشكولي شجي كونَّا منه إيحاء الفيلم السينمائي وإطلالة من نافذة القطار المتحرك، وسياحة في ارجاء السودان المختلفة.
ومن خلال هذا اللحن الابداعي للأوبريت هل يمكننا القول بان عبد الكريم الكابلي قد عبر بِنَا للمقارنة بينة وبين السنباطي وَعَبَد الوهاب في مصر، والرحبانية في لبنان او بمسقارين عرب اخرين من عراقيين او تونسيين او مغاربه. ايضا يستوقفنا تساؤل اخر هل تشابه كابلي مع بليغ حمدي فكان مطرب الطبقة الوسطى والافندية والمثقفين ام كان يراوح ما بين الطبقات من الوسطى والارستقراطية والشعبية 13)).
وختاما يمكن القول بان د. عبد الكريم الكابلي ملك اللازمة الموسيقية فكان يعطي اللحن إحساسا وجذوه وشعورا يوصله الى المستمع فيشجيه التزاوج بين اللحن والنص الشعري فتجلى وأبدع في اخراج ذلك الكولاج الموسيقي لأوبريت الشريف زين العابدين الهندي واحتل بذلك مكانة مميزة في خريطة الغناء السوداني رفيعة المستوى وعالية المقام.
واخيرا وليس آخراً قد تعبر هذه الأبيات الشعرية التي نظمها الراوي على وزن رباعيات عمر الخيام عن قليل مما يجيش في النفس من أحاسيس ومشاعر حين قال:
” الى الله تمضي في غد خير زاهد/ وتترك في الدنيا دوي القصائد
وثقت بنفس حره فتقدمت / الى الهول يحدوها ثبتت مجاهد
تعبر عن حقا وترفض باطلا/ وما فارقت يوما طريق المحاميد
ومجاملتهما في الحق - والله شاهد/ وقد عرفت فيه بعزم معاند (الراوي: القصيدة: وثقت بنفس حرة ص 49) (14)
. المصادر
1. نجيله، حسن ( 1994 ) . ملامح من المجتمع السوداني 2
الناشر دار الخرطوم للطباعة والنشر والتوزيع.
2. الطيب، محمد الطيب (2013). الدوباي، الناشر هيئة الصحافة والنشر الطبعة الثانية
3 . مصدر السابق
. 4 Susanna .word press. Com http://Susanna
. Com http://http://www.omarfadlalla. Com
5.صحيفة العرب.
Http://alarab.co.uk (available 16 Oct 202)
6.الطيب، محمد الطيب (2013). دوباي، الناشر هيئة الصحافة والنشر، الطبعة الثانية
elation.com ,http so:s//www.elafoon com.
)7.( المصدر السابق
8 ( المصدر السابق
9) ا لطيب ،محمد الطيب )2013. الدوباي, الناشر هيئة الصحافة والنشر ، الطبعة الث.
01) المصدر السابق
11) المصدر السابق
(12)المصدر السابق
(13)الحكيم، سليمان(2009). المعاني في الأغاني، الناشر دار اخبار اليوم العدد536 ديسمبر
14)) الراوي ، حارث طه ( 2012.). رباعيات الراوي . شعر، الناشر مجلة دبي الثقافية ص (49)
kargwell65@yahoo.co.uk