الكمونية والمخابرات المصرية

 


 

شوقي بدري
13 November, 2022

 

الكمونية من الاطباق السودانية الشهيرة والتي يحبها الأغلبية . مكونات الكمونية هى من ما يخرج ويتصل باحشاء الحيوان . في الايام التي تقدم فيها ما يعرف ب ،، درشكوفا بوليفكا ،، في مطاعم الطلاب والعمال الشيك الضخمة التي تسع الآلاف يكون الجميع سعداء . انها حساء امعاء البقر . يكره عملها عمال المطابخ والطباخين لان النظافة متعبة كريهة الرائحة وتأخذ وقتا طويلا . من العادة أن يختبر الاهل من يرغبون في اختيارها كعروس لابنهم بالطلب منها غسل ونظافة الكمونية . واذا لم تنجح قد يصرفون عنها النظر .
في منزلنا في امدرمان سعد مدير شركة دقريمونت الفرنسية بأكل الكمونية بتلذذ . ورفضت دبلوماسية سويدية وسويدي من الاقتراب منها او حتى النظر اليها .
وجدت تفسيرات عديدة لمصدر اسم
الكمونية التي ساعدت في الكشف عن الاخ سعيد الذي قد يكون رجل المخابرات المصرية في براغ .
تقارب معنا العرب وخاصة المصريون بعد مؤتمر الخرطوم الذي اعاد الحياة الى عبد الناصر بعد هزيمة العرب في حرب الستة ايام في 1967 . وفي صيف تلك السنة كنت اقف امام البلوك الثاني احد ال12 بلوك ومبني كثيرو اخرى للادارة ، سوق ومطعم ضخم يسع الآلاف ويطعم 6 الف طالب وطالبة في مدينة جامعية للطلاب ، الزائرين والعاملين . كالعادة كان الطلبة الشيك يلعبون الكرة الطائرة في عدة مجموعات والطلبة الافارقة من اصدقائي يلعبون كرة القدم . لم اشارك في البداية لانني في طريقي للمدينة . وبعد أن اشتركت بعدة ضربات وجدت نفسي الى حد كبير مشتركا في اللعب .
بلطف وادب جم طلب مني مصري قد تعدى الثلاثين ولم اعرفه من قبل أن لا افسد البلدة الجميلة والشياكة والاناقة بلعب الكرة . وفي دقائق دخل سعيد الى قلبي بعد أن افهمن بانه من المترددين على السودان وأن له الكثير من الاهل والاحباب في الخرطوم مدني وعدة مدن سوداني . وعن طريقي دخل سعيد في المجموعة السودانية بالرغم من فارق العمر فقد كنا في بداية العشرينات . سعيد صار عضوا في كل التجمعات السودانية الحفلات واللقاءات . سعيد كان لبقا خفيف الظل مثقفا ويعرف الكثير عن السودان . يستمع كثيرا ويتكلم قليلا على غير عادة المصريين . لم اعرف ابدا اين يسكن وما هى دراسته بالرغم من تردده على غرفتي وغرف السودانيين . كان يمتص المعلومات من الجميع ويحتفظ بادق المعلومات خاصة عن رأينا عن الحرب اسرائيل موقفنا من ناصر والنظام المصري . سعيد كان يستنطقنا بدون أن يحسنا بانه مهتم بالامر وكانت اسئلته عفوية . ولهذا صار سعيد مدعوا الى كل الموائد وكأنه سوداني . ونحن السودانيون نتمتع بقدر خرافي من السذاجة ،، الطيبة ،،عدم التدقبق والاهتمام .
انتقل سعيد الى مساكن الطلبة عل تل ،،فيترنيك،، جار تلنا استراهوف . في تلك الداخلية كان طلاب الطب السودانيين منهم الفنان الشاعر سري محمد على ، على الوكيل ، كمال خليل ،على عبد المجيد ،، مشعل ،، بكري طنون ، موافي الخ . صار سعيد ملتصقا بتلك المجموعة يدعونه لطعامهم وقعداتهم، والجميع يستلطفه .
عرفت من سري وعلى الوكيل انه قد وضح لهم أن سعيد لا يعرف السودان ولم يضع قدمه في السودان . وعندما حاصروه بالاسئلة الدقيقة عن مدني التي عاشس فيها وهى مسقط رأس الدكتور سري محمد على المتواجد اليوم في القارة الامريكية وضح ان معلوماته كلها سماعية او استخبارية .
اثناء الغداء كان السودانيون كعادتهم يعلنون عن شوقهم للاكلات الشعبية السودانية ، وسعيد بشاركهم . عند ذكر الكمونية . افتى ، تكلم واشعر سعيد في الحب والوله بالكمونية . واخيرا وعد سعيد بانه سيعد وجبة الكمونية بطريقة يأكل معها السودانيون اصابعهم . واتت الاكلة التي يعشقها سعيد كانت عبارة عن طبيخ عادي من اللحم والكمون . وعند خيبة امل السودانييبن قال سعيد .... في ايه ... في ايه .؟ الكمونية مش لحمة بكمون ؟ بعدها قمت بفلفلة سعيد وكشفت زيفه و الادعاء بأنه كان في السودان . تكون عندي اقتناع بأن سعيد لا بد أن يكون من رجال المخابرات المصرية وبراغ كانت مركزا لكل انواع المخابرات في العالم . اختفى سعيد . عاشت الكمونية.
سمعت وقريت تفسيرات كثيرة لاسم الكمونية . اقربها أن المسؤول البريطاني واظنه برمبل مفتش امدرمان الذي نظم امدرمان عشق امدرمان وخدم لستة فترات هو سبب الاسم . في كل مرة يريدون نقل برامبل يتظاهر اهل امدرمان وترضخ الحكومة . برمبل كان يعمل كبسة على كل الاحياء والسوق خاصة جزر اللحم ويفرض عبى الجزارين تغطية اللحوم بالاغطية القطنية البيضاء والتي تغسل كل يوم مع ملابس الجزار التي يتركها للغسال آدم الذي اعطى رخصة بالقرب من الجزر ليقوم بغسل ،، الملابي ناصة ،، المرايل ،، التي تحمي الجلابية من الدماء ، ويستلمها نظيفة في الصباح والا يتعرض للغرامة وربما سحب الرخصة . كان يحرم بيع الكرشة وتوابعها مع اللحم لتجنب التلوث وانتقال الامراض من الحيوان الى الانسان . واخيرا صار للكرشة وتوابعها سوق منفصل مثل السمك . يقولون أن المسؤول الانجليزي كان يقول بانجليزية بسيطة عن الكرشة وتوابعها ..... كوم نو نير . واتت كلمة كمونية .
كل الجيوش لم تكن تتحرك بدون الاستخبارات . طارق ين زياد قبل أن يهاجم الاندلس ارسل جواسيسه . وعرف أن الاندلسيين يسترخون في فترة شهر رمضان لأن البربر أو الامازيق يكونون صائمين ولن يهاجموهم ولهذا هاجم البربرالاندلس في شهر رمضان . والسادات هاجم خط بارليف في يوم كبور وهم اكبر اعياد اليهود .
المسكوت عنه فى 19 يوليو مكتبه شوقى بدرى ...قبل عقدين . .
((( بخصوص المخابرات المصريه ليس هذا هوس من جانبي. في سنة 1988 وعندما ساءت العلاقات بين السودان ومصر ذهبت لمكتب الخطوط الجويه المصريه للحصول على حجز وتذكرتي كانت على الخطوط المصريه اشتريتها من كوبنهاجن فطالبوني بيفيزا لدخول اسكندنافيا وكان وقتها مكتب الخطوط المصريه يمر يأصلاحات وهم يعملون من داخل النادي العربي بشارع القصر. فأبرزت لهم جوازي السويدي ولكنهم اصروا على حصولي على فيزة دخول في جوازي السوداني. وكان يصحبني صلاح عبدالفتاح .والده كان يعمل في هيئة تسويق الأقطان السودانيه . ويرافقنا احد اقاربهم المحس واسمه عبد العزيز ولم اكن قد قابلته من قبل ويبدو بسيطا متواضعا فذهبنا الى مكتب مدير الخطوط المصريه في عمارة أبو العلا الذي قابلنا بفظاظه " تعمل اللي طلبوه منك والا تضرب براسك في الحيط" ثم اغلق الباب فوقفت محتارا فقال لي الأخ عبدالعزيز "يلا على السفاره المصريه وانا احل ليك المشكله دي" فشخطت فيه غاضبا مدفوعا بأخفاقي وغيظي وقلت له " اعمل ايه في السفاره المصريه انا عاوز فيزه؟ انت ما بتفهم؟"
فضحك عبدالعزيز ببساطه " الكان بيتكلم معاك دا عقيد في المخابرات المصريه وفي واحد زيه على راس البعثه التعليميه المصريه وواحد في الري المصري ورئيس ديل القنصل المصري وانا ضابط امن مسئول من امن السفارات" وعندما وصلنا السفاره المصريه تغيرت شخصية عبدالعزيز وتنمر وهب البواب واقفا لتحيته وعندما وصلنا الطابق الثاني في بهو فسيح بعدة ابواب طرقع بأصبعه وقال للمراسله" نادي محمد" وخرج القنصل مرحبا وعندما شرح له عبدالعزيز الامر قال القنصل محمد" دول ناس ما بيفهموش هو احنا لاقين ناس زيك بشياكه والاناقه دي و جواز سويدي" وكتب علي ورقه" الأخ حسين ارجو اعطاء الاخ شوقي اوكيه وبلاش مضايقة للخلق" فاعترضت انا على جملة مضايقة الخلق وقلت اريد حل المشكله بدون مضايقات ولكن القنصل اصر اخذها بتلك الطريقه. وبالرغم من اصراري الا ان القنصل الح ان اخذها كما هي وعندما لم اقبل قام بشطب الجمله بطريقه لا تزال مقروءه.
وبدأ القنصل ملاطفة عبدالعزيز تحسرعلى عدم رؤيته والسهر والخ... وسأله عبدالعزيز" انت يا محمد لسع بتبيعو سجاير؟" فقال القنصل" سجاير ايه مانت عارف ما احنا اخوات وما فيش مشاكل" وخارج السفاره سألت عبدالعزيز عن موضوع السجاير. فقال" ما اصلو النميري فتح البلد للمخابرات المصريه وكانوا شغاليين عالمفتوح . قبل مده لقيت واحد مصري بيبيع سجاير بالحبه في شارع القصر زي كانو مصر مافيها مدخنين وضربته كف على قفاهو وجريته على القنصل وقلت ليه أي زول ممكن يعرف انه دا مخابرات مصريه"

في مايو 1995 شاهدت الاخ عبدالعزيز في التلفزيون المصري يتحدث عن بيوت الاشباح ومعسكرات تدريب الارهابيين بعد محاولة اغتيال حسني مبارك

عن طريق مداخله الاخ ترهاقا عرفت ان عبد العزيز جعفر , هو ابن اخ البروفسور عمر محمد عثمان عميد فى جامعه الخرطوم فى السبعينات .
والاخ عبد العزيز جعفر تعرض لتعذيب بشع فى بيوت الاشباح فى بدايه الانقاذ واتهموه بالعماله لمصر . والآن اهل الانقاذ يذهبون الى مصر اكثر من السوق العربى .
نهاية اقتباس
التاريخ يحكي عن الضابط المصري الذي اتى الى السودان ولابد أنه قد اخذ كورسا مكثفا في الدين القرآن العبادات الخ حضر في شكل رجل دين ومن احفاد سيدنا على الذي يحبه السودانيون كثيرا . فتحت له الابواب واستقبل بالاحضان عند الزعماء والاكابر وانتهى به الامر مكرما عند سلطان سنار . بعد سنة عاد ذلك الضابط مع جيش اسماعيل باشا الذي كانت عنده فكرو كاملة عن العباد والبلاد . وانتهى الامر بملك سنار ميتا بابشع طريقة على الخازوق .
قبل الاستقلال ظهر مصري مثقف خفيف الظل شرعت له الابواب ورفعت الاعلام وتسابق الناس في اكرام وفادته . وفي يوم من الايام قام المصري بتحية سيرانو الصغير او العم محمد عثمان يس اول مدير لمديرية اعالي النيل واول رئيس لوزارة الخارجبة .. قصيدة كسلا التي الفها العم توفيق صالح جبريل كانت اثناء تواجد محمد عثمان يس في بداية عمله الاداري في كسلا .
الرد الذي اعطاه محمد عثمان يس للمصري كان صادما للسودانيين المطبلين والملتصقين بالاديب المصري ...... الرد كان اهلا بتربية المرقوت . انت صابط مخابرات وجاسوس رتبتك .... رقمك الوظيفي ..... مرتبك الجبناه من قائمة الظباط .....
لاكثر من سنة كان يترد على السودان جسوس اسمه هاني رسلان . كان يصول ويجول في السودان كما يشاء ،، يشلخ ويملخ ،، كما يريد . يجد التعظيم الاهتمام تفتح امامه كل الابواب . كتبت عنه عدة مواضيع طويلة منها الجدع هاني رسلان .....وبعدين يا هاني رسلان ....... المحن السودانية 28 هاني رسلان .... المحير هو حيرة المحتارين ...... الما بتضويقو ايدك ما ببقى نديدك . الخ. لم يرضى الكثير من السودانيين بهجومي على هاني رسلان لآـنه صحفي في الاهرام . كنت ارد واقول ان الاهرام ليست صحيقة انها مثل البرافدا الروسية أو،، الحقيقة ،، اسفستيا او رودي برافو او الحق الاحمر في براغ كلها ابواق للنظام ليس بها صحفيين انهم موظفون فقط .
تصدى لى ،، الصحفي ،، البطل الذي عينته الانقاذ اخيرا بعد كل خدماته كملحق صحفي او ثقاف . لم يستمتع بالعيش في الخارج المرتب العربية والمخصصات لأن الثورة اطاحت بسادته . رددت على البطل ، الموضوع كان تحت عنوان ..... يا البطل هاني رسلان مكري انت شن نفرك ؟
يقولوم الخطة السيئة خير من لا خطة . جهاز مخابرات سيئ خير من لا جهاز مخابرات . بعد سقوط نميري قام الصادق وحكومته بذبح والتخلص من جهاز الامن وتشريد الخبرات . هذا يماثل طرد كل الآطباء او المهندسين الذين عملوا تحت نظام نميري . والنتيجة أن الكيزان سيطروا على السودان الذي همل . قتلت الديمقراطية . نحن السودانيون عشوائيون لا نعرف الضبط والربط . اذكر من الفصص التي سمعناها عن الضابط السوداني الذي اراد أن يدخل كسلا ويتعرف على اخبار الجيش الايطالي الذي احتل كسلا في الحرب العالمية الاخيرة . تم القبض علية مباشرة بالرغم من ملابس اهل الشرق القديمة التي لبسها . كانت هنالك دائرة فاتحة اللون على معصمه الايسر حيث كانت الساعة . والساعات على اليد وقتها كانت نادرة .
القنصل المصري ترجل من سيارته وقام بتحية بائع البطيخ الذي ظهر امام منزله في الحى الراقي . قال القنصل للبائع ......ده مش بطيخ عبد الرحمن ؟ الرد كان عبد الرحمن شنو يازول ....رد القنصل ..... عبد الرحمن بتاع البطيخ .وضحك القنصل المصري . الملحق كان يقصد عبد الرحمن فرح الذي عينه الصادق على رأس المخابرات والامن السوداني بدون خبرة او تأهيل كافي . ولهذا نجح انقلاب الكيزان الهزيل الذي دعموه بطلاب ومدنيين يرتدون الملابس العسكرية . عبد الرحمن فرح رجل جيد الا انه لم تكن عنده المؤهلات للمنصب . كل ما في الامر هو انه واسرته الرائعة من الانصار .
الفلسطينيون كانوا لا يتحركون في مصر ويخشون المخابرات المصرية جدا . قتل وصفي التل رئيس وزراء الاردن في القاهرة 1971بعد مذابح الفلسطينيين في ايلول الاسود . قام الامن المصري بالفتك بالفلسطينيين وجعل حياتهم جحيما . ولهذا يخاف الفلسطينيون من الامن المصري ولهم كل الحق . يقول الاوربيون أن الامن المصري حاسم جدا ومتمكن لأن عنده اعداد مهولة من الجنود العيون لا تتوفر لبقية الدول حتى الغنية . يمكن أن يكلفوا 50 فردا لمراقبة شخص واحد . يكفي أن شيمون بيريس رئيس دولة اسرائيل قد قال امام عدسات التلفزيون أن ياسر عرفات تردد في التوقيع فانتهره حسني مبارك .... وقع يا ابن الاحبة ! ووقع ياسر عرفات .
يجب أن يكون عندنا جهاز مخابرات وطني غير منحاز بدلا عن تجمع اولاد الكشافة الذي كونه الكيزان ليحميهم فقط وينصاع للمخابرات الامريكية احتى المصرية . الامر يحتاج لاجهزة ومعدات متطورة في ايدي وطنية امينة ن بدلا عن بائع البطيخ
. وهذا ما يجب أن نلتفت اليه بعد النصر التام .
شوقي

shawgibadri@hotmail.com

 

آراء