اسقاط العمامة من إيران للسودان!
بثينة تروس
15 November, 2022
15 November, 2022
من شعارات الثورة الإيرانية شعار (الامة الرسالية لا تهزم)، وهو شعار تبنته حكومة الاخوان المسلمين في السودان. كان حلمهم ان يقيموا نموذج الدولة الإسلامية الإيرانية (الشيعية) 1979. في ذلك الوقت خرجت تظاهراتهم في الخرطوم تتبع تلك الخطي (إيران إيران في كل مكان)، وبالفعل دانت الدولة لهم بانقلاب العسكري، واقاموا دولة إسلامية (سنية) في بلد متعدد الأعراق والأديان والاثنيات، لثلاثة عقود من الزمان، خلال هذه العقود اعملوا فيها تصوراتهم للمشروع الحضاري الإسلامي، وتحكيم قوانين الشريعة التي بموجبها تم الجلد والقطع من خلاف على الضعفاء، وشنت حروب الجهاد الإسلامي العبثية في الجنوب وجبال النوبة. صار حكامها ولاة، وقتلاهم شهداء، تقام لهم الاعراس تزفهم للسماء، في المعارك تغيهم الغيوم حر السموم، وتحميهم حيوانات الغابة من الألغام، وتدعمهم الرعية بالرؤي النبوية والتنبؤات بالنصر الابدي.
ظلت تلازمهم أوهام عقيدة انهم امة رسالية معصومة لا تهزم طوال مسيرتهم. وما فتئت حتى بعد ان خرج عليهم الشعب في ثورة ديسمبر المجيدة في جميع البلاد، بما فيهم أبنائهم من اصلابهم، يشهدون على مفارقتهم للدين وفسادهم. ومن هول الصدمة تغيب عن وعيهم كيف اذهب الثوار وقارهم، حين انزلوا قياداتهم من منابر الجمع، ومنعوا أئمتهم امامة المصلين في المساجد، لفجورهم وكذبهم بالدين، بل تم حصبهم في الطرقات تلاحقهم ذلة ومسكنة. بالرغم من ذلك ظلوا يتبعون ذات المنهجية في الاختباء تحت العمامة وقداسة الدين وحمايته.
في حيثيات نقدهم لمسودة وثيقة الدستور الانتقالي للمحامين، اعترضوا على عدم تضمين الدستور نص الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في البلاد، اضافوا كذلك انه لم يذكر في مقدمتها (بسم الله الرحمن الرحيم). ذكروا ذلك ولم يطرف لهم جفن وكأنهم لم يفسدوا باسم الشريعة وبسم الله الرحمن الرحيم. ليتهم حدثونا اين يفارق نص طبيعة الدولة في المسودة اصل الدين والاسلام؟ فقد ورد في النص (جمهورية السودان دولة ديموقراطية فيدرالية تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والاثنيات واللغات والمذاهب والأديان، نظام الحكم فيها نظام برلماني، وتقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة دون تمييز بسبب الاثنية، او الدين، او الثقافة، أو اللون، او اللغة، او النوع، او الوضع الاجتماعي، او الاقتصادي، او الإعاقة، او الانتماء الجهوي، او بسبب أي تمييز أيا كان).. من الجلي ان هذا النص تضمن جماع الإسلام والأديان وكريم المعتقدات، اذ أصله العدل ويتضمن حقوق الانسان، ودفع الشباب أعمارهم مهراً لتحقيقه، لذلك يخشاه الاخوان المسلمين والمصطفين في تيار إسلامي عريض ضد قيام حكم مدني في البلاد.
ففي دخيلة أنفسهم يعتقدون ان لهم قداسة إسلامية تمنحهم حصانة، تمنع عنهم المساءلة ولا تنالهم العقوبات، كتلك التي يتمتع بها الجنرال وبقية الجيوش! ولعلهم بحسب بيانه ايضا (زي الكلبة الوالدة والنحل) حين الاقتراب من إقامة العدالة. هم لن يستريحوا كما استراح الذين عدلوا باسم الشريعة (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر). كما انهم لا يؤمنون بالدستور الذي يلزم الدولة بان تقف على مسافة واحدة بين جميع الاديان، لان هذا بالطبع يسحب عنهم القداسة، وانهم الاعلون وان المواطنين السودانيين من غير المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية، لا حظ لهم في المواطنة المتساوية في الحكم او تقلد مناصب الوزرات، وامور الناس. وفي السابق اقاموا حروب التطهير العرقي بفهم الجهاد العرقي أشعلوا نيران القبلية والفتن التي يشتعل اوراها حتي الساعة، والفوا القتل حتى صار كل من خالفهم كافر علماني وضد الاسلام! افتي لقمع الثورة شيوخهم بقتل ثلث الامة المسلمة، وتوعدوا الشباب بنصب المشانق لهم في الميادين، وقد كان قتلوهم وسحلوهم علي مراي ومشهد من أهلهم والناس اجمعين. والعهد بالإخوان المسلمين يقدمون التنازلات في سبيل الحكم، اعلنوا مراراً تخليهم عن مطالب تحكيم الشريعة وعنتريات حماية الدين، يقف علي ذلك شاهدا مواقفهم من اتفاقية متشاكوس ونفياشا من بعدها.
وجماعة الاصطفاف الإسلامي وحزب الاصلاح تعلن عن بؤسها الأصيل في خشيتها من الحكم المدني لان فيه المساواة بين الرجال والنساء، كان اخوات نسيبة لم يكن في البرلمان وصناعة القرار يوما! بل كن اللائي يفصل قوانين الشريعة الإسلامية واحكامها، (بدرية سليمان ورفيقاتها) يكتبن فقه الحلال والحرام، بحسب اهواء الحكام، وتم تميزهن بأكثر من المساواة، اذ تركن فقه الحيض والنفاس لأصحاب العمائم ورجال الدين والفقهاء. اما تخويف العوام بان الحكم المدني يعني الانضمام والتوقيع للاتفاقات العالمية، والتخويف "بسيدوا" والتحريض بالحرص على قيم الاخلاق والدين! فهو قول فيه عدم حياء، اذ كان لدولتهم الإسلامية وظيفة (اختصاصي اغتصاب) يستبيح اعراض الرجال والنساء من المعارضين السياسيين. وسبل الإرهاب الديني لا تحجب معرفة ان هنالك دول اسلامية تنص دساتيرها علي الشريعة الإسلامية، منها ٥٤ دولة موقعة علي "سيداو" بينهم ٢٠ دوله عربيه، بتحفظات في مقدمتهم المملكة العربية السعودية. ولقد ذكرنا في مقالات عديده حول الاتفاقية انها عرت جهل الفقهاء بالدين، وعجز الإسلاميين عن مواكبة قضايا المرأة وما اكتسبته من حقوق، بل أكثر من ذلك تقف شاهدا على انعدام المنهجية الإسلامية والفكرية الموحدة للدول الإسلامية لمفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية واعتمادها في دساتيرها.
الإسلاميون يتحدثون عن فوزهم في الانتخابات القادمة، ويقفون في وجه الحكم المدني والتحول الديموقراطي، يمنون أنفسهم بعودة للحكم بمنهجية هيمنة العمائم، التي لم تعد الأجيال الشبابية من النساء والرجال التي تبحث عن قيم الحرية، والمساواة، والعدالة والتدين الحق، تنخدع للتناقض المزرى من قبل الاسلاميين، وها هو النموذج الإسلامي في ايران يتصدع تحت زلزلة اقدامهم وهتافاتهم، الثائرون في الطرقات يستهدفون عمامة رجال الدين، يسقطونها من علي رؤوسهم باعتبارها رمزاً للجرائم والفساد. اما إرادة الشعب السوداني فهي الحكم المدني، إزالة التمكين، إصلاح النظام القضائي، والمواطنة المتساوية، في سبيل استعادة البلاد المختطفة من أصحاب العمائم.
tina.terwis@gmail.com
ظلت تلازمهم أوهام عقيدة انهم امة رسالية معصومة لا تهزم طوال مسيرتهم. وما فتئت حتى بعد ان خرج عليهم الشعب في ثورة ديسمبر المجيدة في جميع البلاد، بما فيهم أبنائهم من اصلابهم، يشهدون على مفارقتهم للدين وفسادهم. ومن هول الصدمة تغيب عن وعيهم كيف اذهب الثوار وقارهم، حين انزلوا قياداتهم من منابر الجمع، ومنعوا أئمتهم امامة المصلين في المساجد، لفجورهم وكذبهم بالدين، بل تم حصبهم في الطرقات تلاحقهم ذلة ومسكنة. بالرغم من ذلك ظلوا يتبعون ذات المنهجية في الاختباء تحت العمامة وقداسة الدين وحمايته.
في حيثيات نقدهم لمسودة وثيقة الدستور الانتقالي للمحامين، اعترضوا على عدم تضمين الدستور نص الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في البلاد، اضافوا كذلك انه لم يذكر في مقدمتها (بسم الله الرحمن الرحيم). ذكروا ذلك ولم يطرف لهم جفن وكأنهم لم يفسدوا باسم الشريعة وبسم الله الرحمن الرحيم. ليتهم حدثونا اين يفارق نص طبيعة الدولة في المسودة اصل الدين والاسلام؟ فقد ورد في النص (جمهورية السودان دولة ديموقراطية فيدرالية تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والاثنيات واللغات والمذاهب والأديان، نظام الحكم فيها نظام برلماني، وتقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة دون تمييز بسبب الاثنية، او الدين، او الثقافة، أو اللون، او اللغة، او النوع، او الوضع الاجتماعي، او الاقتصادي، او الإعاقة، او الانتماء الجهوي، او بسبب أي تمييز أيا كان).. من الجلي ان هذا النص تضمن جماع الإسلام والأديان وكريم المعتقدات، اذ أصله العدل ويتضمن حقوق الانسان، ودفع الشباب أعمارهم مهراً لتحقيقه، لذلك يخشاه الاخوان المسلمين والمصطفين في تيار إسلامي عريض ضد قيام حكم مدني في البلاد.
ففي دخيلة أنفسهم يعتقدون ان لهم قداسة إسلامية تمنحهم حصانة، تمنع عنهم المساءلة ولا تنالهم العقوبات، كتلك التي يتمتع بها الجنرال وبقية الجيوش! ولعلهم بحسب بيانه ايضا (زي الكلبة الوالدة والنحل) حين الاقتراب من إقامة العدالة. هم لن يستريحوا كما استراح الذين عدلوا باسم الشريعة (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر). كما انهم لا يؤمنون بالدستور الذي يلزم الدولة بان تقف على مسافة واحدة بين جميع الاديان، لان هذا بالطبع يسحب عنهم القداسة، وانهم الاعلون وان المواطنين السودانيين من غير المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية، لا حظ لهم في المواطنة المتساوية في الحكم او تقلد مناصب الوزرات، وامور الناس. وفي السابق اقاموا حروب التطهير العرقي بفهم الجهاد العرقي أشعلوا نيران القبلية والفتن التي يشتعل اوراها حتي الساعة، والفوا القتل حتى صار كل من خالفهم كافر علماني وضد الاسلام! افتي لقمع الثورة شيوخهم بقتل ثلث الامة المسلمة، وتوعدوا الشباب بنصب المشانق لهم في الميادين، وقد كان قتلوهم وسحلوهم علي مراي ومشهد من أهلهم والناس اجمعين. والعهد بالإخوان المسلمين يقدمون التنازلات في سبيل الحكم، اعلنوا مراراً تخليهم عن مطالب تحكيم الشريعة وعنتريات حماية الدين، يقف علي ذلك شاهدا مواقفهم من اتفاقية متشاكوس ونفياشا من بعدها.
وجماعة الاصطفاف الإسلامي وحزب الاصلاح تعلن عن بؤسها الأصيل في خشيتها من الحكم المدني لان فيه المساواة بين الرجال والنساء، كان اخوات نسيبة لم يكن في البرلمان وصناعة القرار يوما! بل كن اللائي يفصل قوانين الشريعة الإسلامية واحكامها، (بدرية سليمان ورفيقاتها) يكتبن فقه الحلال والحرام، بحسب اهواء الحكام، وتم تميزهن بأكثر من المساواة، اذ تركن فقه الحيض والنفاس لأصحاب العمائم ورجال الدين والفقهاء. اما تخويف العوام بان الحكم المدني يعني الانضمام والتوقيع للاتفاقات العالمية، والتخويف "بسيدوا" والتحريض بالحرص على قيم الاخلاق والدين! فهو قول فيه عدم حياء، اذ كان لدولتهم الإسلامية وظيفة (اختصاصي اغتصاب) يستبيح اعراض الرجال والنساء من المعارضين السياسيين. وسبل الإرهاب الديني لا تحجب معرفة ان هنالك دول اسلامية تنص دساتيرها علي الشريعة الإسلامية، منها ٥٤ دولة موقعة علي "سيداو" بينهم ٢٠ دوله عربيه، بتحفظات في مقدمتهم المملكة العربية السعودية. ولقد ذكرنا في مقالات عديده حول الاتفاقية انها عرت جهل الفقهاء بالدين، وعجز الإسلاميين عن مواكبة قضايا المرأة وما اكتسبته من حقوق، بل أكثر من ذلك تقف شاهدا على انعدام المنهجية الإسلامية والفكرية الموحدة للدول الإسلامية لمفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية واعتمادها في دساتيرها.
الإسلاميون يتحدثون عن فوزهم في الانتخابات القادمة، ويقفون في وجه الحكم المدني والتحول الديموقراطي، يمنون أنفسهم بعودة للحكم بمنهجية هيمنة العمائم، التي لم تعد الأجيال الشبابية من النساء والرجال التي تبحث عن قيم الحرية، والمساواة، والعدالة والتدين الحق، تنخدع للتناقض المزرى من قبل الاسلاميين، وها هو النموذج الإسلامي في ايران يتصدع تحت زلزلة اقدامهم وهتافاتهم، الثائرون في الطرقات يستهدفون عمامة رجال الدين، يسقطونها من علي رؤوسهم باعتبارها رمزاً للجرائم والفساد. اما إرادة الشعب السوداني فهي الحكم المدني، إزالة التمكين، إصلاح النظام القضائي، والمواطنة المتساوية، في سبيل استعادة البلاد المختطفة من أصحاب العمائم.
tina.terwis@gmail.com