المخدرات
كمال الهدي
10 January, 2023
10 January, 2023
تأمُلات
. تطرقت في مقالي الأخير بعنوان " من قتل رانيا" لآفة المخدرات، وقد حملت الجزء الأكبر من المسئولية في اتساع رقعة تداولها للإعلام والمجتمع وقادة الحراك لسبب واضح وبسيط ظننت أن كل متابع لهذه الزاوية سيلتقطه دون عناء.
. فالطبيعي والمفهوم في مثل هذه الظواهر المدمرة أن نخاطب الدولة، لكن راعي الضأن في الخلاء يعلم أن المخدرات عندما تدخل البلد بالحاويات فلابد أن تكون وراءها جهات نافذة.
. ومعلوم أيضاً أن أول حاوية مخدرات تدخل بلدنا كانت في فترة حكم (سفلة) الإنقاذ الذين ما زالوا يتحكمون هم وأزلامهم في مفاصل الدولة التي لا هم لحاكميها سوى إغلاق الكباري بالحاويات وقتل الشباب الثائر بكافة الوسائل.
. لذلك سأكون ساذجاً إن توقعت من خونة وعملاء وتجار حروب وقتلة أن يمنعوا دخول المخدرات.
. لهذا كانت مخاطبتي للإعلام والمجتمع وقادة الحراك.
. فلا يمكنك أن تتوقع ممن يتاجر بالمخدرات أن يمنع دخولها.
. أدرك أن وضعنا بالغ التعقيد، لأن حاميها حراميها كما نقول.
. ومعلوم أن بلدنا مستهدف من جهات خارجية عديدة تجند منظماتها ومخابراتها للفتك بشبابنا والسعي لتغييبهم بشتى الوسائل.
. لكنه قدرنا، وقد أُستُهدِفت بلدان غيرنا، لكن لم يصل السوء عندهم ما وصل له سوداننا المكلوم.
. وإزاء مثل هذا الوضع لا يمكن أن (نربع أيدينا) وننتظر من سلطة تتلذذ بقتلنا أن تنقذنا مما نحن فيه.
. فمن يضاعف رسوم الجامعات عشرات المرات هدفه واضح وجلي وهو خلق أجيال جاهلة تتحكم فيها هذه الطغمة وهؤلاء المجرمين الذين أتت بهم مؤامرة جوبا.
. ولهذا لن نتوقع من سلطة أو أجهزة أمنية وضع حد لهذا الداء المتفشي، وهو ما يضاعف العبء على المجتمع ويجعلني شخصياً ألوم الإعلام والأسر على اهمالها لأبنائها.
. فما سمعته من قصص لمدمنات تخرج الواحدة منهن من بيت الأسرة لأيام بحجة إنها ذاهبة للبقاء مع صديقة لأنها ستجري عملية، أو أن صديقة لها عادت للبلد في إجازة وستقضي معها أياماً شيء غير معتاد من الأسر السودانية ويفتح المجال واسعاً لعواقب وخيمة.
. من يفعل ذلك المجتمع وليس الحكومة التي تهيء الظروف لإفشال وإفساد كافة شرائح مجتمعنا وليس الشباب وحدهم.
. في زمن مضى ما كان الشاب الصغير يجرؤ على تدخين سيجارة عادية وسط أهل الحي الكبار ولابد أن يبحث له عن مكان قصي بعيد عن الأنظار إن أراد تدخينها، أما اليوم فقد بات مألوفاً أن ترى أحد شباب منطقتك وهو يدخن الحشيش أو يتعاطى غيره من المخدرات أمام أعين كبار الحي، فمن أتاح مجالاً لمثل هذا التغيير بالغ السوء ليس الحكومة وحدها، بل شاركتها في ذلك الأسر والمجتمع.
. فلو عودت ابنك على أن جاره الكبير في مقام والده لما تجرأ وأساء التصرف أمام كبار الحي.
. من تهاون مع الكيزان (السفلة) بعد النجاح الأولي للثورة هو المجتمع.
. ومن تفرج بسذاجة منقطعة النظير على مؤامرة جوبا وظل يردد " السلام سمح" و " مافي عاقل بيرفض السلام" وقت أن كان المجرمون يفاوضون بعضهم البعض و" يحمرون بصلتنا" بمعاونة سفراء بعض البلدان هو المجتمع.
. ومن تعامل بعاطفة دينية وسذاجة وصدق الأكاذيب المكشوفة في العام 89 ليسمح لهؤلاء اللصوص بالتمكن من مفاصل دولتنا هو المجتمع.
. ومن تمر عليه المؤامرات الخبيثة حتى يومنا هذا الذي نتلقف فيه سريعاً الحديث عن أصل البشرية والعالم ليسخر بعضنا (كي بورده) للترويج لمثل هذه الأقاويل التي يقصد بها الآخرون أذانا هو المجتمع.
. فحتى لو افترضنا أننا الأصل ما جدوى ذلك ونحن نعيش في أسوأ وأفقر بلدان العالم في كل شيء!
. وحين أقول المجتمع لا يعني ذلك أنني أجلس في برج عاجي واتفرج من أعلى على ما يجري، أو أنني أبريء نفسي، فهذا المجتمع فيه أهلي وأحبتي وأخي وأختي وعمي وخالي وجاري وجميعنا شركاء في التقصير.
. فدعونا نخرج رؤوسنا من الرمال ونكف عن البحث عن الأعذار إن أردنا أن ننجو.
. لسنا أول من يتآمر عليهم الغرب وبعض عملائه في منطقتنا، فقد سبقتنا في ذلك شعوب عديدة لكنهم لم يستسلموا لهذه الدرجة بالرغم مما عانوه.
. أما عندنا فمن السهل جداً أن يستقطب صاحب النفوذ المجرم أعداداً هائلة من أولاد البلد ليعينونه ويقدمون له كل دعم طالما أنه يدفع، وليس صعباً أن نبيع سلعنا الاستراتيجية للغرباء بتراب القروش أو نتعاون حتى مع أفراد مخابرات دول أخرى نظير المال إن اقتضى الحال، أو أن نروج للمخدرات نظير العائد المادي الكبير وبرضو السبب في ذلك الحكومة لكن أين دورنا وقوتنا وصبرنا وجلدنا ووعينا!
. وأين إعلامنا الواعي الرشيد القوي القادر على التعامل بذكاء مع المجرمين بغرض تحجيمهم وكشف ألاعيبهم والضغط عليهم لكي يخففوا على الأقل من قبضتهم!
. أم أن الإعلاميين الذين يسمحون للعبث بأن يستمر ويروجون للروبيضات ويجعلون منهم ساسة ونجوم مجتمع وإداريين ومطربين ومطربات ليسوا أفراداً في هذا المجتمع!!
kamalalhidai@hotmail.com
///////////////////////
. تطرقت في مقالي الأخير بعنوان " من قتل رانيا" لآفة المخدرات، وقد حملت الجزء الأكبر من المسئولية في اتساع رقعة تداولها للإعلام والمجتمع وقادة الحراك لسبب واضح وبسيط ظننت أن كل متابع لهذه الزاوية سيلتقطه دون عناء.
. فالطبيعي والمفهوم في مثل هذه الظواهر المدمرة أن نخاطب الدولة، لكن راعي الضأن في الخلاء يعلم أن المخدرات عندما تدخل البلد بالحاويات فلابد أن تكون وراءها جهات نافذة.
. ومعلوم أيضاً أن أول حاوية مخدرات تدخل بلدنا كانت في فترة حكم (سفلة) الإنقاذ الذين ما زالوا يتحكمون هم وأزلامهم في مفاصل الدولة التي لا هم لحاكميها سوى إغلاق الكباري بالحاويات وقتل الشباب الثائر بكافة الوسائل.
. لذلك سأكون ساذجاً إن توقعت من خونة وعملاء وتجار حروب وقتلة أن يمنعوا دخول المخدرات.
. لهذا كانت مخاطبتي للإعلام والمجتمع وقادة الحراك.
. فلا يمكنك أن تتوقع ممن يتاجر بالمخدرات أن يمنع دخولها.
. أدرك أن وضعنا بالغ التعقيد، لأن حاميها حراميها كما نقول.
. ومعلوم أن بلدنا مستهدف من جهات خارجية عديدة تجند منظماتها ومخابراتها للفتك بشبابنا والسعي لتغييبهم بشتى الوسائل.
. لكنه قدرنا، وقد أُستُهدِفت بلدان غيرنا، لكن لم يصل السوء عندهم ما وصل له سوداننا المكلوم.
. وإزاء مثل هذا الوضع لا يمكن أن (نربع أيدينا) وننتظر من سلطة تتلذذ بقتلنا أن تنقذنا مما نحن فيه.
. فمن يضاعف رسوم الجامعات عشرات المرات هدفه واضح وجلي وهو خلق أجيال جاهلة تتحكم فيها هذه الطغمة وهؤلاء المجرمين الذين أتت بهم مؤامرة جوبا.
. ولهذا لن نتوقع من سلطة أو أجهزة أمنية وضع حد لهذا الداء المتفشي، وهو ما يضاعف العبء على المجتمع ويجعلني شخصياً ألوم الإعلام والأسر على اهمالها لأبنائها.
. فما سمعته من قصص لمدمنات تخرج الواحدة منهن من بيت الأسرة لأيام بحجة إنها ذاهبة للبقاء مع صديقة لأنها ستجري عملية، أو أن صديقة لها عادت للبلد في إجازة وستقضي معها أياماً شيء غير معتاد من الأسر السودانية ويفتح المجال واسعاً لعواقب وخيمة.
. من يفعل ذلك المجتمع وليس الحكومة التي تهيء الظروف لإفشال وإفساد كافة شرائح مجتمعنا وليس الشباب وحدهم.
. في زمن مضى ما كان الشاب الصغير يجرؤ على تدخين سيجارة عادية وسط أهل الحي الكبار ولابد أن يبحث له عن مكان قصي بعيد عن الأنظار إن أراد تدخينها، أما اليوم فقد بات مألوفاً أن ترى أحد شباب منطقتك وهو يدخن الحشيش أو يتعاطى غيره من المخدرات أمام أعين كبار الحي، فمن أتاح مجالاً لمثل هذا التغيير بالغ السوء ليس الحكومة وحدها، بل شاركتها في ذلك الأسر والمجتمع.
. فلو عودت ابنك على أن جاره الكبير في مقام والده لما تجرأ وأساء التصرف أمام كبار الحي.
. من تهاون مع الكيزان (السفلة) بعد النجاح الأولي للثورة هو المجتمع.
. ومن تفرج بسذاجة منقطعة النظير على مؤامرة جوبا وظل يردد " السلام سمح" و " مافي عاقل بيرفض السلام" وقت أن كان المجرمون يفاوضون بعضهم البعض و" يحمرون بصلتنا" بمعاونة سفراء بعض البلدان هو المجتمع.
. ومن تعامل بعاطفة دينية وسذاجة وصدق الأكاذيب المكشوفة في العام 89 ليسمح لهؤلاء اللصوص بالتمكن من مفاصل دولتنا هو المجتمع.
. ومن تمر عليه المؤامرات الخبيثة حتى يومنا هذا الذي نتلقف فيه سريعاً الحديث عن أصل البشرية والعالم ليسخر بعضنا (كي بورده) للترويج لمثل هذه الأقاويل التي يقصد بها الآخرون أذانا هو المجتمع.
. فحتى لو افترضنا أننا الأصل ما جدوى ذلك ونحن نعيش في أسوأ وأفقر بلدان العالم في كل شيء!
. وحين أقول المجتمع لا يعني ذلك أنني أجلس في برج عاجي واتفرج من أعلى على ما يجري، أو أنني أبريء نفسي، فهذا المجتمع فيه أهلي وأحبتي وأخي وأختي وعمي وخالي وجاري وجميعنا شركاء في التقصير.
. فدعونا نخرج رؤوسنا من الرمال ونكف عن البحث عن الأعذار إن أردنا أن ننجو.
. لسنا أول من يتآمر عليهم الغرب وبعض عملائه في منطقتنا، فقد سبقتنا في ذلك شعوب عديدة لكنهم لم يستسلموا لهذه الدرجة بالرغم مما عانوه.
. أما عندنا فمن السهل جداً أن يستقطب صاحب النفوذ المجرم أعداداً هائلة من أولاد البلد ليعينونه ويقدمون له كل دعم طالما أنه يدفع، وليس صعباً أن نبيع سلعنا الاستراتيجية للغرباء بتراب القروش أو نتعاون حتى مع أفراد مخابرات دول أخرى نظير المال إن اقتضى الحال، أو أن نروج للمخدرات نظير العائد المادي الكبير وبرضو السبب في ذلك الحكومة لكن أين دورنا وقوتنا وصبرنا وجلدنا ووعينا!
. وأين إعلامنا الواعي الرشيد القوي القادر على التعامل بذكاء مع المجرمين بغرض تحجيمهم وكشف ألاعيبهم والضغط عليهم لكي يخففوا على الأقل من قبضتهم!
. أم أن الإعلاميين الذين يسمحون للعبث بأن يستمر ويروجون للروبيضات ويجعلون منهم ساسة ونجوم مجتمع وإداريين ومطربين ومطربات ليسوا أفراداً في هذا المجتمع!!
kamalalhidai@hotmail.com
///////////////////////