الانتقال كمهزلة (نموذج البرهان)!!
عبدالله مكاوي
5 February, 2023
5 February, 2023
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل
(التقي البرهان نتنياهو بصورة منفردة اثناء حكومة الفترة الانتقالية، بنية امتلاك السلطة بطريقة منفردة. ومرة اخري يلتقي البرهان وزير الخارجية الصهيوني بصورة انفرادية، بنية التملص من الاتفاق الاطاري، والسعي للسيطرة علي السلطة منفردا).
ما زال البرهان يصر علي ممارسة مراوغاته والاعيبه المكشوفة، لاستكمال مخطط الاستيلاء الكامل علي السلطة، من دون مؤهلات شخصية او استحقاقات دستورية، وبخلفية اجرامية كاملة الدسم.
ومشكلة البرهان الاساسية لا تقف عند حد انعدام الاهلية، لقيادة دولة بحجم السودان وتعقيدات قضاياه، وخروجه كالمغمي عليه من غيبوبة ثلاثة عقود من النهب والدمار الممنهج. ولكن في حرصه علي اتباع نهجين اثبتا فشلهما واوردا بلادهما وشعبهما المهالك، وهما نهجي البشير والسيسي.
فالبرهان اضاع فرصة تاريخية باجهاضه للفترة الانتقالية، وهو يحاول المستحيل ليصير كالبشير ويتبع نهج السيسي وقع الحافر، ليحيل الانتقال الي مهزلة تجسدها رغبته الطفولية في استعادة نموذج البشير في الحكم والسيسي في احكام السيطرة علي الحكم.
وهنالك عدة ملاحظات تكشف مخططات وممارسات ورغبات البرهان المخبوءة تحت لسانه وبين ضلوعه، نذكر منها:
اولا، اعتقاده وبحكم تكوينه العسكري المؤدلج، ان القوة يجسدها فقط احتكار السلاح وممارسة العنف. وهما اساس السلطة والحكم. ومن ثمَّ فالثورة السلمية والقوي المدنية غير مؤهلة لاحداث التغيير وتولي الحكم. وهذا ما جعله يكن لهما الاحتقار والكره بسبب تعارض مطالبهما مع طموحاته. وهو ما دفعه تاليا للتحريض عليهما، وصنع جدار عازل من انعدام الثقة بين القوي المدنية والمؤسسة العسكرية.
والوجه الآخر من عملة، وعي القوة المسلحة وثقافة العنف، يجسدها الخضوع والخنوع للاقوياء. لنجد اللغة الناعمة في التعامل مع الدعم السريع في الداخل، والتواطؤ مع قوي الشر في الخارج وعلي الاخص النظام المصري. ومن يتابع لغة الجسد يشاهد بجلاء شدة الادب الذي يظهره البرهان في حضرة السيسي وهو يجلس كالطالب المهذب! وضيقه وانزعاجه وانكساره في حضرة ممثلي الدولة الكبري وكأنه يتستر علي جريمة! وكذلك الفرح الهستيري والانشراح الطفولي وهو يقابل افراد الكيان الصهيوني، وكأنهم بيدهم منحه الجائزة وصكوك الضمان التي يتوق اليها.
ثانيا، البرهان يعتقد ان السلطة مجرد بهرجة وتهديدات، وهذا ما يفسر عدم اكتراثه للصراعات القبلية والقتال الاهلي، الذي يخلف عشرات بل مئات القتلي والجرحي وغيرها من الاضرار الجسيمة، ونادرا ما نجده في موقع الاحداث او يحرك قواته لمنعها اولا وحسمها ثانيا، رغم انحداره من مؤسسة عسكرية! وكأنه لم يسمع بالقادة المحترمين الذين يقطعون حتي زياراتهم الخارجية المبرمجة منذ امد بعيد، ويخفون سراعا لمواساة مواطنيهم المنكوبين ومعالجة قضاياهم بصورة فورية. ولكنه في ذات الوقت علي اتم الاستعداد للتحرك لحضور الاعراس الجماعية في ولاية نهر النيل، متلفحا عمامته وحاملا عصاه وهو في ابتهاج وحبور! او زيارة الوحدات العسكرية في كامل بذته ونياشينه وهو منتفخا كالطاووس، ليفضفض عن نفسه ويخرج المكبوت من غله وغضبه وفش غبينته في اعداءه الوجوديين (قوي الثورة والتغيير). او يجدها فرصة للنكوص عن تعهداته معها، او ترديد جملته المفضلة عن القوات المسلحة صمام امان ولن تسمح بكيت وكيت او علي القوي المدنية الاتفاق او غيرها من خطرفات لا يملك غيرها ولا يمل تكرارها.
وثالثا، حرص البرهان علي افشال كل جهود ومساعي قوي الاتفاق الاطاري لتوفير الظروف الملائمة لنجاحه، وإلا بماذا نفسر تراجع قادة تحالف الموز من الحركات المسلحة عن اتفاقهم مع حميدتي بمجرد عودة البرهان من تشاد، وهو لم يكمل اربع وعشرين ساعة! ومن ثمَّ تمسكهم بالورشة المصرية التي تعمل علي شق الصف الوطني لافشال الاتفاق الاطاري! ليجد بعدها البرهان مبرر للتنصل منه، خاصة بعد ان عاد وربط التزامه به باتفاق المدنين (الكرت التعجيزي الذي يفضل اللعب به)! وكأن حليمة رجعت لعادتها القديمة.
رابعا، اضمار الغدر بالشركاء ونية نقض التعهدات والالتزامات التي تفرضها عليه الظروف ضد مخططاته وطموحاته. ليبدأ بعدها مسلسل الالتفاف ووضع العقبات والشروط المستحيلة والتآمر، حتي تحين الفرصة للغدر والنكوص والتنكر. وهذه السلوكيات تمارس حتي ضد حلفاءه من الجنرالات الذين يطبلون له ويبررون كل اعماله، فهو يتخلص منهم بسهولة، غير ماسوف عليهم، اذا استدعت مصلحته ذلك (والسؤال اين ابو هاجة والحوري، وكذلك تبرؤه مما يسمي خبراء استراتيجيون يظهرون علي اجهزة الاعلام العربية؟). وكل ذلك ليتظاهر بالوفاء والجدية في التعامل مع الاتفاق الاطاري، حتي يوفر ظروف الانقضاض عليه من خلف الكواليس!
خامسا، تحكمُّه في المؤسسة العسكرية وكأنها عربته الخاصة، يقودها ويركنها كما يشاء، ويحمل فيها ويطرد منها من يشاء! لتصبح رغبات ومطالب البرهان هي رغبات ومطالب القوات المسلحة! يستلف منها لسانها وادوات بطشها، ليوظفها كما يشاء حين يشاء. اي البرهان هو رب القوات المسحة. وبالطبع كبار الجنرالات لا يطمحون في اكثر من المحافظة علي امتيازاتهم المهولة، التي كفلتها لهم سيطرة القوات المسلحة علي جل موارد الدولة وانشطتها الاستثمارية!
سادسا، تتبعه نهج السيسي وقع الحافر لا يقف عند مجزرة فض الاعتصام وعسكرة الدولة والتآمر علي الشركاء المدنيين وصولا لمحطة الانقلاب الفاشل والعنف المفرط تجاه الثوار، ولكن في وضع بيضه كله في سلة المخابرات المصرية وتسليمها ذقنه! وهو ما يعني ان ما صرفه من وعود لابي احمد لا يتعدي ذر الرماد في العيون (الم يفعلها مع المبعوث الامريكي قبل الانقلاب بساعات؟). اي مثلها مثل الوعود المجانية التي يبذلها للجميع دون نية الالتزام، وهو ما يؤهله لحمل لواء ابن سلول بامتياز. ومصدر الخطورة هنا، ان المخابرات المصرية لها عقيدة استعلائية وصائية، تتبني استراتيجية بقاء السودان تحت سيطرتها لاستباحة موارده. اي دور السودان في الوجود هو خدمة مصر. والحال كذلك، دون تحرر السودان من هيمنة مصر لن يكتب له الوجود.
سابعا، لهثْ البرهان خلف السلطة بطريقة شبقية بالتوازي مع قلة خبراته وضعف قدراته و وقوعه تحت سطوة خداع الذات، الذي يصور له امكانية خداع الجميع، الشي الذي جعله هو نفسه عرضة لخداع الجميع، الذين يستغلون غفلته وسذاجته واطماعه. اي سهولة خداعه وغبائه جعله عوض ان يحقق اهدافه، يصبح معبر للآخرين لانجاز اهدافهم، ابتداءً من حميدتي وقوات الدعم السريع التي اصبحت تنافس الجيش في السيطرة علي البلاد امنيا واقتصاديا، ومرورا بتمرير الفلول والنظام المصري لمصالحهم، وليس انتهاءً بالحركات المسلحة التي فرضت نفوذها (بلطجتها) داخل مؤسسات الدولة وصولا للسيطرة علي ما تبقي من اموالها، بفرض الاتاوات علي شعبها المعدم، من غير ان تقف اي جهة امامها!
ثامنا، البرهان لا يحتاج لكل هذه الدماء والاكاذيب والفتن والخسائر علي كافة المستويات للوقوف مع الثورة والوفاء بمتطلبات التغيير، ولكن كل ما كانت تحتاجه هو الالتزام بدوره في الحماية، وترك امور السلطة وادارة الدولة للمدنين، فهم ادري بشئون واجباتهم. ولكن اجتماع الجهل مع الطمع مع الغرور والعنجهية مع الانانية والجبن، وقبل ذلك الاستناد علي تراث انقلابي عتيق للمؤسسة العسكرية. كل ذلك تضافر لينتج لنا كائن مشوه، هو علي استعداد لرهن مصير البلاد للفوضي والخراب وشعبها للفقر والشقاء، في سبيل بقاءه علي سدة حكم، لا يفقه فيه شيئا.
وعموما ما يجهله والاصح يتجاهله البرهان واخوه/العدو حميدتي ولجنتهم الامنية، ان هذه البلاد من الهشاشة والتعقيدات بمكان، بما لا يسمح حكمها، لا بصورة منفردة من اي جهة كانت، ولا بطريقة عسكرية ليس في وسعها توفير ادني متطلبات نجاحها. بعد ان استحكمت ازمتها الاقتصادية وتصاعدت النعرات القبلية والفتن العنصرية والمطالب الجهوية، وذلك بالتوازي مع عجز الدولة عن اداء ابسط وظائفها، وفقدان مؤسساتها واجهزتها احترامها وهيبتها. اي ما تعيشه البلاد حالة من الضبابية والسيولة والغموض والتنافر والنفور، يصعب استيعابها، ناهيك عن السيطرة عليها او التحكم فيها وتوجيهها.
والاهم من ذلك ان وجود البرهان وحميدتي والمؤسسة العسكرية والدعم السريع والحركات المسلحة في المشهد السياسي والسلطوي باي صورة كانت. في حده الادني يعيق خروج البلاد من نفقها المظلم بسلام، وفي حده الاقصي يعجل بحدوث الفوضي وخراب سوبا.
ولسوء الحظ في ظل الاوضاع الراهنة، يصبح الرهان علي اخراجهما من المشهد سواء بالحسني او بالعنف، او توقع انحياز المؤسسة العسكرية بحالتها الحالية للقوي الثورية، او حل او دمج الدعم السريع، هي رهانات خاسرة. اما الرهان الاكثر خسران، هو تصور امكانية اعادة البلاد الي ما قبل انقلاب الانقاذ، ومن ثمَّ بناء الطموحات والتوقعات علي هذا الاساس! وهذا الهامش المحدود للحركة والطموحات، يبدو انه الثمن الذي يجب دفعه، كنتيجة لتراكم الفشل والعجز والاخطاء والتساهل في اضاعة الفرص. ويكفي ان بلاد تنبت لعنة الكيزان، لهي جديرة ان تحل عليها الكوارث والنكبات! ومن ثمًّ استحالة ايجاد مخارج وحلول مرضية في المدي القريب، وصعوبتها علي المدي الطويل! وهذا اذا ما توافرت الحكمة الضائعة التي لم تتوافر يوما، وكنا محظوظين ولم نخسر البلاد في لحظة جنون.
واخيرا
كيف لقائد يفقتد للرؤية والبصيرة والوعي والموهبة والمصداقية والشخصية ان يقود البلاد؟ اللهم الا اذا كان المقصود قيادتها الي حتفها؟! قال البرهان قال، ما اشدَّ مصائبنا ومهازلنا في بلاد يعقب البشير البرهان، وحميدتي وجبريل علي الخط. ودمتم في رعاية الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل
(التقي البرهان نتنياهو بصورة منفردة اثناء حكومة الفترة الانتقالية، بنية امتلاك السلطة بطريقة منفردة. ومرة اخري يلتقي البرهان وزير الخارجية الصهيوني بصورة انفرادية، بنية التملص من الاتفاق الاطاري، والسعي للسيطرة علي السلطة منفردا).
ما زال البرهان يصر علي ممارسة مراوغاته والاعيبه المكشوفة، لاستكمال مخطط الاستيلاء الكامل علي السلطة، من دون مؤهلات شخصية او استحقاقات دستورية، وبخلفية اجرامية كاملة الدسم.
ومشكلة البرهان الاساسية لا تقف عند حد انعدام الاهلية، لقيادة دولة بحجم السودان وتعقيدات قضاياه، وخروجه كالمغمي عليه من غيبوبة ثلاثة عقود من النهب والدمار الممنهج. ولكن في حرصه علي اتباع نهجين اثبتا فشلهما واوردا بلادهما وشعبهما المهالك، وهما نهجي البشير والسيسي.
فالبرهان اضاع فرصة تاريخية باجهاضه للفترة الانتقالية، وهو يحاول المستحيل ليصير كالبشير ويتبع نهج السيسي وقع الحافر، ليحيل الانتقال الي مهزلة تجسدها رغبته الطفولية في استعادة نموذج البشير في الحكم والسيسي في احكام السيطرة علي الحكم.
وهنالك عدة ملاحظات تكشف مخططات وممارسات ورغبات البرهان المخبوءة تحت لسانه وبين ضلوعه، نذكر منها:
اولا، اعتقاده وبحكم تكوينه العسكري المؤدلج، ان القوة يجسدها فقط احتكار السلاح وممارسة العنف. وهما اساس السلطة والحكم. ومن ثمَّ فالثورة السلمية والقوي المدنية غير مؤهلة لاحداث التغيير وتولي الحكم. وهذا ما جعله يكن لهما الاحتقار والكره بسبب تعارض مطالبهما مع طموحاته. وهو ما دفعه تاليا للتحريض عليهما، وصنع جدار عازل من انعدام الثقة بين القوي المدنية والمؤسسة العسكرية.
والوجه الآخر من عملة، وعي القوة المسلحة وثقافة العنف، يجسدها الخضوع والخنوع للاقوياء. لنجد اللغة الناعمة في التعامل مع الدعم السريع في الداخل، والتواطؤ مع قوي الشر في الخارج وعلي الاخص النظام المصري. ومن يتابع لغة الجسد يشاهد بجلاء شدة الادب الذي يظهره البرهان في حضرة السيسي وهو يجلس كالطالب المهذب! وضيقه وانزعاجه وانكساره في حضرة ممثلي الدولة الكبري وكأنه يتستر علي جريمة! وكذلك الفرح الهستيري والانشراح الطفولي وهو يقابل افراد الكيان الصهيوني، وكأنهم بيدهم منحه الجائزة وصكوك الضمان التي يتوق اليها.
ثانيا، البرهان يعتقد ان السلطة مجرد بهرجة وتهديدات، وهذا ما يفسر عدم اكتراثه للصراعات القبلية والقتال الاهلي، الذي يخلف عشرات بل مئات القتلي والجرحي وغيرها من الاضرار الجسيمة، ونادرا ما نجده في موقع الاحداث او يحرك قواته لمنعها اولا وحسمها ثانيا، رغم انحداره من مؤسسة عسكرية! وكأنه لم يسمع بالقادة المحترمين الذين يقطعون حتي زياراتهم الخارجية المبرمجة منذ امد بعيد، ويخفون سراعا لمواساة مواطنيهم المنكوبين ومعالجة قضاياهم بصورة فورية. ولكنه في ذات الوقت علي اتم الاستعداد للتحرك لحضور الاعراس الجماعية في ولاية نهر النيل، متلفحا عمامته وحاملا عصاه وهو في ابتهاج وحبور! او زيارة الوحدات العسكرية في كامل بذته ونياشينه وهو منتفخا كالطاووس، ليفضفض عن نفسه ويخرج المكبوت من غله وغضبه وفش غبينته في اعداءه الوجوديين (قوي الثورة والتغيير). او يجدها فرصة للنكوص عن تعهداته معها، او ترديد جملته المفضلة عن القوات المسلحة صمام امان ولن تسمح بكيت وكيت او علي القوي المدنية الاتفاق او غيرها من خطرفات لا يملك غيرها ولا يمل تكرارها.
وثالثا، حرص البرهان علي افشال كل جهود ومساعي قوي الاتفاق الاطاري لتوفير الظروف الملائمة لنجاحه، وإلا بماذا نفسر تراجع قادة تحالف الموز من الحركات المسلحة عن اتفاقهم مع حميدتي بمجرد عودة البرهان من تشاد، وهو لم يكمل اربع وعشرين ساعة! ومن ثمَّ تمسكهم بالورشة المصرية التي تعمل علي شق الصف الوطني لافشال الاتفاق الاطاري! ليجد بعدها البرهان مبرر للتنصل منه، خاصة بعد ان عاد وربط التزامه به باتفاق المدنين (الكرت التعجيزي الذي يفضل اللعب به)! وكأن حليمة رجعت لعادتها القديمة.
رابعا، اضمار الغدر بالشركاء ونية نقض التعهدات والالتزامات التي تفرضها عليه الظروف ضد مخططاته وطموحاته. ليبدأ بعدها مسلسل الالتفاف ووضع العقبات والشروط المستحيلة والتآمر، حتي تحين الفرصة للغدر والنكوص والتنكر. وهذه السلوكيات تمارس حتي ضد حلفاءه من الجنرالات الذين يطبلون له ويبررون كل اعماله، فهو يتخلص منهم بسهولة، غير ماسوف عليهم، اذا استدعت مصلحته ذلك (والسؤال اين ابو هاجة والحوري، وكذلك تبرؤه مما يسمي خبراء استراتيجيون يظهرون علي اجهزة الاعلام العربية؟). وكل ذلك ليتظاهر بالوفاء والجدية في التعامل مع الاتفاق الاطاري، حتي يوفر ظروف الانقضاض عليه من خلف الكواليس!
خامسا، تحكمُّه في المؤسسة العسكرية وكأنها عربته الخاصة، يقودها ويركنها كما يشاء، ويحمل فيها ويطرد منها من يشاء! لتصبح رغبات ومطالب البرهان هي رغبات ومطالب القوات المسلحة! يستلف منها لسانها وادوات بطشها، ليوظفها كما يشاء حين يشاء. اي البرهان هو رب القوات المسحة. وبالطبع كبار الجنرالات لا يطمحون في اكثر من المحافظة علي امتيازاتهم المهولة، التي كفلتها لهم سيطرة القوات المسلحة علي جل موارد الدولة وانشطتها الاستثمارية!
سادسا، تتبعه نهج السيسي وقع الحافر لا يقف عند مجزرة فض الاعتصام وعسكرة الدولة والتآمر علي الشركاء المدنيين وصولا لمحطة الانقلاب الفاشل والعنف المفرط تجاه الثوار، ولكن في وضع بيضه كله في سلة المخابرات المصرية وتسليمها ذقنه! وهو ما يعني ان ما صرفه من وعود لابي احمد لا يتعدي ذر الرماد في العيون (الم يفعلها مع المبعوث الامريكي قبل الانقلاب بساعات؟). اي مثلها مثل الوعود المجانية التي يبذلها للجميع دون نية الالتزام، وهو ما يؤهله لحمل لواء ابن سلول بامتياز. ومصدر الخطورة هنا، ان المخابرات المصرية لها عقيدة استعلائية وصائية، تتبني استراتيجية بقاء السودان تحت سيطرتها لاستباحة موارده. اي دور السودان في الوجود هو خدمة مصر. والحال كذلك، دون تحرر السودان من هيمنة مصر لن يكتب له الوجود.
سابعا، لهثْ البرهان خلف السلطة بطريقة شبقية بالتوازي مع قلة خبراته وضعف قدراته و وقوعه تحت سطوة خداع الذات، الذي يصور له امكانية خداع الجميع، الشي الذي جعله هو نفسه عرضة لخداع الجميع، الذين يستغلون غفلته وسذاجته واطماعه. اي سهولة خداعه وغبائه جعله عوض ان يحقق اهدافه، يصبح معبر للآخرين لانجاز اهدافهم، ابتداءً من حميدتي وقوات الدعم السريع التي اصبحت تنافس الجيش في السيطرة علي البلاد امنيا واقتصاديا، ومرورا بتمرير الفلول والنظام المصري لمصالحهم، وليس انتهاءً بالحركات المسلحة التي فرضت نفوذها (بلطجتها) داخل مؤسسات الدولة وصولا للسيطرة علي ما تبقي من اموالها، بفرض الاتاوات علي شعبها المعدم، من غير ان تقف اي جهة امامها!
ثامنا، البرهان لا يحتاج لكل هذه الدماء والاكاذيب والفتن والخسائر علي كافة المستويات للوقوف مع الثورة والوفاء بمتطلبات التغيير، ولكن كل ما كانت تحتاجه هو الالتزام بدوره في الحماية، وترك امور السلطة وادارة الدولة للمدنين، فهم ادري بشئون واجباتهم. ولكن اجتماع الجهل مع الطمع مع الغرور والعنجهية مع الانانية والجبن، وقبل ذلك الاستناد علي تراث انقلابي عتيق للمؤسسة العسكرية. كل ذلك تضافر لينتج لنا كائن مشوه، هو علي استعداد لرهن مصير البلاد للفوضي والخراب وشعبها للفقر والشقاء، في سبيل بقاءه علي سدة حكم، لا يفقه فيه شيئا.
وعموما ما يجهله والاصح يتجاهله البرهان واخوه/العدو حميدتي ولجنتهم الامنية، ان هذه البلاد من الهشاشة والتعقيدات بمكان، بما لا يسمح حكمها، لا بصورة منفردة من اي جهة كانت، ولا بطريقة عسكرية ليس في وسعها توفير ادني متطلبات نجاحها. بعد ان استحكمت ازمتها الاقتصادية وتصاعدت النعرات القبلية والفتن العنصرية والمطالب الجهوية، وذلك بالتوازي مع عجز الدولة عن اداء ابسط وظائفها، وفقدان مؤسساتها واجهزتها احترامها وهيبتها. اي ما تعيشه البلاد حالة من الضبابية والسيولة والغموض والتنافر والنفور، يصعب استيعابها، ناهيك عن السيطرة عليها او التحكم فيها وتوجيهها.
والاهم من ذلك ان وجود البرهان وحميدتي والمؤسسة العسكرية والدعم السريع والحركات المسلحة في المشهد السياسي والسلطوي باي صورة كانت. في حده الادني يعيق خروج البلاد من نفقها المظلم بسلام، وفي حده الاقصي يعجل بحدوث الفوضي وخراب سوبا.
ولسوء الحظ في ظل الاوضاع الراهنة، يصبح الرهان علي اخراجهما من المشهد سواء بالحسني او بالعنف، او توقع انحياز المؤسسة العسكرية بحالتها الحالية للقوي الثورية، او حل او دمج الدعم السريع، هي رهانات خاسرة. اما الرهان الاكثر خسران، هو تصور امكانية اعادة البلاد الي ما قبل انقلاب الانقاذ، ومن ثمَّ بناء الطموحات والتوقعات علي هذا الاساس! وهذا الهامش المحدود للحركة والطموحات، يبدو انه الثمن الذي يجب دفعه، كنتيجة لتراكم الفشل والعجز والاخطاء والتساهل في اضاعة الفرص. ويكفي ان بلاد تنبت لعنة الكيزان، لهي جديرة ان تحل عليها الكوارث والنكبات! ومن ثمًّ استحالة ايجاد مخارج وحلول مرضية في المدي القريب، وصعوبتها علي المدي الطويل! وهذا اذا ما توافرت الحكمة الضائعة التي لم تتوافر يوما، وكنا محظوظين ولم نخسر البلاد في لحظة جنون.
واخيرا
كيف لقائد يفقتد للرؤية والبصيرة والوعي والموهبة والمصداقية والشخصية ان يقود البلاد؟ اللهم الا اذا كان المقصود قيادتها الي حتفها؟! قال البرهان قال، ما اشدَّ مصائبنا ومهازلنا في بلاد يعقب البشير البرهان، وحميدتي وجبريل علي الخط. ودمتم في رعاية الله.