الحرية لهشام عباس
عبدالله مكاوي
10 February, 2023
10 February, 2023
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
خبر استدعاء الاستاذ هشام عباس للتحقيق من قبل السلطات السعودية، بعد الاتهام الموجه له من احد افراد السفارة السودانية بالسعودية، شكل ازعاج شديد لكل المتابعين لانشطة هشام الاعلامية. ولكن بعد التخوفات التي ابدتها هيئة محامي دارفور، المهتمة بقضايا حقوق الانسان، من احتمال ترحيل هشام وتسليمه للسلطات الانقلابية في السودان. تحول الانزعاج الي رعب حقيقي علي حرية وسلامة هشام عباس.
واذا صح هذا الاحتمال، فهذا يشكل مصدر خذلان من جانب المملكة السعودية، وهم من هم يفاخرون كغيرهم من العرب بالنخوة والمروءة واكرام الضيف. وكل ذلك يتعارض مع تسليم مواطن اعزل، لا يملك سوي لسانه وفكره وقلمه، ليوظفها في خدمة بلاده وحقوق اهلها في وطنهم، من خلال التصدي لقضايا الانتقال وتنزيل شعارات الثورة في شكل برامج سياسية ومشاريع خدمية.
والحال ان السلطة الانقلابية في السودان، حكمت علي الانتقال بالاجهاض والمجتمع بالفقر والاذلال ومؤسسات الدولة بالفوضي والاختراق، وعلي الاخص المؤسسات العدلية والقضائية والشرطية والامنية، المنوط بها التعامل مع المعتقلين السياسيين. ويكفي حادث ضرب محامٍ في حضرة القاضي وبايعاز منه! واتهام الثوار بمقتل عميد ورقيب في الجيش، تدل كل الملابسات علي انها محض تلفيقات! وكذلك تهديد صبي وابتزازه ليشهد زور ضد الثوار المتهمين! اي باختصار توظيف كل اجهزة الدولة لارهاب الثوار وعرقلة الانتقال.
لكل ذلك مجرد تسليم هشام لسلطات علي هذا المستوي من التدني المهني والاخلاقي، اضافة الي رغبة لا تخفي في التشفي والانتقام من الخصوم، يشير الي ان حياة هشام عباس ستكون في خطر. خاصة وان هكذا شرذمة استولت علي السلطة بالانقلاب، تذكر بهمجية الهنود الحمر في الافلام، وهم يتصايحون ويتحفزون بشراسة للانقضاض علي ضحاياهم باسلحتهم البدائية (راجع تفاصيل تعذيب الشهيد احمد الخير وحرمانه العلاج حتي لفظ انفاسه الاخيرة).
ويعيد اعتقال هشام عباس للذاكرة، ما حدث سابقا للاستاذين وليد الحسين وهشام ود قلبا، وطريقة تعامل الحكومة السعودية معهما. وهم سلفا لم يتعرضوا لاحوال المملكة وشؤونها الداخلية، بل فقط كانت لهم مقر اقامة وفرصة عمل. ولكن للاسف استجابة حكومة المملكة لطلبات وتحريض النظام الانقاذي بكل سوءاته. وهذا عين ما ترغب فيه ذات حكومة الانقلاب الفاشية. مع العلم ان اي اقدام لتصرف كهذا، يشوه صورة المملكة، ويجدد تركيز الاضواء علي ملف حقوق الانسان، كاكبر نقاط ضعف الحكومة السعودية. واحتمال يعيد للواجهة مجددا قضية مقتل خاشوقجي وما ترتبت عليها من اضرار علي سمعة ومكانة المملكة، وما كلفتها من موارد لمجرد ارجاع المملكة لصورتها ما قبل الجريمة البشعة. ولذلك اطلاق سراح هشام فورا، وتخييره بين البقاء والهجرة لبلد آخر، يصبح هو الموقف الاسلم، الذي يحفظ لهشام سلامته وللمملكة سمعتها الحسنة اقلاه بين المواطنين السودانيين.
وعموما، الاخ هشام عباس الذي لم اتعرف عليه، إلا من خلال قناة سودان بكرة. اصبح من رموز وايقونات الفترة الانتقالية، بتحليلاته المستبصرة وحضوره الاعلامي الطاغي و(نفسه الحار) الذي ينم عن اخلاص ورغبة جامحة في تحقيق شعارات الثورة علي الارض، والوصول بالفترة الانتقالية لنهايتها المرجوة. وما استعداء وتحريض اعداء الثورة والانتقال عليه، إلا بسبب آراءه التي تضرب علي الوتر الحساس للانقلابيين (ممارسات واهداف وتطلعات غير شرعية)، وكذلك تكشف عن عجزهم وفشل انقلابهم، وفداحة ما ارتكبوه من جرم في حق البلاد وشعبها. والاهم تركيزه علي انجع الوسائل التي تعجل بذهاب ريح الانقلاب وعودة المرحلة الانتقالية.
من هذه الوجهة، الاخ هشام عباس لا يختلف عن الثوار علي الارض ولا داخل المعتقلات، وما يتعرضون له من صنوف التعذيب وصولا لتهديد سلامتهم، من نظام حاقد علي الثورة وباطش بالثوار. كما ان سيولة الاوضاع العامة وتجدد المستجدات والقضايا العاجلة، قد تؤدي لاهمال او ركن قضايا المعتقلين رغم حساسيتها السياسية والاخلاقية. وهو ما يستدعي تكثيف الجهود وتعدد الانشطة الداخلية والخارجية، واستخدام كافة وسائل الدبلوماسية والضغط، لتحرير هشام وبقية المعتقلين من سجون ومعتقلات الانقلاب. وهذا يستوجب ارسال رسالة شكر وعرفان لكل الساعين في هذا المجال. كما يحتاج للتذكير بجهود بعض الصحف الالكترونية لتعميم تجربتها ولفتتها البارعة، بتبني حملة لاطلاق سراح المعتقلين، بجعل صورهم ومطالب تحررهم حاضرة، حتي تنتهي محنة اعتقالهم، ويتحرر الوطن من الطغاة والنظم الشمولية. وفي ذلك ارسال رسالة للانقلابيين، ان المعتقلين احرار وابطال خارج الاسوار، من خلال الحضور المكثف لصورهم وسيرتهم ومطالب اطلاق سراحهم.
والحال كذلك، يبدو ان جزء من اسباب التحريض علي هشام واعتقاله، والتهديد بترحيله ووضعه رهن قبضة الجلادين! هو ارسال رسالة تهديد مبطن لكل الاعلاميين بالمملكة خاصة ودول الخليج بصفة عامة، من اجل تغيير نهج النقد الصارم وكشف مخازي الانقلاب، لتخفيف الضغط عليه. اي بوصفه نظام هش لافتقاده الشرعية، ومن ثمَّ قابليته لتمرير مصالح الدول الخارجية باقل كلفة.
اما الجانب السيئ لهذه الحادثة المؤسفة، فهو درجة الخساسة التي انحط إليها الكيزان، وقذارة الاسلوب الذي تتعامل به السلطة الانقلابية. فمن اجل الترقية والتمرغ في الامتيازات المجانية، يتم شراء رضاء الرؤساء والمدراء بالفتنة والتحريض علي المناضلين والشرفاء، وإن كان ذلك في بلدٍ خارجي تؤدي هكذا خساسة للاعتقال وتعريض حياة انسان للخطر! فهل مثل هذا الموظف (الدبلوماسي) يختلف في شئ عن اختصاصي الاغتصاب والقنص والتعذيب في بيوت الاشباح!
والمؤكد ان هكذا خساسة غير معزولة عن مجمل ثقافة واسلوب عمل منظومة ايديولوجية سادية، وتاليا متحررة من اي التزامات انسانية واعراف مجتمعية. وقبل ذلك وجدت تربة صالحة في نفوس تعاني تشوهات خلقية، او خليط متناقض من عقد التفوق ومركبات النقص. والحال كذلك، اي تصرف مهما كان متناقض (لسان ديني/جسد شيطاني) فهو مبرر سلفا، لان هكذا تشوه تغيب فيه اي معايير سلوك والتزامات تتعارض مع رغبات الهوي ونزعة التشفي.
وبما ان الثورة والعمل الثوري السلمي وكل جهود تدعو للمدنية وتتصدي للاستبداد، تُشكل التموضع المناهض للاسلاموية الانقلابية. فهذا ما جعل ردة فعل الاخيرة ضدها، يتسم بكل هذا الحقد والعنف الذي يرقي لمرتبة الابادة. اي باستخدام كافة الاسلحة غير المشروعة وبما فيها سلاح الخساسة. بل لا نبعد كثير اذا ما وصفنا جهاز كامل للانقاذ مثل جهاز الامن، بانه جهاز خساسة بامتياز.
والحال ان هذا الجهاز تمدد في كل مفاصل الدولة وعلي الاخص السفارات بالخارج، وغالبا استصحب معه سلوكياته وممارساته المعهودة بالداخل. وبناء عليه، تصبح الخساسة الموجهة ضد هشام عباس ليست ممارسة منفصلة لموظف السفارة، ولكنها نهج عمل للسفارة بالسعودية وكل السفارات. وهذا بدوره يستوجب شن حملة تعرية وكشف (شيل الحال) ليس ضد موظف السفارة المتورط في الخساسة، ولكن ضد كل الكيزان المتواجدين في كل السفارات، وظلوا يستمتعون بريع وامتيازات البلاد المنهك شعبها، نظير خدمات قذرة (اكاذيب وتبريرات جذافية) لتجميل صورة النظام الاسلاموي/الانقلابي (الدموي/الطفيلي). وهي للاسف مهمة لا تختلف عن دور (العاهرات)، فكلاهما ينتهك الاعراف والقيم مقابل المادة. وإن تظاهر بعضهم بالرقي والدماثة وسعة الافق، وادعي ان مهمته مجرد وظيفة في الدولة لخدمة شعبها! وكيف راينا بعد الثورة وبمجرد ازاحتهم من وظائفهم التي استولوا عليها من غير وجه حق، وبدل تقبل القرار اقلاه بوصفه قرار نظام جديد (انتقالي) ثار علي النظام الاسلاموي (صاحب الفضل عليهم)، كما ان مجالات خدمة الدولة متنوعة ومتوافرة اذا صدقت النية والعزم والكفاءة؟ ولكننا تفاجأنا بالبكاء والعويل وطرق كل الابواب من اجل العودة للرضاعة من ضرع الدولة. وكنت قد تناولت احدهم في فترة سابقة، لكم تظاهر بالتحضر والتواضع والمسكنة، ليخفي رغبته الطفولية العارمة في العودة لحضن السفارة الاوربية! وهو ما توافر له بعد الانقلاب وإلقاء قرارات ازالة التمكين! ليختفي بعدها غير ماسوف عليه (ترك الكتابة) حماية لعودته الميمونة من عين الحسود والرقيب (واتحفظ علي الاسم لعدم التاكد من المعلومة، لان ما نحتاجه حقائق وليس اجتهادات).
وهذا بدوره يقودنا لظاهرة اخري تكشفت عن الاسلامويين، وهي انهم بقدر استعدادهم لالحاق اكبر الاذي بالخصوم وارتكاب الجرائم والانتهاكات بمختلف انواعها ودرجاتها، وفعل كل شئ من اجل الصعود الاجتماعي ومراكمة الثروات. إلا انهم يُظهرون جبن مخجل عند مواجهة عواقب افعالهم. وكان ذلك ما شاهدناه في محاكمة الانقلاب، فرغم انها محاكمة تكاد تكون شكلية، وتفتقر للجدية والحزم المطلوب! ومع توفر كل سبل الضمانة والراحة والسلامة للمتهمين من قادة الاسلامويين الرساليين (مدنيين وعسكريين)، إلا انهم اظهروا درجة من الجبن والمهانة والتنصل اصابت المتابعين بالاشمئزاز!!
وبهذه المناسبة نهدي للاسلامويين الذين يتجرسون هذه القصة التي يقال انها حقيقية. وهي حدثت في احدي قري الشمالية (تنقاسي) علي ايام حكم الانجليز، حيث اتهم شخص بجريمة قتل، وفي المحكمة الاهلية، اظهر هذا المتهم درجة عالية من الجرسة امام اعين النظار، فما كان من ابن عمه الذي ليس له صلة بالجريمة، إلا وان اعترف بتلك الجريمة لم يرتكبها، ونُفذ فيه حكم القصاص، فقط لحماية سمعة العائلة من وصمة الجبن. فما بالك وهؤلاء الاسلامويون الذين يتجرسون، هم من فوَّج الطلاب والشباب الصغار للموت في الجنوب لحماية مشروعهم الحضاري!!
واخيرا
كم سعدت بعودة ومشاهدة الاستاذ فتحي الضو علي قناة سودان بكرة، بعد غيبة طويلة، افتقدنا فيها شخصه وتحليلاته وكتاباته، وسط هذه المتاهة التي اصبح نهارها كليلها وطالت الفوضي والغيبوبة كل شئ. ودمتم في رعاية الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
خبر استدعاء الاستاذ هشام عباس للتحقيق من قبل السلطات السعودية، بعد الاتهام الموجه له من احد افراد السفارة السودانية بالسعودية، شكل ازعاج شديد لكل المتابعين لانشطة هشام الاعلامية. ولكن بعد التخوفات التي ابدتها هيئة محامي دارفور، المهتمة بقضايا حقوق الانسان، من احتمال ترحيل هشام وتسليمه للسلطات الانقلابية في السودان. تحول الانزعاج الي رعب حقيقي علي حرية وسلامة هشام عباس.
واذا صح هذا الاحتمال، فهذا يشكل مصدر خذلان من جانب المملكة السعودية، وهم من هم يفاخرون كغيرهم من العرب بالنخوة والمروءة واكرام الضيف. وكل ذلك يتعارض مع تسليم مواطن اعزل، لا يملك سوي لسانه وفكره وقلمه، ليوظفها في خدمة بلاده وحقوق اهلها في وطنهم، من خلال التصدي لقضايا الانتقال وتنزيل شعارات الثورة في شكل برامج سياسية ومشاريع خدمية.
والحال ان السلطة الانقلابية في السودان، حكمت علي الانتقال بالاجهاض والمجتمع بالفقر والاذلال ومؤسسات الدولة بالفوضي والاختراق، وعلي الاخص المؤسسات العدلية والقضائية والشرطية والامنية، المنوط بها التعامل مع المعتقلين السياسيين. ويكفي حادث ضرب محامٍ في حضرة القاضي وبايعاز منه! واتهام الثوار بمقتل عميد ورقيب في الجيش، تدل كل الملابسات علي انها محض تلفيقات! وكذلك تهديد صبي وابتزازه ليشهد زور ضد الثوار المتهمين! اي باختصار توظيف كل اجهزة الدولة لارهاب الثوار وعرقلة الانتقال.
لكل ذلك مجرد تسليم هشام لسلطات علي هذا المستوي من التدني المهني والاخلاقي، اضافة الي رغبة لا تخفي في التشفي والانتقام من الخصوم، يشير الي ان حياة هشام عباس ستكون في خطر. خاصة وان هكذا شرذمة استولت علي السلطة بالانقلاب، تذكر بهمجية الهنود الحمر في الافلام، وهم يتصايحون ويتحفزون بشراسة للانقضاض علي ضحاياهم باسلحتهم البدائية (راجع تفاصيل تعذيب الشهيد احمد الخير وحرمانه العلاج حتي لفظ انفاسه الاخيرة).
ويعيد اعتقال هشام عباس للذاكرة، ما حدث سابقا للاستاذين وليد الحسين وهشام ود قلبا، وطريقة تعامل الحكومة السعودية معهما. وهم سلفا لم يتعرضوا لاحوال المملكة وشؤونها الداخلية، بل فقط كانت لهم مقر اقامة وفرصة عمل. ولكن للاسف استجابة حكومة المملكة لطلبات وتحريض النظام الانقاذي بكل سوءاته. وهذا عين ما ترغب فيه ذات حكومة الانقلاب الفاشية. مع العلم ان اي اقدام لتصرف كهذا، يشوه صورة المملكة، ويجدد تركيز الاضواء علي ملف حقوق الانسان، كاكبر نقاط ضعف الحكومة السعودية. واحتمال يعيد للواجهة مجددا قضية مقتل خاشوقجي وما ترتبت عليها من اضرار علي سمعة ومكانة المملكة، وما كلفتها من موارد لمجرد ارجاع المملكة لصورتها ما قبل الجريمة البشعة. ولذلك اطلاق سراح هشام فورا، وتخييره بين البقاء والهجرة لبلد آخر، يصبح هو الموقف الاسلم، الذي يحفظ لهشام سلامته وللمملكة سمعتها الحسنة اقلاه بين المواطنين السودانيين.
وعموما، الاخ هشام عباس الذي لم اتعرف عليه، إلا من خلال قناة سودان بكرة. اصبح من رموز وايقونات الفترة الانتقالية، بتحليلاته المستبصرة وحضوره الاعلامي الطاغي و(نفسه الحار) الذي ينم عن اخلاص ورغبة جامحة في تحقيق شعارات الثورة علي الارض، والوصول بالفترة الانتقالية لنهايتها المرجوة. وما استعداء وتحريض اعداء الثورة والانتقال عليه، إلا بسبب آراءه التي تضرب علي الوتر الحساس للانقلابيين (ممارسات واهداف وتطلعات غير شرعية)، وكذلك تكشف عن عجزهم وفشل انقلابهم، وفداحة ما ارتكبوه من جرم في حق البلاد وشعبها. والاهم تركيزه علي انجع الوسائل التي تعجل بذهاب ريح الانقلاب وعودة المرحلة الانتقالية.
من هذه الوجهة، الاخ هشام عباس لا يختلف عن الثوار علي الارض ولا داخل المعتقلات، وما يتعرضون له من صنوف التعذيب وصولا لتهديد سلامتهم، من نظام حاقد علي الثورة وباطش بالثوار. كما ان سيولة الاوضاع العامة وتجدد المستجدات والقضايا العاجلة، قد تؤدي لاهمال او ركن قضايا المعتقلين رغم حساسيتها السياسية والاخلاقية. وهو ما يستدعي تكثيف الجهود وتعدد الانشطة الداخلية والخارجية، واستخدام كافة وسائل الدبلوماسية والضغط، لتحرير هشام وبقية المعتقلين من سجون ومعتقلات الانقلاب. وهذا يستوجب ارسال رسالة شكر وعرفان لكل الساعين في هذا المجال. كما يحتاج للتذكير بجهود بعض الصحف الالكترونية لتعميم تجربتها ولفتتها البارعة، بتبني حملة لاطلاق سراح المعتقلين، بجعل صورهم ومطالب تحررهم حاضرة، حتي تنتهي محنة اعتقالهم، ويتحرر الوطن من الطغاة والنظم الشمولية. وفي ذلك ارسال رسالة للانقلابيين، ان المعتقلين احرار وابطال خارج الاسوار، من خلال الحضور المكثف لصورهم وسيرتهم ومطالب اطلاق سراحهم.
والحال كذلك، يبدو ان جزء من اسباب التحريض علي هشام واعتقاله، والتهديد بترحيله ووضعه رهن قبضة الجلادين! هو ارسال رسالة تهديد مبطن لكل الاعلاميين بالمملكة خاصة ودول الخليج بصفة عامة، من اجل تغيير نهج النقد الصارم وكشف مخازي الانقلاب، لتخفيف الضغط عليه. اي بوصفه نظام هش لافتقاده الشرعية، ومن ثمَّ قابليته لتمرير مصالح الدول الخارجية باقل كلفة.
اما الجانب السيئ لهذه الحادثة المؤسفة، فهو درجة الخساسة التي انحط إليها الكيزان، وقذارة الاسلوب الذي تتعامل به السلطة الانقلابية. فمن اجل الترقية والتمرغ في الامتيازات المجانية، يتم شراء رضاء الرؤساء والمدراء بالفتنة والتحريض علي المناضلين والشرفاء، وإن كان ذلك في بلدٍ خارجي تؤدي هكذا خساسة للاعتقال وتعريض حياة انسان للخطر! فهل مثل هذا الموظف (الدبلوماسي) يختلف في شئ عن اختصاصي الاغتصاب والقنص والتعذيب في بيوت الاشباح!
والمؤكد ان هكذا خساسة غير معزولة عن مجمل ثقافة واسلوب عمل منظومة ايديولوجية سادية، وتاليا متحررة من اي التزامات انسانية واعراف مجتمعية. وقبل ذلك وجدت تربة صالحة في نفوس تعاني تشوهات خلقية، او خليط متناقض من عقد التفوق ومركبات النقص. والحال كذلك، اي تصرف مهما كان متناقض (لسان ديني/جسد شيطاني) فهو مبرر سلفا، لان هكذا تشوه تغيب فيه اي معايير سلوك والتزامات تتعارض مع رغبات الهوي ونزعة التشفي.
وبما ان الثورة والعمل الثوري السلمي وكل جهود تدعو للمدنية وتتصدي للاستبداد، تُشكل التموضع المناهض للاسلاموية الانقلابية. فهذا ما جعل ردة فعل الاخيرة ضدها، يتسم بكل هذا الحقد والعنف الذي يرقي لمرتبة الابادة. اي باستخدام كافة الاسلحة غير المشروعة وبما فيها سلاح الخساسة. بل لا نبعد كثير اذا ما وصفنا جهاز كامل للانقاذ مثل جهاز الامن، بانه جهاز خساسة بامتياز.
والحال ان هذا الجهاز تمدد في كل مفاصل الدولة وعلي الاخص السفارات بالخارج، وغالبا استصحب معه سلوكياته وممارساته المعهودة بالداخل. وبناء عليه، تصبح الخساسة الموجهة ضد هشام عباس ليست ممارسة منفصلة لموظف السفارة، ولكنها نهج عمل للسفارة بالسعودية وكل السفارات. وهذا بدوره يستوجب شن حملة تعرية وكشف (شيل الحال) ليس ضد موظف السفارة المتورط في الخساسة، ولكن ضد كل الكيزان المتواجدين في كل السفارات، وظلوا يستمتعون بريع وامتيازات البلاد المنهك شعبها، نظير خدمات قذرة (اكاذيب وتبريرات جذافية) لتجميل صورة النظام الاسلاموي/الانقلابي (الدموي/الطفيلي). وهي للاسف مهمة لا تختلف عن دور (العاهرات)، فكلاهما ينتهك الاعراف والقيم مقابل المادة. وإن تظاهر بعضهم بالرقي والدماثة وسعة الافق، وادعي ان مهمته مجرد وظيفة في الدولة لخدمة شعبها! وكيف راينا بعد الثورة وبمجرد ازاحتهم من وظائفهم التي استولوا عليها من غير وجه حق، وبدل تقبل القرار اقلاه بوصفه قرار نظام جديد (انتقالي) ثار علي النظام الاسلاموي (صاحب الفضل عليهم)، كما ان مجالات خدمة الدولة متنوعة ومتوافرة اذا صدقت النية والعزم والكفاءة؟ ولكننا تفاجأنا بالبكاء والعويل وطرق كل الابواب من اجل العودة للرضاعة من ضرع الدولة. وكنت قد تناولت احدهم في فترة سابقة، لكم تظاهر بالتحضر والتواضع والمسكنة، ليخفي رغبته الطفولية العارمة في العودة لحضن السفارة الاوربية! وهو ما توافر له بعد الانقلاب وإلقاء قرارات ازالة التمكين! ليختفي بعدها غير ماسوف عليه (ترك الكتابة) حماية لعودته الميمونة من عين الحسود والرقيب (واتحفظ علي الاسم لعدم التاكد من المعلومة، لان ما نحتاجه حقائق وليس اجتهادات).
وهذا بدوره يقودنا لظاهرة اخري تكشفت عن الاسلامويين، وهي انهم بقدر استعدادهم لالحاق اكبر الاذي بالخصوم وارتكاب الجرائم والانتهاكات بمختلف انواعها ودرجاتها، وفعل كل شئ من اجل الصعود الاجتماعي ومراكمة الثروات. إلا انهم يُظهرون جبن مخجل عند مواجهة عواقب افعالهم. وكان ذلك ما شاهدناه في محاكمة الانقلاب، فرغم انها محاكمة تكاد تكون شكلية، وتفتقر للجدية والحزم المطلوب! ومع توفر كل سبل الضمانة والراحة والسلامة للمتهمين من قادة الاسلامويين الرساليين (مدنيين وعسكريين)، إلا انهم اظهروا درجة من الجبن والمهانة والتنصل اصابت المتابعين بالاشمئزاز!!
وبهذه المناسبة نهدي للاسلامويين الذين يتجرسون هذه القصة التي يقال انها حقيقية. وهي حدثت في احدي قري الشمالية (تنقاسي) علي ايام حكم الانجليز، حيث اتهم شخص بجريمة قتل، وفي المحكمة الاهلية، اظهر هذا المتهم درجة عالية من الجرسة امام اعين النظار، فما كان من ابن عمه الذي ليس له صلة بالجريمة، إلا وان اعترف بتلك الجريمة لم يرتكبها، ونُفذ فيه حكم القصاص، فقط لحماية سمعة العائلة من وصمة الجبن. فما بالك وهؤلاء الاسلامويون الذين يتجرسون، هم من فوَّج الطلاب والشباب الصغار للموت في الجنوب لحماية مشروعهم الحضاري!!
واخيرا
كم سعدت بعودة ومشاهدة الاستاذ فتحي الضو علي قناة سودان بكرة، بعد غيبة طويلة، افتقدنا فيها شخصه وتحليلاته وكتاباته، وسط هذه المتاهة التي اصبح نهارها كليلها وطالت الفوضي والغيبوبة كل شئ. ودمتم في رعاية الله.