وداعاً يا غرامي .. عديلة العدنية
حسن الجزولي
17 February, 2023
17 February, 2023
* صحيفة الميدان تتوصل لملهمة أغنية وداعاً يا غرامي لعثمان حسين!.
* درست كلية المعلمات وحكم على زوجها اليمني بالاعدام وهربت لبريطانيا وزاملت الطيب صالح في البي بي سي!.
* لم تزر السودان منذ مغادرتها إلا مرة واحدة وهذه هي الظروف التي تمنعها من زيارته مرة ثانية!.
حسن الجزولي
( إلى صديقي الصحفي والكاتب معاوية جمال الدين الذي غادر دون أن يقرأ بعضاً من جهده في هذا الفصل ،، له الرحمة والخلود).
***
بقدر محبتي لسماع إحدى الأغنيات الأثيرة لدي ولكني ما كنت أعتقد أني على موعد عبر محادثة هاتفية حميمة مع ملهمتها حين غناها لها عثمان حسين:ـ
ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﺃﺳﻜﺒﻲ ﺩﻣﻊ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ
ﻟﻮ ﻳﻔﻴﺪ ﺍﻟﺪﻣﻊ ﺃﻭ ﻳﺠﺪﻱ ﺍﻷﻧﻴﻦ
ﺭﺍﺣﻮ ﻋﻨﻚ ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﻭﺍﻧﻄﻮﻯ
ﻋﻬﺪ ﺣﺒﻲ والأماني ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ
وقد حدث ذلك بالفعل حينما رنً هاتف شقتي ذات مساء لتعرفني المتحدثة في الطرف الثاني بنفسها:ـ
ـ عديلة معاك يا أستاذ حسن!.
ـ عديلة! ،، مين عديلة؟.
ـ عديلة العدنية يا أستاذ، مش برضو إنت الصحفي السوداني اللي تركت رقم هاتفك منتظر إتصالي بك؟!.
وفي الواقع كنت أمني النفس بهذه المحادثة معها منذ أن حدثني عنها صديقي الصحفي معاوية جمال الدين.
فقد حدث وأن دخلنا في مؤانسة حميمة مع بعضنا البعض كعادتنا كلما التقينا، أو عبر الهاتف، تحادثنا خلالها حول أغنيات سودانية عاطفية بعينها، فمرت علينا سيرة الشاعر والاعلامي صلاح أحمد محمد صالح، حدثني معاوية أن للشاعر عدة قصائد غرامية خص بها إحدى حسان اليمن، وتغنى بها عدد من الفنانين كأحمد المصطفى في " اهواك وياحليل ايامي معاك " وسيد خليفة في " يا مسافر وناسي هواك" ولكن أشهرها أغنية عثمان حسين " وداعاً يا غرامي".
وكنت بالفعل قد سعيت مع عدد من الأصدقاء بنواحي السويد ليساعدوا في الحصول على رقم لهاتفها بعد ما علمت أنها تعيش هناك، فوعد كل من الصديقين طارق الجزولي رئيس تحرير موقع (سودانايل) الشهير في الشبكة العنكبوتية وكذا الصديق صلاح عبد الجليل المقيم بكوبنهاجن عاصمة الدنمارك، والذي فاجأني بالفعل بعد مضي فترة قصيرة من رجائي بمد يد المساعدة أن وفر لي رقم هاتف عديلة!. فسعيت عدة مرات للاتصال بها وفي النهاية تركت لها رقم هاتفي على أمل أن تبادر هي بالاتصال!.
وكان صديقنا الطبيب والشاعر اليمني ـ السوداني نزار غانم قد حدثني عنها باعتبارها ملهمة للشاعر صلاح وبأنها عدنية من اليمن الجنوبي وحضرت للسودان خمسينيات القرن الماضي للدراسة بكلية المعلمات بأم درمان، وتعيش حالياً بالسويد.
يحدثني معاوية جمال الدين أنه التقى الشاعر صلاح في القاهرة، وعندما سأله بشكل مباشر عن ملهمة قصيدته (وداعاً يا غرامي) التي كان معاوية معجباً بها، أسر له الشاعر باسمها مضيفاً أنه لم يشأ الحديث عنها أو الاشارة لها، احتراماً لمشاعر زوجته. ولكن غاب عن معاوية الاشارة لاسم الملهمة كاملاً، (عديلة) فقط، مضيفاً أنه احتفظ بهذا الأمر طيلة سنوات طويلة حتى كشف الشاعر اليمني نزار غانم عن ملهمة قصائد صلاح أحمد محمد صالح العاطفية عبر مقال صحفي له. وهكذا لم يتسن لي الحصول على الاسم كاملاً وكذا سيرتها في أوساط كل من تعرف على قصتها مع الشاعر صلاح، إلا بعد أن اتصل بي الصديق د. غانم بعد أن علم بأني منكب في التنقيب عن سيرتها لإدراجها ضمن الجزء الثاني من كتاب (ملهمات)، فآثر أن يكمل لي ما معه من معلومات كتبها عنها، والصديق نزار غانم اليمني ـ السوداني إلى جانب أنه طبيب فهو أيضاً أديب وباحث فطن متخصص في (التواصل السوداني اليمني) فقدم لي كتابه ( جسر الوجدان بين اليمن والسودان، الطبعة الأولى، منشورات نزار غانم1994) وفيه أورد معلوات جمة عن عديلة، لمزيد من التفاصيل راجع الفصل الذي خصصه لها في كتابه المشار إليه بعنوان (سر اسم عديلة في أغنيات صلاح أحمد محمد صالح)!. فقد تغني بكلماته عدد من الفنانين السودانيين، حباً وهياماً في ملهمته عديلة العدنية، كما كانوا يطلقون عليها ذلك في السودان أثناء دراستها فيه، حيث غنى لها كل من:ـ
أحمد المصطفى :ـ
(الليلة ما جاني
سافر منّي خلاّني
يا ناس خلاص جنيت
وقفلت باب الريد
سافر شقيق روحي
المن حبّو ما استغنيت
***
دايماً أغنّيلا
الفريدة في جيلا
إن شاء الله يا عديلة
تمشي وتجي تاني
***
سايق عليكي هواك
وفي الآخرة بستنّاك
قالت ليّ ما بقدر
دنيا وآخرة عايشة معاك
***
لمتين يعود ليّ
الخدودو زهرية
انا قلبي قال ليّ
نار الغرام حيّة
***
يا قمرة ناجيني
ويا نجمة قاسيني
حبيبي إن عزَّاني و
قال ليّ بجيك تاني
لمّا الحبيب جاني
واحيالي شرياني
كلمتو بلساني
إنو ليه نساني
سيد خليفة:ـ
( يا مسافر وناسي هواك
ارواحنا وقلوبنا معاك
أضناني البعاد والبين
ياروحي الفراق لمتين
قضيت عمري كلو حزين
عايش علي ذكراك
عديت أنا نجوم الليل
في خدودي الدموع بتسيل
ويالفارقتي أرض النيل
يرعاك الإله ياملاك
في عيونك سلاح مشهور
لمعان الخدود بالنور
ننساك أصلو ما معقول)
لو ضاعت حياتي فداك طارين للهوي
أما عثمان حسين فقد غنى لها عدداً من الأغنيات:ـ
(أنا المظلوم جافاني حبيب، ليالي الغرام، يا عيوني أسكبي دمع الحنين) وكانت جميعها من كلمات الشاعر الدبلوماسي صلاح أحمد محمد صالح.
ينادونها في اليمن باسم (ماما عديلة) خاصة بالنسبة للصحافة اليمنية التي تناولت سيرتها في مرات عدة. حيث كانت زوجة لوزير التعليم فترة السلطة الاستعمارية البريطانية على اليمن ـ هناك من يشير إليه باعتباره كان رئيساً للوزراء ـ في التحالف الاستعماري مع الاتحاد العربي لشيوخ وسلاطين وأمراء اليمن.
عملت عديلة في بداية حياتها معلمة، وقد تم انتدابها بداية خمسينيات القرن الماضي إلى السودان للدراسة في كلية معلمات أم درمان فقضت هناك جلً سنين صباها حتى تخرجت وعادت لليمن، حيث صادف ذلك إنشاء تلفزيون عدن عام 1964 ، فتقدمت لمعاينات خاصة بمذيعات ومقدمات برامج فيه، وأصبحت من أوائل اللاتي اجتزن امتحانات المعاينة وبدأت العمل في التلفزيون كمقدمة لبرنامج الأطفال، إلى جانب إستيعابها أيضاً في برامج إذاعية، فأضحت إحدى الاعلاميات الشهيرات في الجنوب اليمني، وقد أوضح لي الصديق نزار غانم بأن الجيل الذي ترعرع في زمنها ـ وهو ضمنه ـ ما يزال يذكرها باعتبارها (ماما عديلة)!.
عند هزيمة المستعمر وطرده من اليمن الجنوبي بانتصار ثورة الشعب، فقدت وظيفتها باعتبارها ضمن الكادر الاعلامي الذي تعاون مع االمستعمر، كما لوحق زوجها وتم الحكم عليه بالاعدام غيابياً حيث فر من البلاد وعاش وتوفى ببريطانيا، واضطرت عديلة هي أيضاً للخروج من عدن إلى بريطانيا لتعمل بإذاعة البي بي سي لفترة وفيه اشتهرت بتقديم برنامج (التجارة والصناعة) وبعدها هاجرت للسويد التي ما تزال تعيش فيها.
خلال محادثتي الهاتفية معها، أسرت لي عديلة بأنها حرصت على معاودة الاتصال الهاتفي معي بعد أن علمت بأني سوداني، حيث ما تزال نفسها تهفو لبلد طالما عشقته واعتبرته وطنها التوأم لبلدها اليمن، كانت تمني النفس بتسجيل زيارة أخرى للسودان، وعندما شجعتها بأن تعتبر ذلك بمثابة دعوة شخصية مني لها، شكرتني موضحة أن طبيبها ولسبب مرض الضغط العالي الذي ألم بها وهي الآن في عمر السابعة والثمانين، فقد نصحها بعدم السفر بالطائرة لأكثر من ساعتين!، مشيرة إلى أنها لم تلتقي بأي سوداني منذ مغادرتها السودان بعد أن أكملت دراستها فيه، إلا فيما بعد حينما عملت بهيئة الاذاعة البريطانية، فتعرفت خلال عملها هناك على كل من الطيب صالح ومحمد خير البدوي وزوجته التي كانت تعرفها منذ أيام الدراسة بالسودان.، وأضافت أنها زارت السودان بعد مغادرتها له لمرة واحدة جددت فيها ذكرياتها وعلاقات الصداقة التي ربطتها مع عدد من صديقات وزميلات الدراسة بكلية المعلمات بأم درمان، وقالت أنها كانت تربطها علاقات حميمة ببعض الأسر السودانية، حيث كانت تقضي فترة نهاية الأسبوع معهم ثم تعود للداخلية مساء الجمعة، مشيرة إلى أن من بين هذه الأسر كل من أسرة معلمتها (سقط الاسم عنها ولم تستطع تذكره ولكنها من آلـ المليك، ثم ولاحقاً علمت أن من درست معهن عديدات من أسر أم درمانية عريقة والمعنية هي الأستاذة الراحلة علوية أبو بكر المليك) مشيرة أيضاً إلى أن ابنة آلـ بدري (آسيا مالك) كانت زميلتها في كلية المعلمات، ثم أسرة الشاعر صلاح أحمد محمد صالح والذي ارتبطت بصداقة حميمة جمعتها بشقيقاته بمنزلهن الكائن في أم درمان بحي الشهداء، إذن كانت هذه هي الظروف التي التقت وتعرفت فيها بصلاح!.
ثم تمضي عديلة موضحة لي أن اسمها بالكامل هو ( عديلة علي غالب بيومي) وهي من مواليد 3 يونيو 1934 في الشيخ عثمان بعدن، وأن أمها هي الست (لولا حيدر) وشقيقتها نور حيدر التربوية الأولى في عدن، وقد استمدت اسمها من اسم زوجها الوزير الراحل (حسين بيومي) الذي توفى ببريطانيا وترك لها ابن هو (أيمن) الذي يعيش معها بمنطقة (oreblo) شمال السويد، تزوجت عديلة فيما بعد من سويدي الجنسية ولكنها لم تنجب منه، ولا تزال عديلة تحفظ مقاطع من الأغنيات التي كتبها فيها الشاعر صلاح ـ كما أهل بيتها وصديقاتها المقربات أيضاً ـ سيما أغنية (يا عديلة) و (وداعاً يا غرامي) للفنان عثمان حسين الذي سألتني عنه مباشرة وتأثرت جداً حينما علمت برحيله!، وعن ارتباطها العاطفي بالشاعر صلاح تقول أنه زار اليمن خصيصاً والتقى بوالدتها من أجل إقناعها برغبته الصادقة في الارتباط بإبنتها، إلا أن الظروف القبلية بالنسبة لليمنيين، حالت دون ذلك حيث تحفظت والدتها، فعاد مكسور الخاطر وهي الظروف التي كتب فيها لها أغنية (وداعاً يا غرامي)!، وقالت عديلة أنها لم تلتقي به إلا في فترات متقطعة عندما كان يزور بريطانيا.
أطال الله من عمرك يا عديلة عدن ورحم الله صلاحاً وعثمان حسين وأحمد المصطفى وسيد خليفة وصديقنا الصحفي المثابر معاوية جمال الدين.
ـــــــــــــــــ
* فصل ضمن "ملهمات ـ الجزء الثاني " يصدر قريباً
ﻭﺩﺍﻋﺎ ﻳﺎ ﻏﺮﺍﻣﻲ
ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺻﻼﺡ أحمد محمد صالح
ﺍﻟﺤﺎﻥ ﻭﻏﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺣﺴﻴﻦ
***
ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﺃﺳﻜﺒﻲ ﺩﻣﻊ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ
ﻟﻮ ﻳﻔﻴﺪ ﺍﻟﺪﻣﻊ ﺃﻭ ﻳﺠﺪﻱ ﺍﻷﻧﻴﻦ
ﺭﺍﺣﻮ ﻋﻨﻚ ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﻭﺍﻧﻄﻮﻯ
ﻋﻬﺪ ﺣﺒﻲ والأماني ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ
ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ أﺑﻜﻲ ﺩماً ﺷﻮﻗﺎً ﻟﻬﻢ
ﻭﺍﺫﻛﺮﻱ أﻥ ﻫﻨﺎي ﻋﻨﺪﻫﻢ
ﻭﺍﻧﺪﺑﻴﻬﻢ ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ إﻧﻬﻢ ﺳﻌﺪ ﻋﻤﺮﻱ
ﻭﺣﻴﺎﺗﻲ ﺩﻭﻧﻬﻢ ﻛﻔﺆﺍﺩ ﺍلعاشق ﺍﻟﺪﺍﻣﻲ
ﺍﻟﺤﺰﻳﻦ
ﻭﺍﺫﻛﺮﻳﻬﻢ ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ إﻧﻨﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ
ﺿﺎﻉ ﻋﻤﺮﻱ ﻭﺣﻴﺎﺗﻲ ﺩﻭﻧﻬﻢ
ﻛﻔﺆﺍﺩ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﺍﻟﺪﺍﻣﻲ ﺍﻟﺤﺰﻳﻦ
ﻃﺎﻝ ﻟﻴﻠﻲ ﻭلأﺯﺍﻫﻴﺮ ﻧﻴﺎﻡ
ﻭﻧﺴﻴﻢ ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻗﺪ ﺳﺎﺩ الأﻧﺎﻡ
ﻭﻋﻴﻮﻧﻲ ﻟﻢ ﺗﺰﻝ ﺗﻬﻔﻮ ﻟﻬﻢ
ﺗﻨﺪﺏ ﺍﻟﺪﻫﺮ ﺍﻟﺬﻱ أﺑﻌﺪﻫﻢ
ﻓﻬﻲ ﺗﺪﺭﻱ إﻧﻨﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ
ﺿﺎﻉ ﻋﻤﺮﻱ ﺑﻴﻦ أﻧﺎﺕ ﻭﻫﻢ
ﻭﺍﺻﻄﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﻨﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ
ﺍﻟﺤﺒﺎﻳﺐ ﻳﻮﻡ ﻓﺮﺍﻗﻬﻢ ﻭﻋﺪﻭﺍ
أﻧﻬﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻧﺄﻭ ﻭﺍﺑﺘﻌﺪﻭﺍ
ﻳﺤﻔﻈﻮ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﻳﺮﻋﻮﺍ ﻭﺩﻫﻢ
ﻓﺎﺻﺒﺮﻱ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻮﻧﻮﺍ ﻋﻬﺪﻫﻢ
ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ أﺧﻠﻔﻮﺍ ﻓﻲ ﻭﻋﺪﻫﻢ
ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺑﻌﺪ الأﻣﺎﻧﻲ ﺣﺒﻬﻢ
ﻓﺎﻧﺪﺑﻲ ﻭﺍﺑﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ
hassangizuli85@gmail.com
* درست كلية المعلمات وحكم على زوجها اليمني بالاعدام وهربت لبريطانيا وزاملت الطيب صالح في البي بي سي!.
* لم تزر السودان منذ مغادرتها إلا مرة واحدة وهذه هي الظروف التي تمنعها من زيارته مرة ثانية!.
حسن الجزولي
( إلى صديقي الصحفي والكاتب معاوية جمال الدين الذي غادر دون أن يقرأ بعضاً من جهده في هذا الفصل ،، له الرحمة والخلود).
***
بقدر محبتي لسماع إحدى الأغنيات الأثيرة لدي ولكني ما كنت أعتقد أني على موعد عبر محادثة هاتفية حميمة مع ملهمتها حين غناها لها عثمان حسين:ـ
ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﺃﺳﻜﺒﻲ ﺩﻣﻊ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ
ﻟﻮ ﻳﻔﻴﺪ ﺍﻟﺪﻣﻊ ﺃﻭ ﻳﺠﺪﻱ ﺍﻷﻧﻴﻦ
ﺭﺍﺣﻮ ﻋﻨﻚ ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﻭﺍﻧﻄﻮﻯ
ﻋﻬﺪ ﺣﺒﻲ والأماني ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ
وقد حدث ذلك بالفعل حينما رنً هاتف شقتي ذات مساء لتعرفني المتحدثة في الطرف الثاني بنفسها:ـ
ـ عديلة معاك يا أستاذ حسن!.
ـ عديلة! ،، مين عديلة؟.
ـ عديلة العدنية يا أستاذ، مش برضو إنت الصحفي السوداني اللي تركت رقم هاتفك منتظر إتصالي بك؟!.
وفي الواقع كنت أمني النفس بهذه المحادثة معها منذ أن حدثني عنها صديقي الصحفي معاوية جمال الدين.
فقد حدث وأن دخلنا في مؤانسة حميمة مع بعضنا البعض كعادتنا كلما التقينا، أو عبر الهاتف، تحادثنا خلالها حول أغنيات سودانية عاطفية بعينها، فمرت علينا سيرة الشاعر والاعلامي صلاح أحمد محمد صالح، حدثني معاوية أن للشاعر عدة قصائد غرامية خص بها إحدى حسان اليمن، وتغنى بها عدد من الفنانين كأحمد المصطفى في " اهواك وياحليل ايامي معاك " وسيد خليفة في " يا مسافر وناسي هواك" ولكن أشهرها أغنية عثمان حسين " وداعاً يا غرامي".
وكنت بالفعل قد سعيت مع عدد من الأصدقاء بنواحي السويد ليساعدوا في الحصول على رقم لهاتفها بعد ما علمت أنها تعيش هناك، فوعد كل من الصديقين طارق الجزولي رئيس تحرير موقع (سودانايل) الشهير في الشبكة العنكبوتية وكذا الصديق صلاح عبد الجليل المقيم بكوبنهاجن عاصمة الدنمارك، والذي فاجأني بالفعل بعد مضي فترة قصيرة من رجائي بمد يد المساعدة أن وفر لي رقم هاتف عديلة!. فسعيت عدة مرات للاتصال بها وفي النهاية تركت لها رقم هاتفي على أمل أن تبادر هي بالاتصال!.
وكان صديقنا الطبيب والشاعر اليمني ـ السوداني نزار غانم قد حدثني عنها باعتبارها ملهمة للشاعر صلاح وبأنها عدنية من اليمن الجنوبي وحضرت للسودان خمسينيات القرن الماضي للدراسة بكلية المعلمات بأم درمان، وتعيش حالياً بالسويد.
يحدثني معاوية جمال الدين أنه التقى الشاعر صلاح في القاهرة، وعندما سأله بشكل مباشر عن ملهمة قصيدته (وداعاً يا غرامي) التي كان معاوية معجباً بها، أسر له الشاعر باسمها مضيفاً أنه لم يشأ الحديث عنها أو الاشارة لها، احتراماً لمشاعر زوجته. ولكن غاب عن معاوية الاشارة لاسم الملهمة كاملاً، (عديلة) فقط، مضيفاً أنه احتفظ بهذا الأمر طيلة سنوات طويلة حتى كشف الشاعر اليمني نزار غانم عن ملهمة قصائد صلاح أحمد محمد صالح العاطفية عبر مقال صحفي له. وهكذا لم يتسن لي الحصول على الاسم كاملاً وكذا سيرتها في أوساط كل من تعرف على قصتها مع الشاعر صلاح، إلا بعد أن اتصل بي الصديق د. غانم بعد أن علم بأني منكب في التنقيب عن سيرتها لإدراجها ضمن الجزء الثاني من كتاب (ملهمات)، فآثر أن يكمل لي ما معه من معلومات كتبها عنها، والصديق نزار غانم اليمني ـ السوداني إلى جانب أنه طبيب فهو أيضاً أديب وباحث فطن متخصص في (التواصل السوداني اليمني) فقدم لي كتابه ( جسر الوجدان بين اليمن والسودان، الطبعة الأولى، منشورات نزار غانم1994) وفيه أورد معلوات جمة عن عديلة، لمزيد من التفاصيل راجع الفصل الذي خصصه لها في كتابه المشار إليه بعنوان (سر اسم عديلة في أغنيات صلاح أحمد محمد صالح)!. فقد تغني بكلماته عدد من الفنانين السودانيين، حباً وهياماً في ملهمته عديلة العدنية، كما كانوا يطلقون عليها ذلك في السودان أثناء دراستها فيه، حيث غنى لها كل من:ـ
أحمد المصطفى :ـ
(الليلة ما جاني
سافر منّي خلاّني
يا ناس خلاص جنيت
وقفلت باب الريد
سافر شقيق روحي
المن حبّو ما استغنيت
***
دايماً أغنّيلا
الفريدة في جيلا
إن شاء الله يا عديلة
تمشي وتجي تاني
***
سايق عليكي هواك
وفي الآخرة بستنّاك
قالت ليّ ما بقدر
دنيا وآخرة عايشة معاك
***
لمتين يعود ليّ
الخدودو زهرية
انا قلبي قال ليّ
نار الغرام حيّة
***
يا قمرة ناجيني
ويا نجمة قاسيني
حبيبي إن عزَّاني و
قال ليّ بجيك تاني
لمّا الحبيب جاني
واحيالي شرياني
كلمتو بلساني
إنو ليه نساني
سيد خليفة:ـ
( يا مسافر وناسي هواك
ارواحنا وقلوبنا معاك
أضناني البعاد والبين
ياروحي الفراق لمتين
قضيت عمري كلو حزين
عايش علي ذكراك
عديت أنا نجوم الليل
في خدودي الدموع بتسيل
ويالفارقتي أرض النيل
يرعاك الإله ياملاك
في عيونك سلاح مشهور
لمعان الخدود بالنور
ننساك أصلو ما معقول)
لو ضاعت حياتي فداك طارين للهوي
أما عثمان حسين فقد غنى لها عدداً من الأغنيات:ـ
(أنا المظلوم جافاني حبيب، ليالي الغرام، يا عيوني أسكبي دمع الحنين) وكانت جميعها من كلمات الشاعر الدبلوماسي صلاح أحمد محمد صالح.
ينادونها في اليمن باسم (ماما عديلة) خاصة بالنسبة للصحافة اليمنية التي تناولت سيرتها في مرات عدة. حيث كانت زوجة لوزير التعليم فترة السلطة الاستعمارية البريطانية على اليمن ـ هناك من يشير إليه باعتباره كان رئيساً للوزراء ـ في التحالف الاستعماري مع الاتحاد العربي لشيوخ وسلاطين وأمراء اليمن.
عملت عديلة في بداية حياتها معلمة، وقد تم انتدابها بداية خمسينيات القرن الماضي إلى السودان للدراسة في كلية معلمات أم درمان فقضت هناك جلً سنين صباها حتى تخرجت وعادت لليمن، حيث صادف ذلك إنشاء تلفزيون عدن عام 1964 ، فتقدمت لمعاينات خاصة بمذيعات ومقدمات برامج فيه، وأصبحت من أوائل اللاتي اجتزن امتحانات المعاينة وبدأت العمل في التلفزيون كمقدمة لبرنامج الأطفال، إلى جانب إستيعابها أيضاً في برامج إذاعية، فأضحت إحدى الاعلاميات الشهيرات في الجنوب اليمني، وقد أوضح لي الصديق نزار غانم بأن الجيل الذي ترعرع في زمنها ـ وهو ضمنه ـ ما يزال يذكرها باعتبارها (ماما عديلة)!.
عند هزيمة المستعمر وطرده من اليمن الجنوبي بانتصار ثورة الشعب، فقدت وظيفتها باعتبارها ضمن الكادر الاعلامي الذي تعاون مع االمستعمر، كما لوحق زوجها وتم الحكم عليه بالاعدام غيابياً حيث فر من البلاد وعاش وتوفى ببريطانيا، واضطرت عديلة هي أيضاً للخروج من عدن إلى بريطانيا لتعمل بإذاعة البي بي سي لفترة وفيه اشتهرت بتقديم برنامج (التجارة والصناعة) وبعدها هاجرت للسويد التي ما تزال تعيش فيها.
خلال محادثتي الهاتفية معها، أسرت لي عديلة بأنها حرصت على معاودة الاتصال الهاتفي معي بعد أن علمت بأني سوداني، حيث ما تزال نفسها تهفو لبلد طالما عشقته واعتبرته وطنها التوأم لبلدها اليمن، كانت تمني النفس بتسجيل زيارة أخرى للسودان، وعندما شجعتها بأن تعتبر ذلك بمثابة دعوة شخصية مني لها، شكرتني موضحة أن طبيبها ولسبب مرض الضغط العالي الذي ألم بها وهي الآن في عمر السابعة والثمانين، فقد نصحها بعدم السفر بالطائرة لأكثر من ساعتين!، مشيرة إلى أنها لم تلتقي بأي سوداني منذ مغادرتها السودان بعد أن أكملت دراستها فيه، إلا فيما بعد حينما عملت بهيئة الاذاعة البريطانية، فتعرفت خلال عملها هناك على كل من الطيب صالح ومحمد خير البدوي وزوجته التي كانت تعرفها منذ أيام الدراسة بالسودان.، وأضافت أنها زارت السودان بعد مغادرتها له لمرة واحدة جددت فيها ذكرياتها وعلاقات الصداقة التي ربطتها مع عدد من صديقات وزميلات الدراسة بكلية المعلمات بأم درمان، وقالت أنها كانت تربطها علاقات حميمة ببعض الأسر السودانية، حيث كانت تقضي فترة نهاية الأسبوع معهم ثم تعود للداخلية مساء الجمعة، مشيرة إلى أن من بين هذه الأسر كل من أسرة معلمتها (سقط الاسم عنها ولم تستطع تذكره ولكنها من آلـ المليك، ثم ولاحقاً علمت أن من درست معهن عديدات من أسر أم درمانية عريقة والمعنية هي الأستاذة الراحلة علوية أبو بكر المليك) مشيرة أيضاً إلى أن ابنة آلـ بدري (آسيا مالك) كانت زميلتها في كلية المعلمات، ثم أسرة الشاعر صلاح أحمد محمد صالح والذي ارتبطت بصداقة حميمة جمعتها بشقيقاته بمنزلهن الكائن في أم درمان بحي الشهداء، إذن كانت هذه هي الظروف التي التقت وتعرفت فيها بصلاح!.
ثم تمضي عديلة موضحة لي أن اسمها بالكامل هو ( عديلة علي غالب بيومي) وهي من مواليد 3 يونيو 1934 في الشيخ عثمان بعدن، وأن أمها هي الست (لولا حيدر) وشقيقتها نور حيدر التربوية الأولى في عدن، وقد استمدت اسمها من اسم زوجها الوزير الراحل (حسين بيومي) الذي توفى ببريطانيا وترك لها ابن هو (أيمن) الذي يعيش معها بمنطقة (oreblo) شمال السويد، تزوجت عديلة فيما بعد من سويدي الجنسية ولكنها لم تنجب منه، ولا تزال عديلة تحفظ مقاطع من الأغنيات التي كتبها فيها الشاعر صلاح ـ كما أهل بيتها وصديقاتها المقربات أيضاً ـ سيما أغنية (يا عديلة) و (وداعاً يا غرامي) للفنان عثمان حسين الذي سألتني عنه مباشرة وتأثرت جداً حينما علمت برحيله!، وعن ارتباطها العاطفي بالشاعر صلاح تقول أنه زار اليمن خصيصاً والتقى بوالدتها من أجل إقناعها برغبته الصادقة في الارتباط بإبنتها، إلا أن الظروف القبلية بالنسبة لليمنيين، حالت دون ذلك حيث تحفظت والدتها، فعاد مكسور الخاطر وهي الظروف التي كتب فيها لها أغنية (وداعاً يا غرامي)!، وقالت عديلة أنها لم تلتقي به إلا في فترات متقطعة عندما كان يزور بريطانيا.
أطال الله من عمرك يا عديلة عدن ورحم الله صلاحاً وعثمان حسين وأحمد المصطفى وسيد خليفة وصديقنا الصحفي المثابر معاوية جمال الدين.
ـــــــــــــــــ
* فصل ضمن "ملهمات ـ الجزء الثاني " يصدر قريباً
ﻭﺩﺍﻋﺎ ﻳﺎ ﻏﺮﺍﻣﻲ
ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺻﻼﺡ أحمد محمد صالح
ﺍﻟﺤﺎﻥ ﻭﻏﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺣﺴﻴﻦ
***
ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﺃﺳﻜﺒﻲ ﺩﻣﻊ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ
ﻟﻮ ﻳﻔﻴﺪ ﺍﻟﺪﻣﻊ ﺃﻭ ﻳﺠﺪﻱ ﺍﻷﻧﻴﻦ
ﺭﺍﺣﻮ ﻋﻨﻚ ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﻭﺍﻧﻄﻮﻯ
ﻋﻬﺪ ﺣﺒﻲ والأماني ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ
ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ أﺑﻜﻲ ﺩماً ﺷﻮﻗﺎً ﻟﻬﻢ
ﻭﺍﺫﻛﺮﻱ أﻥ ﻫﻨﺎي ﻋﻨﺪﻫﻢ
ﻭﺍﻧﺪﺑﻴﻬﻢ ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ إﻧﻬﻢ ﺳﻌﺪ ﻋﻤﺮﻱ
ﻭﺣﻴﺎﺗﻲ ﺩﻭﻧﻬﻢ ﻛﻔﺆﺍﺩ ﺍلعاشق ﺍﻟﺪﺍﻣﻲ
ﺍﻟﺤﺰﻳﻦ
ﻭﺍﺫﻛﺮﻳﻬﻢ ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ إﻧﻨﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ
ﺿﺎﻉ ﻋﻤﺮﻱ ﻭﺣﻴﺎﺗﻲ ﺩﻭﻧﻬﻢ
ﻛﻔﺆﺍﺩ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﺍﻟﺪﺍﻣﻲ ﺍﻟﺤﺰﻳﻦ
ﻃﺎﻝ ﻟﻴﻠﻲ ﻭلأﺯﺍﻫﻴﺮ ﻧﻴﺎﻡ
ﻭﻧﺴﻴﻢ ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻗﺪ ﺳﺎﺩ الأﻧﺎﻡ
ﻭﻋﻴﻮﻧﻲ ﻟﻢ ﺗﺰﻝ ﺗﻬﻔﻮ ﻟﻬﻢ
ﺗﻨﺪﺏ ﺍﻟﺪﻫﺮ ﺍﻟﺬﻱ أﺑﻌﺪﻫﻢ
ﻓﻬﻲ ﺗﺪﺭﻱ إﻧﻨﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ
ﺿﺎﻉ ﻋﻤﺮﻱ ﺑﻴﻦ أﻧﺎﺕ ﻭﻫﻢ
ﻭﺍﺻﻄﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﻨﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ
ﺍﻟﺤﺒﺎﻳﺐ ﻳﻮﻡ ﻓﺮﺍﻗﻬﻢ ﻭﻋﺪﻭﺍ
أﻧﻬﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻧﺄﻭ ﻭﺍﺑﺘﻌﺪﻭﺍ
ﻳﺤﻔﻈﻮ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﻳﺮﻋﻮﺍ ﻭﺩﻫﻢ
ﻓﺎﺻﺒﺮﻱ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻮﻧﻮﺍ ﻋﻬﺪﻫﻢ
ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ أﺧﻠﻔﻮﺍ ﻓﻲ ﻭﻋﺪﻫﻢ
ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺑﻌﺪ الأﻣﺎﻧﻲ ﺣﺒﻬﻢ
ﻓﺎﻧﺪﺑﻲ ﻭﺍﺑﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ
hassangizuli85@gmail.com