(أسرار الحياة الغامضة) .. (القاهرية) تُثير الجدل و(الجزائرية) تبدأ في التوهج

 


 

 

على مدار شهر كامل، ومنذ أنّ أطلت الطبعة القاهرية من كتابي (أسرار الحياة الغامضة) برأسها في معرض القاهرة الدولي للكتاب المنقضية فعالياته مطلع الشهر الفائت، والكتاب يثير الجدل. واخيرا وبعد ان حطّ الكتاب بدفتيه المُحلقتين في الجزائر وجدتُ ان الإقبال عليه كبيرا، وبدأت الطبعة الجزائرية تتوهج.

إثارة الجدل أمر يبحث عنه البعض، من اجل تحقيق مكسب الشهرة او الإنتشار، وربما مآرب أخرى. ولست من هُواة الشهرة التي تنتهي عند حد الشهرة أي الشهرة لمجرد الشهرة.
ولكن بالطبع يُسعدني أن ينال كتابي حظا من الشُهرة، رغبة في أن يستفيد القُرّاء.
لكن في الحقيقة، إن هذا الجدل الدائر يرجع إلى عدة امور؛ على رأسها الظهور المفاجيء للمؤلف والمؤلَف. فلم يقم المؤلف (صاحب هذه الكلمات) بأية دعاية عن الكتاب. وأعترف أن ذلك كان مجازفة، ولكنها محسوبة.

ومما يستحق الإنضواء تحت (خانة) أسباب الجدل، هو فحوى الكِتاب والذي أعترف أنه أقام الدنيا ولن يُقعدها مرة أخرى. فالكتاب يصطدم بعددٍ كبيرٍ مما كان يُظن أنه حقائق ومُسلّمات. كالحياة في البرزخ والتي نفيتها عن كل الموتى باستثناء الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، فهولاء استثناهم القرآن الكريم من قاعدة الموت، فقال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ) {البقرة:154}.
ولذا وبعد البحث والتدقيق لسنوات توصلت إلى أنّ البرزخ موتٌ فقط ينقسم إلى نوم ويقظة. وهذا ثابت في النصوص النبوية الصحيحة. ولم يستطع انكاره بعض العلماء الذين تناقشت معهم.
ومما أثار دهشة علماء النفس أنني خصصت فصلا كاملا من الكتابوللحديث عن الوعي، ناهيك عن كثيرا من الحديث عن الوعي في باقي فصول وأبواب ومباحث الكتاب.

وفي هذا الإطار نفيتُ وجود شيء اسمه (اللاوعي) ووضعت تصورا جديدا للوعي يؤكد أنه لا يغيب عن الإنسان سواء في يقظة او نوم وسواء في حياة او في موت. وبهذا يصطدم الكتاب مع علم النفس الذي يدرس اللاوعي باعتبار انه يغطي الجزء الاكبر من حياة الإنسان، وينفي وجود الوعي في الموت والنوم والغيبوبة والسكر والجنون.
التصور الجديد الذي وضعته يقول بأن الإنسان يتنقل بين أنواع مختلفة من الوعي. وأن ما يظنه البعض لاوعي هو في حقيقته وعي من نوع آخر. مقسِّما التاريخ الإنساني إلى حياتين وميتتين كلها تشمل وعيا. وقد استندت في هذا التقسيم إلى القرآن والسُنَّة والعلم الحديث.

على سبيل المثال، فالسكران لا يُعد فاقدا للوعي بل إنه انتقل الى وعي آخر، يمر به كل من دخل في نوبة من السُكر. والامر نفسه بالنسبة للمس الشيطاني الذي هو في حقيقته نوع من الصراع على الوعي. إذ يُحاول الشيطان السيطرة على وعي الإنسان في مقابل رفض الممسوس الانضياع له، ومن هنا يحدث الصراع.

وهنا أود أن ألفت الإنتباه إلى أنّ الإنسانَ الذي يُعاني من المّس الشيطاني يرى الشياطين ويسمعهم ويصارعهم جسديا، وفي نفس الوقت يرى محيطنا البشري. ولكن يكون وعيه أعلى هناك مع الشياطين لأنهم بمثابة عدو له لم يعتد على رؤيتهم ولا يريد ان يترك نفسه لهم ليصرعونه ويسيطروا عليه، لذا يُحاول العودة من هناك بكل ما يمتلك من قوة نفسية وعقلية.

وأشير هنا أيضا إلى أنّ المجنون يعيش نوعا خاصا من الوعي وأنّ المرضى من هذا النوع متفاتون في درجات الوعي مثَلهم كمثلنا تماما. وأما النظرة التي ينظر بها المجتمع كثيرا إلى طبيب الامراض النفسية والعصبية على أنه مريض ويعاني ويحتاج إلى زيارة طبيب نفسي آخر، فقد فسرت ذلك في كتابي كالتالي: فدور الطبيب هو الوصول للتشخيص الصحيح والدقيق للحالة وهذا يتطلب منه الدخول او على الاقل الاقتراب أكثر من وعي الجنون ومن درجة وعي المجنون الذي امامه، وهذا يجعل الطبيب يتقمص او يحاول تقمص وعي مقارب لوعيه. ولان الطبيب يتعامل مع عدد كبير من الحالات، وكل منها لها درجة مختلفة من الوعي فإن ذلك يعني تقمصه لعدد كبير من درجات وعي الجنون، وهذا الامر بالطبع يؤثر على وعيه السليم كطبيب.

الكتاب مليء بالمعلومات المتعلقة بالوعي. وقد قدّمت عددا كبيرا من الادلة التي تؤيد ما ذهبت إليه من نفي وجود (اللاوعي). كما وضعت اسبابا تقف أمام وضع مقياس موحد لجميع أنواع الوعي.

أحمد يحيى زُقلي
إعلامي مصري بالكويت

ahmedyahya962@gmail.com

 

آراء