محمد خليل كارا: حفلة لوردي و(الجمهور) طفل واحد!
د.عبد الله علي ابراهيم
20 March, 2023
20 March, 2023
في ذكرى رحيل محمد وردي، 18 فبراير، شوفو العجمي دا بسوي في العربية حلات سواة
لم تجد نفعاً كل حكايات الرعب التي أفرغتها أمي في أذني عن الجن و"الاركبي" و"الامن دالا" (اظنهما الغول والعنقاء) التي تتربص بالأطفال وهي تحاول ان تثنيني من الخروج الى اللعب ذات نهار قائظ يفلق الحجر حره. فما ان طرق أذني صوت عربة تقترب حتى انتفضت من بين أحضانها وانطلقت حافي القدمين. كالعادة إذ لم نك آوانذاك قد عرفنا ترف التحذي بحذاء حتى لو كان من نوع البلبل. ومرقت كالسهم متجاهلاً صرخاتها ووعيدها .
وقفت على مصطبة منزلنا أرنو جنوبًا استطلع امر العربة. وتهيأت للانطلاق إلى (مكمن الشعبطة) المعتاد في المنحنى الرملي. لكن الدم تجمد في عروقي وتسمرت قدماي حتى أنني عجزت عن الانسحاب الى داخل المنزل.
ما هذا الشيء العجيب الذي يقترب مني؟
ترى هل هو القطر الذي نسمع عنه؟ أم ان ما حذرتني منه أمي قد استحال حقيقة؟ هل هو "الامن دالا" ام "الاركبي"؟ أم أن جنًا يتأهب لاختطافي؟
وتيرة الهواجس ترتفع. والشيء العجيب يزداد اقترابًا. معالمه الآن واضحة امامي: صندوق كبير من الحديد يسير على عجلات أربع. الشكل أقرب إلى اللوري لكنه صغير جداً بالمقارنة وليس به زوايا ولا "تنده".
اتراه "لورنكتي" ؟ ولكن هل تلد اللواري مثلما يخرج "الكجنكتي" من بطن الأتان؟
لماذا يسير هذا الشيء في اتجاهي مباشرة؟ من أسأل؟ وماذا افعل؟
واستجمعت كل قواي لاطلق صرخة استنجاد ولكنها علقت في حلقومي. وقف الصندوق المتحرك قبالتي تماماً. انفتح بابان وخرج منهما ثلاثة من البشر. أحدهم من كان خلف المقود. أحد الاثنين الآخرين مربوع القامة يميل لون بشرته إلى السمرة. والآخر أطول منه أبيض اللون و"أقيف “فوق أنه غارق في جلابية ناصعة البياض نظيفة، ويعتمر عمامة "ملفوفة "بإتقان يوازي"حرفنة" ناظر المدرسة شرف الدين محمد شريف.
استعادت نفسي هدوء نسبياً عندما وجدت ثلاثتهم يتحدثون مثلنا قبل أن يقترب من المصطبة التي أقف عليها "الأبيضاني " الفارع ، حاملاً شيئاً يشبه طنبور علي بخيتة وإن كان أكبر حجماً. وبلا مقدمات بدأ في عزف منفرد قبل أن يطلق العنان لحنجرته وينخرط في الغناء بصوت عال أمامي انا وحدي فضلا عن صاحبيه.
غير أني لم أعر كل هذا اهتماماً إذ كنت منشغلاً بهذا الصندوق الكبير الرابض على العجلات الأربع ورحت اتحسسها بفضول وحذر شديدين.
وما هي الا دقائق حتى امتلأ المكان بأهل الحلة والحلال المجاورة. وغصت الفسحة الرحبة الممتدة أمام منزلنا بالناس من كل الأعمار وانخرطوا جميعاً في الترديد وراء الصوت الشجي:
تافافينا اوناتوني
الى فامينكنقون ول
تافافينا اوناتوني
تربرين ولدمننودو
ويك تسى مونودو
كريق دوماقون نرن نابللكنقون
ارجيق كبجا فيجكوقون
تافافينا اوناتوني
سوكا ويركيتي انكلى
تاولوق مامى قر مللى
سياسنقا تانجوشا
مرجا مرجاك جيرللقون
نبن درك ادردينجا
وبالطبع لم ندر إلا لاحقاً إننا كنا في حضرة "جلالة" الفنان وردي.
وأنه كان يغني في أتون حملة انتخابية لصالح مرافقه مربوع القامة ، زوج اخته ، مرشح الحزب الشيوعي حسن عبد الماجد ضد محي الدين صابر مرشح الاتحادي الديمقراطي.
أما" الصندوق العجيب" فعرفنا لاحقاً أيضاً أنه نوع من العربات يسمى "اللاندروفر" وقد وطأت أرض قريتنا في ذلك اليوم لأول مرة .
اما سائق اللاندروفر أو الـ(لورنكتي) فقد كان عمنا سيد علي همد .
هذه اغنية، أو قل نشيداً، بالنوبية تتحدث عن أمان عريضة وبأن الهلال سيطل في آخر المطاف إن لم يكن اليوم فغداً. كما تتغنى بالأنفة التي يتمتع بها أهل النوبة حتى وإن كانوا فقراء.
umdarag1936@gmail.com
لم تجد نفعاً كل حكايات الرعب التي أفرغتها أمي في أذني عن الجن و"الاركبي" و"الامن دالا" (اظنهما الغول والعنقاء) التي تتربص بالأطفال وهي تحاول ان تثنيني من الخروج الى اللعب ذات نهار قائظ يفلق الحجر حره. فما ان طرق أذني صوت عربة تقترب حتى انتفضت من بين أحضانها وانطلقت حافي القدمين. كالعادة إذ لم نك آوانذاك قد عرفنا ترف التحذي بحذاء حتى لو كان من نوع البلبل. ومرقت كالسهم متجاهلاً صرخاتها ووعيدها .
وقفت على مصطبة منزلنا أرنو جنوبًا استطلع امر العربة. وتهيأت للانطلاق إلى (مكمن الشعبطة) المعتاد في المنحنى الرملي. لكن الدم تجمد في عروقي وتسمرت قدماي حتى أنني عجزت عن الانسحاب الى داخل المنزل.
ما هذا الشيء العجيب الذي يقترب مني؟
ترى هل هو القطر الذي نسمع عنه؟ أم ان ما حذرتني منه أمي قد استحال حقيقة؟ هل هو "الامن دالا" ام "الاركبي"؟ أم أن جنًا يتأهب لاختطافي؟
وتيرة الهواجس ترتفع. والشيء العجيب يزداد اقترابًا. معالمه الآن واضحة امامي: صندوق كبير من الحديد يسير على عجلات أربع. الشكل أقرب إلى اللوري لكنه صغير جداً بالمقارنة وليس به زوايا ولا "تنده".
اتراه "لورنكتي" ؟ ولكن هل تلد اللواري مثلما يخرج "الكجنكتي" من بطن الأتان؟
لماذا يسير هذا الشيء في اتجاهي مباشرة؟ من أسأل؟ وماذا افعل؟
واستجمعت كل قواي لاطلق صرخة استنجاد ولكنها علقت في حلقومي. وقف الصندوق المتحرك قبالتي تماماً. انفتح بابان وخرج منهما ثلاثة من البشر. أحدهم من كان خلف المقود. أحد الاثنين الآخرين مربوع القامة يميل لون بشرته إلى السمرة. والآخر أطول منه أبيض اللون و"أقيف “فوق أنه غارق في جلابية ناصعة البياض نظيفة، ويعتمر عمامة "ملفوفة "بإتقان يوازي"حرفنة" ناظر المدرسة شرف الدين محمد شريف.
استعادت نفسي هدوء نسبياً عندما وجدت ثلاثتهم يتحدثون مثلنا قبل أن يقترب من المصطبة التي أقف عليها "الأبيضاني " الفارع ، حاملاً شيئاً يشبه طنبور علي بخيتة وإن كان أكبر حجماً. وبلا مقدمات بدأ في عزف منفرد قبل أن يطلق العنان لحنجرته وينخرط في الغناء بصوت عال أمامي انا وحدي فضلا عن صاحبيه.
غير أني لم أعر كل هذا اهتماماً إذ كنت منشغلاً بهذا الصندوق الكبير الرابض على العجلات الأربع ورحت اتحسسها بفضول وحذر شديدين.
وما هي الا دقائق حتى امتلأ المكان بأهل الحلة والحلال المجاورة. وغصت الفسحة الرحبة الممتدة أمام منزلنا بالناس من كل الأعمار وانخرطوا جميعاً في الترديد وراء الصوت الشجي:
تافافينا اوناتوني
الى فامينكنقون ول
تافافينا اوناتوني
تربرين ولدمننودو
ويك تسى مونودو
كريق دوماقون نرن نابللكنقون
ارجيق كبجا فيجكوقون
تافافينا اوناتوني
سوكا ويركيتي انكلى
تاولوق مامى قر مللى
سياسنقا تانجوشا
مرجا مرجاك جيرللقون
نبن درك ادردينجا
وبالطبع لم ندر إلا لاحقاً إننا كنا في حضرة "جلالة" الفنان وردي.
وأنه كان يغني في أتون حملة انتخابية لصالح مرافقه مربوع القامة ، زوج اخته ، مرشح الحزب الشيوعي حسن عبد الماجد ضد محي الدين صابر مرشح الاتحادي الديمقراطي.
أما" الصندوق العجيب" فعرفنا لاحقاً أيضاً أنه نوع من العربات يسمى "اللاندروفر" وقد وطأت أرض قريتنا في ذلك اليوم لأول مرة .
اما سائق اللاندروفر أو الـ(لورنكتي) فقد كان عمنا سيد علي همد .
هذه اغنية، أو قل نشيداً، بالنوبية تتحدث عن أمان عريضة وبأن الهلال سيطل في آخر المطاف إن لم يكن اليوم فغداً. كما تتغنى بالأنفة التي يتمتع بها أهل النوبة حتى وإن كانوا فقراء.
umdarag1936@gmail.com