نقوش على قبر ام الجنرال عبدالباقى بكراوى
رائد مهندس محمد احمد ادريس
29 March, 2023
29 March, 2023
بسم الله الرحمن الرحيم
الي عمرو و مازن أبناء عبد الباقي بكراوي
الابناء و الاخوة الاعزاء عمرو و مازن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صُنت نفسي عما يُدنس نفسي منذ ليلة أمس الأول ,و جاهدت ألا أزرف دمعات على رحيل جدتكم عليها شبأآبيب الرحمة لسببين اذكرهما حالاً , اولهما ان رحيل الصالحون فيه إشارة خطر وإنذار وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (عَنْ مِرْدَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوْ التَّمْرِ لَا يُبَالِيهِمْ اللَّهُ بَالَةً" رواه البخارى كتاب الرقاق.
الأمر الثاني هو فقدان الأحبة وهذا دافع بالفطرة للحزن لا مناص منه.
ولقد كان لاهلكم في شمال السودان تقدير خاص للام خلده القران في قصة موسى عليه السلام واخيه هارون في قوله تعالى (٩٣ قَالَ یَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡیَتِی وَلَا بِرَأۡسِیۤۖ قال : ( يا ابن أم ) ترفق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه...وقد ذكر علماء اللغة ان مرد ذلك الى الحضارة النوبية التى كان فيها النسب امومى والله اعلم .
, وجدت أن من وأجبي أن أكتب إليكم و أتشاطر هذة الأفكار لأن أغلبها ربما سمعتم شذراً منه, لكن يقيني أنها ليست بذات التفاصيل الكاملة ولو أنكم عشتم قصة الوالد و أمه من بدايتها لربما كان شعوركم جد مختلف تجاه الحادثة. فلم أعرف إنسان أثقل على أهله ليؤدي واجبه مثل أبيكم هذا, غفر الله له , وعلاقته بالوالدة نسيج متشابك متشعب , تحكي كفاح الإنسان السوداني العاااادي الذي يريد أن يعيش حياته ببساطة و هدوء ملجوم بالقناعة ولو كان حد. لكنه محفوف ب( العزة و الكرامة و إباء الضيم , شماخة الأنف و الأنفة)وهذة الكلمات التي بين الأقواس هي كلام كبير ربما يحتاج الي شروح
و نقول و حواشي ومتون , ولا أُريد أن يغضب أباكم مني لكن أقولها بصدق , وبكل صراحة أن هذة الأقواس و إيمان والدكم بما هو داخلها هي مربط الفرس في سبب المعاناة التي تعيشها أُسرتكم الأن و ربما قبل ولادتكم. ولو كان بيدي أن أقطع بمقعد الجدة في جنات النعيم " والله حسبها " فما ذاك لا أظنه إلا بصبرها عليه و علي إختياراته الصعبة في القرارات لا أُطمئنكما إن قلت لكما أن هذة التركة ستتوارثونها من بعده و عبركم لأبنائكم و أحفادكم , كان الله لكما عوناً و نصيراً و بشركما بكل ما يسر ولكما أن تضعا أيضاً خطين أو هاي لايت بلغة زمنكما هذا , علي كلمة ((صبر)) لأنها كانت المعين الملازم لجدتكم في رحلة عمرها الصالحة ,منذ هجرة الأسرة من ديارها الأم في اوربي و رومي البكري , طالباً للرزق , تشارك رفيق عمرها جدكم الحسن . الذي كان كان يكافح و يعمل في هدوء وبساطة طلباً للرزق الحلال و التربية الصالحة محفوفاً بالجهد الذي أشرنا إليه , فأطعم أبناءه حلالا حتي لقي ربه مقبلاً غير مدبر , وكانت هي نعم الرفيق عليها من الله رحمه ,و إعانه علي نوائب الدهر تلك هي سيرة جدتكم و بعلها الراحلين ,ولا أزيد ولأن الظرف كان مشقة في الحياة وشظف العيش في سودان ذلك الوقت , إلا أنهما كانا مثالاً للصبر يضربه الناس في الثبات , لم يجعلهم ضيق اليد يحيدون عن أداء الأمانة و العفة و طيب المعشر وحسن الخلق و الدعوة لهما بين أهل بلدتهم , ولا ازكى من هذا يظهر إلا في نتاج غرسهم و هو إبنهم " والدكم " الذي أخذ بعض من تلك الجرعات بصورة مضافعة من التي وضعناها بين الأقواس. .
جسد نفسه مثلاً في قول الحق و لو على نفسه . وفي سير الصالحين .
(ماترك قول الحق لعمر من صاحب ). لكنه وفاء الوالد لحسن تربية الأب وتمام إحسان غرسه الحسن, ولعلكم تأخذون هذا الدرس عظة الي زمان قادم فتتصل سيرتكم بأجدادكم و سلفكم الصالح . لقد أضحت كلمات والدكم التي سارت بذكرها الركبان مثلاً لأجيال و شباب السودان القادم وهو يقف يتكيء على عصاه ليسجل مع رفاقه موقفاً لن ينساه التاريخ . لكنه كان يتوكأ على تجربة فريدة في قيادة الرجال " اكرر الرجال".. رضى الله عن والدكم كنا من الكلية الحربية نسمع أنه وداعة الله و بدر الدين أحمد حسن يقولون (بكراوي تسلم البطن اللي جابتك ) اليوم منعه الظرف المعلوم من إلقاء نظرة على وجهها للمرة الأخيرة وينزلها في اللحد بيده , و يسدد لها شئ من دينها عليه. ولقد نظرت و ما تمتع نظرك في اللحد حين تمكن المحفار . جاء ووجد البطن الجابته وارها الثرى الي غير رجعة ولعله يبقي برحمة الباقي على أمل أن يرافقها في الفردوس بإذن الله ..
التعزي بقصص والدكم و بطولاته في الحرب هي أقرب لملاحم الياذة و أشعار عنترة , لكن المدهش هو جراءته (و نشافته) فى إبدأ النصح يجعلك تستعجب من أي طينة هو , و الإجابة عندكم هي :
هذا هو نتاج مبارك لتك الشجرة المباركة التي شيعتموها في شعبان . و هذة أمانة أسال الله لكما أن تأخذاها بحقها ولا تجعلونها تتوقف عجلاتها عندكم مثل بابور النقل النهري الذي نقل جديكما الي أعالي بحر أبيض " كوستي و ما بعدها " فهذا النيل العظيم وأهله , أهل رسالة ودعوة وصدق , فهما لم يكونا يذهبان مثل مسيرة إبن دنقلا و لبب الأول المهدي بثورة في رحلته التحريرية تلك ,لكن رحلتهما و إن كانت لطلب الرزق إلا انها حملت أنفاس الدعوة والرسالة و هو ما جعل بذرتهم تنبت في إبنهم " الباقي" تقول العرب لكل إمرء يومان ,يومه هو ويوم أبناءه .ولعلي اذكر لكم قصة عمرها 32 عام , توضح لكم معدن الرجل ولها
إتصال بموقفه الحالي العام الخاص. .
نعود لقصة الجدة مع الصبر فهي قد رزقت من يحتاج إليها في كل عمره من الأبناء , ورزقت بمن أعدته ليوم الخيل الكاشفات , لكنه لم يكن قوي السنان صموت بل رفيع النجاد طويل العماد حاد الكلمة واللسان لا يمضغ الكلام ولا يداهن في قول الحق ولو كلفه أي ثمن برا بقسم أداه في العام 1991م في يوم التخرج وهو يسمع زغرودة أمه من مدرجات الإستاد أن يقوم بالواجب " حتي لو أدي هذا للمجازفه بحياتي ..." ويعجب المرء من التناقض عند لدات أبيكم و زملائه كيف لهم أن يقسموا بالتضحية بأنفسهم في أم لبوس , ثم يحجمون عند طلب النصيحة بالقول واللسان ! هذا التناقض لا تجداه عند أبوكما فالجدية في الأمر و الوفاء و البر للقسم و الكلام هي ما دفعه لأن تكون ترقيته من كل رتبة بعد حجة و محكمة و مكتب ولو كان من دار أخرى في بلاد السودان لقلت هو من طينة ( .... بقضي يومه خناق ), و عبد الباقي بيترقي بعد ان يثبت ذلك .
حكى لى عبدالباقى : ( أتذكر أول يوم لنا في سلاح المدرعات و كنا ضباط ملازمين حديثي التخرج , وقف أقدمنا الأخ عبد الباسط يرفع التمام أمام الطابية في الحوش الذي تعرفونه و شهد صباكم . و بعد أخذ إستراحة أشعل والدكم سيجاته على الملا دون إكتراث وكان وقتها التدخين في العلن من الموبقات المهلكات فكيف لملازم سنكوح بأسنان اللبن ! جاء على عجل عنصر من (إس) يطلبه لدخول مكتب ركن الإستخبارات فدلف ووجد العقيد سيد محمد خير 24 متعه الله بالصحة و المقدم وقتها الخال العزيز مبارك عبد الله بابكر 29 (المعروف بابو الجيش) , و عرضوا على والدكم الإنتساب الي شعبتهم فرفض بعنف وتلقائية وكانت كلمته واحدة ( أنا هنا في سلاح الفرسان لأقاتل وليس لقراءة او كتابة تقارير). عرضوا عليه بصبر ومنطق أن دوره سيكون أكبر من هذا وكان معه الصديق طارق عرابى , و غادرا مكتبهم بغير عودة , أكتب إلكم هذة القصة الآن من باب التذكير أن شاب في عمره وقتها دون ال22 و يعرضوا عليه سيارة وسلطة ومستقبل مضمون فيركله ببرود , ويختار القتال و التعب فهو بلا شك لزام الثقيلة و صاحب عزيمة نحسبها قوية وراسخة أخذها من أسلافكم , وأيضاً هو إنسان صاحب رؤية ورسالة و يعرف أين يضع قدمه و الي أين ستؤيده الأقدار نسأل الله أن يجعلنا و إياكم عند حسن ظنه .
أعود الي معين الصبر عند جدتكم وهي تكابد مشاق قرارات و إختيارات والدكم الذي ألزم نفسه بسياج حديدي مع الجرعات التي ذكرتها لكم في ( الأنفه ...الخ) وصارت تدفع جدتكم الثمن من صحتها و صبرها على هذة الحالة التي تلبس إبنها . الذي كانت تعده هي ليوم كيهة و سداد ثغر . لكن ليس بهذة الجراءة الزايدة .
وربما كان كلامي هذا هو رش للملح على الجرح لكنه الحقيقة المحضة التي لايحب السودانيين قولها مباشرة و دفعة واحدة, فيتزاورون حولها غير أن يقيني أن جدتكم قد أرضعت إبنها لبن طينة أخري .
أسد بيشه المكرمد قمزاته متطابقات
وبرضع في ضرايع العنّز الفاردات
فجاء قوله للحقيقة دفعاً واحداً مثل دانة المدفع 100ملم المركب علي ال55 ذات الستة و ثلاثون طنا التي ولدتم ونشأتم تحت ظلالها وفي كنفها و في حديث النبي صلى الله عليه وسلم(بعِثْتُ بالسيفِ بينَ يَدَيِ الساعةِ حتى يُعبَدَ اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، وجُعِلَ رِزْقي تحتَ ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذِّلةُ والصغارُ على مَن خالَفَ أمْري) .
و الحديث طويل وذو شجون أغلب شهوده يا أبنائي أحياء يرزقون ممن الممكن أن يحكي لكم الناس كثيراً خاصة رفقاء السلاح من الضباط والجنود الذين رافقوا زاملوا اباكم و تروهم يتحلقون حوله زرافات ووحدان كما يتحلق الفرسان حول عقيد الخيل .
الخيل عركسن ما قال عدادهن كم
فرتاق حافلن ملاي سروجهن دم
, ولعلكم لاحظتم أنه وهو في وضع صحي معروف لديكم يأتي بعد ثلاثة أيام فلا يعجبه حال البلد و الجيش مائل و يلوز به رفاقه عند الملمات فور عودته من رحلة إستشفاء أفقدته جزءاً عزيزاً من جسده , فكان لجنوده مثل الشمس التي سطعت و أيقظت الطير من وكناتها و هو قيد الأوابد هيكل , فعلاً كأنه هيكل يستندون إليه فلا يخذلهم بل ويتقدم بهم الصفوف بساق واحدة . يقدمونه كقائد ليس لأنه أعظمهم لكن كما قال الشاعر لعمر بن الخطاب رضى الله عنه : ( ما آثروك بها إذ قدموك لها لكن لأنفسهم كانت بك الأثر) وكما قال امير الشعراء احمد شوقى :-
. لَكِن أَخو خَيلٍ حَمى صَهَواتِها وَأَدارَ مِن أَعرافِها الهَيجاءَ
الأُسدُ تَزأَرُ في الحَديدِ وَلَن تَرى في السِجنِ ضِرغاماً بَكى اِستِخذاءَ
الحديث طويل طويل في مصابكم الجلل هذا نقول أحسن الله عزائكم آل بكراوي اعملوا صالحاً و قليل من عبادي الشكور
عمكم محمد أحمد
ganaboo@gmail.com
///////////////////////
الي عمرو و مازن أبناء عبد الباقي بكراوي
الابناء و الاخوة الاعزاء عمرو و مازن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صُنت نفسي عما يُدنس نفسي منذ ليلة أمس الأول ,و جاهدت ألا أزرف دمعات على رحيل جدتكم عليها شبأآبيب الرحمة لسببين اذكرهما حالاً , اولهما ان رحيل الصالحون فيه إشارة خطر وإنذار وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (عَنْ مِرْدَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوْ التَّمْرِ لَا يُبَالِيهِمْ اللَّهُ بَالَةً" رواه البخارى كتاب الرقاق.
الأمر الثاني هو فقدان الأحبة وهذا دافع بالفطرة للحزن لا مناص منه.
ولقد كان لاهلكم في شمال السودان تقدير خاص للام خلده القران في قصة موسى عليه السلام واخيه هارون في قوله تعالى (٩٣ قَالَ یَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡیَتِی وَلَا بِرَأۡسِیۤۖ قال : ( يا ابن أم ) ترفق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه...وقد ذكر علماء اللغة ان مرد ذلك الى الحضارة النوبية التى كان فيها النسب امومى والله اعلم .
, وجدت أن من وأجبي أن أكتب إليكم و أتشاطر هذة الأفكار لأن أغلبها ربما سمعتم شذراً منه, لكن يقيني أنها ليست بذات التفاصيل الكاملة ولو أنكم عشتم قصة الوالد و أمه من بدايتها لربما كان شعوركم جد مختلف تجاه الحادثة. فلم أعرف إنسان أثقل على أهله ليؤدي واجبه مثل أبيكم هذا, غفر الله له , وعلاقته بالوالدة نسيج متشابك متشعب , تحكي كفاح الإنسان السوداني العاااادي الذي يريد أن يعيش حياته ببساطة و هدوء ملجوم بالقناعة ولو كان حد. لكنه محفوف ب( العزة و الكرامة و إباء الضيم , شماخة الأنف و الأنفة)وهذة الكلمات التي بين الأقواس هي كلام كبير ربما يحتاج الي شروح
و نقول و حواشي ومتون , ولا أُريد أن يغضب أباكم مني لكن أقولها بصدق , وبكل صراحة أن هذة الأقواس و إيمان والدكم بما هو داخلها هي مربط الفرس في سبب المعاناة التي تعيشها أُسرتكم الأن و ربما قبل ولادتكم. ولو كان بيدي أن أقطع بمقعد الجدة في جنات النعيم " والله حسبها " فما ذاك لا أظنه إلا بصبرها عليه و علي إختياراته الصعبة في القرارات لا أُطمئنكما إن قلت لكما أن هذة التركة ستتوارثونها من بعده و عبركم لأبنائكم و أحفادكم , كان الله لكما عوناً و نصيراً و بشركما بكل ما يسر ولكما أن تضعا أيضاً خطين أو هاي لايت بلغة زمنكما هذا , علي كلمة ((صبر)) لأنها كانت المعين الملازم لجدتكم في رحلة عمرها الصالحة ,منذ هجرة الأسرة من ديارها الأم في اوربي و رومي البكري , طالباً للرزق , تشارك رفيق عمرها جدكم الحسن . الذي كان كان يكافح و يعمل في هدوء وبساطة طلباً للرزق الحلال و التربية الصالحة محفوفاً بالجهد الذي أشرنا إليه , فأطعم أبناءه حلالا حتي لقي ربه مقبلاً غير مدبر , وكانت هي نعم الرفيق عليها من الله رحمه ,و إعانه علي نوائب الدهر تلك هي سيرة جدتكم و بعلها الراحلين ,ولا أزيد ولأن الظرف كان مشقة في الحياة وشظف العيش في سودان ذلك الوقت , إلا أنهما كانا مثالاً للصبر يضربه الناس في الثبات , لم يجعلهم ضيق اليد يحيدون عن أداء الأمانة و العفة و طيب المعشر وحسن الخلق و الدعوة لهما بين أهل بلدتهم , ولا ازكى من هذا يظهر إلا في نتاج غرسهم و هو إبنهم " والدكم " الذي أخذ بعض من تلك الجرعات بصورة مضافعة من التي وضعناها بين الأقواس. .
جسد نفسه مثلاً في قول الحق و لو على نفسه . وفي سير الصالحين .
(ماترك قول الحق لعمر من صاحب ). لكنه وفاء الوالد لحسن تربية الأب وتمام إحسان غرسه الحسن, ولعلكم تأخذون هذا الدرس عظة الي زمان قادم فتتصل سيرتكم بأجدادكم و سلفكم الصالح . لقد أضحت كلمات والدكم التي سارت بذكرها الركبان مثلاً لأجيال و شباب السودان القادم وهو يقف يتكيء على عصاه ليسجل مع رفاقه موقفاً لن ينساه التاريخ . لكنه كان يتوكأ على تجربة فريدة في قيادة الرجال " اكرر الرجال".. رضى الله عن والدكم كنا من الكلية الحربية نسمع أنه وداعة الله و بدر الدين أحمد حسن يقولون (بكراوي تسلم البطن اللي جابتك ) اليوم منعه الظرف المعلوم من إلقاء نظرة على وجهها للمرة الأخيرة وينزلها في اللحد بيده , و يسدد لها شئ من دينها عليه. ولقد نظرت و ما تمتع نظرك في اللحد حين تمكن المحفار . جاء ووجد البطن الجابته وارها الثرى الي غير رجعة ولعله يبقي برحمة الباقي على أمل أن يرافقها في الفردوس بإذن الله ..
التعزي بقصص والدكم و بطولاته في الحرب هي أقرب لملاحم الياذة و أشعار عنترة , لكن المدهش هو جراءته (و نشافته) فى إبدأ النصح يجعلك تستعجب من أي طينة هو , و الإجابة عندكم هي :
هذا هو نتاج مبارك لتك الشجرة المباركة التي شيعتموها في شعبان . و هذة أمانة أسال الله لكما أن تأخذاها بحقها ولا تجعلونها تتوقف عجلاتها عندكم مثل بابور النقل النهري الذي نقل جديكما الي أعالي بحر أبيض " كوستي و ما بعدها " فهذا النيل العظيم وأهله , أهل رسالة ودعوة وصدق , فهما لم يكونا يذهبان مثل مسيرة إبن دنقلا و لبب الأول المهدي بثورة في رحلته التحريرية تلك ,لكن رحلتهما و إن كانت لطلب الرزق إلا انها حملت أنفاس الدعوة والرسالة و هو ما جعل بذرتهم تنبت في إبنهم " الباقي" تقول العرب لكل إمرء يومان ,يومه هو ويوم أبناءه .ولعلي اذكر لكم قصة عمرها 32 عام , توضح لكم معدن الرجل ولها
إتصال بموقفه الحالي العام الخاص. .
نعود لقصة الجدة مع الصبر فهي قد رزقت من يحتاج إليها في كل عمره من الأبناء , ورزقت بمن أعدته ليوم الخيل الكاشفات , لكنه لم يكن قوي السنان صموت بل رفيع النجاد طويل العماد حاد الكلمة واللسان لا يمضغ الكلام ولا يداهن في قول الحق ولو كلفه أي ثمن برا بقسم أداه في العام 1991م في يوم التخرج وهو يسمع زغرودة أمه من مدرجات الإستاد أن يقوم بالواجب " حتي لو أدي هذا للمجازفه بحياتي ..." ويعجب المرء من التناقض عند لدات أبيكم و زملائه كيف لهم أن يقسموا بالتضحية بأنفسهم في أم لبوس , ثم يحجمون عند طلب النصيحة بالقول واللسان ! هذا التناقض لا تجداه عند أبوكما فالجدية في الأمر و الوفاء و البر للقسم و الكلام هي ما دفعه لأن تكون ترقيته من كل رتبة بعد حجة و محكمة و مكتب ولو كان من دار أخرى في بلاد السودان لقلت هو من طينة ( .... بقضي يومه خناق ), و عبد الباقي بيترقي بعد ان يثبت ذلك .
حكى لى عبدالباقى : ( أتذكر أول يوم لنا في سلاح المدرعات و كنا ضباط ملازمين حديثي التخرج , وقف أقدمنا الأخ عبد الباسط يرفع التمام أمام الطابية في الحوش الذي تعرفونه و شهد صباكم . و بعد أخذ إستراحة أشعل والدكم سيجاته على الملا دون إكتراث وكان وقتها التدخين في العلن من الموبقات المهلكات فكيف لملازم سنكوح بأسنان اللبن ! جاء على عجل عنصر من (إس) يطلبه لدخول مكتب ركن الإستخبارات فدلف ووجد العقيد سيد محمد خير 24 متعه الله بالصحة و المقدم وقتها الخال العزيز مبارك عبد الله بابكر 29 (المعروف بابو الجيش) , و عرضوا على والدكم الإنتساب الي شعبتهم فرفض بعنف وتلقائية وكانت كلمته واحدة ( أنا هنا في سلاح الفرسان لأقاتل وليس لقراءة او كتابة تقارير). عرضوا عليه بصبر ومنطق أن دوره سيكون أكبر من هذا وكان معه الصديق طارق عرابى , و غادرا مكتبهم بغير عودة , أكتب إلكم هذة القصة الآن من باب التذكير أن شاب في عمره وقتها دون ال22 و يعرضوا عليه سيارة وسلطة ومستقبل مضمون فيركله ببرود , ويختار القتال و التعب فهو بلا شك لزام الثقيلة و صاحب عزيمة نحسبها قوية وراسخة أخذها من أسلافكم , وأيضاً هو إنسان صاحب رؤية ورسالة و يعرف أين يضع قدمه و الي أين ستؤيده الأقدار نسأل الله أن يجعلنا و إياكم عند حسن ظنه .
أعود الي معين الصبر عند جدتكم وهي تكابد مشاق قرارات و إختيارات والدكم الذي ألزم نفسه بسياج حديدي مع الجرعات التي ذكرتها لكم في ( الأنفه ...الخ) وصارت تدفع جدتكم الثمن من صحتها و صبرها على هذة الحالة التي تلبس إبنها . الذي كانت تعده هي ليوم كيهة و سداد ثغر . لكن ليس بهذة الجراءة الزايدة .
وربما كان كلامي هذا هو رش للملح على الجرح لكنه الحقيقة المحضة التي لايحب السودانيين قولها مباشرة و دفعة واحدة, فيتزاورون حولها غير أن يقيني أن جدتكم قد أرضعت إبنها لبن طينة أخري .
أسد بيشه المكرمد قمزاته متطابقات
وبرضع في ضرايع العنّز الفاردات
فجاء قوله للحقيقة دفعاً واحداً مثل دانة المدفع 100ملم المركب علي ال55 ذات الستة و ثلاثون طنا التي ولدتم ونشأتم تحت ظلالها وفي كنفها و في حديث النبي صلى الله عليه وسلم(بعِثْتُ بالسيفِ بينَ يَدَيِ الساعةِ حتى يُعبَدَ اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، وجُعِلَ رِزْقي تحتَ ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذِّلةُ والصغارُ على مَن خالَفَ أمْري) .
و الحديث طويل وذو شجون أغلب شهوده يا أبنائي أحياء يرزقون ممن الممكن أن يحكي لكم الناس كثيراً خاصة رفقاء السلاح من الضباط والجنود الذين رافقوا زاملوا اباكم و تروهم يتحلقون حوله زرافات ووحدان كما يتحلق الفرسان حول عقيد الخيل .
الخيل عركسن ما قال عدادهن كم
فرتاق حافلن ملاي سروجهن دم
, ولعلكم لاحظتم أنه وهو في وضع صحي معروف لديكم يأتي بعد ثلاثة أيام فلا يعجبه حال البلد و الجيش مائل و يلوز به رفاقه عند الملمات فور عودته من رحلة إستشفاء أفقدته جزءاً عزيزاً من جسده , فكان لجنوده مثل الشمس التي سطعت و أيقظت الطير من وكناتها و هو قيد الأوابد هيكل , فعلاً كأنه هيكل يستندون إليه فلا يخذلهم بل ويتقدم بهم الصفوف بساق واحدة . يقدمونه كقائد ليس لأنه أعظمهم لكن كما قال الشاعر لعمر بن الخطاب رضى الله عنه : ( ما آثروك بها إذ قدموك لها لكن لأنفسهم كانت بك الأثر) وكما قال امير الشعراء احمد شوقى :-
. لَكِن أَخو خَيلٍ حَمى صَهَواتِها وَأَدارَ مِن أَعرافِها الهَيجاءَ
الأُسدُ تَزأَرُ في الحَديدِ وَلَن تَرى في السِجنِ ضِرغاماً بَكى اِستِخذاءَ
الحديث طويل طويل في مصابكم الجلل هذا نقول أحسن الله عزائكم آل بكراوي اعملوا صالحاً و قليل من عبادي الشكور
عمكم محمد أحمد
ganaboo@gmail.com
///////////////////////