الحرب الثقافية في السودان وأوكرانيا

 


 

 

أن الحروب لم تأت فجأة بسب خلاف عابر بين دولتين، أو حتى داخل الدولة الواحدة، بل هي حروب تنشب من خلال تخطيط يحمل مضامين تريد القيادة التي خططت لها تحقيق أهداف من وراءها. و تصبح التساؤلات مشروعة؛ خاصة عندما تستهدف قوى عسكرية هوية البلد، و محو الذاكرة الشعبية فيها، الذاكرة التي تمثل الرموز و الإشارات الثقافية التي تشكل وجدان الشعب. و هناك علاقة وطيدة بين الذي يحصل في الحرب الأوكرانية الروسية، و الحرب الدائرة في السودان. و العلاقة يشكلها العقل المخطط للحرب في كلا البلدين، روسيا تعلن الحرب على أوكرانيا، و تقول أنها تريد أن تحمي حدودها من تمدد حلف الاطلنطي، ثم توطد روسيا علاقتها بدولة الأمارات. و في نفس الوقت يسافر محمد حمدان دقلو قائد مليشيا الدعم السريع إلي موسكو في زيارة لم يفصح عنها، و يقال أنه ذهب من أجل الحصول على طائرات مسيرة، السؤال ماذا تعمل مليشيا مساندة للقوات المسلحة بطائرات مسيرة؟، ثم يذهب بعد ذلك لزيارة لدولة الأمارات، و يمكث فيها ثمانية أيام دون أن يبين ما هو الهدف من الزيارة الطويلة. روسيا تشرك شركة فاغنر في العديد من النشاطات العسكرية في أفريقيا، و صاحب الشركة يفغيني بريغوزين يرتبط بعلاقة مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين منذ أن كان بوتين عمدة سان بطرسبرج، ثم تستعين روسيا بشركة فاغنر في حرب ليبيا، حيث توطدت أقدامها هناك.
عندما اندلعت الحرب بين الفصائل المتقاتلة في ليبيا من أجل السيطرة على السلطة فيها، دعمت فاغنر الجنرال حفتر بدعم عسكري و مالي و فرته دولة الأمارات، و في ذات الوقت طلبت الأمارات من مليشيا الدعم السريع إرسال قوات لليبيا بعد العلاقة التي طودت بين الامارات و السعودية مع مليشيا الدعم السريع في حرب اليمن، حيث أرسلت مليشيا الدعم السريع مقاتلين لليمن يقدر عددهم 15 الف مقاتل تحت سمع و بصر القوات المسلحة السودانية دون أن تخضع هذه العلاقة للفحص و التمحيص، كما تعمل المؤسسات العسكرية و أجهزة المخابرات في أي دولة محترمة تريد الحفاظ على سيادتها، و تحفظ حدودها من التدخلات الخارجية و في اليمن بدأت العلاقة تنمو بين مليشيا فاغنر و مليشيا الدعم السريع حيث جاءت فاغنر للسودان من خلال شركات استثمار في مجال التعدين، و خاصة الذهب، حيث استطاعت فاغنر تحت غطاء مليشيا الدعم أن تهرب عشرات الاطنان من الذهب للخارج دون أن تخضع للإجراءات الاقتصادية و المالية من قبل مؤسسات الدولة.
هذه العلاقة الوطيدة تؤكد دور شركة فاغنر في التخطيط للتخريب الثقافي في كل من أوكرانيا و السودان. حيث يعتبر العقل الذي يدير المعارك في كلا البلدين عقل واحد، و هذا العقل يستهدف المؤسسات الثقافية و التعليمية و كل ما يتعلق بثقافة البلد، يريد أن يمحو ذاكرة الشعب بكل متعلقاته الثقافية السابقة. حيث يقول الاكاديمي و الموسيقار الاوكراني ليونيد ماروشاك " أن روسيا في حربها ضد أوكرانيا تريد محو الهوية الوطنية لأوكرانيا لذلك هي تستهدف كل من ( الموسيقي و الأداب و الأفلام و الأثار) و قال "أن القوات العسكرية الروسية استهدفت المسارح و المتاحف و المواقع الأثرية الدينية في كييف ولييف" و في ذات الموضوع قالت الباحثة الأوكرانية فيكتوريا سادوفا " أن الروس و مقاتلي فاغنر استهدفوا في مدينتي سيفيرودونيتسك و ليسيتشانسك المتاحف التاريخية و الأثرية " هذه الاستهدافات تجدها قد تمت أيضا في الخرطوم حيث تم ضرب متحف الخرطوم و نهب محتوياته و تم حرق مكتبة محمد عمر بشير في الجامعة الأهلية، و هي المكتبة التي كانت تحتوي على مراجع و بحوث تتعلق بتاريخ السودان المعاصر، و خاصة تاريخ الحركة الوطنية قبل الاستقلال و بعده، و أيضا تم حرق جامعة الاحفاد و هي تعد أحدى الجامعات التي لعبت دورا كبيرا في تاريخ المرأة السودانية في مرحل التعليم المختلفة، إلي جانب أنها تعد أحد المراجع الأساسية لتاريخ عملية الحداثة في جانب الجندر، و أيضا حرق العدد من مكتبات البلاد في مؤسسات مختلفة و العديد من الرموز و الإشارات الثقافية في العاصمة. حيث يقول البروفيسور معتصم أحمد الحاج مدير جامعة أم درمان الأهلية " أن حرق مكتبة مركز محمد عمر بشير كان عملا ممنهجا دافعه الأساسي محو ذاكرة السودانيين. و يؤكد بروف الحاج " أن المقتنيات التاريخية التي ضاعت لا تقدر بثمن، و لا يوجد أرشيف أو نسخ بديلة لتلك المؤلفات النادرة" و تصبح هناك علاقة وطيدة جدا بين العقلية التي تدير الحرب في كل من أوكرانيا و السودان، عقلية تريد محو الذاكرة الشعبية، و ما يتعلق بثقافتها و تاريخها المعاصر. فالسودان يتعرض لأكبر تحدي في وجوده كثقافة و ذاكرة تاريخية.
أن الحرب الدائرة الآن في السودان ليست صراعا من أجل السلطة، تبدأ و تنتهي في حدود السيطرة على السلطة، و لكنها حرب وجود لشعب واحد يعيش في مساحة واحدة، و يراد من الحرب تقسيم البلاد لمصالح دول خارجية طامعة في الثروات البلاد، و تستخدم عناصر داخلية تباع و تشترى في سوق النخاس لمن يدفع أكثر. أن حالة الخلاف و الاستقطاب الحادة الدائرة بين المكونات السياسية تؤكد أن الأيادي الخارجية استطاعت أن تحدث أختراقا كبيرا في المجتمع السوداني، و أن تفرق لحمته، و تمزق نسيجه بسبب الرغبات الشخصية و حب المال، حتى إذا أدى إلي تمزيق البلاد. أن الثوار الذين دفعوا ضريبة كبيرة و غالية من أجل الوطن وحدهم القادرين على كشف هذه المؤامرة و فضح المشاركين فيها. و نسأل الله أن يحفظ البلاد و شعبها، و نسأله حسن البصير.

zainsalih@hotmail.com
/////////////////////////

 

آراء