تويتة وعفريت (دقلوقراطية البلابسة) (3/4)
منعم عمر
17 June, 2023
17 June, 2023
أصدقاء المقال -كمراجع وحق أدبي ومقتطفات وليس بالضرورة اتفاق رؤى- عمرو صالح يس/ د. الواثق كمير/ د. محمد جلال/ رشا عوض/ د. بكري الجاك/ د. عبد الله علي إبراهيم/ فيصل محمّد صالح/ حمّور زيادة/ عزّت الماهري وربّما آخرين لهم التحية والتقدير
من المعلوم -لكنه بات مضجراً ذكره- أنّ (الكيزان) هم من أنشأ المليشيات في سياق مشروع الدولة الموازية المملوكة للتنظيم؛ وأنّ (الجيش) الذي يقوده (الكيزان) هو الذي تولى تسليحها وتدريبها، فطفقت ترتكب المجازر البشعة والاغتصابات وحرق القرى و -الآن المدن والأسواق- في دارفور والخرطوم؛ ورغم كل ذلك يتّهم (الكيزان) دون حياء أنصار "لا للحرب" بالتواطؤ مع مليشيا (الجنجويد)! وكأنّ هذي المليشيا خرجت من دار حزب أو "صلب" مقال أو "حيل" قصيدة (يبدو أن هذا هو ما يرعبهم، فعلاً)! عجبي! يُدان مفكّك الألغام ويُبرأ زارعها.
(الكيزان) زيّنوا لـــــ(حميدتي) أن يغرّد على تويتر مخاطباً الغرب بالإنجليزية "أنه يحارب نيابة عنهم المتطرفين" -كما فعل مع الأوربيين في عملية الخرطوم ( Khartoum Process) محارباً الهجرة- داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل ضد (البرهان)، مقدماً نفسه حامياً للديمقراطية.. والحقيقة أنه آلة عنف (الكيزان) يبطش لهم ويرتكب الجرائم باسمهم .. ففكرة "عفريت (الكيزان)" فكرة عفريتة أتى بها (الكيزان) العفاريت، ليستجدوا بها دعم المجتمع الدولي، واستلفوها من قوى الحرية والتغيير، التي بنت روايتها -بحق- على مواجهة فلول (الكيزان)، ولكنها لا تستطيع أن تنفيها عندما يستعملها "البعاتي" ذات نفسه! فتلقّفها أيضاً (حميدتي) من مستشارين بعضهم خونة وبعضهم أغبياء في محاولة لغفران مجزرة فضّ الاعتصام، ومشاركته في انقلاب 25 أكتوبر. فليُصّدق من يُصدّق "أنّ قائد مليشيا (الجنجويد) الملطّخة أيديه بالدماء والمطلوب للعدالة الدولية (Soon OR Later )، والذي لم يعرف يوماً العمل السياسي التنافسي، أصبح بين عشية وضحاها داعيةً ديمقراطية، وحريصاً على تسليم السلطة للمدنيين؟!
كما زيّن (الكيزان) ومستشارو (الجنجويد) وكفلائه لــــ(حميدتي) تحت راية هذه الشعارات البرّاقة أن يسيطر على السلطة كاملة بانقلاب عسكري خاطف، وخطّطوا له حتى ( الخطة ب Plan B)، إن لم يتمكن من السيطرة على كل المواقع، فلا بأس ببعضها، قبل أن يفيق (الجيش) ويبدأ هجوماً مضادّاً والذي إن حدث سيكون تحت سيطرتهم إلى حدٍّ كبير.. و(عفريت الإسلاميين) سيكون في جرّته أو في قمقمه قرب الخطة "ب “ ليتردّد الغرب في مساندة (الجيش) إن لم يساند (حميدتي)؛ فانطلق سُعار الأصوار قنوات ومواقع وصفحات تواصل اجتماعي محذّرة من عودة (الكيزان)، بزعم أنهم يشاركون فعلياً في العمليات العسكرية الحالية.. وعندها يُظهرون دعمهم للجيش في معارك مفتعلة ضحيتها أغبياء أو أبرياء -لا فرق- مئات أو آلاف -لا فرق-، لأنّهم سلفاً يعلمون أن الوطنيين سيكونون مبدئيين بأثيرتهم "لا للحرب"، وستراه العامة موقفاً ضعيفاً، وبعضهم سيرونه تحالفاً مع (حميدتي)؛ وعندها يهتبل (الكيزان) الفرصة الثمينة وينقضّوا على الحرية والتغيير والاتفاق الإطار كسبب لاشتعال الحرب ويسوّقونها على أنّها حرب "قحت" لفرض رؤية المرحلة الانتقالية والانفراد بحكم السودان بدون انتخابات!
لا نعرف على أيٍّ من شرور البليّة نضحك، هل على وصف (البرهان) للحرب على أنّها عبثية، أم قول (حميدتي) "لم تكن لي مشكلة مع (البرهان) قبل الاتفاق الإطاري الذي رفضه" والذي وقّعاه سويّاً.. مما زاد الطين بلّة، وأعوز قوام الطبخ إلى مزيد من السبك، حتى لا يظهر أن الانقلاب الحقيقي قد دبّره قائد (الدعم السريع) بهدف قبض القائد العام للجيش واستلام السلطة؛ ربّما كما يقول الواثق كمير "بعِلمِ بعض السياسيين، ومُباركة قوى اقليمية ودولية"؛ وربّما ذلك هو الخروج عن نصّ مسرحية "الثلاثي المرح"، بمسرحية موازية -لدى بعض العالمين ببواطن الأمور- أنّ هناك خطّة تهدف إلى اخضاع (الجيش) لقيادة وسيطرة قوات (الدعم السريع)، وتغيير الأوضاع السياسية في البلاد؛ مما يغلّب أنّ (الدعم السريع) هو من بادر بالهجوم على (الجيش) فقد كان قائد (الجنجويد) يُخططُ للانقلاب، والعهدة على ((فورين بولِسي))! ومهما يكن .. فالمسرحية الموازية إن لم يُجسّدها مشهد اقتحام قوّات (الدعم السريع) لبيت الضيافة الرئاسي في محاولة لاغتيال القائد العام للجيش؛ فحشد عشرات الآلاف من المقاتلين وترسانة الأسلحة والعتاد الحربي لقوات (الدعم السريع)، وعدد ثُكناتها العسكرية وما تحتله من مقار وحراسات المواقع الاستراتيجية؛ كفيل بذلك ولا حاجة "لنضّارة".
يعلم القاصي والداني، في المدينة وفي الخلاء، أنّ موقف قائد (الجنجويد) في أبريل 2019 لم يكن بدافع التحوّل الديمقراطي، وإنّما كان فقط أفضّل خياراته وقتها، فليس ثمّة أجندة ولا برنامج، وليس من تلاقٍ أبداً ولا بمثالٍ واحدٍ بين قوّات (الجنجويد) وثورة الشعب المجيدة في ديسمبر، بل وطوال تاريخه ونضاله لم يجد الشعب السوداني من هذي المليشيا سوى الجرائم الفظيعة، والعبث بأرواح الناس.. وبعد أن جرّبوا كل شيء توحّد هذا (العولاق) وكل مجموعات (الكيزان) في البحث عن آخر خيارات الثورة المضادّة، والدولة العميقة، وتوحّدت معها النزعات النفسية المريضة لكلٍ من (البرهان) و (حميدتي) فتمّت صناعة حرب الكيزان بمختلف مجموعاتهم وتيّاراتهم ومسمياتهم، السياسية والعسكرية!
وابتدأت فصول الحيرة لدى الناس؛ "لماذا لم يستدع (الجيش) كل قواته في الولايات ولم يستدع الشرطة ولا أفراد الأمن المدربين على انواع مختلفة من الأسلحة؟!! وإن كان (الجنجويد) يريدون القضاء على الكيزان أو جلب الديمقراطية -ضُرّاً- أو إقامة دولتهم، فبلا شك هي ليست في منازل المواطنين ولا ممتلكاتهم ولا أعراضهم، ولا في الأحياء أو المستشفيات؛ وعندما أكّدت قوات (الدعم السريع) أنها سلّمت 27 مصرياً إلى الصليب الأحمر الدولي؛ أعلن (الجيش) أن هؤلاء العسكريين كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع، وسرعان ما أصدر - بعد ساعات - بياناً اعتذر فيه عن كلمة "محتجزين" وقال أنّها وردت بالخطأ، وأكّد أنّ المصريين "كانوا متواجدين بمدينة مروي بشمال السودان لكن لم يتم أسرهم" من قبل قوات (الدعم السريع)! تُرى من الذي أمر (الجيش) بالاعتذار وبهذا الإخراج؟!"
(الكيزان) داخل الجيش وإشعالهم الحرب ثابت، ولكنّه ليس كل فصول المسرحية .. ولا يعني أنّ الجيشين المتقاتلين ضحايا، ولو كانت الدوافع حاضرة على الدوام؛ حيث أنّ الكل له نصيب في الحرب، ولكنّ أسرارها من نصيب قادة يُحسبون بالأصابع؛ فسواء كانت هذه الحرب هي انقلاب الجيش الكيزاني أو انقلاب الجنجويد الكيزاني، ففي كل الأحوال هي مجموعة حروب في حرب واحدة، ومجموعة خطط في خطة واحدة. فللجيش ما يبرر خوض الحرب، ومن فغر فاه يمكن أن يسأل ((أَنــــــْــــهـــِــي جيش؛ اللّي "بهدوم" ولا اللّي من غير "هدوم"؟)، وبالطبع، فعلى كل من بالجيش ولا علاقة له بالكيزان، وكل من لا يعلم بالمؤامرة من جنوده وضبّاطه، أن يخوض هذه الحرب؛ فخطة (الكيزان) هي أن يُسوّقوا أنّ هذا انقلاب جيش كيزاني على التحوّل الديمقراطي؛ ويُطلب من الجنجويد التأصيل لذلك بالتهميش التنموي، والتذرّع بأن هنالك مخطط كيزاني للقضاء الكلي على الدعم السريع كقوة حامية للديمقراطية، فلا مناص من القضاء على الكيزان والبداية ممن هم داخل الجيش! وبالخلاصة إنها حرب اللجنة الأمنية وشريكها (الجنجويد)، ضد الوطن والوطنيين المدنيين والعسكريين؛ نعم .. هكذا!
فحرب الظلام هذه، يقودها الجهل بكل أشكاله والقبح "الواااااحد" غير النسبي.. وتدار بآلة إعلامية صدئة لا تحترم آدمية الإنسان السوداني ناهيك عن عقله، فلا يعرف الناس ما الذي يدور حقّاً، فقادة (الجيشويد) يتحدّثون عن إنهاء تمرّد قوة عسكرية هم صانعيها، ولا يعقدون مؤتمراً صحفياً –"ويحدّثونا حتى نراهم"- ولا حتى إعلاناً على (الراديو) يُكذّب أسر جنود (الجيش) المبثوث من على جهاز آيفون، منهوب من مغتصبة، في مستشفى محتلة؛ بينما قائد (الجنجويد) الذي يتحدّث عن إقامة الدولة المدنية الديمقراطية، لا يظهر للناس بأيّ وسيلة، خوفاً من معرفة إحداثيات موقعه، فيقصفه "ماكرون" أو "السيسي".
إنّ المجلس العسكري أو اللجنة الأمنية أو عساكر مجلس السيادة هم القبح مُجسّداً؛ "فلا غسيل لعار القيادة العامة والمؤسسة العسكرية إلا بتنحيتهم مباشرة بعد غسل عار الدولة والتخلص من كابوس مليشيا الدعم السريع سلما أو حربا؛ وهذا -بالضرورة- يُدرك بإجماع القوى المدنية والسياسية على سحب شرعية استخدام مليشيا الدعم السريع للسلاح وتجريد قيادتها من مناصبها العسكرية والسيادية؛ فلن تجد مؤيّدين أو حواضن اجتماعية أو سياسية تقبل التأسيس بالسلب والنهب والاغتصاب وانتهاك الأعراض. أمّا الأرياف والبدو وعرب دارفور، فلا يمكن ولا يجوز تمثيلهم بهذا المسخ، ولا التمسّح بهم وهم أهل القرآن والكرم والنخوة والبسالة والشجاعة؛ و(الجنجويد) مرتزقة برعاية كاملة من التحالف الرباعي البنيوي السلطوي الاستخراجي بين العسكري والأفندي والشرتاي والطفيلي" أو كما قال عمرو صالح يس.
وشكراً لصديقي الذي قال: "عند انتهاء الحرب نحن من يحدّد شروط الدمج والإصلاح الأمني والعسكري وليس مجرمي الحرب"، فإذا أنهوها بأنّه انتصار (الجيش) و (الكيزان) فهناك نظام دكتاتوري جديد، ويجب أن يكون "تماسك ووحدة المجتمع المدني" بالمرصاد؛ واذا عنّ لهم أن ينهوها بانتصار (الجنجويد) و (الكيزان) فهناك نظام دكتاتوري يقوده المستبدّ الجاهل، لكن أيضاً تماسك ووحدة المجتمع المدني ستكون بالمرصاد؛ وإلا فتوازن الضعف هو النتيجة التي على إثرها يُفتح باب التفاوض؛ وهنا لا مناص من تماسك ووحدة المجتمع المدني، وبشكل أقوى لأنها هي التي ستفرض إرادة الثورة على ما يأفكون وأياديهم ملطّخة بالدماء وبالجرائم، وحينها فالدمج المؤسساتي بعيداً عن (البرهان) و(دقلو) هو البداية ..!
نعم، هو البداية "فالكيزان-الجيشويد"، بدون فاعلية سياسية؛ فليتماسك المجتمع المدني ويفرض الفاعلية الآن، فعند التفاوض ستستعر الحرب المدنية، وفي غياب حامد الجامد سيتحوّل الجميع إمّا إلى حامد كيزان أو حامد كرزاي إن لم ننتبه. فهزيمة الكيزان الساحقة هي في هزيمة ارتزاقهم العسكري، أي بالقضاء على الجيشويد، فارتزاقهم السياسي الذي مصيره إلى الزوال بتفكيك التمكين طالما أنّ الكل متفق على أنّه لا مساومة على مبدأ واحدية الجيش، فالدمج إذاً لا ينقصه سوى الاتفاق الاجرائي؛ وبالتالي تنعدم استقلالية الدعم السريع، وهذا هو "البل" وهو ما يعني الدمج عملياً، أي (الحل).
aboann7@hotmail.com
من المعلوم -لكنه بات مضجراً ذكره- أنّ (الكيزان) هم من أنشأ المليشيات في سياق مشروع الدولة الموازية المملوكة للتنظيم؛ وأنّ (الجيش) الذي يقوده (الكيزان) هو الذي تولى تسليحها وتدريبها، فطفقت ترتكب المجازر البشعة والاغتصابات وحرق القرى و -الآن المدن والأسواق- في دارفور والخرطوم؛ ورغم كل ذلك يتّهم (الكيزان) دون حياء أنصار "لا للحرب" بالتواطؤ مع مليشيا (الجنجويد)! وكأنّ هذي المليشيا خرجت من دار حزب أو "صلب" مقال أو "حيل" قصيدة (يبدو أن هذا هو ما يرعبهم، فعلاً)! عجبي! يُدان مفكّك الألغام ويُبرأ زارعها.
(الكيزان) زيّنوا لـــــ(حميدتي) أن يغرّد على تويتر مخاطباً الغرب بالإنجليزية "أنه يحارب نيابة عنهم المتطرفين" -كما فعل مع الأوربيين في عملية الخرطوم ( Khartoum Process) محارباً الهجرة- داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل ضد (البرهان)، مقدماً نفسه حامياً للديمقراطية.. والحقيقة أنه آلة عنف (الكيزان) يبطش لهم ويرتكب الجرائم باسمهم .. ففكرة "عفريت (الكيزان)" فكرة عفريتة أتى بها (الكيزان) العفاريت، ليستجدوا بها دعم المجتمع الدولي، واستلفوها من قوى الحرية والتغيير، التي بنت روايتها -بحق- على مواجهة فلول (الكيزان)، ولكنها لا تستطيع أن تنفيها عندما يستعملها "البعاتي" ذات نفسه! فتلقّفها أيضاً (حميدتي) من مستشارين بعضهم خونة وبعضهم أغبياء في محاولة لغفران مجزرة فضّ الاعتصام، ومشاركته في انقلاب 25 أكتوبر. فليُصّدق من يُصدّق "أنّ قائد مليشيا (الجنجويد) الملطّخة أيديه بالدماء والمطلوب للعدالة الدولية (Soon OR Later )، والذي لم يعرف يوماً العمل السياسي التنافسي، أصبح بين عشية وضحاها داعيةً ديمقراطية، وحريصاً على تسليم السلطة للمدنيين؟!
كما زيّن (الكيزان) ومستشارو (الجنجويد) وكفلائه لــــ(حميدتي) تحت راية هذه الشعارات البرّاقة أن يسيطر على السلطة كاملة بانقلاب عسكري خاطف، وخطّطوا له حتى ( الخطة ب Plan B)، إن لم يتمكن من السيطرة على كل المواقع، فلا بأس ببعضها، قبل أن يفيق (الجيش) ويبدأ هجوماً مضادّاً والذي إن حدث سيكون تحت سيطرتهم إلى حدٍّ كبير.. و(عفريت الإسلاميين) سيكون في جرّته أو في قمقمه قرب الخطة "ب “ ليتردّد الغرب في مساندة (الجيش) إن لم يساند (حميدتي)؛ فانطلق سُعار الأصوار قنوات ومواقع وصفحات تواصل اجتماعي محذّرة من عودة (الكيزان)، بزعم أنهم يشاركون فعلياً في العمليات العسكرية الحالية.. وعندها يُظهرون دعمهم للجيش في معارك مفتعلة ضحيتها أغبياء أو أبرياء -لا فرق- مئات أو آلاف -لا فرق-، لأنّهم سلفاً يعلمون أن الوطنيين سيكونون مبدئيين بأثيرتهم "لا للحرب"، وستراه العامة موقفاً ضعيفاً، وبعضهم سيرونه تحالفاً مع (حميدتي)؛ وعندها يهتبل (الكيزان) الفرصة الثمينة وينقضّوا على الحرية والتغيير والاتفاق الإطار كسبب لاشتعال الحرب ويسوّقونها على أنّها حرب "قحت" لفرض رؤية المرحلة الانتقالية والانفراد بحكم السودان بدون انتخابات!
لا نعرف على أيٍّ من شرور البليّة نضحك، هل على وصف (البرهان) للحرب على أنّها عبثية، أم قول (حميدتي) "لم تكن لي مشكلة مع (البرهان) قبل الاتفاق الإطاري الذي رفضه" والذي وقّعاه سويّاً.. مما زاد الطين بلّة، وأعوز قوام الطبخ إلى مزيد من السبك، حتى لا يظهر أن الانقلاب الحقيقي قد دبّره قائد (الدعم السريع) بهدف قبض القائد العام للجيش واستلام السلطة؛ ربّما كما يقول الواثق كمير "بعِلمِ بعض السياسيين، ومُباركة قوى اقليمية ودولية"؛ وربّما ذلك هو الخروج عن نصّ مسرحية "الثلاثي المرح"، بمسرحية موازية -لدى بعض العالمين ببواطن الأمور- أنّ هناك خطّة تهدف إلى اخضاع (الجيش) لقيادة وسيطرة قوات (الدعم السريع)، وتغيير الأوضاع السياسية في البلاد؛ مما يغلّب أنّ (الدعم السريع) هو من بادر بالهجوم على (الجيش) فقد كان قائد (الجنجويد) يُخططُ للانقلاب، والعهدة على ((فورين بولِسي))! ومهما يكن .. فالمسرحية الموازية إن لم يُجسّدها مشهد اقتحام قوّات (الدعم السريع) لبيت الضيافة الرئاسي في محاولة لاغتيال القائد العام للجيش؛ فحشد عشرات الآلاف من المقاتلين وترسانة الأسلحة والعتاد الحربي لقوات (الدعم السريع)، وعدد ثُكناتها العسكرية وما تحتله من مقار وحراسات المواقع الاستراتيجية؛ كفيل بذلك ولا حاجة "لنضّارة".
يعلم القاصي والداني، في المدينة وفي الخلاء، أنّ موقف قائد (الجنجويد) في أبريل 2019 لم يكن بدافع التحوّل الديمقراطي، وإنّما كان فقط أفضّل خياراته وقتها، فليس ثمّة أجندة ولا برنامج، وليس من تلاقٍ أبداً ولا بمثالٍ واحدٍ بين قوّات (الجنجويد) وثورة الشعب المجيدة في ديسمبر، بل وطوال تاريخه ونضاله لم يجد الشعب السوداني من هذي المليشيا سوى الجرائم الفظيعة، والعبث بأرواح الناس.. وبعد أن جرّبوا كل شيء توحّد هذا (العولاق) وكل مجموعات (الكيزان) في البحث عن آخر خيارات الثورة المضادّة، والدولة العميقة، وتوحّدت معها النزعات النفسية المريضة لكلٍ من (البرهان) و (حميدتي) فتمّت صناعة حرب الكيزان بمختلف مجموعاتهم وتيّاراتهم ومسمياتهم، السياسية والعسكرية!
وابتدأت فصول الحيرة لدى الناس؛ "لماذا لم يستدع (الجيش) كل قواته في الولايات ولم يستدع الشرطة ولا أفراد الأمن المدربين على انواع مختلفة من الأسلحة؟!! وإن كان (الجنجويد) يريدون القضاء على الكيزان أو جلب الديمقراطية -ضُرّاً- أو إقامة دولتهم، فبلا شك هي ليست في منازل المواطنين ولا ممتلكاتهم ولا أعراضهم، ولا في الأحياء أو المستشفيات؛ وعندما أكّدت قوات (الدعم السريع) أنها سلّمت 27 مصرياً إلى الصليب الأحمر الدولي؛ أعلن (الجيش) أن هؤلاء العسكريين كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع، وسرعان ما أصدر - بعد ساعات - بياناً اعتذر فيه عن كلمة "محتجزين" وقال أنّها وردت بالخطأ، وأكّد أنّ المصريين "كانوا متواجدين بمدينة مروي بشمال السودان لكن لم يتم أسرهم" من قبل قوات (الدعم السريع)! تُرى من الذي أمر (الجيش) بالاعتذار وبهذا الإخراج؟!"
(الكيزان) داخل الجيش وإشعالهم الحرب ثابت، ولكنّه ليس كل فصول المسرحية .. ولا يعني أنّ الجيشين المتقاتلين ضحايا، ولو كانت الدوافع حاضرة على الدوام؛ حيث أنّ الكل له نصيب في الحرب، ولكنّ أسرارها من نصيب قادة يُحسبون بالأصابع؛ فسواء كانت هذه الحرب هي انقلاب الجيش الكيزاني أو انقلاب الجنجويد الكيزاني، ففي كل الأحوال هي مجموعة حروب في حرب واحدة، ومجموعة خطط في خطة واحدة. فللجيش ما يبرر خوض الحرب، ومن فغر فاه يمكن أن يسأل ((أَنــــــْــــهـــِــي جيش؛ اللّي "بهدوم" ولا اللّي من غير "هدوم"؟)، وبالطبع، فعلى كل من بالجيش ولا علاقة له بالكيزان، وكل من لا يعلم بالمؤامرة من جنوده وضبّاطه، أن يخوض هذه الحرب؛ فخطة (الكيزان) هي أن يُسوّقوا أنّ هذا انقلاب جيش كيزاني على التحوّل الديمقراطي؛ ويُطلب من الجنجويد التأصيل لذلك بالتهميش التنموي، والتذرّع بأن هنالك مخطط كيزاني للقضاء الكلي على الدعم السريع كقوة حامية للديمقراطية، فلا مناص من القضاء على الكيزان والبداية ممن هم داخل الجيش! وبالخلاصة إنها حرب اللجنة الأمنية وشريكها (الجنجويد)، ضد الوطن والوطنيين المدنيين والعسكريين؛ نعم .. هكذا!
فحرب الظلام هذه، يقودها الجهل بكل أشكاله والقبح "الواااااحد" غير النسبي.. وتدار بآلة إعلامية صدئة لا تحترم آدمية الإنسان السوداني ناهيك عن عقله، فلا يعرف الناس ما الذي يدور حقّاً، فقادة (الجيشويد) يتحدّثون عن إنهاء تمرّد قوة عسكرية هم صانعيها، ولا يعقدون مؤتمراً صحفياً –"ويحدّثونا حتى نراهم"- ولا حتى إعلاناً على (الراديو) يُكذّب أسر جنود (الجيش) المبثوث من على جهاز آيفون، منهوب من مغتصبة، في مستشفى محتلة؛ بينما قائد (الجنجويد) الذي يتحدّث عن إقامة الدولة المدنية الديمقراطية، لا يظهر للناس بأيّ وسيلة، خوفاً من معرفة إحداثيات موقعه، فيقصفه "ماكرون" أو "السيسي".
إنّ المجلس العسكري أو اللجنة الأمنية أو عساكر مجلس السيادة هم القبح مُجسّداً؛ "فلا غسيل لعار القيادة العامة والمؤسسة العسكرية إلا بتنحيتهم مباشرة بعد غسل عار الدولة والتخلص من كابوس مليشيا الدعم السريع سلما أو حربا؛ وهذا -بالضرورة- يُدرك بإجماع القوى المدنية والسياسية على سحب شرعية استخدام مليشيا الدعم السريع للسلاح وتجريد قيادتها من مناصبها العسكرية والسيادية؛ فلن تجد مؤيّدين أو حواضن اجتماعية أو سياسية تقبل التأسيس بالسلب والنهب والاغتصاب وانتهاك الأعراض. أمّا الأرياف والبدو وعرب دارفور، فلا يمكن ولا يجوز تمثيلهم بهذا المسخ، ولا التمسّح بهم وهم أهل القرآن والكرم والنخوة والبسالة والشجاعة؛ و(الجنجويد) مرتزقة برعاية كاملة من التحالف الرباعي البنيوي السلطوي الاستخراجي بين العسكري والأفندي والشرتاي والطفيلي" أو كما قال عمرو صالح يس.
وشكراً لصديقي الذي قال: "عند انتهاء الحرب نحن من يحدّد شروط الدمج والإصلاح الأمني والعسكري وليس مجرمي الحرب"، فإذا أنهوها بأنّه انتصار (الجيش) و (الكيزان) فهناك نظام دكتاتوري جديد، ويجب أن يكون "تماسك ووحدة المجتمع المدني" بالمرصاد؛ واذا عنّ لهم أن ينهوها بانتصار (الجنجويد) و (الكيزان) فهناك نظام دكتاتوري يقوده المستبدّ الجاهل، لكن أيضاً تماسك ووحدة المجتمع المدني ستكون بالمرصاد؛ وإلا فتوازن الضعف هو النتيجة التي على إثرها يُفتح باب التفاوض؛ وهنا لا مناص من تماسك ووحدة المجتمع المدني، وبشكل أقوى لأنها هي التي ستفرض إرادة الثورة على ما يأفكون وأياديهم ملطّخة بالدماء وبالجرائم، وحينها فالدمج المؤسساتي بعيداً عن (البرهان) و(دقلو) هو البداية ..!
نعم، هو البداية "فالكيزان-الجيشويد"، بدون فاعلية سياسية؛ فليتماسك المجتمع المدني ويفرض الفاعلية الآن، فعند التفاوض ستستعر الحرب المدنية، وفي غياب حامد الجامد سيتحوّل الجميع إمّا إلى حامد كيزان أو حامد كرزاي إن لم ننتبه. فهزيمة الكيزان الساحقة هي في هزيمة ارتزاقهم العسكري، أي بالقضاء على الجيشويد، فارتزاقهم السياسي الذي مصيره إلى الزوال بتفكيك التمكين طالما أنّ الكل متفق على أنّه لا مساومة على مبدأ واحدية الجيش، فالدمج إذاً لا ينقصه سوى الاتفاق الاجرائي؛ وبالتالي تنعدم استقلالية الدعم السريع، وهذا هو "البل" وهو ما يعني الدمج عملياً، أي (الحل).
aboann7@hotmail.com