أفكارنا هي التي تسجن مصيرنا

 


 

 

abudafair@hotmail.com

التغيير سنة كونية فأحوال الامم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، تتغير وفق الزمان والمكان وتنتقل من حالٍ إلى حال، ولكن لن يفيد تغيير الانظمة اولئك الذين لم يغيروا منظومتهم الفكرية. الافكار السالبة طوفان تغرق نقاء القلب وصفاء الضمير وتجرف سيولها المندفعة جدران الحق حتى يصبح بلا رؤية ولا بديل. وتعيش حياة قوامها الفشل المُحصن بجدار المبررات، موصدة المؤامرات ابواباً وخداع الذات منهجاً، بلا ريشة ترسم طريقاً للانتصار، ولا آليات تنظيمية تحقق المطالب. فالحرب التي تدور رحاها في السودان ليست محض صدفة أو حرب جنرالات فهذا اختزال مخل، أنما هي نتيجة طبيعية للامراض المتأصلة فينا من جهل وتخلف وتنّمُر، وفقدان القدرة على تكوين علاقات جيدة، وعدم إمتلاك رؤية ثاقبة، وتصور واضح من أجل تغيير الواقع، نخب فاشلة، واحزاب تفوق في عددها اسماء الله الحسنى، لكنها تنقصها الحكمة في إدارة الاختلاف وغياب منهج لإدارة الدولة، حيث تمتاز بالانانية والعنصرية واحتكار الحقيقة المطلقة، والتكبر والتفاخر وعدم الاعتراف بالاخر، وعدم قبول المُختلفُ دينياً، شكلياً، عرقياً، مناطقية، جهوية، ثقافياً، أو قبلياً. القتل والفوضى والحروب الأهلية، وصراعات طائفية كل هذه الصفات تراكمت، وادت إلى ما نحن عليه الان، فالتجاعيد الموجودة في وجهنا الحضاري نتيجة البذرة التى زرعناها في حقل عقولنا، فاليوم فقط نحصد ما زرعناه، من يزرع البرسيم لا ينتظره أن يثمر عنباً. قانون كوني لا يحابي الله فيه احداً.

بالتأكيد: لا توجد مصوغات منطقية لحرق الذهب بعد ازالة الشوائب. المعاناة التي تواجهنا هي من بنات افكارنا، الغير منسجمة مع قوانين الكون، Law, not confusion الافكار الواعية ليست مواد ملموسة، إنما هي مقاييس للعقول النيرة، تسعى من خلالها التكّيف مع قوانين الكون وتتفاعل معه، إبتداءً بإصلاح النفس، والكف عن اتهام الآخرين والبحث المضني عن طرف ثالث نُحمله الفشل والإخفاقات ونصر دوماً أنه سبب كل المشاكل. فاتورة إصلاح نفسك ارخص من تكلفة إصلاح الغير. مثلاً عندما تلعن الشيطان وتعتبره سبب مشاكلك فعليك إصلاح الشيطان وهذه فاتورة لن تقدر عليها، عندما تظن أن امريكا أو الغرب سبب مشاكلك، عليك اصلاحهم. تدخّل الآخرين في شؤونك الداخلية لا تكون إلا بدعوة كريمة منك عبر بوابة فشلك وتخلفك، وعبر الثقوب الموجودة في منظومتك الفكرية. سر النجاح يكمن في التوقف عن انتقاد العوامل الخارجية، القدرة في تحويلها إلى رافعة تساعدك في البناء بدل الهدم ومن خلالها تكتشف نقاط ضعفك ونقاط القوة الكامنة فيك، وما لديك من الامكانيات.

المخرج يكون بازالة الأفكار السالبة التي تفرقنا، كما أننا حريصون على غسيل البقع المتسخ في ملابسنا وازالة الروائح النتنة باستخدم مزيل العرق من اجسادنا. فالاولى تنظيف عقولنا وافكارنا حتى تسمح لنا بمعرفة الخلل وازالة الاوساخ الموجودة في منظومتنا الفكرية، ومعرفة موطن العطب. كل مآسينا واوجاعنا وتخلفنا، نتيجة لتربع الخلل الداخلي في أفكارنا، عندما نمتلك معرفة واعية تساعدنا في معرفة اسباب انهيارنا وهواننا وضعفنا على الناس. زراعة الأفكار الواعية في حقل خصب وتنظيفها من الاعشاب الضارة، استحالة أن تنتج ثمار خبيثة، كما أن زراعة الافكار الهدامة تنتج دوماً ثمار مؤذية وأشواك تدمي الاقدام الحافية. واذا اردنا من بذور القمح ان تنتج غيرها، نكون بذلك غير منسجمين مع قانون الكون ولا متسقين مع انفسنا.

مهما تكن حداثة القطار لا فائدة، ما لم تكن خطوط السكة مستقيمة، الافكار هي مصدر الافعال، كلما كانت نقية تنتج روحاً إبداعية خالية من الضباب والشوائب، بالتالي إصلاح المنظومة الفكرية قبل الدخول في مضمار السياسة اولى، لانها الركن العتيد في بناء صرح الثقافة وعماد النهضة وركيزة الفكر، وهو الدرج الوحيد للارتقاء من البؤر السياسية والمطبات الاجتماعية لتحقيق رؤية واضحة الغايات ومحددة المعالم، حتى تتواءم مع قوانين الكون، الافكار السالبة تُبلور عادات ضارة، سرعان ما تتحول بالممارسة إلى سلوك يصعب معالجته، والافكار البناءة تتحول إلى ادوات بناء، تصبح سلوك سليم، يؤدي إلى حياة نقية طاهرة من دنس ورجس الاستهبال السياسي، الفكرة المريضة تعبر عن ذاتها، وتقتل كل جميل فينا بنفس السرعة ولكن بصورة ابشع وعواقب وخيمة، ثم تتحول إلى عادات وتقاليد اجتماعية هدامة، فالحذر كل الحذر فالطلقة التي تقتلك لا تستطيع سماع صوتها.

كل منا لديه الرغبة في تغيير الواقع الأليم، من دموع ودماء، اشلاء ومشردون حفاة عراة، ولكن ليس لديه الرغبة في تغيير قناعاته الفكرية، فالنتيجة دوماً رسوب واخفاق، اعادة الفحص الذاتي لدواخلنا وترتيب أوراقنا بعيداً عن الأماني ،الاحلام والأوهام، بذلك لن نفشل في تحقيق الهدف الذي رسمناه، فالغاية مهما صغر حجمها أو كبرت يجب أن نجهز انفسنا لتقديم تضحيات جسام من اجلها، حيث ترتقي بالافكار مصدراً للازدهار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وإلا فلنستعد لظروف أسوأ من خلال الافكار الكسولة والمخادعة للذات، والغير قادرة للتغيير، حيث لم نتعلم من المبدأ اعقلها وتوكل ولم نستفيد من المسطرة الإلهية في قوله تعالى (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) الكل يتحمل نتائج اعماله ويحصد ثمار زرعه.

العوامل الخارجية لا يمكن ان تكون رافعة نحملها اخفاقاتنا وفشلنا. الشيطان غادر ديارنا، لانه لم يكن ارض خصبة للمعركة، الشيطان معركته مع الإنسان ليس مع الاديان، ماذا يفعل مع الراهب المتعبد في صومعته لا يستطيع ان يطعم نفسه أو شخص في مسجده يرفع صوته بهلاك الآخرين ولا يستطيع صناعة دواء لعلاج نفسه ولا ابرة لخياطة ملابسه. ميدان المعركة لم يكن في السودان، لذلك هاجر إلى سنغافوره وسويسرا، النرويج، امريكا، ايطاليا، المانيا، واليابان. ميادين معارك اعمار الكون، (الصراط المستقيم) تحقيقا لوعده لأقعدن لهم صراطك المستقيم حيث العمران من ابراج وجسور وكباري، وصناعة الدواء والزراعة والتكنولوجيا الرقمية وايواء اللاجئين وتقديم الخدمات الإنسانية وكفل الايتام واطعام والجوعى، واخلاق العمل والتعامل بالحسنى، ووقف النزيف المتدفق وتضميد الجراح وبناء المستشفيات، وصناعة الأمصال والادوية وفتح أبواب المدارس والمعامل والجامعات والمعاهد لتعليم الأطفال الذين سلبوا حقهم في التعليم بسبب الكوارث التي تمر بها بلدانهم، الصراط المستقيم فضله مستمر لا ينقطع ومن أفضل الإعمال عند الله تعالى لانه يرسم الابتسامة والسعادة على الوجوه المكلومة. هنا الفرق ما بين العبادة والاستعانة. (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فالعبادة بالصراط المستقيم (وَأَنِ ٱعۡبُدُونِيۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ) والاستعانة بالشعائر (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) مهما بلغت من الاستعانة ان لم يقودك الى الصراط المستقيم فأنت خاسر.
Abudafair@hotmail.com

/////////////////////

 

آراء