بكاء مكتوم وخواطر على هامش الحرب
رشا عوض
2 July, 2023
2 July, 2023
هل انا محظوظة؟ بمنطق الحرب نعم! حتى الان لم تخترق جسدي رصاصة طائشة او شظية عمياء! ولم افقد أحدا من أفراد اسرتي ونجحت في النزوح إلى مكان آمن (آمن إلى حين اشعار اخر)! ولكن لماذا أنا بكل هذا الحزن؟ لماذا هذه الغصة التي تسد حلقي وهذه الدموع المتحجرة في عيني بشكل دائم ، تأبى ان تسيل فتطفئ مؤقتا نار حزن وغضب وحسرة تعتصرني ! فأظل عالقة في بكاء مكتوم يحتل كل ذرة في كياني! هل لأنني ارى وجه امي وابي في وجوه كل كبار السودان المحرومين من الدواء والأمان والكرامة! وارى وجوه أحبتي في كل الجثث المتناثرة والاوصال المقطعة وادرك ان كل قتيل وجريح كان يمكن أن يكون أحد أفراد اسرتي الصغيرة او احد أصدقائي ورفاقي في رحلة الحلم الوطني الكبير!
نعم هو كذلك، ولكن للحرب خنجرا اخر ينغرس في احشائنا كل يوم! هو ذلك الشعور بالهوان والخواء وفقدان القيمة الجماعي الذي يقهرنا عندما نرى الوطن يتدمر ويتحول إلى مدن أشباح! الدول تجلي رعاياها، وبعض دول الجوار تغلق حدودها، وفي لحظة تنهار جدران المباني والمعاني، ووحش الحرب يسحق تحت اقدامه أرشيف وثائقنا ومستودعات ذاكرتنا وعصارة تجاربنا التي نحتاجها بشدة بكل ما فيها من نجاح وفشل ونقاط قوة وضعف وانتصارات وانكسارات، نحتاجها لتصحيح مسار المستقبل، أمام ناظرينا تحترق اموالنا ونموت ونتشرد تحت قصف آلة عسكرية دفعنا ثمنها من مواردنا وعرق دافعي الضرائب! حياة أطفالنا وشبابنا وشاباتنا موفوري الذكاء والعطاء وامل المستقبل وحياة آبائنا وأمهاتنا ملاذ الطمأنينة مجرد خسائر جانبية! أرقام لا قيمة لها في حسابات"قمار سياسي" مسرحه وطن وكروت لعبه بشر من لحم ودم !
في هذه الحرب بكيت ذلي وهواني وقلة حيلتي!
بكيت وطني الذي يتسرب من بين يدي وأخشى ان ينتهي اجلي قبل أن أراه سالما امنا ناهضا!
تذبحني الاغاني والاناشيد الوطنية وأخشى ان تتحول إلى بكاء على اطلال وطن !
في هذه الحرب بكيت على الالاف الذين لا اعرفهم الا كمواطنين سودانيين هم مني وانا منهم!
بكيت اهل الجنينة والخرطوم ونيالا والفاشر وزالنجي
بكيت على ابن جيراننا الذي قتل وهو يحارب في صفوف الجيش وقد كان شابا طيبا خلوقا خدوما كنا نحبه بصدق رغم معرفتنا بأنه احد أفراد كتائب الظل!
نعم بكيته بحرقة وحزنت عليه بصدق رغم رأيي في هذه الحرب التافهة ، وبكيت كذلك شبابا قتلوا وهم يحاربون في صفوف الدعم السريع الذي ساقتهم إلى صفوفه ظروف الفقر في بيئة صحراوية مجدبة لا أفق فيها للحياة الا عبر حرفة القتل! بعضهم شجعان وكرماء وكان يمكن استيعابهم في جيشنا الوطني وحشدهم لحماية حدود الوطن لا حدود قصور أمراء الحرب وشركات الجنرالات!
بكيت جنود الجيش الفقراء الذين دفعوهم لهذه الحرب على حين غرة بلا استعداد
ولا ارى تناقضا في ان لدي متسعا من الحزن يضم ضحايا الحرب الأبرياء وقتلى الجيش والكيزان الطيبين مثل ابن جيراننا وقتلى الدعم السريع ، لأنني لا أعتقد أن هناك فصيلا سياسيا واجتماعيا يمكن أن يكون كتلة صماء من الشر والظلام ، فهناك اخيار في مؤسسات شريرة وهناك شريرين في مؤسسات خيرة! وكل شيء نسبي فلا مطلق الا الحق سبحانه وتعالى!
وما الديمقراطية الا صيغة عقلانية للتعايش السلمي بين المختلفين مهما بلغت درجة اختلافهم، وهي صيغة جذرها الفلسفي هو ان اي صراع سياسي اجتماعي هو صراع النسبي مقابل النسبي، إذ لا مطلق في صراعات البشر الدنيوية!
الديمقراطية اضمن الطرق للسلام لأنها لا تعرف الاستئصال ولا الاقصاء النهائي بل هي فن استيعاب الجميع في معادلة سياسية واقعية وعقلانية ومرنة يحكمها قانون " حيازة الشعب للسلطة السياسية" ، بمعنى ان الطريق إلى السلطة هو الحصول على التفويض الشعبي عبر انتخابات حرة نزيهة في بيئة سياسية وقانونية مواتية لحرية الاختيار وتكافؤ الفرص!
تمنينا ان تنجح فترتنا الانتقالية في تهيئة الملعب السياسي للديمقراطية التعددية ولكن كان للعسكر رأي آخر!
احد الاوجاع الكبيرة لهذه الحرب هو الاحساس المر بالهزيمة التاريخية اي السباحة عكس تيار التاريخ! فالحرب بين جيش يسيطر عليه فصيل سياسي غايته اغتصاب السلطة بالقوة ، ومليشيا تهدف لذات الهدف وهو اغتصاب السلطة بالقوة!
وهنا تكمن الهزيمة بالمعنى الحضاري ، إذ ما زلنا في خانة استبداد القوة العارية واحتقار ارادة الشعوب بل واسترخاص حياتها والعبث بامنها في الصراع المتوحش على السلطة!
الحد الفاصل بين التقدم والتخلف في مدارج الصعود الحضاري والتمدن هو ان تكون المؤسسة العسكرية تحت سيطرة وتحكم السلطة السياسية المدنية، وأن تكون مرجعية هذه السلطة السياسية المدنية هي التفويض الشعبي المؤقت بفترة زمنية محددة دستوريا، وممارستها تتم تحت رقابة ومساءلة ومحاسبة الشعب إلى أن يحين موعد الانتخابات لتجديد التفويض او سحبه، وكل ذلك عبر آليات وإجراءات مؤسسية نزيهة وشفافة تعمل وفق دستور ديمقراطي وفي مناخ حريات عامة وقضاء مستقل. تتقدم الشعوب وتتمدن بقدر ما تتحرر من الوصاية السياسية المفروضة بقوة السلاح، وبقدر ما يكون الجيش ذراعا تنفيذيا تحت سيطرة السلطة الشرعية، وبالتالي فإن اهم ركن من أركان الديمقراطية واكبر اختراق تاريخي حققته النظم الديمقراطية هو خضوع المؤسسة العسكرية للقرار المدني.
أما نحن فما زلنا ننتظر الغالب في معركة هدفها الفوز بامتياز استعبادنا واحتكار نهب مواردنا بالقوة العارية!!
//////////////////
نعم هو كذلك، ولكن للحرب خنجرا اخر ينغرس في احشائنا كل يوم! هو ذلك الشعور بالهوان والخواء وفقدان القيمة الجماعي الذي يقهرنا عندما نرى الوطن يتدمر ويتحول إلى مدن أشباح! الدول تجلي رعاياها، وبعض دول الجوار تغلق حدودها، وفي لحظة تنهار جدران المباني والمعاني، ووحش الحرب يسحق تحت اقدامه أرشيف وثائقنا ومستودعات ذاكرتنا وعصارة تجاربنا التي نحتاجها بشدة بكل ما فيها من نجاح وفشل ونقاط قوة وضعف وانتصارات وانكسارات، نحتاجها لتصحيح مسار المستقبل، أمام ناظرينا تحترق اموالنا ونموت ونتشرد تحت قصف آلة عسكرية دفعنا ثمنها من مواردنا وعرق دافعي الضرائب! حياة أطفالنا وشبابنا وشاباتنا موفوري الذكاء والعطاء وامل المستقبل وحياة آبائنا وأمهاتنا ملاذ الطمأنينة مجرد خسائر جانبية! أرقام لا قيمة لها في حسابات"قمار سياسي" مسرحه وطن وكروت لعبه بشر من لحم ودم !
في هذه الحرب بكيت ذلي وهواني وقلة حيلتي!
بكيت وطني الذي يتسرب من بين يدي وأخشى ان ينتهي اجلي قبل أن أراه سالما امنا ناهضا!
تذبحني الاغاني والاناشيد الوطنية وأخشى ان تتحول إلى بكاء على اطلال وطن !
في هذه الحرب بكيت على الالاف الذين لا اعرفهم الا كمواطنين سودانيين هم مني وانا منهم!
بكيت اهل الجنينة والخرطوم ونيالا والفاشر وزالنجي
بكيت على ابن جيراننا الذي قتل وهو يحارب في صفوف الجيش وقد كان شابا طيبا خلوقا خدوما كنا نحبه بصدق رغم معرفتنا بأنه احد أفراد كتائب الظل!
نعم بكيته بحرقة وحزنت عليه بصدق رغم رأيي في هذه الحرب التافهة ، وبكيت كذلك شبابا قتلوا وهم يحاربون في صفوف الدعم السريع الذي ساقتهم إلى صفوفه ظروف الفقر في بيئة صحراوية مجدبة لا أفق فيها للحياة الا عبر حرفة القتل! بعضهم شجعان وكرماء وكان يمكن استيعابهم في جيشنا الوطني وحشدهم لحماية حدود الوطن لا حدود قصور أمراء الحرب وشركات الجنرالات!
بكيت جنود الجيش الفقراء الذين دفعوهم لهذه الحرب على حين غرة بلا استعداد
ولا ارى تناقضا في ان لدي متسعا من الحزن يضم ضحايا الحرب الأبرياء وقتلى الجيش والكيزان الطيبين مثل ابن جيراننا وقتلى الدعم السريع ، لأنني لا أعتقد أن هناك فصيلا سياسيا واجتماعيا يمكن أن يكون كتلة صماء من الشر والظلام ، فهناك اخيار في مؤسسات شريرة وهناك شريرين في مؤسسات خيرة! وكل شيء نسبي فلا مطلق الا الحق سبحانه وتعالى!
وما الديمقراطية الا صيغة عقلانية للتعايش السلمي بين المختلفين مهما بلغت درجة اختلافهم، وهي صيغة جذرها الفلسفي هو ان اي صراع سياسي اجتماعي هو صراع النسبي مقابل النسبي، إذ لا مطلق في صراعات البشر الدنيوية!
الديمقراطية اضمن الطرق للسلام لأنها لا تعرف الاستئصال ولا الاقصاء النهائي بل هي فن استيعاب الجميع في معادلة سياسية واقعية وعقلانية ومرنة يحكمها قانون " حيازة الشعب للسلطة السياسية" ، بمعنى ان الطريق إلى السلطة هو الحصول على التفويض الشعبي عبر انتخابات حرة نزيهة في بيئة سياسية وقانونية مواتية لحرية الاختيار وتكافؤ الفرص!
تمنينا ان تنجح فترتنا الانتقالية في تهيئة الملعب السياسي للديمقراطية التعددية ولكن كان للعسكر رأي آخر!
احد الاوجاع الكبيرة لهذه الحرب هو الاحساس المر بالهزيمة التاريخية اي السباحة عكس تيار التاريخ! فالحرب بين جيش يسيطر عليه فصيل سياسي غايته اغتصاب السلطة بالقوة ، ومليشيا تهدف لذات الهدف وهو اغتصاب السلطة بالقوة!
وهنا تكمن الهزيمة بالمعنى الحضاري ، إذ ما زلنا في خانة استبداد القوة العارية واحتقار ارادة الشعوب بل واسترخاص حياتها والعبث بامنها في الصراع المتوحش على السلطة!
الحد الفاصل بين التقدم والتخلف في مدارج الصعود الحضاري والتمدن هو ان تكون المؤسسة العسكرية تحت سيطرة وتحكم السلطة السياسية المدنية، وأن تكون مرجعية هذه السلطة السياسية المدنية هي التفويض الشعبي المؤقت بفترة زمنية محددة دستوريا، وممارستها تتم تحت رقابة ومساءلة ومحاسبة الشعب إلى أن يحين موعد الانتخابات لتجديد التفويض او سحبه، وكل ذلك عبر آليات وإجراءات مؤسسية نزيهة وشفافة تعمل وفق دستور ديمقراطي وفي مناخ حريات عامة وقضاء مستقل. تتقدم الشعوب وتتمدن بقدر ما تتحرر من الوصاية السياسية المفروضة بقوة السلاح، وبقدر ما يكون الجيش ذراعا تنفيذيا تحت سيطرة السلطة الشرعية، وبالتالي فإن اهم ركن من أركان الديمقراطية واكبر اختراق تاريخي حققته النظم الديمقراطية هو خضوع المؤسسة العسكرية للقرار المدني.
أما نحن فما زلنا ننتظر الغالب في معركة هدفها الفوز بامتياز استعبادنا واحتكار نهب مواردنا بالقوة العارية!!
//////////////////