هل سنَتَّعِظ ونلحق السُّودان قبل فوات الأوان ؟!

 


 

 

أوضحتُ في مقالتي المُعَنْوَنة (هَلْ سيُدرِك السُّودانِيُّون حقيقة ومآلات الاشتباكاتُ الماثلة)، بتاريخ 1 مايو 2023، أنَّ البرهان والمُرتزق حِمِيْدْتي (صنعوا) هذه الاشتباكات من العدم، تنفيذاً لتوجيهات المُتأسلمين وسادتهم بالخارج، وبمُساعدة القحتيين وانتهازيي اتفاقيات جوبا. وذكرتُ بأنَّ هذه الاشتباكات (المصنوعة) تهدف إلى إرهاب الشعب السُّوداني وتعطيله عن تحقيق التغيير المنشود، واستكمال مُثلَّث حمدي الإسْلَامَوي (نهب وتقسيم السُّودان)، وإنهاء (مسرحِيَّة) اعتقال ومُحاكمة قادة المُتأسلمين ومن ثُمَّ ظهورهم للعلن.
كل ما ذكرناه أعلاه تَحقَّق، فقد هاجر السُّودانيُّون (جماعياً)، بسبب الضربات المُتواصلة على المنازل والأحياء (صواريخ، طائرات، مدافع، قتل، اغتصاب.. إلخ)، كما هاجروا (جماعيَّاً) بفعل حملات التضليل (مجهولة المصدر)، التي جعلت من التهجير الخيار الأمثل للنَّجاة، ووقع الكثيرون في ذلك (الفخ)، ويُعانون الآن من نار التكاليف المالِيَّة والمعنوِيَّة للإقامة (داخلياً/خارجياً)، والبقاء عالقين في المعابر الحدودِيَّة، وصعوبة العودة لمنازلهم المُحتَلَّة/المنهوبة أو المُدَمَّرة في حالاتٍ كثيرة. وبالإجمال، أدَّت هذه الأوضاع، ليس فقط لإرهاب السُّودانيين وانشغالهم عن التغيير، وإنَّما زيادة (إفقارهم/تجويعهم) وتحويلهم لـ(مُعْدَمين)، والبعض أصبح يعتقد بأنَّ البرهان هو (المُنقِذ)، رغم مُساهمته في (صناعة) الأزمة الماثلة من العدم! وهذا (التَبَدُّل) تجاه البرهان، من السَخَطِ للتأييد، أمرٌ مُتوقَّع ويُعزى لأُسلوب الإدارة بالأزمات Management by Crisis، الذي يُجيده المُتأسلمون وأزلامهم، حيث يصنعون الأزمة من العدم، للـ(تغطية) على مشاكل قائمة، أو لتحقيق أهداف مُستحيلة/صعبة التَحَقُّق، ثُمَّ يطرحون حلولاً هي في الأساس (هدفهم الخفي) من الأزمة (المصنوعة)، فيقبلُ الشعب بتلك الحلول تحت وطأة (الضغوط الأزمَوِيَّة)، ويشكرونهم على الأزمات التي يغرقونا فيها، وفق ما حدث كثيراً سابقاً ومع البرهان في الاشتباكات الماثلة!
مُثلَّث حمدي الإسْلَامَوي يجري استكماله بسرعةٍ مُرعبة، وفق تكتيكاتٍ خبيثةٍ مُختلفة، حيث صَعَّدَ الجنجويد جرائم الحرب والإبادة والتهجير الجماعي بدارفور، في وجود الجيش الذي لم يشتبك معهم هناك رغم (تَقَارُب) مُعسكراتهما/مَقَرَّاتهما، بما يُثبت أكثر أنَّ اشتباكات بالخرطوم (مصنوعة)، ولها مآربٌ أخرى غير المُعلَنة! ويُلاحَظ، أنَّ جميع الحركات الدَّارفورِيَّة اكتفت بـ(الفُرجة)، خاصَّةً القادمين عبر اتفاقيات جوبا، و(تَخَاذَلت) عن مسئولِيَّاتها القانونِيَّة والأخلاقِيَّة والإنسانِيَّة، نحو حماية إنسان دارفور الذي يُتاجرون باسمه وقضاياه! كما يُلاحَظ أيضاً، أنَّ المناطق التي خَصَّصها الجنجويد للمُسْتَوطنين الوافدين (الأجانب) تشهد استقراراً وتَمَدُّداً واضحاً، عقب إبادة وتهجير أصحاب تلك الأراضي، ويستعينون ببعض آكلي الفِتات لبث خطابات الكراهِيَّة نحو بَقِيَّة أهل بالسُّودان. ولاستكمال مُثلَّث حمدي بالمنطقتين (جنوب كُرْدُفان والنيل الأزرق)، فقد اشتدَّ الصراعُ فجأةً هناك، حيث تَوَاتَرَت الأنباء عن احتلال حركة الحلو لبعض المناطق بجنوب كُرْدُفان، مع ظهور (مُفاجئ أيضاً) لبعض المواليين للجنجويد بالنيل الأزرق، وتنامي الصراع بين المجموعات السُكَّانِيَّة المحلِيَّة، سواء بسبب انقسام الحركة الشعبِيَّة لفصيلين، أو تبعاً للاصطفاف القَبَلي/الجِهَوي الذي غرسه المُتأسلمون، ويُغذُّونه باستمرار عبر أزلامهم البرهان/حِمِيْدْتي وآكلي فتاتهم.
أمَّا شرقُ السُّودان وأقصى شماله، كمناطق يستهدفها مُثلَّث حمدي، فقد تَمَدَّدَ الاحتلال المصري الذي بدأ بمُثلَّث حلايب ليشمل غالِبِيَّة أراضينا النُوبِيَّة، حتَّى أضحت أرْقِين ميناءً بَرِّياً لمصر، بعدما كانت حدودنا معها في قسطل! بجانب مليون فدان منحها لهم المُتأسلمون بالشمالِيَّة (مشروع الكنانة)، واستمرار عبثهم بمياهنا الإقليميَّة في البحر الأحمر، وما خُفي أعظم! كما امتدَّ الاحتلال الإثيوبي الذي بدأ بالفشقة ليشمل إقامة قُرى كاملة بمنطقة (الدِنْدِر)، مع استمرار مليشياتهم في نهب وقتل المُواطنين السُّودانيين! وهناك الأراضي المُبَاعَة للإماراتيين والسعوديين والأتراك، بما فيها موانئنا البحريَّة الرئيسيَّة (بورتسودان وسَوَاكِن)، وما رَشَح مُؤخَّراً بشأن ميناء أبو عمامة والقاعدة الرُّوسِيَّة ومناطق التنقيب عن المعادن وغيره. والأخطر من كل ذلك، المُهدِّدات التي يُشكِّلها تَمَدُّد الإريتريّين المُجَنَّسين بمُسمَّى (بني عامر) في الشرق، والذين ظَلُّوا (أداة) البطش الإسْلَامَوِيَّة الأولى بكل ما هو سوداني، وفق ما أوضحنا في عددٍ من المقالات مثل (السُّودان وتهديدات الإريتريّين المُجَنَّسين) بتاريخ 2 مارس 2022، و(الإريتريُّون وأكذوبتا البني عامر والقبائل الحُدُودِيَّة والمُشتركة) بتاريخ 22 مارس 2022، و(عودة لأكذوبة البني عامر) بتاريخ 11 مايو 2022 وغيرها.
المُتأسلمون (لم يسقطوا) وإنَّما (اختفوا) مرحلياً، ويُديرون البلد عبر أزلامهم، في الجيش أو الجنجويد أو بَقِيَّة المليشيات. ولقد بدأت مُؤشِّرات ظهورهم منذ 2019، عقب (خيانة) القحتيين التي أسموها اتفاق تقاسموا فيه (الخيانة/التدمير) مع المُتأسلمين، الذين ازدادت جُرأتهم يوماً بعد يوم، سواء على الصعيد الجماعي أو الفردي، ومن ذلك على سبيل المثال وليس الحصر، تشكيلهم لما يُسمَّى "التيار الإسلامي العريض"، وتنظيم إفطارهم الجماعي (علناً) خلال شهر رمضان، قُبيل اندلاع اشتباكات البرهان/حِمِيْدْتي (المصنوعة)، وتنظيمهم لعددٍ من اللقاءات الجماهيريَّة، وانتقاداتهم السَّافرة للحراك الشعبي والسَّاخرة من التغيير، انتهاءً بالتهديد والوعيد على نحو ظهور الإسْلَامَوي (الإريتري المُجنَّس) إبراهيم محمود، والمُجرم أنس عمر، ثُمَّ التسجيل الصوتي للفاجر أحمد هارون، عقب (ادِّعاء) هروبه من السجن، وهي كلها مُقدِّمة وتمهيد لظهور بَقِيَّة رؤوس الفجور الإسْلَامَوي، كالبشير ورُفقائه الذين لا يُمكن لعاقل تصديق اعتقالهم أو مُحاكمتهم!
جميع مُبادرات السلام الدولِيَّة/الإقليميَّة المزعومة، تخدم المُتأسلمين وسادتهم بالخارج، خصماً على السُّودان وأهله. ويتَّضح ذلك من تَدَبُّر مضامين جميع تلك المُبادرات، التي أهملت (سِيادة) السُّودان و(سلامة) شعبه، وتحاشت مُحاسبة/مُحاكمة المُتسبِّبين في مآسينا، بدءاً بالبشير ورُفقائه وانتهاءً بالبرهان/حميدتي وآكلي فتاتهما من القحتيين وحركات جوبا، واكتفائهم بإظهار (القلق/الحزن) وغيرها من العبارات الفضفاضة، التي لا تُسمِن أو تُغني من جوع. والأهم من كل هذا، أنَّ جميع الدول الرَّاعِيَّة لتلك المُبادرات تفتقد التَجَرُّدِ، وغير مُؤهَّلة (أخلاقياً) للحديث عن السُّودان، سواء مُبادرة جِدَّة أو أديس أبابا أو القاهرة، لأنَّهم جميعاً أجرموا في حَقِّنا، وتحالفوا مع المُتأسلمين وأزلامهم لإبادتنا والتهام مُقدَّراتنا. وأُكرِّر ما قلته سابقاً مع بداية الأحداث، بأنَّ البرهان وحِمِيْدْتي والقحتيين و(مقاطيع) اتفاقيات جوبا سيُواصلون (خياناتهم/عَمَالتهم)، دون سُقُوف أخلاقِيَّة أو إنسانِيَّة، حتَّى يقضون علينا (قتلاً/تشريداً)، فلا ننخدع بعباراتهم المُضلِّلة كـ(البَلْ، ولا للحرب وغيرها)، لأنَّهم أشتركوا معاً في (صناعة) هذه الأزمة من العدم، وعملوا على استمرارها. ولنتجاوز ما يُسمَّى مُبادرات يقودها (ناهبي) مُقدَّراتنا و(مُحتلِّي) أراضينا، و(المُتاجرين) بدمائنا وأعراضنا، ولا ننخدع بعباراتهم الزَّائفة عن (الأخوَّة/الجِيرة)، لأنَّ الشقيق لا يؤذي شقيقه ولا يغدرُ به ويبني سعادته على أنقاضه.
إنَّ الأزمةَ تَلِدُ الهِمَّة، وما أقسى الأزمات التي ألَمَّت بنا، وآخرها ما نحياه الآن من دمارٍ وهلاكٍ وخوفٍ وفقرٍ وتشريد، وهي في مُجملها كفيلةٌ بأن تكون عِظَة وحافز للتغيير، الذي لا يَتحقَّق بترديد العبارات والشعارات الإلهائِيَّة، ولا بدعم الطَّامعين والمُحتلِّين، ولا بانتظار تَحَوُّل أحلامنا وآمالنا لواقعٍ دون أفعالٍ واقعِيَّةِ، مسنودةٍ بتفكيرٍ عقلاني، وتخطيطٍ رَّصينٍ وتنظيمٍ مُحكم. فاللحاق بما تَبَقَّى من البلاد، يتطلَّب الاتِّحاد في كيانٍ واحدٍ بعيداً عن جميع (المُجَرَّبين) المُشار إليهم أعلاه، والاستعانة بخِبرات عُلمائنا (الشرفاء)، وتقسيمهم لمجموعاتٍ مُتخصِّصة، تُشرف على تجهيز (استراتيجيَّة) عامَّة للفترة الانتقالِيَّة، و(خِططها) التنفيذيَّة/التفصيليَّة ومُكوِّناتها وتكاليفها، لأنَّ السُّودانيُّين يحتاجون بشدَّة لمعرفة: ماذا سيفعلون وكيف ومتى، منذ الساعة الأولى لاكتمال التغيير الحقيقي. ويُمكن تخصيص مجموعة ثانية لدعم الحِرَاك الشعبي، وثالثة لمُتابعة/مُراقبة مُقدَّراتنا الوطنيَّة ومَنْع تسليم أي منها للغير، وهكذا يكون العمل مُتوازياً ومُتوازناً في جميع المجالات والأصعدة في آنٍ واحد.
إنَّ التَلَكُّؤ/التأخير سيكون ثمنه زوال/تذويب ما تَبقَّى من السُّودان، وثقتي عالية في أنَّ البدلاء الحقيقيين موجودين داخل رحم الشعب، صاحب الوَجْعَة، وهم أكثر أخلاقاً وصدقاً، ولا تنقصهم العقول/الكفاءات في مُختلف المجالات والمُستويات، فلنسارع للحاق بالوطَن قبل فوات الأوان.

awadf28@gmail.com
//////////////////////

 

آراء