لا للحرب.. نعم للسلام والحكم المدني (3)

 


 

أحمد الملك
26 July, 2023

 

الحرب التي يتطاول امدها في بلادنا الان، تزهق الأرواح البريئة وتقضي على الأخضر واليابس، هي نتاج مباشر لسياسات النظام الكيزاني الاجرامي الذي حكم هذه البلاد بالحديد والنار لأكثر من ثلاثة عقود عجاف، سعى فيها ذلك النظام لترسيخ سلطته مستخدما كل إمكانات الدولة في شن الحروب وقهر الناس واذلالهم. بدأ عهده بطرد مئات الالوف من أبناء هذه البلاد من وظائفهم دون اعتبار لحقوق او قيم، او لحاجة البلاد لأبنائها من ذوي الخبرة والكفاءة، تحت ذريعة ما عرف بالتمكين وهي كانت واحدة من اكبر عمليات النصب والاحتيال على مر التاريخ.
كان ذلك إيذانا ببدء سباق منسوبي التنظيم الاجرامي لنهب موارد هذه البلاد وترك أبنائها تحت رحمة الفقر والجوع والجهل. حكى لي صديق كان يعمل في احدى البنوك وكان قد شارك في عملية تبديل العملة التي قام بها نظام الإنقاذ في بدايات عهده الخراب، ذكر لي ان زملائهم من الكيزان المشاركين في عملية التبديل كانوا يستلمون الأموال القديمة من المواطنين ويعطونهم مبلغا بسيطا وايصالا ببقية المبلغ، وبدلا من توريد أوراق العملة القديمة للجهة المسئولة عن اتلافها، يقومون بالاحتفاظ بها واستبدالها مرة أخرى بأوراق جديدة لحسابهم! كانت تلك مجرد بداية صغيرة لعملية نهب تطاولت حتى ابتلع الفساد الدولة بكل مؤسساتها، وكان ضحية هذا الفساد هو المواطن الذي فقد حقوقه كلها، تشتت شمل الأُسر، وضاعت أجيال لم تتح لها الدولة الفرصة في عملية تعليمية تتيح للكل فرصا في ترقية مواهبهم واكتساب العلم والخبرة، فضاعت عقول هي الثروة الحقيقية لهذه البلاد، ولم تكتف الإنقاذ بإضاعة حقوق هذه الأجيال، بل طاردتهم في الشوارع وزجت بهم في حروبها العبثية التي لم تكن تتوقف الا لتبدأ من جديد، فالإنقاذ نظام كان يعتاش من الحروب وقتل الناس وتدمير النسيج الاجتماعي، واجبار الناس على النزوح.
احتكروا كل شيء لأنفسهم حتى مجال الاستثمار، اجبروا المنتجين القدامى على التواري وتحول الاستثمار الى عمليات غسيل أموال، ومضاربة في كل شيء وبيع للمؤسسات العامة، لينتهي في أواخر عهدهم باستيراد المخدرات.
حرب الجنوب حولوها لحرب دينية لترسيخ نظامهم، ليدفعوا بجرائم الحرب التي ارتكبوها في الجنوب أهلنا هناك لخيار الانفصال، ثم انتقلوا لدارفور وبدلا من احتواء صراعات المجموعات القبلية وتقريب المسافات بين تلك المجموعات لدمجها في انتماء للوطن يساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات، سعوا لتضخيم تلك الصراعات وتسليح قبائل ضد أخرى وانشاء ميلشيات تقتل الناس وتهجرهم وتدمر قراهم، وبسبب عدم ثقتهم في الجيش سعوا لإضعافه فجرى عليه ما جرى على كل المرافق الأخرى في بلادنا.
طوال الفترة الانتقالية كانوا يديرون المشهد من خلف ظهر اللجنة الأمنية، دبّروا وشاركوا في فض الاعتصام انتقاما من الشعب الذي أذلهم وثار لإسقاط نظامهم، وحين بدأت لجنة تفكيك التمكين تحاصرهم وتفتح ملفات الفساد التي لم يشهد لها تاريخ هذه البلاد وربما تاريخ العالم كله مثيلا، دفعوا اللجنة الأمنية لتقوم بانقلاب أكتوبر وحين فشل الانقلاب بسبب ثبات شباب الثورة رغم القمع، ظهرت الخلافات داخل اللجنة الأمنية ودفعهم الفشل وضغوط الداخل والخارج لبدء عملية سياسية كسبا للوقت ومحاولة لامتصاص غضب الشارع، وضغوط المجتمع الدولي، ولإبطال تلك العملية السياسية التي حملت معها نذر عودة لجنة التفكيك، لم يجد الكيزان حلا سوى اشعال الحرب، فهي سبيلهم الوحيد للهروب من المحاسبة ولرهن مصير البلاد كلها للمجهول. .
كل يوم تستمر فيه الحرب يعني مزيدا من الفتن والتحشيد القبلي الذي لن يقود الا لتفكك هذه البلاد، وتفكيك هذه البلاد هو احد اهم اهداف التنظيم الاجرامي الذي لا وجود للوطن في أدبياته.
لابد من الديمقراطية والحكم المدني الذي يرسي دعائم دولة القانون والحرية والسلام، دولة يستعيد فيها الجيش القومي المهني دوره الرائد في حماية البلاد والعباد، ويقطع الطريق على كل مغامر ومستبد.
ما لم يتم اقتلاع التنظيم الكيزاني المجرم من هذه البلاد ومحاسبة كل منسوبيه واستعادة ما نهبوه من مال عام فإن الحروب والموت والتخريب والدمار لن يتوقف حتى تنفرط وحدة هذه البلاد.

ortoot@gmail.com

 

آراء