في الذكرى الستين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية السودانية الجزائرية .. بقلم السفيرة/ نادية محمد خير عثمان
نادية محمد خير عثمان
13 August, 2023
13 August, 2023
نادية محمد خير عثمان
سفيرة جمهورية السودان لدى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
يصادف هذا العام (2023) الذكرى الستين لتأسيس العــلاقات الدبلــوماســيـة الســودانية الجزائرية، تعزّزها عقـود ممتـدة لعلاقات تاريخية وثقافية وحضــارية عمـيـقـة وراســخـة.
تم تدشــيـن العــلاقــات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1963م، إذ قدَّم الســـفير السوداني في القاهـرة، السـيّد أحمد مختار أحمد مصطفي أوراق اعتماده ســفيراً غير مقيم لدي الجزائر. وافتتح السودان أول بعثة دبلوماسية مقيمة له بالجزائر عام 1966م ، كثاني دولة عربية تنشيء سفارة لها في الجزائر.
تربط بين البلدين، السودان والجزائر، علائق تجذّرتْ في انتمائهما معاً للدوائر العــربية والإفريقيــة والإســلامية. ولقـد توثقـت تلـك الروابـط عبر تواصل بيـوتات العلــم والشـيـوخ والسلطنات الإسلامية، والروابط الروحية التي جسّدتها الطرق الصوفية، خلال عقود طـويلة من التفاعل والتمازج بين شعبي البلدين.
وإلى ذلك ، تظلّ مديـنـة جــزائــرية عــريقـة مثـل “تلمسان”، محفـــورة في وجدان المثقّفيـــن السودانيين، نتيجة إرتباطهـــا الوثيق مع بيــــوت العلم والسلطنات الإسلامية في السودان، وفي مقدمتها سلطنة الفونج المعروفة بالسلطنة الزرقاء وعاصمتها سنار، في أواسط السودان. وقد تعدّدت الأواصر والوشائج عبر حالات عـديدة من التصـاهـر للوافدين والعابرين من حجيج ومن طلاب العلم الجزائريين، ممن استقــــروا وطاب لهم المقام بالسودان.
ويعدّ السودان أول دولة أفريقية في جنوب الصحراء الكبرى تنال استقلالها، وقد لعب إلى ذلك دوراً هاماً ومؤثرًا في دعم الشعوب الأفريقية الشقيقة التي عانت من ظلم الاستعمار، في سبيل أن تنال حريتها وحقها في تقرير المصير، حيـث قدم السند الكبير لحركات التحــرّر في شتي بقاع القارة، ومن بينها جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، وذلك من أجل القضــاء على الاستعمار البغيض، وإنهاء سياسات الفصل والتمييز العنصري في أنحاء القارة الإفريقية.
يتزامن الاحتفال بالذكري الستين لانشاء العلاقات الدبلوماسية السودانية الجزائرية مع إحتفالات الجزائر بستينية استقلالها. وقد شكلت إنطلاقة الثورة الجزائرية المجيدة في العام 1954 ، وجدان الشعوب العربية والأفريقية المتعطشة للحرية والانتعاق، كما انها عززت علاقات التعاون والترابط بين السودان والجزائر، وأندفع السودانيون لمؤازرة أشقائهم الثوار الجزائريين.
وزار وفد جبهة التحرير الجزائرية السودان في العام 1956 لعرض القضية الجزائرية علي الشعب السوداني، كذلك تم فتح مكتب لجبهة التحرير الوطني في الخرطوم. وزارت الحكومة المؤقتة التي تم تكوينها في العام 1958، السودان بوفد قاده رئيس الحكومة المؤقتة السيد/ فرحات عباس.
وكان السودان قد قدم الدعـم السياسي واللّوجستـي لثــــواّر جبهـة التحرير الوطني الجزائرية خلال فتـرة كفاحهم المسلـح ضدّ المستعمر. وهنا يجدر بنا تذكر تضحيات البطل السوداني “إبراهيم النيل” من اجل دعم الثوار، حيث قام بنقل السلاح والعتاد الحربي للثوار الجزائريين من ميناء الإسكندرية عبر البحر، بالإضافة الي علاقاته القوية مع قادة الثورة الجزائرية، وظل البطل ابراهيم النيل يقوم بنقل السلاح للثوار إلي أن وقع أسيراً في أيدي القوات الفرنسية خلال أحدى الرحلات.
إن دعـم ثورة الجــزائـر وشــــعـبها كانت من أبرز ركــائـز سياسـة السودان الخارجية، ففي 16 يوليو 1958 كان السودان من الدول الأولي التي وقعت علي الرسالة التي تضمنت طلب إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة الثالثة عشر للجمعية العامة للأمم المتحدة. كما عكستها بيانات السودان الرسمية في الأمم المتحدة، لا سيما بيانات مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة، السفير عمر عديل ، والذي انتخب رئيسا للجنة السياسية الأولى في عام 1960م، مثلما كان رئيســاً لمجمــوعـة المندوبين الدائمين الأفارقة في المنظمة الأممية، إذ جاء في كلمته في ذلك العام ما يلي :
” لقد سمي عام ١٩٦٠ “بعام افريقيا”، إذ شهد هذا العام نيل ستة عشر بلدا افريقيا كامل الإستقلال والسيادة ، ولقد انضموا لعضوية المنظمة الدولية وهنا يطل سؤال، لماذا تركت الجزائر دون أن تلحق بهذه البلدان ؟ وكيف هي مشاعر أصدقائنا في تركهـم إخوانهم الجزائريين يغرقون في دمائهم؟
إني لعلى ثقة أنهم في قلق بالغ، وأفئدة كسـيرة، مثلهم مثل إخــوانهم في الجزائر. إن الجــزائر أمّـة عريقة، ذات تاريخ عريق وارث ثقافي باذخ، هي شــريك في ثراء إنســاني مشترك، لو جاز لي القول، يتمدّد لمساحات شاسعة في أوروبا”.
هذا وقد ظلت الجــزائر وثورتها وانتصـارات شــعبها الأبـيِّ في المُخـيّـلــة الشـــعبية السودانية ، ومصدر إلهام عميق للشعـراء والفنانين السودانيين، حيـث لحن وتغنى بأنشودة “فضة” الشهيدة الجزائرية، الفنان السوداني الكبير الراحل/ عبد الكريم الكابلي :
“أغلى مِـن لـؤلـؤة بضّــــة
صِيْـدتْ من شــطِّ البحـريـن
لحنٌ يروي مصرعَ فضّـــة
ذات العينــيـن الطيبـتـيــن
كلهاة الطفـل بقلب ســريـر
لم تبلغ سِــنْ العشــريــن
واختارتْ جيش التحـريـر”…
ومجد الشاعر المرهف/ تاج السر الحسن الثورة والشعب الجزائري في رائعته ( آسيا وأفريقيا) . كذلك أنشد الشاعر السوداني المعروف/ محمد محمد علي، قصيدته في دعم الثوار:
وأرض الجزائر أرض النضال أحن إلى تربها المختصب
وأرسل روحي الى الذائدين وأسعى إليهم بعزم يثب
وفي دار يعرب حيث الضراب تموج جحافله في لجب
يثير بنوها حماة الديار أوارا يطاول هام السحب
حياتي فداءً لكل شهيد نما في ثراها وفيه أحتجب
ولئـن شكّل استقلال الجــزائر كما هو معروف، حدثاً تاريخياً بأبعـاده ومغازيه، وامتداد تداعياته أفريقياً وعربيا ودولياً، فقد كان سانحة أخرى لتعــزيز وتعميـق علاقات بلدينا وشعبينا ، حيث تواصل التنسيق بين البلدين ودعمهــما لحركــات التحــرّر الأفريقية وللقضية الفلسطينية، ولتعزيز دور حركــة عـدم الانحيــاز والعمل المشترك لتمتين موجبات السلام والأمـن إقليميا ودوليا، ومجابهة التحــديات والظواهر السلبية العابرة للحدود والتي تهدّد السلام والأمن والاستقرار في كامل الإقلـيـم.
ظللنا في السودان نتابع باهتمامٍ كبير سياسات الجزائر على كافة الأصعـدة، فقـد ظلـت نصيرة ورائدة لتطلعات أفريقيا في الأمن والسلام والاستقرار، كما كانت رائدة كذلـك في تعزيز التعاون العربي الافريقي.
أما العلاقات السودانية الجزائرية، فقد شهدت خلال الســتين عاماً المنصرمة حـراكــاً وتعاوناً أخويّاً صادقاً، عبر آليات التعاون المعروفة والتي جسدتها اللجـنة الوزارية المشتركة بين البلدين، ولجنة التشاور السياسي واللجان الفرعية الأخرى، مثل اللجنة الفنية للتعاون في مجال الزراعة والثروة الحيوانية. وتم خلال تلك الفتــرة المثمرة من العلاقات الوثيــقة بيـن البلدين، تبادل العديد من الزيارات علي مستوي رؤساء البلدين وعلى المستوى الوزارى .
لقد تبادل البلدان الشــقيقان السند والدعــم المشــترك لجهـــودهما في المحافل الدولية والإقليمية، دفاعاً عن قضاياهما ومصائرهما المشتركة. وهنا نشير إلي التقدم الكبير الذي شهدته علاقات البلدين بإنطلاق القمة العربية مطلع نوفمبر 2022 ، والتي مثلت فرصة للقـاء رئيـسي البلدين وتأكيدهما علي ضرورة الرقي بالعلاقـات الثـنائية إلي مستويات أرفع تلبّي طمــوحات البلدين والشـعبين الشـقيقين. ونتيجة لذلك، تم تبادل العديد من الزيارات علي أعلى المستويات، كما تم عقد إجتماعات ثنائية مهمّة، وتوّج هذا الحراك في مجال التعاون التجاري بتصـدير أول شحنة من اللحــوم السودانيـة ووصولها إلي أرض الجزائر في مارس من هذا العام.
كما شهدت العــلاقات الثقافــية حراكاً ملحوظاً، إذ شاركت الفرق الشـــــــعـبية مهرجانات البلدين، ومن اللافت أيضا، التواصل في المجال الرياضي ، حـيــــث وفّـر فــرصـاً للشباب وللفرق الرياضية من توثيق الصــلات فيما بينهما، ولا يزال الاشــقاء في الجــزائر يتذكرون بكثير من الغبطة والعرفان نيلهم بطاقة التأهل لكأس العالم في العام 2009 من العاصمة القومية أمدرمان.
كما أنّ الجزائر مثلت محطة مهمة لاستضافة معسكرات التدريب لعددٍ من فرق كرة القدم السودانية المشاركة في المنافسات الإقليمية. هذا بالإضافة إلي المنح الدراسية التي تمنحها الجزائر لطــلاب الدراسات العليا الســودانيين، وتوفير فرص التدريب في العديد من المجالات الأخرى.
ومن نافـــلة القول، أن نشير إلى التعاون السياسي بين البلــديــن، وتطابق رؤاهــما حــول العــديد من قضايا الإقليم الحيوية، وأن السودان يتبع في سياسته الخارجية توجّها خاصاً لتعــزيـز تواصله مع الأشــقاء في كافة منابر وآليات العمل الاقليمي والدولي.
ونحمد للجزائر تفهمها لقضايا السودان ، ولطالما عبر المسئولون فيها عن حرصهم أن يظل الســودان آمنـا مستقراً ، لما في ذلك من تأثير إيجابي لكافة البلدان التي تجاور كلاً من السودان والجزائر.
ولا يفوتني هنا أن أزفّ التهنئة بإسم بلادي، للجزائر لفــوزها المسـتحق بالعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن للفتـرة 2024-2025 ، والذي يعكس الثقة الكبيرة التي حظيت بها على مستوى المجتمع الدولي. ولقد تجلّى حرص الجزائر وهي تمثل بلدان وشعوب اقليــمها، مناداتها بإصلاح الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، خدمة للأهداف المبتغاة، وتعزيزاً للصوت الأفريقي ولدعم مصالح القارة الأفريقية.
ومما لا شك فيه، أن الجزائر وهي تتبوأ هذا المنصب، ستكون عونا للدول الأفريقية، في جهودها لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة لشعوبها.
وإذ يطوى البلــدان ســـتين عاما منذ إنشاء علاقاتهما الدبلوماسية، فإنهـما يتطلعان للمزيد من تعزيز عــلاقات البلدين ،عبر آليات التعـاون المشتركة، وعلى المستويـيـن الرَّسمي والشعبي، حتى تكون العلاقات السودانية الجزائرية، أنموذجا يحتذى فى العالميــن العــربى الأفريقى.
وختاماً، وفي معرض الاحتفاء بذكــرى تدشــين تلــك العلاقــات الأزلية بين الشعبين والدولتين: السودان والجزائر، أود أن أعبَّـر شخصياً، وأنا أتشرف بتمثيل بلادي لدي الجزائر، عن أمنياتٍ قلـبـية صادقة للبلدين الشقيقين، وأن يديـم الله عليهما نعمة الإستقرار والتقـدم والازدهار. كما لا يفوتني أن أحيّي في هذه الذكـري، السّــفراء والدبلوماسيين الذين تعاقـبـوا علي ســـفارتي البلدين في العاصمتيـن، الخرطوم والجــزائر.
أغسطس 2023
nadiamisty08@gmail.com
سفيرة جمهورية السودان لدى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
يصادف هذا العام (2023) الذكرى الستين لتأسيس العــلاقات الدبلــوماســيـة الســودانية الجزائرية، تعزّزها عقـود ممتـدة لعلاقات تاريخية وثقافية وحضــارية عمـيـقـة وراســخـة.
تم تدشــيـن العــلاقــات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1963م، إذ قدَّم الســـفير السوداني في القاهـرة، السـيّد أحمد مختار أحمد مصطفي أوراق اعتماده ســفيراً غير مقيم لدي الجزائر. وافتتح السودان أول بعثة دبلوماسية مقيمة له بالجزائر عام 1966م ، كثاني دولة عربية تنشيء سفارة لها في الجزائر.
تربط بين البلدين، السودان والجزائر، علائق تجذّرتْ في انتمائهما معاً للدوائر العــربية والإفريقيــة والإســلامية. ولقـد توثقـت تلـك الروابـط عبر تواصل بيـوتات العلــم والشـيـوخ والسلطنات الإسلامية، والروابط الروحية التي جسّدتها الطرق الصوفية، خلال عقود طـويلة من التفاعل والتمازج بين شعبي البلدين.
وإلى ذلك ، تظلّ مديـنـة جــزائــرية عــريقـة مثـل “تلمسان”، محفـــورة في وجدان المثقّفيـــن السودانيين، نتيجة إرتباطهـــا الوثيق مع بيــــوت العلم والسلطنات الإسلامية في السودان، وفي مقدمتها سلطنة الفونج المعروفة بالسلطنة الزرقاء وعاصمتها سنار، في أواسط السودان. وقد تعدّدت الأواصر والوشائج عبر حالات عـديدة من التصـاهـر للوافدين والعابرين من حجيج ومن طلاب العلم الجزائريين، ممن استقــــروا وطاب لهم المقام بالسودان.
ويعدّ السودان أول دولة أفريقية في جنوب الصحراء الكبرى تنال استقلالها، وقد لعب إلى ذلك دوراً هاماً ومؤثرًا في دعم الشعوب الأفريقية الشقيقة التي عانت من ظلم الاستعمار، في سبيل أن تنال حريتها وحقها في تقرير المصير، حيـث قدم السند الكبير لحركات التحــرّر في شتي بقاع القارة، ومن بينها جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، وذلك من أجل القضــاء على الاستعمار البغيض، وإنهاء سياسات الفصل والتمييز العنصري في أنحاء القارة الإفريقية.
يتزامن الاحتفال بالذكري الستين لانشاء العلاقات الدبلوماسية السودانية الجزائرية مع إحتفالات الجزائر بستينية استقلالها. وقد شكلت إنطلاقة الثورة الجزائرية المجيدة في العام 1954 ، وجدان الشعوب العربية والأفريقية المتعطشة للحرية والانتعاق، كما انها عززت علاقات التعاون والترابط بين السودان والجزائر، وأندفع السودانيون لمؤازرة أشقائهم الثوار الجزائريين.
وزار وفد جبهة التحرير الجزائرية السودان في العام 1956 لعرض القضية الجزائرية علي الشعب السوداني، كذلك تم فتح مكتب لجبهة التحرير الوطني في الخرطوم. وزارت الحكومة المؤقتة التي تم تكوينها في العام 1958، السودان بوفد قاده رئيس الحكومة المؤقتة السيد/ فرحات عباس.
وكان السودان قد قدم الدعـم السياسي واللّوجستـي لثــــواّر جبهـة التحرير الوطني الجزائرية خلال فتـرة كفاحهم المسلـح ضدّ المستعمر. وهنا يجدر بنا تذكر تضحيات البطل السوداني “إبراهيم النيل” من اجل دعم الثوار، حيث قام بنقل السلاح والعتاد الحربي للثوار الجزائريين من ميناء الإسكندرية عبر البحر، بالإضافة الي علاقاته القوية مع قادة الثورة الجزائرية، وظل البطل ابراهيم النيل يقوم بنقل السلاح للثوار إلي أن وقع أسيراً في أيدي القوات الفرنسية خلال أحدى الرحلات.
إن دعـم ثورة الجــزائـر وشــــعـبها كانت من أبرز ركــائـز سياسـة السودان الخارجية، ففي 16 يوليو 1958 كان السودان من الدول الأولي التي وقعت علي الرسالة التي تضمنت طلب إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة الثالثة عشر للجمعية العامة للأمم المتحدة. كما عكستها بيانات السودان الرسمية في الأمم المتحدة، لا سيما بيانات مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة، السفير عمر عديل ، والذي انتخب رئيسا للجنة السياسية الأولى في عام 1960م، مثلما كان رئيســاً لمجمــوعـة المندوبين الدائمين الأفارقة في المنظمة الأممية، إذ جاء في كلمته في ذلك العام ما يلي :
” لقد سمي عام ١٩٦٠ “بعام افريقيا”، إذ شهد هذا العام نيل ستة عشر بلدا افريقيا كامل الإستقلال والسيادة ، ولقد انضموا لعضوية المنظمة الدولية وهنا يطل سؤال، لماذا تركت الجزائر دون أن تلحق بهذه البلدان ؟ وكيف هي مشاعر أصدقائنا في تركهـم إخوانهم الجزائريين يغرقون في دمائهم؟
إني لعلى ثقة أنهم في قلق بالغ، وأفئدة كسـيرة، مثلهم مثل إخــوانهم في الجزائر. إن الجــزائر أمّـة عريقة، ذات تاريخ عريق وارث ثقافي باذخ، هي شــريك في ثراء إنســاني مشترك، لو جاز لي القول، يتمدّد لمساحات شاسعة في أوروبا”.
هذا وقد ظلت الجــزائر وثورتها وانتصـارات شــعبها الأبـيِّ في المُخـيّـلــة الشـــعبية السودانية ، ومصدر إلهام عميق للشعـراء والفنانين السودانيين، حيـث لحن وتغنى بأنشودة “فضة” الشهيدة الجزائرية، الفنان السوداني الكبير الراحل/ عبد الكريم الكابلي :
“أغلى مِـن لـؤلـؤة بضّــــة
صِيْـدتْ من شــطِّ البحـريـن
لحنٌ يروي مصرعَ فضّـــة
ذات العينــيـن الطيبـتـيــن
كلهاة الطفـل بقلب ســريـر
لم تبلغ سِــنْ العشــريــن
واختارتْ جيش التحـريـر”…
ومجد الشاعر المرهف/ تاج السر الحسن الثورة والشعب الجزائري في رائعته ( آسيا وأفريقيا) . كذلك أنشد الشاعر السوداني المعروف/ محمد محمد علي، قصيدته في دعم الثوار:
وأرض الجزائر أرض النضال أحن إلى تربها المختصب
وأرسل روحي الى الذائدين وأسعى إليهم بعزم يثب
وفي دار يعرب حيث الضراب تموج جحافله في لجب
يثير بنوها حماة الديار أوارا يطاول هام السحب
حياتي فداءً لكل شهيد نما في ثراها وفيه أحتجب
ولئـن شكّل استقلال الجــزائر كما هو معروف، حدثاً تاريخياً بأبعـاده ومغازيه، وامتداد تداعياته أفريقياً وعربيا ودولياً، فقد كان سانحة أخرى لتعــزيز وتعميـق علاقات بلدينا وشعبينا ، حيث تواصل التنسيق بين البلدين ودعمهــما لحركــات التحــرّر الأفريقية وللقضية الفلسطينية، ولتعزيز دور حركــة عـدم الانحيــاز والعمل المشترك لتمتين موجبات السلام والأمـن إقليميا ودوليا، ومجابهة التحــديات والظواهر السلبية العابرة للحدود والتي تهدّد السلام والأمن والاستقرار في كامل الإقلـيـم.
ظللنا في السودان نتابع باهتمامٍ كبير سياسات الجزائر على كافة الأصعـدة، فقـد ظلـت نصيرة ورائدة لتطلعات أفريقيا في الأمن والسلام والاستقرار، كما كانت رائدة كذلـك في تعزيز التعاون العربي الافريقي.
أما العلاقات السودانية الجزائرية، فقد شهدت خلال الســتين عاماً المنصرمة حـراكــاً وتعاوناً أخويّاً صادقاً، عبر آليات التعاون المعروفة والتي جسدتها اللجـنة الوزارية المشتركة بين البلدين، ولجنة التشاور السياسي واللجان الفرعية الأخرى، مثل اللجنة الفنية للتعاون في مجال الزراعة والثروة الحيوانية. وتم خلال تلك الفتــرة المثمرة من العلاقات الوثيــقة بيـن البلدين، تبادل العديد من الزيارات علي مستوي رؤساء البلدين وعلى المستوى الوزارى .
لقد تبادل البلدان الشــقيقان السند والدعــم المشــترك لجهـــودهما في المحافل الدولية والإقليمية، دفاعاً عن قضاياهما ومصائرهما المشتركة. وهنا نشير إلي التقدم الكبير الذي شهدته علاقات البلدين بإنطلاق القمة العربية مطلع نوفمبر 2022 ، والتي مثلت فرصة للقـاء رئيـسي البلدين وتأكيدهما علي ضرورة الرقي بالعلاقـات الثـنائية إلي مستويات أرفع تلبّي طمــوحات البلدين والشـعبين الشـقيقين. ونتيجة لذلك، تم تبادل العديد من الزيارات علي أعلى المستويات، كما تم عقد إجتماعات ثنائية مهمّة، وتوّج هذا الحراك في مجال التعاون التجاري بتصـدير أول شحنة من اللحــوم السودانيـة ووصولها إلي أرض الجزائر في مارس من هذا العام.
كما شهدت العــلاقات الثقافــية حراكاً ملحوظاً، إذ شاركت الفرق الشـــــــعـبية مهرجانات البلدين، ومن اللافت أيضا، التواصل في المجال الرياضي ، حـيــــث وفّـر فــرصـاً للشباب وللفرق الرياضية من توثيق الصــلات فيما بينهما، ولا يزال الاشــقاء في الجــزائر يتذكرون بكثير من الغبطة والعرفان نيلهم بطاقة التأهل لكأس العالم في العام 2009 من العاصمة القومية أمدرمان.
كما أنّ الجزائر مثلت محطة مهمة لاستضافة معسكرات التدريب لعددٍ من فرق كرة القدم السودانية المشاركة في المنافسات الإقليمية. هذا بالإضافة إلي المنح الدراسية التي تمنحها الجزائر لطــلاب الدراسات العليا الســودانيين، وتوفير فرص التدريب في العديد من المجالات الأخرى.
ومن نافـــلة القول، أن نشير إلى التعاون السياسي بين البلــديــن، وتطابق رؤاهــما حــول العــديد من قضايا الإقليم الحيوية، وأن السودان يتبع في سياسته الخارجية توجّها خاصاً لتعــزيـز تواصله مع الأشــقاء في كافة منابر وآليات العمل الاقليمي والدولي.
ونحمد للجزائر تفهمها لقضايا السودان ، ولطالما عبر المسئولون فيها عن حرصهم أن يظل الســودان آمنـا مستقراً ، لما في ذلك من تأثير إيجابي لكافة البلدان التي تجاور كلاً من السودان والجزائر.
ولا يفوتني هنا أن أزفّ التهنئة بإسم بلادي، للجزائر لفــوزها المسـتحق بالعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن للفتـرة 2024-2025 ، والذي يعكس الثقة الكبيرة التي حظيت بها على مستوى المجتمع الدولي. ولقد تجلّى حرص الجزائر وهي تمثل بلدان وشعوب اقليــمها، مناداتها بإصلاح الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، خدمة للأهداف المبتغاة، وتعزيزاً للصوت الأفريقي ولدعم مصالح القارة الأفريقية.
ومما لا شك فيه، أن الجزائر وهي تتبوأ هذا المنصب، ستكون عونا للدول الأفريقية، في جهودها لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة لشعوبها.
وإذ يطوى البلــدان ســـتين عاما منذ إنشاء علاقاتهما الدبلوماسية، فإنهـما يتطلعان للمزيد من تعزيز عــلاقات البلدين ،عبر آليات التعـاون المشتركة، وعلى المستويـيـن الرَّسمي والشعبي، حتى تكون العلاقات السودانية الجزائرية، أنموذجا يحتذى فى العالميــن العــربى الأفريقى.
وختاماً، وفي معرض الاحتفاء بذكــرى تدشــين تلــك العلاقــات الأزلية بين الشعبين والدولتين: السودان والجزائر، أود أن أعبَّـر شخصياً، وأنا أتشرف بتمثيل بلادي لدي الجزائر، عن أمنياتٍ قلـبـية صادقة للبلدين الشقيقين، وأن يديـم الله عليهما نعمة الإستقرار والتقـدم والازدهار. كما لا يفوتني أن أحيّي في هذه الذكـري، السّــفراء والدبلوماسيين الذين تعاقـبـوا علي ســـفارتي البلدين في العاصمتيـن، الخرطوم والجــزائر.
أغسطس 2023
nadiamisty08@gmail.com