إنها نار الحرب، وما لنا أن نجني من نارها غير الويل
د. حسن حميدة
22 August, 2023
22 August, 2023
إنها أيام الحرب الصاخبة وحالة من الفوضى العارمة. الناس يخرجون من مخابئهم بعد أيام ليتفقدوا ما تبقى لهم من أرواح ومتاع. يغادرون منازلهم ليتفقدوا حال من كتب له مزيد من العمر، ومن تبقى من أهل الحي. الحي السكني الذي كان قبل أسابيع حي آمن، يمشي علىي شوارعه الناس ويجلس تحت أشجاره الشيب ويجري في أزقته الأطفال ويلعب في ميادينه الشباب. لقد علقت الآن بالهواء رائحة البارود التي لا يمكن محوها بأقوى أنواع العطور. وعلقت به رائحة نتنة، فاقت في نتانتها رائحة إطارات السيارات المحروقة في أيام الثورة المجيدة. إنها الحرب الضروس، وأنه الهواء الذي يتنفسه الصغار والكبار ومنذ أيام في المدينة، وكأنه حامض كيماوي يزكم الأنوف، ويشق الحلوق ليستقر في رئتي المستنشق كالسم الزعاف. على جدران المنازل وأبوابها ونوافذها وإن وجدت، حطت طبقات من غبار كثيف ومجهول الهوية والتركيب – أهو غبار صحراء أفريقيا الكبيرة، أم هو غبار الطلق الناري والبارود؟ حطام هنا وحطام هناك، مصحوب ببكاء المكلومين من النساء وصراخ المفجوعين من الأطفال. ما كان ذنب هؤلاء في الأيام؟ ولا أحد يدري. هاهم الأطفال الجوعى ينادون بأصوات بطونهم قبل أصوات أفواههم. من يستجيب لمناداة جوعى الحرب، ولا أحد يدري، ولا أحد سمع. ولا أحدثك عن كبار السن والحوامل والمرضعات، ولا أحدثك هنا عن أحوال صبيات وأمهات بلادي المشردات، وهن في أوج أيام الحيض. أين الرجال، أين أهل السياسة، أين المثقفون، وأين مكان حكماء بلادي في أيام الحرب؟ أين الأخوة، أين الجيرة، أين الإنسانية، وأين المجتمع الدولي في أيام العدم؟ أين العروبة، أين الدين، وأين الإسلام في أيام الحرمان؟ ولا أحد يدري، ولا أحد رأى، ولا أحد سمع.
الآن هم الناس خارج المنازل، وهذا على الرغم من خطورة الوضع في الشوارع وأثناء هذا اليوم اللئيم ومع حظ عمر تعيس. هنا رجال مجتمعون ومنشغلون بأمر دفن الموتى، وآخر أمنية يتمناها كل إنسان قبل الرحيل ممن هم على قيد الحياة، هي دفنه وستر جثمانه بعد الموت. وحتى الحيوانات تحمل موتاها إلى مسواها الأخير وتواريها الثرى لتسترها. كان سؤال الناس وهمهم الشاغل وقتها، بأي مكان يكون الدفن؟ وكان وقت الدفن محتوما لجثامين تنادي إشتياقا لباطن الأرض. وهذا بعد أن عجزت أجسادهم عن المشي من فوقها وقت الحرب. بأي ذنب قتلوا، ولما بهذه الطريقة الشنعاء؟ ولا أحد يدري.
عن دور الإعاقة والملاجيء ورياض الأطفال والمدارس والجامعات نرى ولا نتحدث. كلها أغلقت أبوابها وهجرتها حتى الطيور في أغصان الأشجار، ولم يقبل بها حتى البوم كأوكار مهجورة. ربما تحدثنا عن تحول بعضها لمدافن للموتى، بل تحولت على نحوها منازل إلى مقابر ومثاوي أخيرة ومن دون قباب. مقابر ومثاوي أخيرة لمن بناها وأحب السكن فيها بين أهله وأقاربه وجيرانه. وهاهم الأطفال والشباب، كثروة بشرية للبلاد في مهب الرياح في كل اتجاه، وتحملها الرياح كما تشاء. الأطفال والشباب، وقريبا البنات والنساء أيضا في عش الجندية، إذا لم يأتي السلام (كان أسمهن بالأمس أخواتنا، سموهن اليوم أخوات نسيبة). وصار الشباب (رمز القوة والشهامة والمرؤة والسلمية) على أتم المعرفة بكل أنواع السلاح واستخدامه المميت، للدفاع عن النفس والعرض والشرف، أو لممارسة الترويع والنهب والقتل في عقر الديار. وهذا عوضا عن وجود هؤلاء في فصول المدارس ومعامل الكليات وصالات المحاضرات والمكاتب والمؤسسات ومراكز الإنتاج.
وهناك نساءا مجتمعات، يحاولن أن يتماسكن ليمسحن دموعهن ودموع بعضهن. هل كان هذا هو يوم عرسهن، يوم زفافهن من الرجال، أم كان يوم حتفهن، يوم دفنهن؟ ولا أحد يدري. وبينهن بنات لا تفصلهن أعوام كثيرة من بلوغ عمر الزوجية وسن الأمومة إذا تزوجن. ماذا تبقى لهن لأن يكتشفن من رجولة توجد في خزن ومخازن الرجال؟ هل هناك اعتماد على الرجل (رجل الحرب) – الكائن الحرباء الذي يجيد التلون والمراوغة؟ هل يوفر الرجل لهن الأمان حتى يحملن منه كأب ودود ورحيم بعد أن يلدن منه ويرضعن صغارهن؟ هل بإمكان الرجل أن يتقاسم معهن عناء الحياة الشاق، أم أن الرجل هو من يدير الحروب، ويأتي بالخراب والدمار في عقر الديار، ليشردهن ويبكيهن ويجعلهن معدمات؟ وكان هناك بينهم أنصاص الرجال الذين يطيب لهم المقام بعد تشريدهن من ديارهن ليسكنوها. ويجعلون من المرأة "ست أبوها" آلة تستخدم، ومخلوق مستعار، معروض في العراء للأغتصاب من مجموعات شوارع منحطة الأخلاق، وعديمة دين وعرض وشرف وإنسانية وجذور. وصدق القول بأن الرجال خشوم بيوت، أين موقع دعمنا السريع من كل هذا، أين موقع عصابات تسعة طويلة وأنصاص الرجال في المنتصف، وأين موقع جيشنا المغوار من كل هذا؟
وأخير لقد تقرر أمر الدفن لا محالة، ولا مجال لتأخير موعده تحت كل الظروف. هاهي اللحظات تمر، وفي كل لحظة يكتشف أهل الحى، ضحية حرب أخرى وميت آخر بين الحطام. تعجل الناس، خصوصا الشباب منهم في حفر القبور لحمل ضحايا الحرب لمثواهم الأخير. وهاهو الظلام الدامس يداهمهم، ويعلو الجو الغبار، والشباب يتصببون عرقا تحت حر ليل غائبة الظهور. وهاهي طائرات القتال تعتلي الجو، وتحلق مرة أخرى في الفضاء مستكشفة، ومن على البعد تسمع ضربات السلاح من البنادق والمدافع. ويزداد الجو قتامة، ويستنشق الناس مرة أخرى رائحة البارود الطاعنة في الحلوق والأجواف والأفئدة.
تفقد الناس يومها حصيلة الموتى وعدد الضحايا الذي فاق في يومه تصور كل من كان بمكان التجمع. وكان من بينهم نبلاء وأدباء وعلماء وكرماء وظرفاء ومبدعي ورياضيي وزاهدي ومتقشفي الحي. وتساءل الناس وقتها عن إمام المسجد العتيق، كيف حاله وأين مكانه الآن؟ وهذا بعد أن صمت كغير عادته صوت الأذان المنادي بمكبرات الصوت للصلاة خمس مرات في كل يوم وغاب عن مسامع الناس صوت الإمام الوقور ما وجد الحي السكني. فجأة عم السكون مكان تجمع أهل الحي، نساءا ورجالا، كبارا وصغارا. لقد لقي الإمام الوقور حتفه بسبب قنبلة إما طائشة وإما موجهة إلى منزله المتواضع في قلب الحي وصار في عداد ضحايا الحرب اللئيمة. وعليه توجب على أهل الحي المنكوب كغيره من أحياء المدينة، الصلاة على ضحايا حيهم، بما فيهم الإمام الوقور الذي رحل. وكان في مثل هذا اليوم، يؤم المصلين ويؤدي الصلاة ويواسي أهل الموتى ويطمئن قلوبهم الناس بأحاديث شريفة وآيات من الذكر الحكيم.
توكل أهل الحي على ربهم وواروا موتاهم الطيبين الثرى، بما فيهم إمام المسجد الوقور، والحزن يطعن في أحشائهم. وهذا بفراقهم لمن أحبوا من الناس وفقدوا أهل كرماء وعطوفين بين ليلة وضحاها، ولا يدرون لمن من الناس يكن الموت بولوج نور صباح جديد وبإشراق شمس يوم باكر.
ومن هنا: أي تقدم إنساني نحن فيه الآن، وأي إزدهار ننشد أنفسنا؟ وحنبنيهو كيف الوطن البنحلم بيه؟ العالم يناطح الآن السحاب، وعندنا يتناطح جنرالين يتمتعون بمكانة نحتت على رأس المواطن وعلى رأس الدولة. لقد كانا أخوين وفيين لبعض، بل كانا توأمين سياميين يتنفسون ويعطسون بأنف واحد، والآن صارا عدوين لدودين لبعضهما البعض. ونقول للأثنين بكل أمانة ومسؤولية: ليس هذه هي النتيجة التي كان ينتظرها شعب السودان منكم بعد صبر سنين عجاف. ولا كثمرة من ثمار المرحلة الإنتقالية للتحول الديمقراطي المنشود، في ووطن هو طنكم "السودان الكريم". يجب اليوم وقبل باكر أحلال سلام عاجل ودائم لشعب كريم أنتم منه وإليه. وسوف يكون بالتأكيد سلام في الوقت الضائع، ولكنه سوف يكون حتما أحسن من عدمه "أحسن من الحرب". والاعتذار للشعب السوداني، خصوصا الإعتذار للضحايا من مصابين ومعاقين، وأهل الضحايا والمشردين والمنهوبين والمتضررين، والمواطنين الذين دمرت منازلهم وممتلكاتهم ومؤسساتهم. هذه هي مسؤوليتكم أنتم كقادة في تعويضهم تعويض كامل وغير ناقص. وعلى الدول الغنية التي صنعت الحرب ومولت الحرب ليتطاحن السودانيون فيما بينهم أن تتحزم وتشد حيلها لدفع تعويضات الضحايا ودفع الخسائر الفادحة. وهذا يحوي التضرر المادي والتضرر النفسي الذي يلاحق حتى الأطفال كناتج عن صدمات الحرب أم صدمات ما بعد الحرب (ذا وور تراوما آند ذا بوست وور تراوما). وكل هذا على أساس ومنهاج التعويضات (مئات الملايين) التي توجب على السودان دفعها للولايات المتحدة الأمريكية، تعويضات تحت تسمية "دعم الإرهاب الدولي". وهنا يقدر ما سفكته هذه الدول من أرواح، وما دمرته من منازل ومؤسسات وبنية تحتية واقتصاد في السودان بمئات المليارات وما يزيد عن ذلك. ويجب أن يأمن ويحكم وصول هذه التعويضات مباشرة ومن دون وسيط للمواطن السوداني المتضرر من رحى الحرب الدائرة، والمفتعلة لمآرب محلية وأقليمية، للأخذ من سيادة وثروات البلاد المادية والبشرية.
E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de
الآن هم الناس خارج المنازل، وهذا على الرغم من خطورة الوضع في الشوارع وأثناء هذا اليوم اللئيم ومع حظ عمر تعيس. هنا رجال مجتمعون ومنشغلون بأمر دفن الموتى، وآخر أمنية يتمناها كل إنسان قبل الرحيل ممن هم على قيد الحياة، هي دفنه وستر جثمانه بعد الموت. وحتى الحيوانات تحمل موتاها إلى مسواها الأخير وتواريها الثرى لتسترها. كان سؤال الناس وهمهم الشاغل وقتها، بأي مكان يكون الدفن؟ وكان وقت الدفن محتوما لجثامين تنادي إشتياقا لباطن الأرض. وهذا بعد أن عجزت أجسادهم عن المشي من فوقها وقت الحرب. بأي ذنب قتلوا، ولما بهذه الطريقة الشنعاء؟ ولا أحد يدري.
عن دور الإعاقة والملاجيء ورياض الأطفال والمدارس والجامعات نرى ولا نتحدث. كلها أغلقت أبوابها وهجرتها حتى الطيور في أغصان الأشجار، ولم يقبل بها حتى البوم كأوكار مهجورة. ربما تحدثنا عن تحول بعضها لمدافن للموتى، بل تحولت على نحوها منازل إلى مقابر ومثاوي أخيرة ومن دون قباب. مقابر ومثاوي أخيرة لمن بناها وأحب السكن فيها بين أهله وأقاربه وجيرانه. وهاهم الأطفال والشباب، كثروة بشرية للبلاد في مهب الرياح في كل اتجاه، وتحملها الرياح كما تشاء. الأطفال والشباب، وقريبا البنات والنساء أيضا في عش الجندية، إذا لم يأتي السلام (كان أسمهن بالأمس أخواتنا، سموهن اليوم أخوات نسيبة). وصار الشباب (رمز القوة والشهامة والمرؤة والسلمية) على أتم المعرفة بكل أنواع السلاح واستخدامه المميت، للدفاع عن النفس والعرض والشرف، أو لممارسة الترويع والنهب والقتل في عقر الديار. وهذا عوضا عن وجود هؤلاء في فصول المدارس ومعامل الكليات وصالات المحاضرات والمكاتب والمؤسسات ومراكز الإنتاج.
وهناك نساءا مجتمعات، يحاولن أن يتماسكن ليمسحن دموعهن ودموع بعضهن. هل كان هذا هو يوم عرسهن، يوم زفافهن من الرجال، أم كان يوم حتفهن، يوم دفنهن؟ ولا أحد يدري. وبينهن بنات لا تفصلهن أعوام كثيرة من بلوغ عمر الزوجية وسن الأمومة إذا تزوجن. ماذا تبقى لهن لأن يكتشفن من رجولة توجد في خزن ومخازن الرجال؟ هل هناك اعتماد على الرجل (رجل الحرب) – الكائن الحرباء الذي يجيد التلون والمراوغة؟ هل يوفر الرجل لهن الأمان حتى يحملن منه كأب ودود ورحيم بعد أن يلدن منه ويرضعن صغارهن؟ هل بإمكان الرجل أن يتقاسم معهن عناء الحياة الشاق، أم أن الرجل هو من يدير الحروب، ويأتي بالخراب والدمار في عقر الديار، ليشردهن ويبكيهن ويجعلهن معدمات؟ وكان هناك بينهم أنصاص الرجال الذين يطيب لهم المقام بعد تشريدهن من ديارهن ليسكنوها. ويجعلون من المرأة "ست أبوها" آلة تستخدم، ومخلوق مستعار، معروض في العراء للأغتصاب من مجموعات شوارع منحطة الأخلاق، وعديمة دين وعرض وشرف وإنسانية وجذور. وصدق القول بأن الرجال خشوم بيوت، أين موقع دعمنا السريع من كل هذا، أين موقع عصابات تسعة طويلة وأنصاص الرجال في المنتصف، وأين موقع جيشنا المغوار من كل هذا؟
وأخير لقد تقرر أمر الدفن لا محالة، ولا مجال لتأخير موعده تحت كل الظروف. هاهي اللحظات تمر، وفي كل لحظة يكتشف أهل الحى، ضحية حرب أخرى وميت آخر بين الحطام. تعجل الناس، خصوصا الشباب منهم في حفر القبور لحمل ضحايا الحرب لمثواهم الأخير. وهاهو الظلام الدامس يداهمهم، ويعلو الجو الغبار، والشباب يتصببون عرقا تحت حر ليل غائبة الظهور. وهاهي طائرات القتال تعتلي الجو، وتحلق مرة أخرى في الفضاء مستكشفة، ومن على البعد تسمع ضربات السلاح من البنادق والمدافع. ويزداد الجو قتامة، ويستنشق الناس مرة أخرى رائحة البارود الطاعنة في الحلوق والأجواف والأفئدة.
تفقد الناس يومها حصيلة الموتى وعدد الضحايا الذي فاق في يومه تصور كل من كان بمكان التجمع. وكان من بينهم نبلاء وأدباء وعلماء وكرماء وظرفاء ومبدعي ورياضيي وزاهدي ومتقشفي الحي. وتساءل الناس وقتها عن إمام المسجد العتيق، كيف حاله وأين مكانه الآن؟ وهذا بعد أن صمت كغير عادته صوت الأذان المنادي بمكبرات الصوت للصلاة خمس مرات في كل يوم وغاب عن مسامع الناس صوت الإمام الوقور ما وجد الحي السكني. فجأة عم السكون مكان تجمع أهل الحي، نساءا ورجالا، كبارا وصغارا. لقد لقي الإمام الوقور حتفه بسبب قنبلة إما طائشة وإما موجهة إلى منزله المتواضع في قلب الحي وصار في عداد ضحايا الحرب اللئيمة. وعليه توجب على أهل الحي المنكوب كغيره من أحياء المدينة، الصلاة على ضحايا حيهم، بما فيهم الإمام الوقور الذي رحل. وكان في مثل هذا اليوم، يؤم المصلين ويؤدي الصلاة ويواسي أهل الموتى ويطمئن قلوبهم الناس بأحاديث شريفة وآيات من الذكر الحكيم.
توكل أهل الحي على ربهم وواروا موتاهم الطيبين الثرى، بما فيهم إمام المسجد الوقور، والحزن يطعن في أحشائهم. وهذا بفراقهم لمن أحبوا من الناس وفقدوا أهل كرماء وعطوفين بين ليلة وضحاها، ولا يدرون لمن من الناس يكن الموت بولوج نور صباح جديد وبإشراق شمس يوم باكر.
ومن هنا: أي تقدم إنساني نحن فيه الآن، وأي إزدهار ننشد أنفسنا؟ وحنبنيهو كيف الوطن البنحلم بيه؟ العالم يناطح الآن السحاب، وعندنا يتناطح جنرالين يتمتعون بمكانة نحتت على رأس المواطن وعلى رأس الدولة. لقد كانا أخوين وفيين لبعض، بل كانا توأمين سياميين يتنفسون ويعطسون بأنف واحد، والآن صارا عدوين لدودين لبعضهما البعض. ونقول للأثنين بكل أمانة ومسؤولية: ليس هذه هي النتيجة التي كان ينتظرها شعب السودان منكم بعد صبر سنين عجاف. ولا كثمرة من ثمار المرحلة الإنتقالية للتحول الديمقراطي المنشود، في ووطن هو طنكم "السودان الكريم". يجب اليوم وقبل باكر أحلال سلام عاجل ودائم لشعب كريم أنتم منه وإليه. وسوف يكون بالتأكيد سلام في الوقت الضائع، ولكنه سوف يكون حتما أحسن من عدمه "أحسن من الحرب". والاعتذار للشعب السوداني، خصوصا الإعتذار للضحايا من مصابين ومعاقين، وأهل الضحايا والمشردين والمنهوبين والمتضررين، والمواطنين الذين دمرت منازلهم وممتلكاتهم ومؤسساتهم. هذه هي مسؤوليتكم أنتم كقادة في تعويضهم تعويض كامل وغير ناقص. وعلى الدول الغنية التي صنعت الحرب ومولت الحرب ليتطاحن السودانيون فيما بينهم أن تتحزم وتشد حيلها لدفع تعويضات الضحايا ودفع الخسائر الفادحة. وهذا يحوي التضرر المادي والتضرر النفسي الذي يلاحق حتى الأطفال كناتج عن صدمات الحرب أم صدمات ما بعد الحرب (ذا وور تراوما آند ذا بوست وور تراوما). وكل هذا على أساس ومنهاج التعويضات (مئات الملايين) التي توجب على السودان دفعها للولايات المتحدة الأمريكية، تعويضات تحت تسمية "دعم الإرهاب الدولي". وهنا يقدر ما سفكته هذه الدول من أرواح، وما دمرته من منازل ومؤسسات وبنية تحتية واقتصاد في السودان بمئات المليارات وما يزيد عن ذلك. ويجب أن يأمن ويحكم وصول هذه التعويضات مباشرة ومن دون وسيط للمواطن السوداني المتضرر من رحى الحرب الدائرة، والمفتعلة لمآرب محلية وأقليمية، للأخذ من سيادة وثروات البلاد المادية والبشرية.
E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de