مسكين عبد الوهاب الأفندي سيظل دوما لاحق للأحداث

 


 

طاهر عمر
27 August, 2023

 

ستظل مشكلة الاسلاميين كبيرة ما دام جرحهم النرجسي عصي على الشفاء و تذكرنا مشكلة نخب الاسلاميين بحال الرومانتكيين و هم يقاومون بوادر زوال سحر العالم القديم حيث كان الدين يشكل بظلال الثقافة و ذهنية ما قبل الخروج من حيز المجتمعات التقليدية و بعدها قد أصبح العالم يتيقن من أن الإنسان قد أصبح عقلاني و أخلاقي و أن الايمان التقليدي مثل إيمان عبد الوهاب الأفندي قد أصبح في مهب الريح و هذا الذي لا يريد عبد الوهاب الأفندي أن يحدّق فيه مليئا لأنه يذكره بأنه قد سلك الطريق الخطأ أي طريق الحركة الاسلامية السودانية و قضى فيه عمره و إذا بمشروعهم الذي يلتفت لماضي ذهبي قد أصبح أمام الرياح هباء و لا سبيل لإنقاذه.
و كثير من النقاد أصحاب التفكير النقدي يجدون رابط قوي ما بين الرومانتيكيين و فلاسفة ما بعد الحداثة أي أن فلاسفة ما بعد الحداثة ما هم غير الرومانتكيين و قد ظهروا من جديد في فلسفة و أفكار ما بعد الحداثة في هجومهم على فكر عقل الأنوار و أفكار الحداثة إلا أن الفرق بين أوروبا أنها تمتاز بمسيرة متسلسلة للفكر و نجده قد قدم نقد لفلاسفة ما بعد الحداثة و جعلهم يتراجعون عن نقدهم للعقل و هذا هو الغائب في ساحتنا السودانية.
و هذا التفكير النقدي الغائب يجعل مثل عبد الوهاب الأفندي يظل يخفي جرحه النرجسي و يطل من وقت لآخر ظانا بأنه يستطيع إعادة إضاءة شعلة الحركة الإسلامية من جديد في مجتمع سوداني قد كسد فيه بل يمكن أن تقول قد إنعدم فيه التفكير النقدي و هذا الذي يجعل فيلسوف كبير مثل ميشيل فوكو يتراجع عن أفكار ما بعد الحداثة و كذلك جاك دريدا و جاك لاكان و يظل عبد الوهاب الأفندي يناور في مجتمعنا السوداني ظانا بأن السودان جزيرة معزولة عن العالم و لا يمكن أن يغشاه التغير الهائل في المفاهيم.
مثلا ميشيل فوكو قد وقع في خطاء شنيع أيام وصول الخمينية الى الحكم و قد زار إيران و بعدها قد ندم بل وصف نفسه بأنه لا يمكن وصفه بأنه مفكر إستراتيجي بسبب ظنه أن الخمينية ثورة و هنا يظهر الفرق بين ميشيل فوكو لأنه من مجتمع مراقب من قبل ورثة عقل الأنوار و عبد الوهاب الأفندي من مجتمع تقليدي يظل فيه المثقف مثل عبد الوهاب الأفندي لاحق للأحداث على الدوام كما نرى الأفندي في هذه الأيام و هو يحاول أن يكون لاحق للاحداث و يحاول تغبيش الوعي و المناورة بأن الحرب قد قضت على ثورة مجيدة كثورة ديسمبر التي قد سببت لهم جرحهم النرجسي الغائر.
قد فقد عبد الوهاب الأفندي وقاره كمفكر و أصبح لا يعرف بأن هذه الحرب لا تخص الشعب السوداني في شئ لأنها بين جيش الكيزان و بين الجنجويد كأداة موت قد خلقها الكيزان و هو واحد من ضمنهم مهما حاول التخفي رغم أن ما بين سطوره يفضحه دوما بأنه كوز تقليدي كامل الدسم و خاصة في مقاله الأخير في سودانايل بعنوان ماذا يعني وقف الحرب في السودان و كيف نبدأ؟ و نحن نسأله تبدأ ككوز تريد إرجاع عقارب الزمان الى الوراء؟
يظن عبد الوهاب الأفندي أن أفق ثورة ديسمبر المجيدة يمثله بؤساء قحط في زمن ميوعة حمدوك و نسى عبد الوهاب الأفندي أن روح ثورة ديسمبر هي روح الشعب السوداني في محاولة إنعتاقه من فلسفة العبيد و هم الكيزان و هنا نستلف من نيتشة كيف وصف الثقافة اليهودية المسيحية بأنها فلسفة العبيد و على أوروبا أن تنعتق منها و هل تختلف أفكار الكيزان من من فلسفة العبيد كما وصفهم نيتشة و كيفية الإنعتاق من الثقافة اليهودية المسيحية؟ لا تختلف ثقافة الكيزان و كانت ثورة ديسمبر إنعتاق كامل و شامل يوم ردد الشعب السوداني شعار ثورة ديسمبر حرية سلام و عدالة و يومها كان يوم تقدم الشعب و سقوط النخب السودانية الفاشلة و هم في ضعفهم يظنهم عبد الوهاب الأفندي أنهم أفق الثورة المجيدة و هيهات.
عبد الوهاب الأفندي يظن أن من ورثوا ثورة ديسمبر بالتعصيب من أتباع الامام و الختم هم أفق الثورة و لهذا يظن أنه يستطيع أن يستدير كنهر النيجر و يسوّر ثورة ديسمبر بأنها قد فشلت بسبب فشل أتباع الامام و الختم و هم يتطفلون على ثورة ديسمبر بفكر نسق الطاعة و هم أتباع الامام الصادق المهدي و الختم و بذاكرة محروسة بالوصايا و ممنوعة من التفكير.
لذلك ظن عبد الوهاب الأفندي أن فشل حكومة حمدوك الإنتقالية يعني فشل الثورة و هيهات و من هنا نقول لعبد الوهاب الأفندي بأن أتباع الامام و الختم لم يكونوا يوما أفق الثورة في فترة إنتقالية حمدوك لأنهم مثلك يفتقرون لآداب الحرية كضلع في شعار ثورة ديسمبر و الشعب عندما قال حرية سلام و عدالة يعني الحرية كما يعرفها كل انسان عاقل و أخلاقي و لا يخاف من الخطاب الديني خطاب أتباع المرشد و الختم و الامام.
و لهذا ثورة ديسمبر ستكون دالة المتغير المستقل فيها يجر متغير تابع يختلف عن متغير ثقافتك الكيزانية ثقافة نسق الطاعة و الذاكرة المحروسة بالوصايا و ممنوعة من التفكير رغم أننا في زمن لم تعد فيه الفلسفة خادم للاهوت كما تظن يا عبد الوهاب الأفندي لذلك ثورة ديسمبر لا تقيّم بفشل حكومة حمدوك الإنتقالية بل نقول لك أن ثورة ديسمبر قد أصبح الدهر منشدا بشعارها فلا تستعجل الفرح بفشلها إن كنت تعرف ماذا يعني أننا في زمن تقدم الشعب و سقوط النخب و ثورة ديسمبر ثورة شعب سيكون مصدر السلطة و فوق على أي خطاب بما فيه الخطاب الديني الكيزاني الفاشل ما بقى الدهر.
يظن عبد الوهاب الأفندي أن فلاسفة ثورة ديسمبر هم مثقفي معارضة الكيزان رافعي لافتات المساومة التاريخية بين يمين غارق في وحل الفكر الديني و يسار سوداني رث أو صاحب المؤالفة بين العلمانية و الدين أو عالم الاجتماع التقليدي رافع فكرة لاهوت التحرير كعنوان لجبن اليساريين أمام خطاب الكيزان أو صاحب مهادنة الطائفية و النسخة المتحجرة من الشيوعية السودانية أو من ضحك عليهم الكوز خالد التيجاني النور في لقاء نيروبي أو أصحاب إنتخابات عشرين عشرين التي تريد المعارضة الفاشلة أن تنازل فيها البشير و نحن نقول له هؤلاء لا يمثلون أفق ثورة ديسمبر يا عبد الوهاب الأفندي ثورة ديسمبر أفقها روح الشعب السوداني المنعتق من كل خطاب ديني متخلف و ستظل عصية على أمثالك و لا تجعلك في مستوى من يرى أفقها.
نقول لعبد الوهاب الأفندي في التاريخ البعيد أي قبل قرنيين كان توكفيل فيلسوف فرنسي و عالم اجتماع و اقتصادي و سياسي و قد سحقت الثورة الفرنسية طبقته و مسحتها من الوجود و قد فقد اثنين من أسرته بالاعدام من قبل الثوار و عاش تجربة تشبه في عمقها جرحك النرجسي الذي قد سببته لك ثورة ديسمبر و قد سحقت حزبك الكيزاني كما سحقت الثورة الفرنسية طبقت توكفيل و لكن أنظر الفرق بينك و توكفيل.
لم يقف توكفيل ضد أهداف الثورة الفرنسية رغم أنها سحقت طبقته لأنه يعرف أن الحرية لا يقف ضدها إلا أتباع فلسفة العبيد أمثال الكيزان و أنت منهم و حين أدرك توكفيل أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني لم يتردد في في نشر أفكاره رغم أنه قد أدرك أن طبقته قد إختفت من حيز الوجود كحال حزبك الكيزاني اليوم و من هنا نجد إعجاب فيلسوف الحرية إستيورت ميل بفكر توكفيل و قال أن توكفيل أول من تحدث عن الديمقراطية بمعناها الحديث و هي تعني أنها قد حلت محل الفكر الديني.
و المضحك أيضا كان اتباع الكنيسة الكاثوليكية يشعرون بالهزيمة و المرارة مثل توكفيل و لكن ظلوا يعتقدون و هم على خطاء بأن الكاثوليكية قادرة على جلب الديمقراطية مثل أوهامك ككوز يا عبد الوهاب الأفندي تظن أن خطاب الحركة الاسلامية يمكن أن يجلب الديمقراطية في وقت يقول لنا توكفيل و للكاثوليك أن الكاثوليكية لا تحلب ديمقراطية لأن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني و ها هو الزمن يسيل على مدى عقدين فهل عادة الكاثوليكية لحكم فرنسا؟ فكذلك نقول لك لم يعد الكيزان لحكم السودان أبد الدهر.
نقول لعبد الوهاب مقالك الأخير في سودانايل لا يختلف عن خطابات اللواء فلان و اللواء علان في تلفزيون الحدث و هما يقدمان أنفسهما كاستراتيجيين و هذا طبيعي في زمن عقب سيطرة الكيزان لثلاثة عقود جعلت الفكر في السودان يخوض في حقوله رجال الدين و العسكر و الدبلوماسيين و هذا الذي لا تحترمه مدرسة الحوليات و على العموم ستظهر محن كثيرة في مشهد الفكر قبل إختفاء المثقف التقليدي و المؤرخ التقليدي و عالم الاجتماع التقليدي و الى حين إختفاءهم يستطيع الأفندي أن يعشم في عودة الكيزان إلا أنه يظل عشم الكلب في موية الأبريق.
أمثال عبد الوهاب الأفندي و هو يقدم نفسه أنه قد نقد تجربة الحركة الاسلامية السودانية و يعتقد أنه سيوبر كوز ناقد للكوز الجلف يمثل أي عبد الوهاب الأفندي يمثل مجسدي دور مرسخي الأبوية المستحدثة و هي تحاول الترقيع و التوفيق الكاذب بين الديمقراطية و الخطاب الديني كما يقول عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي.
و لا يريد عبد الوهاب الأفندي أن يدرك بأن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني و أن الخطاب الديني الكيزاني أكبر حاضنة لثقافة سلطة الأب و ميراث التسلط و قد جعلت من أمثال الأفندي يدافع عن حضارة إسلامية قد أصبحت بلا لسان كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي أوليفيه روا في نقده للاسلاميين و وصفهم بأتباع الجهل المقدس و قد إستلف منه محمد أركون عنوان كتابه في نقد الإسلاميين و فكرة الجهل المؤسس الذي يتبعه عبد الوهاب الأفندي و كما يقول محمد أركون عن الإسلاميين أشباه الأفندي أنهم أصحاب القلوب عليها أقفالها و نحن ندرك أن عبد الوهاب الأفندي من أصحاب القلوب عليها أقفالها.

taheromer86@yahoo.com

 

آراء