حليمة عبد الرحمن (النيزك العابر)

 


 

 

لم يكن للكتاب والصحفيين في هذا الاسبوع حديثا ا غير الحديث عن ايقونة الصحافة السودانية الاستاذة حليمة محمد عبد الرحمن التي امنت بمهنة الصحافة وخدمتها في ظروف عصيبة كانت تعتبر الصحافة ركيزة أساسية في بناء المجتمع الديمقراطي، وكانت تؤمن بقوة الكلمة في تغيير العالم. لذلك، كانت تكتب بشغف وتعطي كل قصة حقها ومستحقها عبرت بلاط الصحافة كنيزك عابر أشعل حياتنا نورا واشتعل ليبدد ظلماتنا ويجمل حيواتنا بكل ما هو جميل وعظيم
حدثني الاخ الامير جعفر علي دينار المقيم حاليا في المملكة العربية السعودية انها كانت تتصل بهم لتنقل اخبار دارفور الي منصات الاعلام المختلفة ابان محنتها في بداية الالفية فكتبت عن الابادة التي حدثت لأهل دارفور من قبل قوات الجنجويد وقوات الحكومة وذكر ان الحكومة السعودية قررت انهاء عقودات مجموعة من الناشطين من ابناء دارفور وكنا مهددين بالترحيل ولم يدافع عنا احد غير حليمة التي انتفضت بقلمها ودافعت عنا دفاعا مستميتا حتي الغي قرار ترحيلنا من المملكة فهي بحق صحفية صادقة كانت تعبر عن للمهمشين والمستضعفين كنا ندعوها لنحضر اجتماعات روابطنا المحلية واكاد اجزم ان ما قدمته حليمة لأهل دارفور من خلال تفاعلها وكتاباتها لا يدانيه فيها اي شخص فقد مسحت عنا الغبن وسوء الفهم وامتصت خطاب الكراهية التي بثته الحكومة السودانية واعلامها الكذوب عن طبيعة الصراع في دارفور وحاولت نعته بالقبلنة والجهوية وحاولت الايقاع بيننا واخوتنا ابناء البحر فكم ساعدت كتاباتها علي نشر الوعي بين السودانيين وكانت تعبر عن آرائها بشجاعة وصدق ولم اكن اعلم بمرضها والحديث الامير جعفر حتي وجدت نعيك في حائطك علي الفيس بوك لها الرحمة والمغفرة بقدر ما قدمت لشعبها واهلها كانت شجاعة لا تعرف الخوف ولا تتراجع عن الحق كانت مثالًا يحتذى به في عالم الصحافة، وستبقى ذكراها حية في قلوبنا
كان اول تعارف بيني وحليمة يرجع تاريخه الي العام الفين وخمسة عبر صفحة سودانيس اونلاين شدني الي معرفتها قوة ونصاعة محرراتها وانتاجها الرفيع ونصاعة حجتها وايمانها الراسخ بمفاهيم الحكم الراشد والتداول السلمي للسلطة في السودان فرغم السهام النابلة التي كانت ترميها بها سفهاء الحكومة وحملة مباخرها الا انها كانت تفحمهم بالحجة الدامغة وترميهم بشرر كالقصر تحرق منسأتهم وتزهق باطلهم وتنفش عهنهم وتنقض غزلهم وتدك حصونهم فيهربوا من صياصيهم يعضون بنان الندم ويلعقون مر الهزيمة
كان في عكاظ سودانييس اونلاين مجموعة من الصحفيين الذين يستخدمون اسماء مستعارة يتوارون خلفها ويكيلون لها التهم والسباب ويصفونها بأقذع الالفاظ لكنها كانت صلبة المراس تلغم كل سفيه بحجر يناسب فمه واذكر انها ذات مرة حكت لي عن احد الصحفيين الذي يعملون بالمملكة والذي اتصل بها ووعدها بعقد ثمين ووظيفة تناسب مؤهلاتها ان هي تراجعت عن مواقفها الداعمة للمعارضة السودانية فردت له بعبارة ساخرة (انك قد اخطأت الطريق واخترت عنوان البريد الخطأ لرسالتك هذه)
ان جرأة قلم حليما قد جلب لها متاعب جمة وهموم ثقيلة سبب لها متاعب في حياتها فقد كان قلمها نصيرا لقضايا المرأة السودانية التي افترستها طغيان الذكورية المتدثر بثياب السلطة والجبروت كتبت عن عوضيه سمك وحواء جنقو وفاطمة احمد ابراهيم وخنساء سوار الذهب ونضالات زينب بدر الدين وعن امل هباني وصمودها كتبت عن الاستاذة عائشة موسي زوجة الدكتور المرحوم محمد عبد الحي وصبرها ومعاناتها معه بعد ان اقعدته المرض وكتبت عن سمية هندوسة وتناولت في عدد من المقالات قضية مريم يحي اسحق ابراهيم التي حكمت عليها المحكمة بالإعدام لأنها ارتدت عن الاسلام واعتنقت المسيحية وقد اثارت مقالاتها ضجة عالمية حول التدخل السافر للحكومة السودانية في قضايا هي تدخل ضمن قضايا المعتقدات وقد اثارت هذه القضية شعورا متباغضا في اوساط المجتمع السوداني حتي اضطرت المحكمة الغاء قرار عقوبة الاعدام واطلاق سراحها وكتبت بتفاصيل عن سروال لبني الحسين في كبريات الصحف الاوربية والتي لولا قلمها لما عرف العالم عن معاناة المرأة السودانية شروي نقير
يعود الفضل للأستاذة حليمة انها اول صحفية تحدثت عن التهجير القسري والنزوح في حرب دارفور اهلتها لذلك علاقاتها الحميمة مع مجموعة من ابناء دارفور وانتجت قصصا صحفية بعنوان يوميات نازحة تناولت فيها معاناة المرأة في معسكرات النزوح وانهن كن يقضين يوما كاملا في الاحتطاب واثناء عودتهن يتعرض للمطاردة والاغتصاب فيتضاعف معاناتهن
وطالما ان الشيء بالشيء يذكر فقد كان لي شرف استضافتها في راديو دبنقا في برنامج ملفات سودانية فقد كانت آول امرأة سودانية تتحدث للبرنامج واذكر ان محاور الحلقة كانت عن معاناة ابناء المغتربين والقوانين المجحفة التي فرضها عليهم الحكومة السودانية وعدم مساواتهم مع رصفائهم وزملائهم في الداخل السوداني تمتعت حليمة بقدرات اخري تفوقت بها علي رصفائها ممتهني مهنة الصحافة فقد كنا نتواصل مع بعض وتحكي لي الكثير عن القبائل السودانية والعلاقات المتشعبة والمتداخلة بينهم فقد كانت علامة انساب وراوية احساب حدثتني عن اهلها الجموعية وعلاقاتهم الاسرية بينهم والسر وراب وعن حواكيرهم في الخرطوم وشمال امدرمان فهي حافظة للكثير من ادب الجموعية وثقافتهم الشفاهية واشعارهم وفرسانهم ونجوم الهمباتة وسطهم كانت ترجز بأهازيجهم كانت تحفظ الكثير من اغاني البنات واحاجي الحبوبات حكي لي مرة ان احد اجدادها يتوسد الثري في مدينة كتم في وادي هشابة ومازال قبره شاهدا حتي الان حليمة تتكون مضغتها من مجموعة القبائل السودانية ولهم جذور ونسب مع قبائل جنوب السودان البعيدة
خيالها الشعبي يحتشد بأغاني دق المحلب ودق الريحة ودق العيش واهازيج ضرايات العيش ومهرجانات الختان وسيرة وداع الجوع في مواكب الفرعون عمركسافروك ومهرجانات القلقمة والكشرندو في شرق دارفور والقلدي قزنق و عرس البرتقال والقريب عند الفور وطقوس البديات في شقيق كارو
كل عبقريات هذه المجتمعات كنت قد عرفتها عنها وانا بن دارفور وبن بيئتها فقد ظننت أنى اكثر معرفة بثقافتها حتي وضعت حليمة حدا لغروري وجعلتني اتواضع امامها
عرفتني حليمة بزوجها مصدق الصاوي وهو أحد مهندسي الري القلائل في السودان وله اهتمامات صحفية يكتب عن الشأن السوداني وازماته التي حاقت به فهو من ارومة كريمة فهو حفيد اللواء خلف خالد اول وزير دفاع في حكومة الازهري وجده حاج خالد كان أحد قيادات الدولة المهدية واحد حاملي راياتها
عرفتني بابنها البكر خالد الذي درس الصحافة في ماليزيا ويعمل الان بالدوحة في إحدى الصحف القطرية الناطقة بالإنجليزية وكنت قد حاولت جهدي ان يجد خالد فرصة للعمل بالسودان ولكن فشلت جهودي ودخل حتى المعاينات لكن ولكن فقد قيض الله له رزقا في الدوحة
ايضا بواسطة حليمة تعرفت علي الاخ عبد الرحمن الامين الصحفي الاستقصائي الالمع وهي التي قدمت لي الدعوة في قروب الصحفيون المتحدون ويعود الفضل اليها عرفتني بالأخت الكريمة نجوي حسين صديقتها وكاتمة اسرارها والاخت زهرة العلا والاخت اريج الحاج والاخت امال عوض والاخت الدكتورة ناهد محمد الحسن والدكتورة شيراز عبد الحي بواسطتها تعرفت علي اجيال ونجوم سودانية من مختلف المجالات فقد اضافت لي الكثير من المعارف والمبدعين ورموز المجتمع السوداني
كنت قد تحدثت معها قبيل رحيلها بأسبوع واكدت لي انها بخير بعد ان خرجت من مشفي غسيل الكلي وكانت تسألني عن اخبار السودان ومايدور هناك رغم اني بعيدا الا انها كانت تمني نفسها ان تسمع مني اخبارا تنهي هذه الازمة والدويهية التي المت ببلادنا بعدها افترقنا وودعتها وقالت لي كلمة اخيرة مازالت ترن في اذني مع السلامة يا محمد والعفو
لم أدرك مرامي تلك الكلمة الا بعد ان قرأت نعيها في صفحة الاخت سمية ابوكشوة عند الخامسة صباحا حاولت ان اكذبه وان ادخل لها في الماسنجر ولكن مرة اخري ظهر لي معي اخر وآخر فأيقنت ان محن الزمان حادثة وان لم تصب فكأن غدِ
هذا قليل من الفيض عن صحفية جملت حياتنا بمقالات وافكار باذخة حملت لنا نداوة واخضرارا في زمن جفت في الصدور ورفعت الاقلام فقد كانت صاحبة قلم راعف في بلاط صاحبة الجلالة
لها الرحمة والاخ مصدق الصبر وحسن العزاء والابن خالد ان امضي ولا تلتفت الي الوراء ولزملائها وعارفي فضلها لا اراكم الله مكروه في عزيز لديكم
واقول لصديقاتها نجوى حسين وزهرة العلا واريج وناهد وسائرة صديقاتها ان قلم حليمة الان توقف عن الرعاف وان غراطيسها مطويات بيمن قصرها وان عرش اميرتكم الان أصبح بلاسيف ولا ذهب
رحمة ربي تغشها فقد وهبت حياتها لشعبها وحملت هموم أهلها بجسارة وكبويا ء كانت دينار من الصك القديم
باريس 11/09/2023

ms.yaseen5@gmail.com

 

آراء