بلاد السودان ما بين أحلام الفريق الزَّايع وهطرقات الرَّبَّاط الهالك والواقع الجَايط

 


 

فيصل بسمة
13 September, 2023

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

بلاد السودان تذخر بالموارد المتنوعة و الثروات الهآئلة ، و الكثير من السودانيين يَدَّعُون حيازة القيم و العلم و المعرفة و الخبرة و الريادة في كل مجالات الحياة و جميع ضروبها و دروبها ، و بعضٌ/كثيرٌ من السودانيين يَدَّعُون/يعتقدون أنهم قد ساهموا في تأسيس/إدارة/بنآء العديد من البلدان في أفريقيا و الشرق الأوسط ، و رغم ذلك تعجز الشعوب السودانية عجزاً تآماً عن تقديم/تخريج/إنتاج قيادات وطنية صادقة تمتلك المعرفة و المؤهلات و الخبرات و القدرة على إحداث التغيير ، قيادات تتولى أمور السلطة و إدارة الدولة السودانية: تفض النزاعات ، توقف/تمنع الإحتراب ، تثبت الأمن ، تُفَعِّلُ الإستقرار بما يحقق التنمية و الإنتاج و البنآء و من ثم مجتمع العدل و الكفاية و الرفاهية...
و الشاهد هو أن الشعوب السودانية قد جنت على أنفسها كثيراً بخضوعها/مساندتها/دعمها لقيادة المغامر و المهووس و المعتوه و المأفون و الجاهل و الخآئن و اللص و الكذوب و المنافق و الفاشل و كذلك الرَّبَّاط و كَاتِل الكُتَلَة ، و يبدوا أن بعضاً من السودانيين من العسكريين و المدنيين من أصحاب الصفات المذكورة في السطور السابقة ، من غير المؤهلين و الذين تنقصهم الكفآءات و الخبرات و جميع صفات القيادة ، قد أَلُوْا على أنفسهم إختطاف السلطة و تولي الأمر العام عنوةً مع السعي الجآد و الإجتهاد في الفساد و الإفساد و خراب الدولة و تدميرها بصورة ممنهجة و ذلك بهدف تفتيتها و تقسيمها إلى دويلات على خطوط الجهة و القبيلة و العرق ، و يبدوا أن تلك الإستراتيجية تخدم مصالح العديد من الجماعات/الجهات المحلية و كذلك الإقليمية و العالمية الضالعة/الوالغة في الشأن السوداني ، و يبدوا أن تلك الجهود قد أصابت قدراً/حظاً عالياً من التقدم و النجاح...
و يعتقد كثيرون أن الدَّقسَة الكبرى/العظمى كانت في تسليم زمام ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية إلى غير مستحقيها من ثلة عسكر اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و أمرآء حروب التمرد المسلح ”الكفاح المسلح“ و جماعات الأرزقية و الطفيلية السياسية و الإقتصادية و السواقط الحزبية و الفواقد التربوية و المجتمعية المتعطشين دوماً إلى السلطة و النفوذ و المال و الشهرة ، و كانت المحصلة النهآئية لتلك الدقسة أنها أجبرت الشعوب السودانية على خوض و عيش تجربة/كابوس المرحلة الإنتقالية الفاشلة...
و كانت قمة الفشل في التهاون في خطوات تفكيك نظام إنقلاب الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ ميلادية ، و في التعامل الرخو اللامبالي و الغير جآد في محاسبة و محاكمة و معاقبة رموز و قيادات الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) على ما إرتكبوه من جرم و فساد و إفساد و مخالفات و مظالم/فظآئع في حق الشعوب السودانية ، و عوضاً عن ذلك كان الإنشغال العظيم بالمحاصصات الوزارية و المناصب التنفيذية و المناورات و المكايدات و تكبير الكيمان...
ثم إختطفت/أغتصبت الثورة السودانية من قبل أعضآء اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) بمساعدة و مساندة كوادر الجماعة المتغلغلين في كل مفاصل السلطة و مرافق الدولة ، و تم ذلك بينما الشعوب السودانية منقسمة بين المساند و المعارض و المندد و المتفرج/المراقب/الصامت...
و معلومٌ أن أعضآء الجماعة (الكيزان) و كما إعترف و وَثَّقَ رئيسها و زعيم تنظيمها ، حسن الترابي ، قد مردوا على النفاق و ممارسة فقه التقية و الكذب هذا إلى جانب الفساد و الإفساد و الخبث و القتل و التعذيب و نقض العهود و المواثيق ، و لم يكن مستغرباً أن يواصل مختطف/مغتصب السلطة ، الموالي للجماعة و المدين لها بالترقيات و المناصب ، ممارسة أساليب و سياسات الجماعة ، ففي مساعيه و بحثه عن الدعم و المساندة و العون السياسي/المادي لتحقيق حلمه في السلطة و الحكم لم يجد حرجاً في منافقة/مداهنة الخصوم و الأعدآء و قدامى الحلفآء في الخليج الفارسي و شبه الجزيرة الأعرابية مستغلي/مستنزفي الموارد السودانية و جمهورية مصر العربية المحتلة للأراضي السودانية و المستغلة للكثير من الموارد و الثروات السودانية ، و دول أرتريا و جنوب السودان التي تأوي و تدعم التمرد المسلح...
و كان الهوان ببلاد السودان قد بلغ دركاً أسفلاً غير مسبوق جعل قادة مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) من الهالكين و الهاربين و الذين من دونهم من المعتوهين و المأفونين يتصدرون المنابر و المنتديات و الأخبار و شاشات التلڨزيونات الأعرابية و الوسآئط الإجتماعية و أسافير الشبكة العنكبوتية بتهديداتهم و خطاباتهم و بياناتهم الكاذبة الرديئة/الركيكة المفردات ، يتحدثون فيها عن إنتصارات ”أشاوس“ مليشيات الجنجويد (الدعم السريع) و عن تأسيس دولة الديمقراطية و الحرية و العدالة و الشورى و المساواة و السلام ، و ما عرفهم الناس إلا من خلال: ولوغهم في قطع الطريق و الحروب الجهوية/القبلية و الإرتزاق العسكري و التورط في أعمال القتل و الحرق و الإنتهاكات المخالفة للقيم و حقوق الإنسان و إجادة حملات الإبادة الجماعية العرقية و إحداث النزوح في أقاليم دارفور و كردفان و إرتكاب المجازر في العاصمة السودانية و بقاع أخرى من أقاليم بلاد السودان ، هذا عدا عمليات تهريب الثروات و النشاط الإقتصادي الطفيلي الغير خاضع لسيطرة الدولة...
و كان العبث و الفوضى و الجُوطَة في الساحات السياسية/العسكرية/الإقتصادية/الإجتماعية في بلاد السودان قد بلغت مداها و درجات غير مسبوقة من اللامعقول أذهلت/ألجمت عقول المراقبين و المحلليين و الخبرآء حتى إختلط عليهم الأمر فأصبحوا لا يدرون إن كانوا هم شهود عيان يتابعون أحداث مأساوية تاريخية حقيقية تتكشف أمام أعينهم ، أم هم من مشاهدي مسلسل درامي/تراجيدي موغل في الخيال و أحداث العنف ، أم هم جمهور مسرحية كوميدية رديئة الإخراج و التنفيذ ، أم هم قرآء رواية عبثية!!!...
و مما أربك العقول و ألجمها و أذهلها كثيراً أن الساحة/اللوحة السريالية السودانية قد إحتوت على خليط معقد و مركب من الأحداث وثقته وسآئط التواصل الإجتماعي فيها مشاهد المدنيين المتابعين في نهمٍ و شغفٍ لأدق تفاصيل عمليات (البَل) و (الجَغِم) و التمثيل بالجثث و النهب و السرقة و الإغتصاب و إحتلال بيوت السكان الذين نزحوا/فروا بسبب ضرواة القتال و الإنتهاكات التي إرتكبتها مليشيات الجنجويد (الدعم السريع) و من والاهم من عصابات العاصمة و الأقاليم ، و قد إحتوت اللوحة على فصول عديدة تجسد/تحكي أخبار النازحين و الفارين في مرافيء النزوح و اللجوء و تفاصيل حياتهم الجديدة و مناشطهم و بما يوحي أن ذاكراتهم القريبة قد تجاوزت فظآئع الحرب و مآسي النزوح/الفرار!!! ، و قد وثقت اللوحة أيضاً فعاليات و لحظات تغيير/تبديل الولآءات السياسية و العسكرية التي أصبحت ظاهرة عادية/روتينية يتنافس فيها الخصوم و الأعدآء بغرض تسجيل السبق و الأرقام القياسية في الفساد و الإرتزاق العسكري/السياسي و العمالة ، كما عكست اللوحة كل ما يدور في وسآئط التواصل الإجتماعي من نقاش و جدل موغل في العنصرية و الحقد و التطرف على خطوط الجهة و القبيلة و العرق...
في خضم هذه الفوضى و الأجوآء البالغة التعقيد سأل سآئل:
- كيف للسودانيين معالجة هذا العبث الهَردَبِيسِي من اللامعقول و الفوضى/الجوطة السياسية/العسكرية/الإقتصادية/الإجتماعية؟
- و كيف لهم العمل في أجوآء الإحتراب و القتل و الحرآئق و الفظآئع؟
- و كيف لهم ممارسة السياسة في بيئة متخمة بالفساد و الإرتزاق و العمالة و الإرتهان للأجنبي؟
- و كيف لهم مواصلة الثورة و تحقيق شعارتها في الحرية و السلام و العدالة في أجوآء: الظلم و الكره و الحقد و العداوة و الشحن الجهوي/القبلي/العرقي المتطرف؟
- و هل بلاد السودان آيلة إلى السقوط و التمزيق و التفتيت و الزوال؟
- و كيف و من أين يبدأ بنآء/إعادة بنآء الدولة السودانية الجديدة؟
و السآئل يسأل و هو يعلم علم اليقين أن الأمن و الإستقرار من ركآئز و شروط تحقيق شعارات الثورة السودانية ، و هو يعلم صعوبة/إستحالة تحقيق الأمن و البنآء و مؤسسات الدولة فاشلة/عاجزة تراوح ما بين حالات الحرب و الفوضى و العبث و اللأمن و اللادولة و الكارثة ، و كيف يتحقق الأمن و المؤسسات و الأجهزة المنوط بها تنفيذه و تحقيقه منهكة و قد فقدت قوامها/مصداقيتها/مهنيتها/إحترافيتها/أهليتها...
كما يعلم السآئل يقيناً أن الإحتراب تحت رايات الجهة/القبيلة/العرق و كفالة الأجنبي لن يتحقق له النصر أبداً ، و أن مليشيات الجنجويد (الدعم السريع) إن تغلبت فحينها و حتماً لن تكون هنالك دولة تسمى جمهورية السودان ، و أن الإحتراب تحت تلك الرايات البالية سوف يؤدي ، لا محالة ، إلى تأكيد فشل الدولة السودانية و إلى تمزق ما تبقى من جمهورية السودان و تشظيها إلى دويلات ، خصوصاً و أن أمر التقسيم يجد هوىً عظيماً و قبولاً كبيراً عند لاعبين أساسيين محليين و جهات إقليمية و عالمية...
و يبدوا أن اللاعبين/العابثين/الوالغين الحاليين من العسكر و أمرآء الحروب و المدنيين ليسوا قادرين و غير مؤهلين لتحقيق مهمة إيقاف الحرب و حل النزاعات و إنجاز السلام و الأمن و الإستقرار ، و يبدوا أن الخطاب الجهوي/القبلي/العرقي سوف يسود إلى حين ، و يبدوا أن أمد الحرب الدآئرة حالياً سوف يطول...
و الأحوال هكذا فلا مفر لبلاد السودان و الشعوب السودانية من حتمية مواصلة مشوار الحرب و الفشل و الدمار حتى نهاياته ، و لن تكون هنالك نهايات قبل بلوغ المتحاربين/المتصارعين مرحلة الإرهاق التآم و العجز النهآئي بسبب نفاذ/نضوب مخزون الدوافع و الموارد و الأرصدة و نفاد صبر الداعمين الإقليميين و العالميين ، و عندها ربما يختفي عن المشهد السياسي بعض/كل الفاسدين و الفاشلين و المجرمين و الظالمين من العسكر و المليشيات و أمرآء حروب ”الكفاح المسلح“ و الأرزقية الطفيلية السياسية و الإقتصادية و السواقط الحزبية و الفواقد التربوية و المجتمعية و ذلك بدواعي التغييب بسبب الموت أو الإعاقة أو الإبعاد أو الهروب أو العار أو الإختشآء!!! ، و عندها لن يكون أمام ما تبقى من الأحيآء من العقلآء و الحكمآء سوى الجلوس و التفاكر حول كيفية لم الشمل/الأشلآء و سبل البحث عن الأمن و الإستقرار و تحقيق شعارات الثورة: حرية ، سلام و عدالة...
أما الحالمين بحدوث المعجزات و سيناريو ظهور المنقذ العادل الحازم فعليهم إنتظار أيهم أسرع حدوثاً: ظهور نبي أو رسول أو مجيء علامات و أشراط الساعة أو النفخ في الصور...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

Faisal Basama

fbasama@hotmail.com

 

آراء