موت وخراب ديار!

 


 

 

وهونت الخطوب على حتى
كأني صرت أمنحها الودادا
فأي الناس أجعله صديقا
وأي الأرض أسلكه ارتيادا
فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا

أبا العلاء المعري

في مقال يرفع حواجب الدهشة في ظل الكوارث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والانسانية التي تحيط بنا احاطة السوار بالمعصم ممسكة كلها بخناق الوطن كشف مواقع (الراكوبة) واسع الانتشار عن خطاب رسمي مصدره حاكم إقليم دارفور منى اركو مناوي موجه الى وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الدكتور جبريل إبراهيم . فحوى الخطاب ان الحاكم يطلب من الوزير توفير (ست واربعون مليار ومئتا الف جنيه ) تساوي تكلفة اليوم الواحد للقوى المشتركة وذلك على خلفية نقاشات دارت بين الاثنين حسب منطوق الخطاب وشدد مناوي على ابن عمه وزير المالية دفع المبلغ فورا .
(2)
التفاصيل تقول ان هذا المبلغ الذي تنوء بحمله الجبال الراسيات هو تغطية اعاشة جنود و قوات مركبات وحوافز يومية بجانب تكلفة قطع غيار وشحوم مركبات .. التكلفة الكلية للشهر الواحد تبلغ (ترليون وثلاثمائة وست وثمانون مليار ) .. انتهى الخبر.
(3)
تعليقا على الخبر أو تسليط مزيدا من الأضواء التعريفية عليه نقول ان الجميع يعلم ان هناك اتفاقية ابرمت بين الحكومة المؤقتة عام 2020 والجبهة الثورية قوامها الحركات المسلحة على تكوين قوة مشتركة لحماية المدنيين في دارفور قوامها (12000) جندي ..الاتفاقية خصصت لدارفور 700 مليون دولار لمدة 10سنوات إضافة الى حكم ذاتي للإقليم ومنح الإقليم 40 في المائة من السلطة في الإقليم و30 في المائة من مكونات السلطة الانتقالية و10 في المائة لحركات دارفور الموقعة و20 في المائة من السلطة لأهل المصلحة كما تم تخصيص 20 في المائة من الوظائف في الخدمة المدنية والسلطة القضائية والنيابة العامة والسفراء للجبهة الثورية وغيرها من المزايا كالتعليم المجاني لأبناء دارفور والاعفاء من الضرائب لبعض منسوبي الاقليم .
(4)
اتفاقية جوبا المشؤومة كما هو واضح صممها (ترزي) شاطر ماهر على مقاس دارفور بالمتر والسنتي بينما لم تنل ولايات مثل ولايات الشرق التي تتصدر حسب الاحصائيات ولايات السودان الأخرى في التخلف والتهميش والفقر والجهل والمرض سوى الفتات من الكوارع والكرشة من القسمة الضيزي .. لا لشيء الا لان هذه الولايات لم تحمل السلاح تأكيدا ومصداقية للمقولة الشائعة ( اذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ) .
(5)
الذي يستوقف هنا ان ولايات دارفور ورغم انها سيدة الاسم (سلة غذاء السودان) وربما العالم بجدارة لا تساهم رغم مواردها الزراعية والحيوانية والمعدنية في الناتج القومي ب(تعريفة) فقد خرجت من المعادلة وأصبحت الآن عبئا على السودان والسبب هو عجلة العنف المدورة في الإقليم والتي جعلت الإقليم طاردا فقد هرب أهله وقاطنوه الى كل فجاج الأرض نازحين ولاجئين حتى لا يتحول من جازف بالبقاء لمادة دسمة تستثمر معاناتهم وكالات الانباء وتنقل للعالم جرائما للقتل والاغتصاب على يد مليشيات آل دقلو . منهم من انتهى به المطاف الى ولايات البحر الأحمر التي تعتبر أكثر أقاليم السودان ايمانا بالتعايش السلمي وقبولا بالآخر في احزمة لا تخطئها العين تلامس الآن سلوم وأربعات جنوب وشمال مدينة بورتسودان.
(6)
لكن الذي يسترعي الانتباه من الذي يجري أمامنا ان رجائنا خاب في أي دور ولو كان ثانويا تلعبه حركات الجبهة الثورية وأبرزها الحرة الشعبية شمال (جناح مالك عقار) وحركة جيش تحرير السودان (جناح مني اركو مناوي) وحركة العدل والمساواة (قيادة جبريل) الذي ازاحه من رئاسة الحركة الشهر الماضي الدكتور صندل تحلل بها ما قبضته الحركات بجيوشها الجرارة من امتيازات ومخصصات اتفاقية جوبا لا يقاف نزيف العنف والفوضى في دارفور الذي ورائه عشرات الحركات المسلحة المنسلخة من الحركات الكبرى والتي تعمل على قناعة ان العطايا لا تمنح ولكنها تنتزع .
(7)
الذي يثير الدهشة هنا أن هذه الحركات التي تقيم بجيوشها في بورتسودان والتي تستقطع تكلفة اقامتها واعاشتها من جيب المواطن المسكين تقف بجانب الحياد من صراع وجود السودان وعدمه بين الجيش الوطنى وعصابات دقلو المتمردة فهي تكتفي بالفرجة وكأن أنهار الدماء التي تسيل والجرائم التي يندى لها الجبين لا تهمها في شيء ..هذا أمر يفوق كل تصور .
(8)
غير أن الذي يوجع ويؤلم ان المشروع الذي عاشه مواطني بورتسودان حلما وأملا والذي يتمثل في حفنة ضوء باهت في النفق المظلم وهو موافقة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار على دفع المتبقي من تمويل مشروع محطة سيمنس المقدرب60-70 مليون دولار لتحقيق حلم امداد بورتسودان بالطاقة الكهربائية الذي طال انتظاره أصبح الآن على كف عفريت بعد طلب مناوي بتوفير المبلغ الخرافي
(ترليون وثلاثمائة وست وثمانون مليار جنيه ) من الميزانية المقدودة لاعاشة جيوش الحركات المسلحة وصيانة آلياتها .
(9)
اذا استجاب وزير المالية على طلب ابن عمه على قاعدة (الأقربون أولى بالمعروف) فما على ضحايا المعاناة والذل والهوان في بورتسودان الا أن يقيموا على مشروع سيمنس مأتما وعويلا .. وقتها لم يبقى لأهلى من خيار سوى ما قاله رائد الشعر العربي بدر شاكر السياب الذي نفاه عبد الكريم قاسم الى الكويت فكتب من المستشفى الاميري هناك بعد أن هزه الوجد الى قريته تكريت وخذله الجيب يقول .. فما لديك سوى الدموع .. وسوى انتظار دون جدوى للرياح وللقلوع .

oabuzinap@gmail.com
///////////////////

 

آراء