الزاهي في خدرو .. فاطمة محمود المدني
حسن الجزولي
26 October, 2023
26 October, 2023
ورحلت فاطمة مدني ،، ضمن آخر جيل عملاقات المجتمع السوداني ،، يا الله ،، على المستوى الشخصي أفتقدها حزيناً حيث كانت تتوق لما وثقته عنها في الجزء الثاني من كتابنا (ملهمات) في قصيدة زوجها الشهيرة بعنوان (الزاهي في خدرو) العزاء الحار العزاء الحار لكل من كريماتها د أمال، إبنها الصديق د. حسن محمود، د. الهام ،، ولها الرحمة والمغفرة:ـ
الزاهي في خدرو
فاطمة محمود المدني
الكفرة في ليبيا بشمال أفريقيا كانت ميداناً للوغى ،، أبلت فيها قوات دفاع السودان المنضوية تحت الوية الحلفاء في الحرب العالمية الثانية تحت قيادة ثعلب الصحراء الفيلد مارشال مونتجومري، الكفرة كانت ميداناً للمواجهة مع قوات المحور وكانت بالفعل (قطعة من جهنم)!.
إليها سافرت من السودان بعثة فنية تعد الأشهر من بين جميع الفرق الفنية في الأوساط الفنية السودانية، وذلك للترويح عن القوات السودانية ورفع روحهم المعنوية، وكانت تضم عدداً من أبرز المطربين السودانيين وقتها، فإلى جانب الفنان أحمد المصطفى، شارك في البعثة الفنية كل من الفنان حسن عطية و الفنانة عائشة الفلاتية وبعض آخر منهم، وبمناسبتها، مناسبة اشتراك عسكرية سودانية في ذاك (الوغى)، صيغت أشعاراً وأغنيات في تمجيد شجاعة الجندي السوداني والتوثيق لتلك الحرب، وفي مقدمتها أغنية الفنانة الراحلة عائشة الفلاتية الشهيرة :ـ
(يجو عايدين إنشا الله عايدين يا الله
قلبي انفطر ... دمعي انهمر
الليلة السفر ابقي قمره جوه القطر
ودعت الحبيب ...للسكة الحديد
الفراقك صعيب ماحضرت ليالي العيد
الشمال والشرق ... الجنوب والغرب
ما تسيبوا الحرب والسلام يعم الدرب).
تلك كانت مناسبة طيبة جمعت الفنان أحمد المصطفى بالشاعر الرقيق الضابط والصاغ فيما بعد محمود أبوبكر والذي اشتهر وقتها بقصيدته المصادمة (صه يا كنار)، وكان أبوبكر قد شارك في قوات دفاع السودان المتوجهة للقتال في شرق أفريقيا وبقايا حنة عرسه ما تزال عالقة على يديه وباطن كف رجليه، حيث كان قد زُف لعروسته (فاطمة مدني ) قبل أشهر فقط من سفره للجبهة!.
فكانت مناسبة ليتقدم فيها الشاعر بقصيدة ( الزاهي في خدرو) للفنان أحمد المصطفى، وهي إحدى القصائد التي يمكن للنقاد المتخصصين أن يدرجوها ضمن قصائد (الحبيبة الوطن والوطن الحبيبة) من مثل تلك التي تمتزج فيها عواطف الشاعر الولهان حداً أصبح فيه لا يرى في عشقه ذاك، فاصلاً بين الانتماء عميقاً للمحبوب وللوطن في آن!، وهو باب في القصائد العاطفية التي تحتشد فيها الكثير من الأغنيات السودانية العاطفية بمثل هذا الضرب من النماذج الشعرية والغنائية التي نشير إليها!، وقصيدتنا التي نتناولها تحكي عن معاناة الشاعر وحنينه للعروس التي لم يبل شوقه منها حتى اضطرته الظروف ( الوطنية) للابتعاد عنها، عن (المحبوبة)، فجاءت القصيدة تحمل وصفاً للحال الذي بات واصبح عليه الشاعر، أو كما أشار لها ،، للعروسة وهو يبث لها لواعج مشاعره تجاهها، في تلك اللحظة التي بان وتدفق شوقه لها، بأن (كفرة نيرانها زي جهنم)!. ماضياً في ( كشف) لواعجه لها في تلك اللحظة، حيث الوصف الرومانسي لعروسه التي أصبحت ملهمة لأشعاره التي كتبها فيها ولها، وبالفعل كانت هي محوره كشاعر لكل القصائد العاطفية له في ديوان (أكواب بابل من سنة البلابل)، كما نجد في أحد دواوينه أكثر من أربعين قصيدة تتحدث عن هند، وهند هي زوجته فاطمة حسب ما ذكره لي ابنه المقدم سجون م دكتور حسن، حيث أشار إليها في كل من قصيدة (طيف هند) و(سبعون صارماً) و(أنا الجاني) وغيرهن، فضلاً عن أغنيته (الزاهي الزاهي في خدرو) فعُرفت بلقب (الزاهي)!.
ارتبطت فاطمة محمد المدني محمد بالشاعر محمود حسن أبو بكر كزوجة، والتي ترتبط بصلة قرابة معه، حيث أن والدتها الحاجة آمنة محمد حسن والصاغ محمود أبو بكر حسن، هما أبناء عمومة لزم. ينحدران من قبائل الحلنقة بشرق السودان والتي هي بطن من بطون البجا المنتشرة في بوادي شرق السودان، كما فصل لي جنابو حسن ابنه.
درست فاطمة الخلوة ببورتسودان وانتظمت في التعليم الأساسي بمدارس الراهبات (Sister School ) كانت الثانوية بإنجيلية الخرطوم بحري، ثم كلية الفنون الجميلة والتطبيقية المعهد الفني بالخرطوم، (جامعة السودان حاليا)، كانت ملهمتنا معلمة بوزارة التربية والتعليم حيث تدرجت حتى تقاعدت للمعاش وهي موجهة تربوية بمكتب التعليم أم درمان.
لها مؤلفات في العلوم التربوية وبحوث منشورة عن التراث والفلكلور، من ابرزها كتاب توثيقي به رصد لوقائع منتدى لشعراء الحقيبة، وكان ذاك المنتدى تقيمه بنفسها وتديره تحت اشرافها خلال الأعوام من 60 حتى 64، ويعتبر من أوائل أعمال التوثيق لشعراء الحقيبة إن لم يكن أولهم على الاطلاق!، وفي هذا الخصوص أصدرت مؤلفها (لمحات من الادب الغنائي الشعبي السوداني).
يمشي معنا ابنها د. حسن أبوبكر مشوار التوثيق لها فيوضح بأن كل فرد من افراد الأسرة له موهبة في الأدب أو الشعر أو الموسيقى أو الرسم والتشكيل، بحيث أن الأمر متوارث من العمومة والأخوال، بل وحتى الأجداد، منهم التشكيليين والشعراء والأدباء.
أبناؤها وبناتها على التوالي هم كل من د أمال ـ معلمة متقاعدة، د. رجاء ـ عميدة كلية التنمية البشرية والاجتماعية جامعة أم درمان الأهلية، أبوبكر ـ مهندس مدني، المرحومة كوثر ـ معلمة ـ د. حسن محمود عميد شرطة حقوقي متقاعد وباحث ومعلم في الأثار والانثربولوجي، د. الهام ـ أستاذة جامعية تخصص ترجمة ولغات جامعة أم درمان الأهلية وجامعات أخرىـ وجدان، معلمة، علماً أن الوالدة لم ترزق من زواجها الثاني، أطال الله من عمرها لأبنائها وكريماتها وأحفادها وذريتها ورحم شاعر الوطنية الصاغ محمود أبوبكر.
الزاهي في خدرو
كلمات: الصاغ محمود أبوبكر
ألحان وغناء: أحمد المصطفى
***
زاهي في خدرو ما تألم
الا يوم كلمو .. وتكلم
حن قلبو ودمعو سال
هفّ بي الشوق قال وقال
***
باهي كل ما قالو كلمة
خت كلمة .. كالنبال
لو تراهو .. في سماهو
النور كساهو ..الجمال
كنت تعلم كيف جهنم
تحرق الجنب الشمال
***
قالو ليه القطر تقدم
وكفرة نيرانا زي جهنم
حن قلبو ودمعو سال
هف بي الشوق قال وقال
***
كلموهو..ألموهو
علموهو الانفعال
ارخي سمعو
واجري دمعو
البرق ... سمعو كال وهال
كم تألم .. ما تكلم
الا تمتم في المقال
***
باهي بلقيسة ليهو تسجد
ما بيجيب ليك حديثو هدهد..
عرشو عفريتو قاسي ضال
كم تألم .. ما تكلم
الا تمتم في المقال
***
زي لسان الرضيع قديمو
كلامو جوهر ..
وسط بسيمو
ياتو في الجوهر المقال
هف بي الشوق قال وقال
ايدو عندم .. ريقو زمزم
طهر مريم في المثال
***
صدرو رمان فيه عايم
وطرفو ساهي وحزامو خاتم
وجسمو من نقش توبو شال
هف بي الشوق قال وقال
قلبي دايرو .. كيف اسايرو
في مسايرو نجمي ضال
في عيونو .. وفي سنونو
ومن فنونو .. الموت حلال
ـــــــــــــــــــ
* فصل من كتاب (ملهمات ـ الجزء الثاني) تقديم الناقدة الموسيقية أروى الربيع، تصميم التشكيلي أحمد المرضي، صادر عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي.
hassangizuli85@gmail.com
الزاهي في خدرو
فاطمة محمود المدني
الكفرة في ليبيا بشمال أفريقيا كانت ميداناً للوغى ،، أبلت فيها قوات دفاع السودان المنضوية تحت الوية الحلفاء في الحرب العالمية الثانية تحت قيادة ثعلب الصحراء الفيلد مارشال مونتجومري، الكفرة كانت ميداناً للمواجهة مع قوات المحور وكانت بالفعل (قطعة من جهنم)!.
إليها سافرت من السودان بعثة فنية تعد الأشهر من بين جميع الفرق الفنية في الأوساط الفنية السودانية، وذلك للترويح عن القوات السودانية ورفع روحهم المعنوية، وكانت تضم عدداً من أبرز المطربين السودانيين وقتها، فإلى جانب الفنان أحمد المصطفى، شارك في البعثة الفنية كل من الفنان حسن عطية و الفنانة عائشة الفلاتية وبعض آخر منهم، وبمناسبتها، مناسبة اشتراك عسكرية سودانية في ذاك (الوغى)، صيغت أشعاراً وأغنيات في تمجيد شجاعة الجندي السوداني والتوثيق لتلك الحرب، وفي مقدمتها أغنية الفنانة الراحلة عائشة الفلاتية الشهيرة :ـ
(يجو عايدين إنشا الله عايدين يا الله
قلبي انفطر ... دمعي انهمر
الليلة السفر ابقي قمره جوه القطر
ودعت الحبيب ...للسكة الحديد
الفراقك صعيب ماحضرت ليالي العيد
الشمال والشرق ... الجنوب والغرب
ما تسيبوا الحرب والسلام يعم الدرب).
تلك كانت مناسبة طيبة جمعت الفنان أحمد المصطفى بالشاعر الرقيق الضابط والصاغ فيما بعد محمود أبوبكر والذي اشتهر وقتها بقصيدته المصادمة (صه يا كنار)، وكان أبوبكر قد شارك في قوات دفاع السودان المتوجهة للقتال في شرق أفريقيا وبقايا حنة عرسه ما تزال عالقة على يديه وباطن كف رجليه، حيث كان قد زُف لعروسته (فاطمة مدني ) قبل أشهر فقط من سفره للجبهة!.
فكانت مناسبة ليتقدم فيها الشاعر بقصيدة ( الزاهي في خدرو) للفنان أحمد المصطفى، وهي إحدى القصائد التي يمكن للنقاد المتخصصين أن يدرجوها ضمن قصائد (الحبيبة الوطن والوطن الحبيبة) من مثل تلك التي تمتزج فيها عواطف الشاعر الولهان حداً أصبح فيه لا يرى في عشقه ذاك، فاصلاً بين الانتماء عميقاً للمحبوب وللوطن في آن!، وهو باب في القصائد العاطفية التي تحتشد فيها الكثير من الأغنيات السودانية العاطفية بمثل هذا الضرب من النماذج الشعرية والغنائية التي نشير إليها!، وقصيدتنا التي نتناولها تحكي عن معاناة الشاعر وحنينه للعروس التي لم يبل شوقه منها حتى اضطرته الظروف ( الوطنية) للابتعاد عنها، عن (المحبوبة)، فجاءت القصيدة تحمل وصفاً للحال الذي بات واصبح عليه الشاعر، أو كما أشار لها ،، للعروسة وهو يبث لها لواعج مشاعره تجاهها، في تلك اللحظة التي بان وتدفق شوقه لها، بأن (كفرة نيرانها زي جهنم)!. ماضياً في ( كشف) لواعجه لها في تلك اللحظة، حيث الوصف الرومانسي لعروسه التي أصبحت ملهمة لأشعاره التي كتبها فيها ولها، وبالفعل كانت هي محوره كشاعر لكل القصائد العاطفية له في ديوان (أكواب بابل من سنة البلابل)، كما نجد في أحد دواوينه أكثر من أربعين قصيدة تتحدث عن هند، وهند هي زوجته فاطمة حسب ما ذكره لي ابنه المقدم سجون م دكتور حسن، حيث أشار إليها في كل من قصيدة (طيف هند) و(سبعون صارماً) و(أنا الجاني) وغيرهن، فضلاً عن أغنيته (الزاهي الزاهي في خدرو) فعُرفت بلقب (الزاهي)!.
ارتبطت فاطمة محمد المدني محمد بالشاعر محمود حسن أبو بكر كزوجة، والتي ترتبط بصلة قرابة معه، حيث أن والدتها الحاجة آمنة محمد حسن والصاغ محمود أبو بكر حسن، هما أبناء عمومة لزم. ينحدران من قبائل الحلنقة بشرق السودان والتي هي بطن من بطون البجا المنتشرة في بوادي شرق السودان، كما فصل لي جنابو حسن ابنه.
درست فاطمة الخلوة ببورتسودان وانتظمت في التعليم الأساسي بمدارس الراهبات (Sister School ) كانت الثانوية بإنجيلية الخرطوم بحري، ثم كلية الفنون الجميلة والتطبيقية المعهد الفني بالخرطوم، (جامعة السودان حاليا)، كانت ملهمتنا معلمة بوزارة التربية والتعليم حيث تدرجت حتى تقاعدت للمعاش وهي موجهة تربوية بمكتب التعليم أم درمان.
لها مؤلفات في العلوم التربوية وبحوث منشورة عن التراث والفلكلور، من ابرزها كتاب توثيقي به رصد لوقائع منتدى لشعراء الحقيبة، وكان ذاك المنتدى تقيمه بنفسها وتديره تحت اشرافها خلال الأعوام من 60 حتى 64، ويعتبر من أوائل أعمال التوثيق لشعراء الحقيبة إن لم يكن أولهم على الاطلاق!، وفي هذا الخصوص أصدرت مؤلفها (لمحات من الادب الغنائي الشعبي السوداني).
يمشي معنا ابنها د. حسن أبوبكر مشوار التوثيق لها فيوضح بأن كل فرد من افراد الأسرة له موهبة في الأدب أو الشعر أو الموسيقى أو الرسم والتشكيل، بحيث أن الأمر متوارث من العمومة والأخوال، بل وحتى الأجداد، منهم التشكيليين والشعراء والأدباء.
أبناؤها وبناتها على التوالي هم كل من د أمال ـ معلمة متقاعدة، د. رجاء ـ عميدة كلية التنمية البشرية والاجتماعية جامعة أم درمان الأهلية، أبوبكر ـ مهندس مدني، المرحومة كوثر ـ معلمة ـ د. حسن محمود عميد شرطة حقوقي متقاعد وباحث ومعلم في الأثار والانثربولوجي، د. الهام ـ أستاذة جامعية تخصص ترجمة ولغات جامعة أم درمان الأهلية وجامعات أخرىـ وجدان، معلمة، علماً أن الوالدة لم ترزق من زواجها الثاني، أطال الله من عمرها لأبنائها وكريماتها وأحفادها وذريتها ورحم شاعر الوطنية الصاغ محمود أبوبكر.
الزاهي في خدرو
كلمات: الصاغ محمود أبوبكر
ألحان وغناء: أحمد المصطفى
***
زاهي في خدرو ما تألم
الا يوم كلمو .. وتكلم
حن قلبو ودمعو سال
هفّ بي الشوق قال وقال
***
باهي كل ما قالو كلمة
خت كلمة .. كالنبال
لو تراهو .. في سماهو
النور كساهو ..الجمال
كنت تعلم كيف جهنم
تحرق الجنب الشمال
***
قالو ليه القطر تقدم
وكفرة نيرانا زي جهنم
حن قلبو ودمعو سال
هف بي الشوق قال وقال
***
كلموهو..ألموهو
علموهو الانفعال
ارخي سمعو
واجري دمعو
البرق ... سمعو كال وهال
كم تألم .. ما تكلم
الا تمتم في المقال
***
باهي بلقيسة ليهو تسجد
ما بيجيب ليك حديثو هدهد..
عرشو عفريتو قاسي ضال
كم تألم .. ما تكلم
الا تمتم في المقال
***
زي لسان الرضيع قديمو
كلامو جوهر ..
وسط بسيمو
ياتو في الجوهر المقال
هف بي الشوق قال وقال
ايدو عندم .. ريقو زمزم
طهر مريم في المثال
***
صدرو رمان فيه عايم
وطرفو ساهي وحزامو خاتم
وجسمو من نقش توبو شال
هف بي الشوق قال وقال
قلبي دايرو .. كيف اسايرو
في مسايرو نجمي ضال
في عيونو .. وفي سنونو
ومن فنونو .. الموت حلال
ـــــــــــــــــــ
* فصل من كتاب (ملهمات ـ الجزء الثاني) تقديم الناقدة الموسيقية أروى الربيع، تصميم التشكيلي أحمد المرضي، صادر عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي.
hassangizuli85@gmail.com