القاضية بالكعب العالي !!

 


 

 

قررت يا وطني اغتيالك بالسفر
وحجزت تذكرتي
وودعت السنابل والجداول
والشجر
وأخذت في جيبي تصاوير الحقول
أخذت امضاء القمر
وأخذت وجه حبيبتي
وأخذت رائحة المطر
قلبي عليك .. وانت يا وطني تنام
على حجر
نزار قباني

على القراء الذين تبعثروا في المنافي شذر مذر فارين من كآبات الوطن الجريح أن يستبدلوا الرومانسيات في قصيدة نزار بكلمات وتعبيرات تناسب الحال من الخواء الذي يحيط بنا والبشاعات التي تعتصرنا والضياع الذي يحاصرنا اذ لا مفر من الهروب بحثا عن نسمة فرح أو ومضة أمل ولكن الى اين بعد أن ضيق الفرقاء آفاقنا وسودوا سمائنا ولوثوا ابجديات لغتنا بالبل والجغم ؟
(2)
هروبا سأعود بكم الى بورتسودان (الستينات) وليقولوا عني (الناس في ايه والحسانية في ايه) ..كانت أمسيات البورت عامرة بالعذوبة والمتعة والجمال يعطر سماواتها الطرب النبيل .. عبد الرحيم شامي (نبرهانا بادوانا) في ديم عرب أو فاروق وهو يغرد في سلبونا (بت حارتنا وجارتنا كبرت وا تملت فتنة يمكن فيها قسمتنا .. يمكن فيها قسمتنا) أو أمسياتها الرياضية حينما كان يتردد هتاف الجماهير في الأستاد (جر يا حاج ) أو تطلق ضحكاتها صادقة ومن الأعماق على تعليقات وقفشات عثمان كرباي وهو يرفع عقيرته في الملعب وصفا لركلة جزاء يتصدى لها أحد سحرة الاتحاد أمام مرمى حي العرب وهو يقول (حي العرب بين يدي الله ) أو قهقة الجماهير وهي تشاهد طاهر حسيب يسقط الحارس 5 مرات بحركاته البهلوانية قبل تسديد الكرة في مرماه .
(3)
كانت أيام حالمة لازالت ذكرياتها باقية ولكن الطرفة أيضا كانت حاضرة فقد عرفت بورتسودان حكما اسمه (عفش) تميز عن الحكام الآخرين بمخالفاته لقوانين ولوائح الكرة بل حتى لقوانين الفيفا فقد كان يدخل الاستاد مجردا من البطاقات الحمراء والصفراء ..كان رجلا قصير القامة مكتنز الجسم مفتول العضلات كجنى الفيل ..وكان اللاعبون يخافون منه ويعملون الف حساب لعدم ارتكابهم أية مخالفة تجنبا للعقوبات التي كان ينفذها أحيانا بالشلاليت وقبضات اليد فاذا ارتكب أحدهم مخالفة يقترب منه يهرشه (مالك تشلت ..ما تلعب كورة زي الناس ) فاذا تكررت المخالفة من نفس اللاعب يقترب منه ويهمس في اذنه قائلا ( اسمع أسمع لو انت راجل قابلني في الخور ) .
(4)
وتقول طرفة أخرى أن الاتحاد السوداني لكرة القدم كلف حكما من شندي اسمه (النعيم) بإدارة مباراة في الدوري بين أهلي شندي وفريق آخر ..سافر النعيم الى مدني ونزل ضيفا على ابن عمه وفي المساء ارتدى قميص التحكيم وتوجه الى الملعب لإدارة المباراة التي انتهت بخسارة الأهلي فهاجت جماهير الأهلي وماجت متهمة الحكم بالتحيز للفريق الخصم واتجهت راكضة للانتقام منه وهي تهتف في مظاهرة كبيرة (الى الجحيم يا النعيم) ..لكن النعيم أفلت بأعجوبة من غضب الجماهير مطلقا ساقيه للريح حتى دخل مركز الشرطة القريب ..وتدخلت الشرطة واحتوت الأحداث وبعد تفرق الجماهير عرضت على الحكم توصيله الى منزله الا انه رفض عرض الشرطة قائلا (شكلي سأبيت عندكم الليلة في القسم ) فسألوه لماذا فأجاب قائلا (عارفين الراجل المحمول على الأكتاف وهو يهتف الى الجحيم يا النعيم دا ولد عمي النازل عنده في البيت !)
(5)
وتتواصل الطرف حتى الصعيد الدولي فتقول رواية أن ملاكما أمريكيا اسمه روبرتسون توجه الى حلبة الملاكمة لمواجهة خصمه في مباراة في وزن الريشة مصطحبا والدته التي أصرت على مشاهدة المباراة لتشجيعه ..وبدأت المباراة غير المتكافئة أمام خصم شرس أسقط روبرتسون أرضا أكثر من مرة بلكمات خطافيه عنيفة ..وبينما كانت الجماهير تستمع بالمواجهة المثيرة بين الملاكمين كانت الام تتعذب وهي تشاهد ابنها يتلقى الضرب المبرح ..ويبدو ان عاطفة الأمومة جرفتها فتسللت الى الحلبة خلسة من وراء اللجنة المنظمة خلال فترة الراحة بين الجولات وخلعت كعبها العالي وانهالت به على رأس الملاكم الخصم بضربة مباغتة أحدثت جرحا استدعى ست غرز.. وبعد هرج ومرج أمسكوا بإلام المعتدية للتحقيق . يقول الملاكم روبرتسون انه وقف منتظرا قرار اتحاد الملاكمة بردعه بالإيقاف مدى الحياة الا ان شيئا من هذا لم يحدث فقد طلبوا منه عدم اصطحاب أمه في مباراته القادمة .
(6)
المفارقات لا تتوقف فاذا كان روبرتسون المسكين قد شبع ضربا ولكما خلال عشرة جولات قبل أن يأتي (الدعم السريع) الأهوج من امه فان الملاكم الأمريكي (سبينكس) كان أفضل حظا منه اذ لم يمكث في الحلبة اكثر من 91 ثانية بقاضية مواطنه الشرس (مايك طايسون) .كانت المباراة في الوزن الثقيل وكانت معظم الجماهير تزحف في الصف لشراء التذاكر حينما أعلن الحكم نهاية المواجهة والجماهير تستعد للدخول .كانت الجائزة المرصودة للمباراة التي جرت عام 1988 تقدر ب50 مليون دولار وقد دخلت ساحات الملاكمة كأغلى مباراة في التاريخ ..
(7)
وكالات الأنباء ولوضع مزيدا من بهارات الاثارة على المباراة قامت بقسمة المبلغ على 91 ثانية وهي عمر المباراة فوجدوا ان طايسون حصل على أكثر من 500 ألف دولار في الثانية الواحدة . حكى أحد الظرفاء لأحد زملائه عن نصيب طايسون في الثانية الواحدة فقال (والله أنا مستعد انضرب حتى الصبح وبالجزمة ويدوني 50 دولار) .
(8)
وتتوالى الطرف الرياضية وتتحدث الرواية عن عداء كان يشارك في سباق للماراثون في بطولة أولمبية ..وبدأ السباق المحموم نحو خط النهاية ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان فقد اكتشفوا ان أحد المتسابقين بدأ السباق بوجه حليق وحينما وصل الى خط النهاية متصدرا وجدوه بشارب يمكن ان يقف عليه صقر فاحتاروا في الأمر ولكن بعد تحريات مكثفة توصلوا الى النتيجة التي أسفرت عن شطب نتيجته وطرده وايقافه فقد اكتشفوا ان المتسابق كان قد اتفق مع أحدهم بالاختباء وسط الأشجار الكثيفة ومواصلة السباق بدلا عنه دون أن ينتبه لشنبه الكثيف .
(9)
تعتبر كرة القدم أكثر المنافسات اثارة للجدل والسبب أخطاء التحكيم فالحكام ليسوا دائما مرتشون ولكن تدني الكفاءة والخبرة تلعب دورا محوريا في هذا الجانب . في لقاء لي مع أحد خبراء التحكيم في الفيفا كشف لي ان أخطاء الحكام ناتجة عن عدم وجودهم في المكان المناسب لمشاهدة المخالفة بسبب سرعة إيقاع كرة القدم الحديثة ..ولذلك يحرص الفيفا على ضرورة رفع لياقة هؤلاء الحكام بالركض السريع لمجاراة الإيقاع ولكن رغم استعانة الحكام بجهاز (الفار) var المستحدث فان هناك من يحاول دائما بالضحك على الحكام بتصنع الإصابة أو التعرض لمخالفة من الخصم وبالذات في منطقة الجزاء .
(10)
قامت مجلة (سبورت بيلد) الألمانية بنشر تشكيلة وصفتها بالمثالية عن أعنف منتخب في تاريخ الكرة وتصدر القائمة اوليفر كان حارس منتخب المانيا المعتزل لتعرضه للطرد 3 مرات بسبب خشونته .. خط الدفاع تكون من الإيطالي الدولي ماركو ماتيرازي الذي يحمل الرقم القياسي في البطاقة الصفراء (103) مرة وهو اللاعب الذي تعرض لنطحة من زين الدين زيدان في مونديال 2006 وفي القائمة أيضا المدافع الهولندي باب ستام الذي يحمل لقب (آكل لحوم البشر) فضلا عن البرتغالي بيبي مدافع ريال مدريد السابق ومدافع اورجواي مونتيرو صاحب اكثر حالات الطرد في الدوري الإيطالي (16) مرة . . في خط الوسط هناك الإيطالي جاتوزو والايرلندي روي كين والهولندي نيجل دي يونج فضلا عن مهاجم البرشا السابق سواريز (الاورجواي) الذي لازال يحمل لقب (العضاض) وفي الهجوم جاء في الصدارة الأسباني دييجو كوستا .

oabuzinap@gmail.com

 

آراء