قارب من ورق
د. أمير حمد
5 December, 2023
5 December, 2023
ككل نهاية أسبوع، يمتلئ المنتزه العام بزوار...... معظمهم من العجزة، والأسر الصغيرة، وبعض العشاق الشباب. لم أتوقع أن أرى كريستل - زميلة العمل – في المنتزه هذا، لا سيما أنه يبعد كثيرا من المنظمة التي نعمل فيها. نعم، لا أنسى هذا اليوم الذي التقيته فيها... كانت تجلس لوحدها على مقعد خشبي عتيق قبالة ملعب اطفال جوار بحيرة صغيرة. نظرت أليها غير مصدق عيني.
همست باسمها وأنا أقترب منها. رأيت وجهها شاحبا، وفي عينيها حزن شفيف كأنها كانت تبكي، فتوقفت حين رأتني. صافحتها وتبادلنا حديثا قصيرا لا يتجاوز الإعجاب بالطقس وفرح الأطفال في الملعب، وجمال البحيرة الهادئة، وسط أشجار المنتزة.
قلت لها بأني أحس بالحرج وسؤال يدفعني لأن أطرحه عليها. حاولت أن ترسم ابتسامة على شفتيها الرقيقتين.
انها امرأة جميلة دون شك متناسقة الملامح، أومأت برأسها أن أسألها،
فقلت : هل أنت حزينة؟
لم ترد علي ,انتصبت واقفة كمهر رشيق وازاحت شعرها الاشقر المجعد جانبا والنسيم بتلاعب به كفقاعات الصابون التي نفثها طقل في الملعب قبالتنا .
وهكذا كان لقائي الأول بكريستل خارج مؤسسة عملنا المشترك. . التقيتها مرارا برغبة مني ومنها أيضا. أحسست بأن أمرا ما يعكر صفاءها، ويقلقها تود التخلص منه، غير أنها لا تقوى على فض سرها.
التقيتها أكثر من مرة في هذا المنتزه. علمتني أسماء الأشجار وأنواع الطيور وحدثتني عن تغير المناخ. قالت بأن هذا المنتزه كان أكثر اخضرارا وتعود إليه الطيور المهاجرة، إلا أن عالمه الجميل هذا لم يعد كما كان عليه. ظللنا نتحدث طويلا إلا أن حديثها عن الطيور المهاجرة استوقفني وأنار حزنا دفينا داخلي.
سألتني إن كنت أحب الطيور المهاجرة، فأومأت برأسي؛ فإذا هي تتغنى بأغنية لبحار. لم يستطع العيش مع عائلته في المدينة بعد أن تقاعد. قالت بأنه عاد إلى الإبحار ثانية.
طوقها الحزن ونحن جلوس على مقعد ملون قبالة ملعب الأطفال. أجهشت كريستل باكية، فأخذت بيدها وهدأت من روعها. سألتها ما بها؟ّ! ظننت أن شيئا ما حدث في العمل لم تستطع
معالجته . سألتني
هل أثق بك إن أطلعتك على مايحزنني؟!
قلت : نعم، يا كريستل. أنا لا أعرف أحدا لصيق بك لأفشي له سرك. ثم إني لست من شاكلة من تخافين منهم.
قالت وهي تسمح دمعها بأناملها الرقيقة: هل تدري بأني بلا أب؟ هكذا شاء أمر قدري . لم ار أبي قط في حياتي مما دفعني لاتوهم شكله وألجأ إلى ملاعبة الأطفال لأخفف من حزني. كم أسعد حين أرى أبا بلاعب ابنه، أو يمسح على رأسه.
غضبت أمي حينما سألتها عنه وخفت أن أسألها ثانية. قالت لي وهي مخمورة بأنني ابنة سفاح. ضاجعني ابوك واختفى. لا أعرف عنه أي شيئ. التقيته في مرقص وأخذني بعدها إلى شقته. حاولت ان تموه حزنها بإدمان الكحول وكثرة الأكل إلى أن ترهلت
وأصبحت أسيرة المنزل
.
نحن من عائلة فقيرة أتت إلى هذه المدينة وتفرقت. لم يبق منها إلا أمي وأنا ظللت فكنت بمثابة الأب ... أدرس وأعمل وأراعي أمي، وأراسل الدوائر الرسمية وأراجعها.
تغيرت حياتي من سييء إلى أسوأ.
أتدري أن صديقتي الوحيدة التي درست معها ورافقتني في حياتي قطعت علاقتها بي .
..
هي من أسرة ثرية من جنوب ألمانيا. أسرة تملك مزارع عنب وتفاح ومصانع للجعة ما أن شاع خبر أن والدتي امرأة لعوب وأني بلا أب إلا وأقسم والد صديقتي ألا يورثها بل ويتبرأ منها ايضا إن لم تقطع علاقتها بي. كتبت لي رسالة طويلة تشكرني فيها على السنوات الجميلة التي قضيناها معا وطلبت مني أن أسامحها على قطع علاقتها بي. كتبت قائلة:" أسرتي كل ما أملك في الحياة يا كريستل "، وهكذا أسدلت الستار على علاقتي بها بعد أن منحتني حب الحياة، والثقة في النفس.
كانت ثرية كريمة لا يهمها المال. صاحبتني معها إلى التزحلق على جليد الجبال وألى قاعات راقية، وحفلات، ومسارح، بل وسافرت معها إلى خارج ألمانيا الى نيوزنذه وجزر الجنوب النائية . أقمنا في أرقى الفنادق مقابل البحر والجبال. كتبت لها بأني أشكرها على كرمها وحسن معاملتها، واتمنى لها حياة تليق بها، بعيدا عن
عَنَتِ حياتي وأمي.
. اجالت كريستل بنظراتها في المنتزه المطوق بأشجار الدردار، والبتولا، وبحيرة صغيرة ينسرح موجها بهدوء كما لو أنه يسترق السمع إليها وهي تروي بحذر تفاصيلها ومأساة قدرها
.
قالت كريستل مواصلة:
تزوجت أمي برون، جندي أمريكي أسود. أحبا بعضهما ربما لأنهما شخصيتان متناقضتان تماما. لم يكن رون معنيا بكثير من الامور
لا يكترث و يلتوم الجدية والحزم
الا نادرا
اولع بحب الرياضة والرقص. علمني العزف على الغيتار والبيانو، ودربني كثيرا حتى شغلت بحب السود والتعرف عليهم . لم يكن رون أبا بديا لي وحسب، وإنما أحببته بشكل أوبأخر كرجل.
كنت أرى جسده الرياضي الأسود اللامع شبه عاري وهو ييندفع من حمام شقتنا أو في عطلات الصيف حينما نذهب ثلاثتنا إلى المسبح المفتوح عند طرف المدينة. أحست أمي بحبي له وبدأت تشك في علاقته بي. قال لها بأنها بمثابة ابنته لا غير كما أن قلبه و عقله منهمكان في حب الموسيقى والغناء. ظل يعزف ويغني بصوت عميق أغاني الجاز والبلوز. فأرى جبينه يتقطر عرقا وعروق ساعديه
المشدودين االمفتولين ينتفخان وينبسطان
لكم كان يثيرني هذا المشهد عرفت منه بأن والده كان لصا ماهرا يسرق عجلات السيارات وحاول أن ينهب بنكا فنسي بطاقة هويته هناك
سراعا ماقبضوا .
عليه ,ضحك القاضي عند إصدار الحكم عليه. قال: أنت أغبى
لص عرفته
ءء
قالت كريستل بأنه كان يحب أغنية
لا أستطيع الفكاك من حبك¡
تلك الساعات التي قضيناها معا
لا تزال تسكرني
وها أنا الآن لا أزال أعيش تلك
الذكريات. .
ومثلما تعرفت أمي على رون فجأة في
مرص، مات فجأة جراء نوبة قلبية
اودت بحياته
نقل جثمانه إلى أمريكا كما في وصيته، قال لي ذات مرة لكم وددت أن أورثك شيئا ولكني كما ترين إنسان بسيط، يعيش كعابر سبيل ويموت دون ذكر له، أو ابن يمجد حياته..
.
قالت كرستل مواصلة : سأزور قبره مره أخرى في أمريكا، حيث
بشاهذة تحمل صورته بوسام شرف عسكري وتاريخ ميلاده ووفاته.
هكذا حدثتني كرستل بصوت هاديء تداخل مع وشوشة النسيم وخفق أمواه البحيرة.
توقفت فجأة عند شجرة العشب الحزين، وسألتني عن اسمها فأخبرتها، ضحكت وقالت لي:
حسنا لم تنس اذا أسماء الأشجار كما
علمتك
سألتني عن اسمي فقلت لها
سمير.
قالت
اسم جميل معبر
ثم تحدثنا عن العمل في قسمها وقسمي ، وأبدينا رأينا في مديرنا المسؤول.
سألتني:
هل لي أن أعرف كيف اتيت إلى أوروبا؟
فاجأتني يسؤالها هذا
قلت
لن أذكر لك تفاصيل حياتي السابقة كلها يا كريستل فهي طويلة ومعقدة،
كما قد تزعجك وتملي منها.
.
هاحرت من موطني مع صحبتي طلبا للجوء فقد دمرت الخرطوم، عاصمة وطني تحت وطأة حرب وحشية بين الجيش وملبشيات موازية.
كنا نخرج نطالب بالديمقراطية والحرية والتغيير نحو الأفضل.
أتدرين أن الناس هناك – الأبرياء، والنساء وحتى الشيوخ – هُجّروا من منازلهم جراء هذه الحرب اللعيته. .
...... ..... حاصر المرض بلادي ولم يعد يطوق الامن والسلام
.
كنا نلتقي على احد جسور النيل ، نحرك المظاهرات ونسد الطرقات بالحجارة. كنا لبعضنا البعض كجسد واحد . بعضنا حلم بالتغير ، وظل اخرون جادون ، ثوار يقاتلوا كالجنود، وزرعوا وقدفوا قنابل يدوية كي لا تمر مركبات الجيش والمليشيات
.
وهكذا، بين ثورة تتبلور ، وحلم شباب يتطلع إلى وطن امن معافا ، قررنا أن نهاجر، لنكافح من الخارج بقدر الإمكان. كانت هجرة سرية عبر صحراء السودان وليبيا، مع مُهَرّب في سيارة خلوية.
سددنا له كل ما نملكه يا كريستل. كانت هجرة قاسية في صحراء لا ترحم، لا نستطيع اجتيازها إلا في الليل حين يبرد الطقس وينطفئ وهج قرص االشمس المتقد
.انضم الينا في الطريق لاجئة وافارقة اجرون من غرب إفريقيا
رأينا كيف يعذب المهربون اللاجئين بنزع ما يملكون بالقوة ويضربونهم، ويحبسونهم كالأسرى ، ويهددونهم بالقتل، وتعذيب أسرهم إن لم يستجيبوا لأوامرهم.
كنت أهرب من قساوة الهجرة والدمار الذي حل ببلادي باستعادة ذكريات عطرة عشتها هناك، حُفرت في ثنايا مخيلتي .
تم .
ابحرنا البحر ليلا بزورق، بعد أن انتظا ر طويل حتى يهدأ الموج وتستقر بوصلة الريح. لم نكن نملك سوى القليل من الأكل نشارك به بعضنا البعض كما كنا نصنع على جسر النيل .البحر غير النيل الحالم ياكرستل
. ظل يتلاعب الموج بزورقنا حتى خفنا الغرق. يحل ليل ويعقبه نهار طويل لا نبصر فيه سوى زرقة السماء وتموج البحر. كاد الزورق أن يصطدم بصخرة قرب ساحل ايطاليا وانحرف في آخر لحظة. أتدري يا يا كريستل، انا رأينا دلافين تتقافز فوق الموج، لكم فرحنا وقتها،
يقولون بأنها بشارة النجاة.
.
التقطنا حرس السواحل الشرس، ورمى بنا في سجن التحقيق . كان هناك محام شاب وآخر من مفوضية اللاجئين ومترجمون. مضى أكثر من شهر على حبسنا قيد التحقيق. وفي الأخير قرر قاض حازم عريض الكتفين بتسفير بعضنا وموافقته على طلب لجوء البعض، منهم الإفريقية
وأنا. أما صحبي فقد سُفّروا.
ظلت كرستل تصغي الي والدهشة تفرج
ملامحها كتفتح ورد في الحقل
انذفعت تلاعب طفلا ما قدم نحونا .
،واخذتني الذاكرة بعيدا إلى وطني، فردوسي المفقود.
كم مؤلم هو أن ارى مواطني قريتنا يُقتلون برصاص الجيش وامليشيات
ليس لفظائع ارتكبوها وانما لانهم خرجوا ليهتفوا غاضبين في وجه استبداد العسكر..
لم نعهد القتل في حياتنا البتة، إلا في ثورتنا هذه.
ظل عوض كلام، رفيقي الثرثار يضيف ويحذف ممجدا نضال المتظاهرين. أما السر "قنبلة" رفيقي الثاني الذي رافقني في هجرتنا السرية إلى أوروبا فكان يغلق الطرقات بالحجارة ويلقي قنابل يدوية تركها الجنود سهوا. .ن ! .قتل من قُتل وهرب من هرب، وجاءت
.
النساء الباسلات غنين باناشيد البطولة وحملن المصابين وضمّدن
جروحهم
.
.
. كل ما حدث كان مخططا لإخماد ثورتنا، حتى قُتل مئات المتظاهرين الأبرياء، ورُمي جثامينهم في النيل
وأحرق بعضها
ليغطى أثر المذبحه
.ظهر العسكر في التلفاز بوجه ولسان مُصلح
. ينافقون لا لسلم وإنما لنيل السلطة.
كان الجسر ملتقانا، نهتف ونغني للحرية، ونأكل سوية، وندعو الله للنصرة والسلام.
وعدت بذاكرتي إلى سحر حبيبة الصبا، فتاة أحبت النيل،والشمس والنجوم ومنازل الطين ومزرعة أبيها البدوي، .
كانت تسافر معه إلى الواحات وتنتقل في الصحراء، وتعود أكثر جمالا، تتغنى بحبها للبدو، وتصف لي الليل في الصحراء وكثرة النجوم. كانت تقرأ الحظ من الصَدَف وفناجين القهوة والرمل. قالت لي بأنها مثلي قلقة تبحث دوما عن شييء ما في دواخلها. كانت ةحب أن أشكل قارب من ورق وأدفع به الى موج النيل
قنجلس نراه يتأرجح مبتعدا الى أن
يتوارى عن أبصارنا
تغير كل شيئ باندلاع الحرب
لم نكن نرغب في هجرة سرية
الا ان مهربه اغرانا بها فسددنا له كل ما نملكه من مال
كان رجلا غامضا لايتحث كثيرا
يلف وشاحا حول وجهه.
فارقنا موطننا الى صحراء ليبيا. في شاحن تجارة خلوية تدافع إليها لاجئون آخرون من غرب أفريفيا. قلت لعوض “”
الصحراء تذكرني مقطع من موسم الهجرة للطيب صالح
فقال لي: صالح ود بانقا؟! رجل كريم غير انه جبان .
لم ارد عليه… لا فائدة .
وهذه الأفريقية اللاجئة الجميلة ما
حملها على الهجرة دون مرافق ؟
قالت :
قبيلتها تريد قتلها لأنها توأم والتوأم يجلب الشر في عرف قبيلتها. طاردت توأمها فهرب من القبيلة
ظل يتنقل متنكرا إلى أن وصل ساحل السنغال حيث حاول الهرب الى جزر الكناري ومن ثم إلى اسبانيا.
ختمت حياته دون ذكر لوجوده أصلا اد عثروا على جثمانة مع السمك الميت على شاطئ الاطلسي تتلاعب به الأمواج وتتقفاز فوقه النوارس. قالت لي اللاجئة ان اسمها جوانة ولا ترغب بالعودة أبدا الى قريتها، لا يهم أي دولة تستقبلها.
حلبنا حرس السواحل الاليطالي الشرس من البحر كالاسري
.قدمنا الى المحكمة الصغيرة
قال القاضي
لا أخفي عليكم أني لا ارغب في بوجودكم في ايطاليا ، من الأفضل كم أن تعودوا إلي بلادكم لن نمنحكم مساعدات إجتماعية .ايطاليا ليست دولة سياحة للاجئين أمثالكم
لسبب ما لا علم لي به رُفض طلب عوض والسر ووفق على طلبي لجوئي
وجوانه .
.
افترقنا أنا وكريستال في المنتزه على أمل أن نلتقي مجددا. لم يحدث شييء، وطال الأمد لأكثر من اشهر لم أرها أو أسمع عنها شيئا، إلى أن أخبرني زميل بأنها تركت العمل في الثسم الثالث الموازي لقسمي .تركت العمل
رغم أن رئيس القسم كان بحاجة ماسة إليها، وأثنى عليها مرارا ولمح بترقيتها.
وفي يوم ما إذ بمظروف يطل من صندوق بريدي، نعم وبختم أمريكي، فتحه بشغف وقرا الرسالة طيه
:
عزيزي سمير،
عساك بخير، يؤسفني الانقطاع عنك، أنا في فينيكس بأمريكا. حملني الشوق لزيارة قبر رون، زوج أمي؛ فقد كان رجلا بحق.
شاءت الظروف والصدف أن تعرفت على رجل من الهنود الحمر، التقينا أكثر من مرة ...أحببته وأحبني وقررت التزواج به . إنه رجل حكيم مثلك. وحياته ملأى بالأحزان والمغامرات. لا أكتفي قط من الاستماع إليه، ولا يمل هو من رؤيتي كما قال. لقد وجدت رجلا يصغي إلي ويحاورني بهدوء ويحترمني ولا يخونني مع امرأة أخرى، أيا كانت.
حول حياتي إلى عالم مفتوح ودفعني إلى أن أشق طريقي دون أن يؤثر علي .... فقط يسير بجواري كملاك حارس يعصمني من الانحراف عن هدفي اوالسقوط.
عزيزي
هل تدري بأني حملت منه! فأجاني الطبيب بهذا الخبر، وقد ذهبت إليه لإحساسي بألم وسعور بالغثيان. نعم، توالت الأحداث تباعا وفجأة.
عرفنا بأن المولود سيكون ولدا... سأسميه سمير مثلك تيمنا بلقائنا الجميل في المنتزه العام
.
حتما سأزور ألمانيا لأراك.
هل ما زلت كما كنت تحب قراءة الأدب الفارسي؟ وأشعار الهايكو اليابانية، و طاغور الهند ؟
أما انا فلم أعد أرى العالم من منظور ضيق كما كانت أمي.
اقرأ ماسطره باتريك وايت الكاتب الأسترالي وأهتم بمنظومة الاوبرجينز الاجتماعية وقصص وأشعار كُتّاب البرازلين السود.
حدثني أباتشي زوجي كثيرا عن التهميش ونحن جلوس حول النار في صحراء فينيكس. كم رائع الليل والصحراء ونار تلم الأحبة.
سرد لي أباتشي مأساة عائلته الهندية في كندا. قال لي بأن البيض استدرجوا
الهنود الحمر ليدمنوا التدخين والكحول نعم شغلوهم ليسهل عليهم طرجهم من ارضهم ويستحوذ عليها من ثم .قال ان بعض من افراد اسرته ارحوا في داخليات تابعة للكنيسية الكاثوليكية فكانولا يكرون على ترك لغتهم وتقبل المسيحية .قال بانهم كانوا يضربون وتغسل افواههم بماء في ابريق ذهبي ان تحدثوا بلغتهم ٌالوا لهم هذه لغة ناقصة ملعونة وبذائية
لدي الكثير أود أن أقوله لك، سأحتفظ به الى أن ألقاك قريبا.
دم بخير
كرستل
مضى زمن طويل على ارتيادي المنتزه بعد لقائي بكريستل.
وفي ذات يوم ذكر مدير القسم ان الموظفات نشيطات ومقدرتهن على الاداء افضل من الرجال زملائهنن فذكر كرستل نموذجا ا،
قال بأنه لن يوظف بعدها رجل واحدا، النساء أجود بكثير من قطيع الرجال،، هكذا قال على وجه الدقه
!
قادتني خطاي وسرت ممتثلا وراءها إلى المنتزه لأزجي بعض الوقت بعد أن ذكرنا المدير بكريستل. كان المنتزه
شبه شاغر
بعض عجزة تحلقوا حول البحيرة.
كانوا يتحدثون بلا انقطاع عن امراض عدة وتركيب طقم الاسنان وتكلفته
وعن علاقتهم مع زوجاتهن
كان وقد سألتني كريستل عن صورة المرأة الاوربية في ذهن الأجانب مثلي ؟ هل هي المرأة الجسد كما عرفناه منهم أم ثمة ما يجذب اليها غير الاغواء؟!
حاولت أن أجيبها... بالحديث عن الاندماج والبيئة التي بعيشون فيها واثر المعتقد والعادبت عليهم قلت لها أنا لست ممثل لهم
وراي نسبي جدا قد يكون معقولا اونشازا
لاأدري ...لاادري
.
في هذا المنتزه الملون كالفصول نفسها، لا أحد يعنيه قدر الآخر، أو مأساته...
يأتي الرواد للتنزه بصحبة النساء، أو الكلاب المدربة على طاعة صاحبها. منهم
من يحب كلبه ويتعلق به ، ويموت حزنا عليه إن مات.
لم أعد أرى توماس المتسول الذي كثيرا ما يجوب المنتزه مستجديا عطف المارة والرواد
المتسول الذي يجمع صحفا مهملة
وحنو المارة عليه
لم يأت هذا اليوم
أنرى ذا همه برج الحظ
أم اغتاله فوق الصخرة
حيث ينام
مقال صحيفه
عن سيزيف
ومثلما يتقلب اليوم بين الجد و الملل يتحدث الرواد هنا عن امور عامة وتفاصيل مهمة واخرى تافهة
.يتحدثون عن ا جدوى الحياة وعدمها وتكرار مجرياتها. قالت إحداهن لرفيقتها، أحس تجدد الحياة هنا على نحو ما
اراقب الطيور لا تنعطف عن هدفها. ما أجمل أن نتعلم
من الطبيعة!
جلست على مقعد شاغر قبالة البحيرة ونظرت مجددا إلى المنتزه
أهو ملاذ وخلاص كما يزعمون .
هنا تفاحة ادم وثمرة الخطيئة والمغفرة معا ... عشاق، ونافورة حولها كلاب مدربة وعجزة متكأون ألى عصي يتحدثون بلا
انقطاع.
.
كان وقد قالت لي جوانه الالجئة الشجاعة بأن قبيلتها لا تحب الثرثرة والجبناء.
قالت ونحن طي البحر المنسرح ان أجيز طلب لجوئها فأنها ستبدا حياة جديدة من الصفر ولن تعود ابدا الى موطنها .
.
كتبت لي
فيما بعد قائلة ارت الفاتيكان ومسرح ال لاولمب في ايطالياوجلست جوار النافور
الشهيرة تراقب الحمام هناك وتصورت مع.
..... مع السواحاعلى جبل ، وراقبت عن كثب فوران فوهة بركان
يبدو لي انها تخلصت من .
نحس مطاردة اهلها
.قالت بأن قسيسا تحجرت عيناه عندما عرف ذلك
قربها اليه ، ووضع كفه فوق رأسها وباركها.ركبتدراجة بخارية معه،
وجلست في المقاهي الليلية، وأكلت البيتزا اإليطالية الشهيرة...
قات ان الحنين
يقودها إلى قريتها عند
تخوم غابة استوائية في قلب إفريقيا
فرحت حين علمت باها ستتزوج زترغب في انجاب اطفال كثر من زوجها النيجيري
.
وها انا أقود خطاي وتقودني في هذا المنتزه البديع
.هنا كنت وكرستل نجلس على المقعد الخشبي العتيق، قبالة البحيرة، والبط العائم، ولفيف أشجار متنوعة علمتني أسماءها كلها . لم تفتأ تكاتبني وتعدني برؤية سمير مولودها الجديد.
هل يستحق أن يحمل اسمي هذا وأنا لا أسامر إلا نفسي، والغربة، وعزلة تكاد أن تنسيني كل ما عرفته وألفته.
قالت بانها اكتشفت عالما رائعا واحست به كشمس حانية يضيئ دربها الطويل
احست به رائعا كلما تلمست ظهر بطنها المنتفح وجست نبض جنينها
وكلما أطلعت على ادب السود والهنود الحمر او ,ساهمت في جمعية حماية الأقليات
إنها امرأة مبحرة ضد التيار.
.
يقولون ان الحياة تتجدد كفعل الموج .وهكذا يهدم البعض مايهدم وينسى الكثير الا الحب فأنه يكبر وينخل في ثنايا الذاكره.
كم قالت لي سحر حبيبتي لا .. لابسافر …...لن نعد ولاانا
ماتت دون ان تراتي ثانية ولم اعد انا
.نعم هي في مخيلتي بعد جالسة جواري على شط النيل ضاحكة تداعب وتطوغ قدرها ككلاب المنتزه هذا
شكلت قاربا ورقيا ودفعته بأناملي إلى موج البحيرة ونظرت إليه وهو يتأرجح فوق الموج
. وينأى قاصيا عن ناظري.
القصة مهداة الى الصديق د.أحمد التيجاني والأديبه شذى فقيري
amir.nasir@gmx.de
همست باسمها وأنا أقترب منها. رأيت وجهها شاحبا، وفي عينيها حزن شفيف كأنها كانت تبكي، فتوقفت حين رأتني. صافحتها وتبادلنا حديثا قصيرا لا يتجاوز الإعجاب بالطقس وفرح الأطفال في الملعب، وجمال البحيرة الهادئة، وسط أشجار المنتزة.
قلت لها بأني أحس بالحرج وسؤال يدفعني لأن أطرحه عليها. حاولت أن ترسم ابتسامة على شفتيها الرقيقتين.
انها امرأة جميلة دون شك متناسقة الملامح، أومأت برأسها أن أسألها،
فقلت : هل أنت حزينة؟
لم ترد علي ,انتصبت واقفة كمهر رشيق وازاحت شعرها الاشقر المجعد جانبا والنسيم بتلاعب به كفقاعات الصابون التي نفثها طقل في الملعب قبالتنا .
وهكذا كان لقائي الأول بكريستل خارج مؤسسة عملنا المشترك. . التقيتها مرارا برغبة مني ومنها أيضا. أحسست بأن أمرا ما يعكر صفاءها، ويقلقها تود التخلص منه، غير أنها لا تقوى على فض سرها.
التقيتها أكثر من مرة في هذا المنتزه. علمتني أسماء الأشجار وأنواع الطيور وحدثتني عن تغير المناخ. قالت بأن هذا المنتزه كان أكثر اخضرارا وتعود إليه الطيور المهاجرة، إلا أن عالمه الجميل هذا لم يعد كما كان عليه. ظللنا نتحدث طويلا إلا أن حديثها عن الطيور المهاجرة استوقفني وأنار حزنا دفينا داخلي.
سألتني إن كنت أحب الطيور المهاجرة، فأومأت برأسي؛ فإذا هي تتغنى بأغنية لبحار. لم يستطع العيش مع عائلته في المدينة بعد أن تقاعد. قالت بأنه عاد إلى الإبحار ثانية.
طوقها الحزن ونحن جلوس على مقعد ملون قبالة ملعب الأطفال. أجهشت كريستل باكية، فأخذت بيدها وهدأت من روعها. سألتها ما بها؟ّ! ظننت أن شيئا ما حدث في العمل لم تستطع
معالجته . سألتني
هل أثق بك إن أطلعتك على مايحزنني؟!
قلت : نعم، يا كريستل. أنا لا أعرف أحدا لصيق بك لأفشي له سرك. ثم إني لست من شاكلة من تخافين منهم.
قالت وهي تسمح دمعها بأناملها الرقيقة: هل تدري بأني بلا أب؟ هكذا شاء أمر قدري . لم ار أبي قط في حياتي مما دفعني لاتوهم شكله وألجأ إلى ملاعبة الأطفال لأخفف من حزني. كم أسعد حين أرى أبا بلاعب ابنه، أو يمسح على رأسه.
غضبت أمي حينما سألتها عنه وخفت أن أسألها ثانية. قالت لي وهي مخمورة بأنني ابنة سفاح. ضاجعني ابوك واختفى. لا أعرف عنه أي شيئ. التقيته في مرقص وأخذني بعدها إلى شقته. حاولت ان تموه حزنها بإدمان الكحول وكثرة الأكل إلى أن ترهلت
وأصبحت أسيرة المنزل
.
نحن من عائلة فقيرة أتت إلى هذه المدينة وتفرقت. لم يبق منها إلا أمي وأنا ظللت فكنت بمثابة الأب ... أدرس وأعمل وأراعي أمي، وأراسل الدوائر الرسمية وأراجعها.
تغيرت حياتي من سييء إلى أسوأ.
أتدري أن صديقتي الوحيدة التي درست معها ورافقتني في حياتي قطعت علاقتها بي .
..
هي من أسرة ثرية من جنوب ألمانيا. أسرة تملك مزارع عنب وتفاح ومصانع للجعة ما أن شاع خبر أن والدتي امرأة لعوب وأني بلا أب إلا وأقسم والد صديقتي ألا يورثها بل ويتبرأ منها ايضا إن لم تقطع علاقتها بي. كتبت لي رسالة طويلة تشكرني فيها على السنوات الجميلة التي قضيناها معا وطلبت مني أن أسامحها على قطع علاقتها بي. كتبت قائلة:" أسرتي كل ما أملك في الحياة يا كريستل "، وهكذا أسدلت الستار على علاقتي بها بعد أن منحتني حب الحياة، والثقة في النفس.
كانت ثرية كريمة لا يهمها المال. صاحبتني معها إلى التزحلق على جليد الجبال وألى قاعات راقية، وحفلات، ومسارح، بل وسافرت معها إلى خارج ألمانيا الى نيوزنذه وجزر الجنوب النائية . أقمنا في أرقى الفنادق مقابل البحر والجبال. كتبت لها بأني أشكرها على كرمها وحسن معاملتها، واتمنى لها حياة تليق بها، بعيدا عن
عَنَتِ حياتي وأمي.
. اجالت كريستل بنظراتها في المنتزه المطوق بأشجار الدردار، والبتولا، وبحيرة صغيرة ينسرح موجها بهدوء كما لو أنه يسترق السمع إليها وهي تروي بحذر تفاصيلها ومأساة قدرها
.
قالت كريستل مواصلة:
تزوجت أمي برون، جندي أمريكي أسود. أحبا بعضهما ربما لأنهما شخصيتان متناقضتان تماما. لم يكن رون معنيا بكثير من الامور
لا يكترث و يلتوم الجدية والحزم
الا نادرا
اولع بحب الرياضة والرقص. علمني العزف على الغيتار والبيانو، ودربني كثيرا حتى شغلت بحب السود والتعرف عليهم . لم يكن رون أبا بديا لي وحسب، وإنما أحببته بشكل أوبأخر كرجل.
كنت أرى جسده الرياضي الأسود اللامع شبه عاري وهو ييندفع من حمام شقتنا أو في عطلات الصيف حينما نذهب ثلاثتنا إلى المسبح المفتوح عند طرف المدينة. أحست أمي بحبي له وبدأت تشك في علاقته بي. قال لها بأنها بمثابة ابنته لا غير كما أن قلبه و عقله منهمكان في حب الموسيقى والغناء. ظل يعزف ويغني بصوت عميق أغاني الجاز والبلوز. فأرى جبينه يتقطر عرقا وعروق ساعديه
المشدودين االمفتولين ينتفخان وينبسطان
لكم كان يثيرني هذا المشهد عرفت منه بأن والده كان لصا ماهرا يسرق عجلات السيارات وحاول أن ينهب بنكا فنسي بطاقة هويته هناك
سراعا ماقبضوا .
عليه ,ضحك القاضي عند إصدار الحكم عليه. قال: أنت أغبى
لص عرفته
ءء
قالت كريستل بأنه كان يحب أغنية
لا أستطيع الفكاك من حبك¡
تلك الساعات التي قضيناها معا
لا تزال تسكرني
وها أنا الآن لا أزال أعيش تلك
الذكريات. .
ومثلما تعرفت أمي على رون فجأة في
مرص، مات فجأة جراء نوبة قلبية
اودت بحياته
نقل جثمانه إلى أمريكا كما في وصيته، قال لي ذات مرة لكم وددت أن أورثك شيئا ولكني كما ترين إنسان بسيط، يعيش كعابر سبيل ويموت دون ذكر له، أو ابن يمجد حياته..
.
قالت كرستل مواصلة : سأزور قبره مره أخرى في أمريكا، حيث
بشاهذة تحمل صورته بوسام شرف عسكري وتاريخ ميلاده ووفاته.
هكذا حدثتني كرستل بصوت هاديء تداخل مع وشوشة النسيم وخفق أمواه البحيرة.
توقفت فجأة عند شجرة العشب الحزين، وسألتني عن اسمها فأخبرتها، ضحكت وقالت لي:
حسنا لم تنس اذا أسماء الأشجار كما
علمتك
سألتني عن اسمي فقلت لها
سمير.
قالت
اسم جميل معبر
ثم تحدثنا عن العمل في قسمها وقسمي ، وأبدينا رأينا في مديرنا المسؤول.
سألتني:
هل لي أن أعرف كيف اتيت إلى أوروبا؟
فاجأتني يسؤالها هذا
قلت
لن أذكر لك تفاصيل حياتي السابقة كلها يا كريستل فهي طويلة ومعقدة،
كما قد تزعجك وتملي منها.
.
هاحرت من موطني مع صحبتي طلبا للجوء فقد دمرت الخرطوم، عاصمة وطني تحت وطأة حرب وحشية بين الجيش وملبشيات موازية.
كنا نخرج نطالب بالديمقراطية والحرية والتغيير نحو الأفضل.
أتدرين أن الناس هناك – الأبرياء، والنساء وحتى الشيوخ – هُجّروا من منازلهم جراء هذه الحرب اللعيته. .
...... ..... حاصر المرض بلادي ولم يعد يطوق الامن والسلام
.
كنا نلتقي على احد جسور النيل ، نحرك المظاهرات ونسد الطرقات بالحجارة. كنا لبعضنا البعض كجسد واحد . بعضنا حلم بالتغير ، وظل اخرون جادون ، ثوار يقاتلوا كالجنود، وزرعوا وقدفوا قنابل يدوية كي لا تمر مركبات الجيش والمليشيات
.
وهكذا، بين ثورة تتبلور ، وحلم شباب يتطلع إلى وطن امن معافا ، قررنا أن نهاجر، لنكافح من الخارج بقدر الإمكان. كانت هجرة سرية عبر صحراء السودان وليبيا، مع مُهَرّب في سيارة خلوية.
سددنا له كل ما نملكه يا كريستل. كانت هجرة قاسية في صحراء لا ترحم، لا نستطيع اجتيازها إلا في الليل حين يبرد الطقس وينطفئ وهج قرص االشمس المتقد
.انضم الينا في الطريق لاجئة وافارقة اجرون من غرب إفريقيا
رأينا كيف يعذب المهربون اللاجئين بنزع ما يملكون بالقوة ويضربونهم، ويحبسونهم كالأسرى ، ويهددونهم بالقتل، وتعذيب أسرهم إن لم يستجيبوا لأوامرهم.
كنت أهرب من قساوة الهجرة والدمار الذي حل ببلادي باستعادة ذكريات عطرة عشتها هناك، حُفرت في ثنايا مخيلتي .
تم .
ابحرنا البحر ليلا بزورق، بعد أن انتظا ر طويل حتى يهدأ الموج وتستقر بوصلة الريح. لم نكن نملك سوى القليل من الأكل نشارك به بعضنا البعض كما كنا نصنع على جسر النيل .البحر غير النيل الحالم ياكرستل
. ظل يتلاعب الموج بزورقنا حتى خفنا الغرق. يحل ليل ويعقبه نهار طويل لا نبصر فيه سوى زرقة السماء وتموج البحر. كاد الزورق أن يصطدم بصخرة قرب ساحل ايطاليا وانحرف في آخر لحظة. أتدري يا يا كريستل، انا رأينا دلافين تتقافز فوق الموج، لكم فرحنا وقتها،
يقولون بأنها بشارة النجاة.
.
التقطنا حرس السواحل الشرس، ورمى بنا في سجن التحقيق . كان هناك محام شاب وآخر من مفوضية اللاجئين ومترجمون. مضى أكثر من شهر على حبسنا قيد التحقيق. وفي الأخير قرر قاض حازم عريض الكتفين بتسفير بعضنا وموافقته على طلب لجوء البعض، منهم الإفريقية
وأنا. أما صحبي فقد سُفّروا.
ظلت كرستل تصغي الي والدهشة تفرج
ملامحها كتفتح ورد في الحقل
انذفعت تلاعب طفلا ما قدم نحونا .
،واخذتني الذاكرة بعيدا إلى وطني، فردوسي المفقود.
كم مؤلم هو أن ارى مواطني قريتنا يُقتلون برصاص الجيش وامليشيات
ليس لفظائع ارتكبوها وانما لانهم خرجوا ليهتفوا غاضبين في وجه استبداد العسكر..
لم نعهد القتل في حياتنا البتة، إلا في ثورتنا هذه.
ظل عوض كلام، رفيقي الثرثار يضيف ويحذف ممجدا نضال المتظاهرين. أما السر "قنبلة" رفيقي الثاني الذي رافقني في هجرتنا السرية إلى أوروبا فكان يغلق الطرقات بالحجارة ويلقي قنابل يدوية تركها الجنود سهوا. .ن ! .قتل من قُتل وهرب من هرب، وجاءت
.
النساء الباسلات غنين باناشيد البطولة وحملن المصابين وضمّدن
جروحهم
.
.
. كل ما حدث كان مخططا لإخماد ثورتنا، حتى قُتل مئات المتظاهرين الأبرياء، ورُمي جثامينهم في النيل
وأحرق بعضها
ليغطى أثر المذبحه
.ظهر العسكر في التلفاز بوجه ولسان مُصلح
. ينافقون لا لسلم وإنما لنيل السلطة.
كان الجسر ملتقانا، نهتف ونغني للحرية، ونأكل سوية، وندعو الله للنصرة والسلام.
وعدت بذاكرتي إلى سحر حبيبة الصبا، فتاة أحبت النيل،والشمس والنجوم ومنازل الطين ومزرعة أبيها البدوي، .
كانت تسافر معه إلى الواحات وتنتقل في الصحراء، وتعود أكثر جمالا، تتغنى بحبها للبدو، وتصف لي الليل في الصحراء وكثرة النجوم. كانت تقرأ الحظ من الصَدَف وفناجين القهوة والرمل. قالت لي بأنها مثلي قلقة تبحث دوما عن شييء ما في دواخلها. كانت ةحب أن أشكل قارب من ورق وأدفع به الى موج النيل
قنجلس نراه يتأرجح مبتعدا الى أن
يتوارى عن أبصارنا
تغير كل شيئ باندلاع الحرب
لم نكن نرغب في هجرة سرية
الا ان مهربه اغرانا بها فسددنا له كل ما نملكه من مال
كان رجلا غامضا لايتحث كثيرا
يلف وشاحا حول وجهه.
فارقنا موطننا الى صحراء ليبيا. في شاحن تجارة خلوية تدافع إليها لاجئون آخرون من غرب أفريفيا. قلت لعوض “”
الصحراء تذكرني مقطع من موسم الهجرة للطيب صالح
فقال لي: صالح ود بانقا؟! رجل كريم غير انه جبان .
لم ارد عليه… لا فائدة .
وهذه الأفريقية اللاجئة الجميلة ما
حملها على الهجرة دون مرافق ؟
قالت :
قبيلتها تريد قتلها لأنها توأم والتوأم يجلب الشر في عرف قبيلتها. طاردت توأمها فهرب من القبيلة
ظل يتنقل متنكرا إلى أن وصل ساحل السنغال حيث حاول الهرب الى جزر الكناري ومن ثم إلى اسبانيا.
ختمت حياته دون ذكر لوجوده أصلا اد عثروا على جثمانة مع السمك الميت على شاطئ الاطلسي تتلاعب به الأمواج وتتقفاز فوقه النوارس. قالت لي اللاجئة ان اسمها جوانة ولا ترغب بالعودة أبدا الى قريتها، لا يهم أي دولة تستقبلها.
حلبنا حرس السواحل الاليطالي الشرس من البحر كالاسري
.قدمنا الى المحكمة الصغيرة
قال القاضي
لا أخفي عليكم أني لا ارغب في بوجودكم في ايطاليا ، من الأفضل كم أن تعودوا إلي بلادكم لن نمنحكم مساعدات إجتماعية .ايطاليا ليست دولة سياحة للاجئين أمثالكم
لسبب ما لا علم لي به رُفض طلب عوض والسر ووفق على طلبي لجوئي
وجوانه .
.
افترقنا أنا وكريستال في المنتزه على أمل أن نلتقي مجددا. لم يحدث شييء، وطال الأمد لأكثر من اشهر لم أرها أو أسمع عنها شيئا، إلى أن أخبرني زميل بأنها تركت العمل في الثسم الثالث الموازي لقسمي .تركت العمل
رغم أن رئيس القسم كان بحاجة ماسة إليها، وأثنى عليها مرارا ولمح بترقيتها.
وفي يوم ما إذ بمظروف يطل من صندوق بريدي، نعم وبختم أمريكي، فتحه بشغف وقرا الرسالة طيه
:
عزيزي سمير،
عساك بخير، يؤسفني الانقطاع عنك، أنا في فينيكس بأمريكا. حملني الشوق لزيارة قبر رون، زوج أمي؛ فقد كان رجلا بحق.
شاءت الظروف والصدف أن تعرفت على رجل من الهنود الحمر، التقينا أكثر من مرة ...أحببته وأحبني وقررت التزواج به . إنه رجل حكيم مثلك. وحياته ملأى بالأحزان والمغامرات. لا أكتفي قط من الاستماع إليه، ولا يمل هو من رؤيتي كما قال. لقد وجدت رجلا يصغي إلي ويحاورني بهدوء ويحترمني ولا يخونني مع امرأة أخرى، أيا كانت.
حول حياتي إلى عالم مفتوح ودفعني إلى أن أشق طريقي دون أن يؤثر علي .... فقط يسير بجواري كملاك حارس يعصمني من الانحراف عن هدفي اوالسقوط.
عزيزي
هل تدري بأني حملت منه! فأجاني الطبيب بهذا الخبر، وقد ذهبت إليه لإحساسي بألم وسعور بالغثيان. نعم، توالت الأحداث تباعا وفجأة.
عرفنا بأن المولود سيكون ولدا... سأسميه سمير مثلك تيمنا بلقائنا الجميل في المنتزه العام
.
حتما سأزور ألمانيا لأراك.
هل ما زلت كما كنت تحب قراءة الأدب الفارسي؟ وأشعار الهايكو اليابانية، و طاغور الهند ؟
أما انا فلم أعد أرى العالم من منظور ضيق كما كانت أمي.
اقرأ ماسطره باتريك وايت الكاتب الأسترالي وأهتم بمنظومة الاوبرجينز الاجتماعية وقصص وأشعار كُتّاب البرازلين السود.
حدثني أباتشي زوجي كثيرا عن التهميش ونحن جلوس حول النار في صحراء فينيكس. كم رائع الليل والصحراء ونار تلم الأحبة.
سرد لي أباتشي مأساة عائلته الهندية في كندا. قال لي بأن البيض استدرجوا
الهنود الحمر ليدمنوا التدخين والكحول نعم شغلوهم ليسهل عليهم طرجهم من ارضهم ويستحوذ عليها من ثم .قال ان بعض من افراد اسرته ارحوا في داخليات تابعة للكنيسية الكاثوليكية فكانولا يكرون على ترك لغتهم وتقبل المسيحية .قال بانهم كانوا يضربون وتغسل افواههم بماء في ابريق ذهبي ان تحدثوا بلغتهم ٌالوا لهم هذه لغة ناقصة ملعونة وبذائية
لدي الكثير أود أن أقوله لك، سأحتفظ به الى أن ألقاك قريبا.
دم بخير
كرستل
مضى زمن طويل على ارتيادي المنتزه بعد لقائي بكريستل.
وفي ذات يوم ذكر مدير القسم ان الموظفات نشيطات ومقدرتهن على الاداء افضل من الرجال زملائهنن فذكر كرستل نموذجا ا،
قال بأنه لن يوظف بعدها رجل واحدا، النساء أجود بكثير من قطيع الرجال،، هكذا قال على وجه الدقه
!
قادتني خطاي وسرت ممتثلا وراءها إلى المنتزه لأزجي بعض الوقت بعد أن ذكرنا المدير بكريستل. كان المنتزه
شبه شاغر
بعض عجزة تحلقوا حول البحيرة.
كانوا يتحدثون بلا انقطاع عن امراض عدة وتركيب طقم الاسنان وتكلفته
وعن علاقتهم مع زوجاتهن
كان وقد سألتني كريستل عن صورة المرأة الاوربية في ذهن الأجانب مثلي ؟ هل هي المرأة الجسد كما عرفناه منهم أم ثمة ما يجذب اليها غير الاغواء؟!
حاولت أن أجيبها... بالحديث عن الاندماج والبيئة التي بعيشون فيها واثر المعتقد والعادبت عليهم قلت لها أنا لست ممثل لهم
وراي نسبي جدا قد يكون معقولا اونشازا
لاأدري ...لاادري
.
في هذا المنتزه الملون كالفصول نفسها، لا أحد يعنيه قدر الآخر، أو مأساته...
يأتي الرواد للتنزه بصحبة النساء، أو الكلاب المدربة على طاعة صاحبها. منهم
من يحب كلبه ويتعلق به ، ويموت حزنا عليه إن مات.
لم أعد أرى توماس المتسول الذي كثيرا ما يجوب المنتزه مستجديا عطف المارة والرواد
المتسول الذي يجمع صحفا مهملة
وحنو المارة عليه
لم يأت هذا اليوم
أنرى ذا همه برج الحظ
أم اغتاله فوق الصخرة
حيث ينام
مقال صحيفه
عن سيزيف
ومثلما يتقلب اليوم بين الجد و الملل يتحدث الرواد هنا عن امور عامة وتفاصيل مهمة واخرى تافهة
.يتحدثون عن ا جدوى الحياة وعدمها وتكرار مجرياتها. قالت إحداهن لرفيقتها، أحس تجدد الحياة هنا على نحو ما
اراقب الطيور لا تنعطف عن هدفها. ما أجمل أن نتعلم
من الطبيعة!
جلست على مقعد شاغر قبالة البحيرة ونظرت مجددا إلى المنتزه
أهو ملاذ وخلاص كما يزعمون .
هنا تفاحة ادم وثمرة الخطيئة والمغفرة معا ... عشاق، ونافورة حولها كلاب مدربة وعجزة متكأون ألى عصي يتحدثون بلا
انقطاع.
.
كان وقد قالت لي جوانه الالجئة الشجاعة بأن قبيلتها لا تحب الثرثرة والجبناء.
قالت ونحن طي البحر المنسرح ان أجيز طلب لجوئها فأنها ستبدا حياة جديدة من الصفر ولن تعود ابدا الى موطنها .
.
كتبت لي
فيما بعد قائلة ارت الفاتيكان ومسرح ال لاولمب في ايطالياوجلست جوار النافور
الشهيرة تراقب الحمام هناك وتصورت مع.
..... مع السواحاعلى جبل ، وراقبت عن كثب فوران فوهة بركان
يبدو لي انها تخلصت من .
نحس مطاردة اهلها
.قالت بأن قسيسا تحجرت عيناه عندما عرف ذلك
قربها اليه ، ووضع كفه فوق رأسها وباركها.ركبتدراجة بخارية معه،
وجلست في المقاهي الليلية، وأكلت البيتزا اإليطالية الشهيرة...
قات ان الحنين
يقودها إلى قريتها عند
تخوم غابة استوائية في قلب إفريقيا
فرحت حين علمت باها ستتزوج زترغب في انجاب اطفال كثر من زوجها النيجيري
.
وها انا أقود خطاي وتقودني في هذا المنتزه البديع
.هنا كنت وكرستل نجلس على المقعد الخشبي العتيق، قبالة البحيرة، والبط العائم، ولفيف أشجار متنوعة علمتني أسماءها كلها . لم تفتأ تكاتبني وتعدني برؤية سمير مولودها الجديد.
هل يستحق أن يحمل اسمي هذا وأنا لا أسامر إلا نفسي، والغربة، وعزلة تكاد أن تنسيني كل ما عرفته وألفته.
قالت بانها اكتشفت عالما رائعا واحست به كشمس حانية يضيئ دربها الطويل
احست به رائعا كلما تلمست ظهر بطنها المنتفح وجست نبض جنينها
وكلما أطلعت على ادب السود والهنود الحمر او ,ساهمت في جمعية حماية الأقليات
إنها امرأة مبحرة ضد التيار.
.
يقولون ان الحياة تتجدد كفعل الموج .وهكذا يهدم البعض مايهدم وينسى الكثير الا الحب فأنه يكبر وينخل في ثنايا الذاكره.
كم قالت لي سحر حبيبتي لا .. لابسافر …...لن نعد ولاانا
ماتت دون ان تراتي ثانية ولم اعد انا
.نعم هي في مخيلتي بعد جالسة جواري على شط النيل ضاحكة تداعب وتطوغ قدرها ككلاب المنتزه هذا
شكلت قاربا ورقيا ودفعته بأناملي إلى موج البحيرة ونظرت إليه وهو يتأرجح فوق الموج
. وينأى قاصيا عن ناظري.
القصة مهداة الى الصديق د.أحمد التيجاني والأديبه شذى فقيري
amir.nasir@gmx.de