يقظة العقل من فرش الملاية للتصورات الخلاقة

 


 

 

أن الأزمة السياسية التي تحدثت بعد ثورة ديسمبر 2018م، تؤكد حالة من التوهان تعيشها القوى السياسية، و انعكست بصورة تلقائية على النخب السياسية و المثقفة و حتى الذين يقع عيهم عبء التنوير في المجتمع، و تعود لضعف الثقافة الديمقراطية التي تسببت فيها طول فترة النظم الشمولية. يقول عنها المفكر السوداني محمد بشير " عبد العزيز حسين الصاوي" في كتابه "الديمقراطية المستحيلة" يقول ( أن تراجع ديمقراطي يؤدي لتراجع تنويري و يوضح ذلك استطالت أعمار النظم الاستبدادية.. تتزايد فيه خصائص الشمولية و يتبخر الرصيد الاستناري و رصيده الديمقراطي) و حالة التراجع الديمقراطي أمام الرصيد الاستبدادي تعكس حالة ضعف القدرة الاستنارية للفئة المؤثرة في الرأي العام السوداني، لأنها هي نفسها تقع فريسة إلي عملية الاستقطاب الحادة في المجتمع، تصبح بدلا أن تكون مع التنوير الذي يقود الجميع إلي عملية التحول الديمقراطي.
أن ثقافة فرش الملاية السائدة الآن في الساحة السياسية السودانية، تبين أن الفئة التي يقع عيها عملية توعية الجماهير تعاني ن إشكالية عدم الإتزان. و "ثقافة فرش الملاية" هي ثقافة شعبية مصرية عندما يقع خلاف في المناطق الشعبية و تكون المرأة أحد أطرافة تفرش الملاية التي تتغطى بها في الأرض، و تبدأ تردح و تشتم في الجانب الأخر.. و لا يسمع المارة في الشارع غير صوتها فقط، و يغيب صوت الجانب الأخر. و بعد ما تنتهي لا تعرف نتيجة الذي حصل غير أنه كان خناق. بدأت هذه الحالة تتغير من خلال بعض نخب قادة الرأي في أعمال العقل، بأن ينقلوا حالة الصراع من الأفق المسدود إلي الفضاء المفتوح . و تقديم أفكار و تصورات يفكر فيها الراغبين في أن تسلك الأحداث طريق الحوار و العقل.
كتب الدكتور الواثق كمير مقالا نشره في جريدة " سودانيل" بعنوان " سودان ما بعد الحرب.. ملامح من رؤية" و المقال هو امتداد لمقال صوتي أخر أجاب فيه الكاتب على سؤالٍ مُهمٍ يطرحه كثيرون عن: كيفية وقف الحرب ومصير مليشيا الدعم السريع، وفي هذا المقال المكتوب يحاول الكاتب الإجابة على سؤالٍ: ما هي ملامح الروية للسودان بعد أن تضع الحرب أوزارها؟ و يقول الكاتب الإجابة على السؤال ( أن الرؤية لا يمكن فصلها أو فهمها بِمعزلٍ عن كيفية إيقاف الحرب ومستقبل الدعم السريع. فرؤيتي لسودان ما بعد الحرب، التي يُشاركني فيها كثيرون استأذنتهم في الحديثٍ عن ملامحها ، ولها ركيزتان، أولاهما: لا أحدٌ يريد لهذه الحرب أن تستمر، بإستثناء تجارها وسماسرتها، ونعم للتفاوض حول الترتيبات الأمنية الذي لا يعيد انتاج المليشيا الموازية للجيش، ويُنهي الحرب بمُخاطبةِ ومُعالجةِ مُسبباتها، ويُحسم قضية تشكيل الجيش الوطني الواحد والقيادة الموحدة، وتكوين جيش مهني يستبعد وجود أي تنظيم سياسي داخله.. الركيزة الثانية للرؤية تقوم على ضرورة مراجعة منهج القوى السياسية والمدنية في التعامل مع الفترات التي تعقُب الثورات (1954، 1985، 2018) وتغيير الهدف من "انتقال السلطة" إلى هدفِ "تأسيس الدولة) نأسف للإطالة؛ و الهدف منها التوضيح. أن الرؤية تحمل شقين كما هو مبين، أهم أعمدة الحل أن إنهاء الحرب إذا كانت عبر طريق التفاوض أو الحوار الجامع أو عسكريا يجب أن لا تكون هناك أي قوى عسكرية في البلاد غير الجيش الواحد الموحد بعد الحرب، و كما قال الدكتور الواثق أن محاولة إبقاء الميليشيا يعني الرجوع مرة أخرى للحرب، و التي سوف تكون أشرس من الدائرة الآن. القضية الثانية: تجاوز بدعة الحاضنة السياسية للفترة الانتقالية، و التي يجب أن تترك لحكومة يتم الاتفاق عليها في حوار شامل، حكومة تكون بعيدة عن المحاصصات و الانتماءات السياسية. بدلا عنها يفتح حوارا جامعا " مؤتمر دستوري" ليس فيه إقصاء لأي قوية سياسية بهدف صناعة الدستور الدائم للبلاد، و معالجة الجذور التاريخية للأزمة. و التي قال عنها الدكتور الواثق كمير في مقاله (ترجع الدوافع الرئيسة والأسباب الجوهرية لهذه الحروب إلى الاختلال الهيكلي في دولة ما بعد الاستقلال التى اخفقت في مخاطبة القضايا التأسيسية والمباديء الدستورية وأُسس بناء دولة المواطنة السودانية.) أن مشاركة كل السودانيين في كيفية وقف الحرب الدائرة الآن، و معالجة إختلالات الدولة و صناعة الدستور مسألة مهمة، لأنها تفتح أفاقا جديدة للحل، دون فرض الشروط المسبقة من أي قوى سياسية، إذا كان الكل بالفعل ساعي لبناء دولة موحدة و ديمقراطية، أما إذا كانت هناك قوى عندها أهداف أخرى غيرها، لا اعتقد أنها سوف تقف في الجانب الصواب من العملية السياسية.
معلوم هناك تغيرات جوهرية يجب أن تطال منظومة النظام السابق، مثل تفكيك دولة الحزب لمصلحة الدولة التعددية، و محاسبات قد توسعت دائرتها بعد الحرب، و يجب أن تطال كل الذين ارتكبوا جرائم ضد الدولة و مؤسساتها و ضد المواطنين في اعراضهم و ممتلكاتهم، و أيضا محاسبة المفسدين، و كلها يجب أن تكون عبر المؤسسات العدلية التي كتفل العدالة للجميع. أن عملية التحول الديمقراطي تتطلب؛ كلما كان هناك إصلاحا أو محاسبة يجب أن ترسى فيها القيم العدلية التي تعتبر من أهم ركائز الديمقراطية. و أن عملية التحول الديمقراطية تؤسس على ركيزتين؛ الأول الممارسة التي لا تتجاوز القانون و اللوائح و التي ينتج عنها ثقافة ديمقراطية تعزز تنوع ثقافة المجتمع و أعرافه. و الثاني إصدار تشريعات تتوافق مع الديمقراطية و لا تتعارض مع قيم المجتمع. إلي جانب أن إصلاح الجيش و المؤسسات الأمنية و الشرطة قضية وطنية يجب أن لا يتم تناولها في المنابر العامة، بل هي قضية يجب مناقشتها بين السلطة المدنية المنتخبة و قيادة هذه المؤسسات بعيدا عن السابلة.
أن القوى السياسية يجب أن تحدد أولوياتها و ترتب أجندتها وفقا للأولويات، إذا كان على رأس الأجندة عملية التحول الديمقراطي يجب أن لا يكون أختلافا البت، لآن شروط التحول الديمقراطي أن تفتح الأبواب لكل من يريد أن يكون جزءا من العملية السياسية التي تفضي إلي التحول الديمقراطي، و أصحاب هذه الرؤية دائما مرنين و متسامحين لأنهم يريدون جمع أكبرقاعدة اجتماعية داعمة للتحول الديمقراطي، و في نفس الوقت متمسكين بمبدأ و شروط التحول الديمقراطي.. أما إذا كان سعيهم من أجل السلطة هؤلاء دائما يضيقون الواسع بهدف تحقق أكبر مكاسب حزبية و شخصية، و ممارستهم سوف تفضح شعاراتهم. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
/////////////////

 

آراء