رحل إبن بيت المال بشير محمد احمد مرعي ودفن في مقابر السيدة عائشة

 


 

 

طيلة حياته التي ختمت بالأمس الاحد ١٠ ديسمبر بالقاهرة كان هذا الإنسان الرقيق ، الزاهد ، الورع ، التقي عشقه المساجد وصلاة الجماعة لايحبسه عنها امطار ولاسيول ، رحل إبن بيت المال بشير محمد احمد مرعي ودفن في مقابر السيدة عائشة ، ( ولا تدري نفس باي أرض تموت)

ghamedalneil@gmail.com

كان بشير محمد احمد مرعي متفانيا في عمله بوزارة التجارة وقد صاحبه فيها اثنان من اخوته الطاهر وعثمان وكلهم ختموا عملهم في هذا المرفق الهام في فترة كانت بلادنا الحبيبة تنعم بالهدوء والاستقرار والخير العميم المتدفق وكانت لنا بواخر عابرة للقارات تنقل منتجاتنا الطيبة للخارج وتعود لنا بما نرغبه من منتجات الغير مع العملة الصعبة التي نحتاجها لاستيراد ماينقصنا من تقنية ومدخلات انتاج ...
سواء كان في مكتبه في الوزارة وفي قمة وزحمة العمل حيث كانت لنا خدمة مدنية مضرب المثل في الضبط والربط أو في البيت فإن صلاة الجماعة والذهاب للمسجد هو شغله الشاغل لن يصرفه عنه حدث ولو كان جللا وكم عرفته مساجد السيد المحجوب والشيخ الضرير وزاوية التيجانية وودارو وفي العرضة له سياحة في مساجدها وفي ودنوباوي ومعظم احياء ام درمان قلبه متعلق ببيوت الله سبحانه وتعالي يهفو إليها فؤاده ويفرح قلبه وهو يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم .
اهم شيء عنده شهود حلقة الذكر في زاوية التيجانية بعد العصر وقبل المغيب يوم الجمعة وكانت حلقات التلاوة لا تفوته ويحفظ مواعيدها في مختلف مساجد حي بيت المال ... وهذا ما جعل الصداقة التي ربطته بين كثير من الناس لله و في الله وقد اخلصوا معه النية وقد بادلهم هذا الاخلاص بكل أريحية وكرم وطيبة نفس وأدب جم وذوق رفيع وأخلاق فاضلة وشفافية غاية في الرقة والجمال .
دائم السؤال عن مواقيت الصلاة وهل حان وقتها كان يتوضأ باحسن مايكون الوضوء ويتوجه للمسجد مبكراً ليحجز مكانه بالصف الأول ويعود والإبتسامة لا تفارق محياه وقد صلي الفريضة والتقي بالاحبة عمار المسجد الذين ربطته مع الكثير منهم محبة خاصة وخالصة لا يدري حلاوتها إلا من تعلقت قلوبهم بالمساجد هؤلاء الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه وتعالي .
خرجنا جميعا كاسرة في حافلة بها بعض العيوب نوينا بها الهروب من القصف بالطيران وضرب المدافع الذي كان يزداد يوما بعد يوم منذ الخامس عشر من ابريل وكان لابد من مغادرة الوطن الحبيب بعد شهر من إندلاع الحرب اللعينة العبثية وقد كنا في دائرة الخطر مثل غيرنا في أرجاء العاصمة المثلثة وكانت تصيبنا جرعات زائدة من الضرب المركز في احياء الملازمين وبيت المال ...
تحركت الحافلة الفاقدة للصلاحية في الرحلات الطويلة عبر الحدود وقد كان أن بتنا فيها خمس ليال متواليات تحت ظروف قاسية ونقص في الخدمات وكنا كلنا في توتر وهذا طبيعي في السفر وخاصة عندما تكون الرحلة وقد خرجنا إليها من غير زاد أو استعداد ولا ندري ماذا وراء الأفق ...
لكن هذا الرجل المؤمن الصابر المحتسب ورغم ماكان يعانيه من بعض الآلام فقد كان الأكثر صمودا وقد صرف كل انتباهه للوضوء والصلاة وكان يتيمم إذا تعذر وجود الماء في رحلتنا هذه عبر القفار والوهاد ...
كان معظم الأهل داخل الحافلة وهي تشق طريقها تئن وتتوجع من طول الطريق للقاهرة وهي تعاني من ضعف في بنيتها التحتية منكبين علي موبايلاتهم كأنهم يستذكرون دروسهم عشية الامتحان وبعضهم منخرطون في أحاديث السياسة التي يعشقها السودانيون بجنون !!..
إلا بشير محمد احمد مرعي فقد كان معصوما عن الموبايل وحديث السياسة الفج الممل وكان تركيزه علي صلواته وسؤاله الدائم عن أهله وأصدقاءه وكان دائم الدعاء لهم بالخير والعافية واليمن والسرور ... وأسلم الروح بعيدا عن الوطن الحبيب الذي أحبه بكل ذرة من كيانه وهكذا الحرب اللعينة العبثية فرقت شملنا وشتت جمعنا وقد ذاق الجميع من ويلاتها خاصة الذين رحلوا عن الدنيا الفانية بالخارج ونفوسهم مازالت متعلقة باهداب الوطن العزيز .
رحم الله سبحانه وتعالى ( أخانا أخانا التقي النقي الطاهر بشير محمد احمد مرعي ) وجعل الجنة متقلبه ومثواه و ( إنا لله و إنا إليه راجعون ).

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم بمصر .

 

آراء