السودان وتساقط أوراق الفكر الذابلة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
30 December, 2023
30 December, 2023
من مقولات المفكر و أستاذ علم الاجتماع السوري برهان غليون في كتابه " مجتمع النخبة" يقول في فقرة (عند تغيير ميزان القوى الاجتماعي و اهتزاز مواقع الطبقة السائدة تأخذ أولويات الأيديولوجية الفردانية ترتيبا جديدا: الحرية السياسية للفرد أهم من الحرية في الملكية. و تطالب الطبقة المعدمة بتوسيع القاعدة الديمقراطية للنظام، الأمر الذي يفترض أحيانا ضرب الحق المقدس في الملكية إذا أصبح يعيق حرية الأفراد و حياتهم.) معروف أن التغيير في أي مجتمع يهزم قواعد المجتمع الرخوة فيه، و يعمل من أجل تبديلها، أو حتى إعادة صياغتها لكي تتلاءم مع عملية التغيير، و أيضا يشيد قواعد جديدة إذا لزم الأمر لكي تتماشى مع أهداف التغيير. و التغيير ليس عملية إبدال و استيراد مقولات و قواعد من مجتمعات أخرى، بل هي عملية تتطلب الوعي أولا و فهم المطلوب من التغيير، فهو صناعة المجتمع نفسه بالقوى الواعية فيه، و كل مجتمع له خصوصيته و قيمه و ثقافة و اخلاقه التي تشكل عموده الفقري، لكن للأسف أن عقلية النخب السياسية السودانية عجزت أن تفهم إبعاد التغيير، و حصرت ذاتها في السلطة و الصراع من أجل الوصول لها، تناقضات الشعارات هو الذي عقد المشكلة و في نفس الوقت قطع سلطة الحوار بين مكوناته، هي أزمة وعي داخل النخب السياسية و المثقفة قبل أن تكون إزمة مجتمع.
معلوم في علم الاجتماع أو الفكر السياسي أن التغيير يعتمد على الفكرة باعتبارها أهم أدوات التغييرو الفكرة تحتاج إلي إعمال الفكر، الشيء المفقود في كل القوى السياسية، حيث أصبح التغيير شعار معلق في الهواء، و ليس واقعا تعيشه الجماهير، و تشارك في صناعته عبر الممارسات اليومية، إذا كان في الدور التعليمية أو في نوادي الأحياء الثقافية و الرياضية أو حتى في مؤسسات الخدمة المدنية. و حتى أجهزة الإعلام و الصحافة عجزت أن تؤدي دورها الريادي في عملية التثقيف بهدف التغيير، حيث أصبحت جزءا من حالة الإنقسام في المجتمع، لأنها وقعت في شرك الاستقطاب الحاد، و الفرز الدائرة الآن في المجتمع. و كان الأفضل لها أن تكون خارج دائرة الاستقطاب لكي تؤدي وظيف تثقيف ما هو الهدف من التغيير في المجتمع. حتى اليوم و في ظل ازدياد عمق الأزمة التي وصلت للحرب، نجد أن الأهداف غير واضحة عند العديد من القوى السياسية, النخب السياسية لآن قلوبهم معلقة فقط بأهداب السلطة لذلك ينعدم الحوار بينهم.
أن الحرب دائرة الآن بين الجيش و الميليشيا و الحاضنات السياسية هي نتيجة الصراع الدائر من أجل السلطة، و ليس من أجل عملية التحول الديمقراطي، لآن الخطاب السياسي السائد يؤكد ذلك، و تضرر أفراد الشعب من هذه الحرب التي طالت منازلهم و نهبت و سرقت ممتلكاتهم، و حتى مؤسسات الدولة، حرب أدت لتصاعد الأحداث، حيث هاجمت الميليشيا المواطنين في مساكنهم، الأمر الذي فرض شروطا جديدة في المجتمع، أن تستنفر الجماهير ذاتها و تحمل السلاح لكي تحمي مصالحها و ممتلكاتها، هذا التغيير الذي أدى لدخول الشعب في المعادلة ليس كقوى مراقبة، أو أن يكون جزءا من عملية الاستقطاب التي تديرها القوى السياسية إلي جانب أدواتهم الأيديولوجية الأخرى، بل عامل له أهداف من أجل التصدي للقوى التي تشن عليهم حربا في منازله و ممتلكاتهم و اعراضهم. أن دخول الشعب في المعادلة الجديدة سوف يغير توازن القوى في المجتمع، و المعلن الآن ليس فقط المكوث في مناطقهم بهدف الدفاع عنها؛ بل مهاجمة الذين يشنون عليهم الحرب في كل أماكن وجودهم في البلاد.
هذا يعد تحولا كبيرا في الوعي الجماهيري، بالضرورة ترفضه أي قوى سياسية تعلقت أهدافها و قوبها بالسلطة إذا كانت في اليمين أو اليسار، و حتى الذين كانوا يثقفون الناس أن حمل السلاح يعد أعلى مراحل النضال و الوعي الشعبي، الآن اصبحوا يتراجعون عن مقولاتهم التاريخية، لأنهم تثقفوا من الشعارات التي كانت مطروحة في مجتمعات أخرى، أو وجدوها في كتب تحكي عن نضال حركات التحرر في القرن الماضي، و تعاملوا مع الأزمة بين مكونين فقط لا يقبل دخول أي رؤية أخرى، الآن الجماهير فرضت رؤيتها في عدد من الولايات، و هي الرؤية التي سوف تسود، و هي الرؤية التي سوف تفرض شروط جديدة في العمل السياسي، و أيضا سوف تبرز من خلالها قيادات جديدة لها تصورات مغايرة عن التي قادت إلي الأزمة.
حقيقة يجب على البلاد أن تخرج من الصراع الأيديولوجي الذي استمر طويلا، و الذي لم ينتج غير ثقافة سالبة، صراعا عطل العقول و جمد قدرات الشباب الإبداعية و حصرها فقط في إخراج شعارات سالبة تستخدم فقط كفزاعات و اتهامات لبعضهم البعض، صراع لا طائل منه. الغريب في الأمر أن دعاة التغيير و الذين يتحدثون عن الثورة و استمراريتها الآن تراجعوا عن شعاراتهم، بالقول أن الثورة الشعبية المسلحة سوف تؤدي إلي حرب أهلية، رغم أن الجماهير حددت عدوها الذي مارس ضدها عمليات النهب و السرقة و التطهير العرقي و التهجير و غيرها، و تعتبر جميعها ممارسات ضد المجتمع، و طالت حتى مناطق حاضنتها الاجتماعية. أن ثورة الجماهير المسلحة ليست موجهة ضد أي قبيلة أو عشيرة أو مناطقية، بل هي موجهة ضد اؤلئك الذين يزعزعون الأمن في كل مكان. أنها ثورة من أجل تغيير قواعد اللعبة السياسية و العسكرية، و تغيير للثقافة الشمولية السائدة، تغيير سوف يطال مقدسات السياسة التقليدية في البلاد، أنها ثورة من أجل أن تسقط كل أوراق الفكر الذابلة التي لم تورث المجتمع غير الفشل تلو الفشل، و معلوم أن ثورة الاستنفار الجماهيري سوف تحدث تغييرا كبيرا في الساحة السياسية، هو الذي سوف يعبد طريق عملية التحول الديمقراطي في البلاد دون أي وصاية من قبل أي قوى سياسية كانت. نسأل الله حسن البصيرة...
zainsalih@hotmail.com
////////////////////
معلوم في علم الاجتماع أو الفكر السياسي أن التغيير يعتمد على الفكرة باعتبارها أهم أدوات التغييرو الفكرة تحتاج إلي إعمال الفكر، الشيء المفقود في كل القوى السياسية، حيث أصبح التغيير شعار معلق في الهواء، و ليس واقعا تعيشه الجماهير، و تشارك في صناعته عبر الممارسات اليومية، إذا كان في الدور التعليمية أو في نوادي الأحياء الثقافية و الرياضية أو حتى في مؤسسات الخدمة المدنية. و حتى أجهزة الإعلام و الصحافة عجزت أن تؤدي دورها الريادي في عملية التثقيف بهدف التغيير، حيث أصبحت جزءا من حالة الإنقسام في المجتمع، لأنها وقعت في شرك الاستقطاب الحاد، و الفرز الدائرة الآن في المجتمع. و كان الأفضل لها أن تكون خارج دائرة الاستقطاب لكي تؤدي وظيف تثقيف ما هو الهدف من التغيير في المجتمع. حتى اليوم و في ظل ازدياد عمق الأزمة التي وصلت للحرب، نجد أن الأهداف غير واضحة عند العديد من القوى السياسية, النخب السياسية لآن قلوبهم معلقة فقط بأهداب السلطة لذلك ينعدم الحوار بينهم.
أن الحرب دائرة الآن بين الجيش و الميليشيا و الحاضنات السياسية هي نتيجة الصراع الدائر من أجل السلطة، و ليس من أجل عملية التحول الديمقراطي، لآن الخطاب السياسي السائد يؤكد ذلك، و تضرر أفراد الشعب من هذه الحرب التي طالت منازلهم و نهبت و سرقت ممتلكاتهم، و حتى مؤسسات الدولة، حرب أدت لتصاعد الأحداث، حيث هاجمت الميليشيا المواطنين في مساكنهم، الأمر الذي فرض شروطا جديدة في المجتمع، أن تستنفر الجماهير ذاتها و تحمل السلاح لكي تحمي مصالحها و ممتلكاتها، هذا التغيير الذي أدى لدخول الشعب في المعادلة ليس كقوى مراقبة، أو أن يكون جزءا من عملية الاستقطاب التي تديرها القوى السياسية إلي جانب أدواتهم الأيديولوجية الأخرى، بل عامل له أهداف من أجل التصدي للقوى التي تشن عليهم حربا في منازله و ممتلكاتهم و اعراضهم. أن دخول الشعب في المعادلة الجديدة سوف يغير توازن القوى في المجتمع، و المعلن الآن ليس فقط المكوث في مناطقهم بهدف الدفاع عنها؛ بل مهاجمة الذين يشنون عليهم الحرب في كل أماكن وجودهم في البلاد.
هذا يعد تحولا كبيرا في الوعي الجماهيري، بالضرورة ترفضه أي قوى سياسية تعلقت أهدافها و قوبها بالسلطة إذا كانت في اليمين أو اليسار، و حتى الذين كانوا يثقفون الناس أن حمل السلاح يعد أعلى مراحل النضال و الوعي الشعبي، الآن اصبحوا يتراجعون عن مقولاتهم التاريخية، لأنهم تثقفوا من الشعارات التي كانت مطروحة في مجتمعات أخرى، أو وجدوها في كتب تحكي عن نضال حركات التحرر في القرن الماضي، و تعاملوا مع الأزمة بين مكونين فقط لا يقبل دخول أي رؤية أخرى، الآن الجماهير فرضت رؤيتها في عدد من الولايات، و هي الرؤية التي سوف تسود، و هي الرؤية التي سوف تفرض شروط جديدة في العمل السياسي، و أيضا سوف تبرز من خلالها قيادات جديدة لها تصورات مغايرة عن التي قادت إلي الأزمة.
حقيقة يجب على البلاد أن تخرج من الصراع الأيديولوجي الذي استمر طويلا، و الذي لم ينتج غير ثقافة سالبة، صراعا عطل العقول و جمد قدرات الشباب الإبداعية و حصرها فقط في إخراج شعارات سالبة تستخدم فقط كفزاعات و اتهامات لبعضهم البعض، صراع لا طائل منه. الغريب في الأمر أن دعاة التغيير و الذين يتحدثون عن الثورة و استمراريتها الآن تراجعوا عن شعاراتهم، بالقول أن الثورة الشعبية المسلحة سوف تؤدي إلي حرب أهلية، رغم أن الجماهير حددت عدوها الذي مارس ضدها عمليات النهب و السرقة و التطهير العرقي و التهجير و غيرها، و تعتبر جميعها ممارسات ضد المجتمع، و طالت حتى مناطق حاضنتها الاجتماعية. أن ثورة الجماهير المسلحة ليست موجهة ضد أي قبيلة أو عشيرة أو مناطقية، بل هي موجهة ضد اؤلئك الذين يزعزعون الأمن في كل مكان. أنها ثورة من أجل تغيير قواعد اللعبة السياسية و العسكرية، و تغيير للثقافة الشمولية السائدة، تغيير سوف يطال مقدسات السياسة التقليدية في البلاد، أنها ثورة من أجل أن تسقط كل أوراق الفكر الذابلة التي لم تورث المجتمع غير الفشل تلو الفشل، و معلوم أن ثورة الاستنفار الجماهيري سوف تحدث تغييرا كبيرا في الساحة السياسية، هو الذي سوف يعبد طريق عملية التحول الديمقراطي في البلاد دون أي وصاية من قبل أي قوى سياسية كانت. نسأل الله حسن البصيرة...
zainsalih@hotmail.com
////////////////////