أبجديات أهداف التنمية المستدامة وموقع السودان منها، الهدف الثاني عشر، الاستهلاك والإنتاج المسؤولان (12 من 17)
د. حسن حميدة
21 February, 2024
21 February, 2024
د. حسن حميدة – ألمانيا
يعمل الهدف الثاني عشر من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وحتى العام 2030 على خلق التوازن بين الاستهلاك والإنتاج على النطاق العالمي. هذا يأتي في عصر تزداد فيه حوجة الشعوب للمنتجات الضروري بازدياد تعداد سكان العالم، وفقا لزيادة الاستهلاك في خط أفقي. الشيء الذي لا يتوافق مع متطلبات المجتمعات الحديثة لتأمين عيشها، ولا يتوازى مع المنتج القديم إذا لم تعد صياغة شكليته وكميته وجودته وسبل ترشيده لمقابلة الانفجار السكاني العالمي المتوقع بحلول العام 2050 في كثير من بقاع العالم. ربما ترآى للمتلقي عدم جدوى هذا الهدف بعنوان " الاستهلاك والإنتاج المسؤولان"، الذي يأخذ ولا يعطي، مجسم في الاستهلاك العالمي الذي له حدود أيضا حدود بمحدودية الثروات والموارد، ولكن هناك مسؤولية كبرى، تقع هنا على عاتق المنظمات التي تكون مهمتها المستقبلية، وفي غضون سنوات قليلة هي مجابهة النقص في المقام الأول لمتطلبات الإنسان الضرورية للحياة، على سبيل المثال الماء النقي الصالح للشرب، والغذاء الغني بالمواد الأساسية للجسم. كل هذا يحدث في وقت يواجه فيه الإنسان أينما وجد أكبر تحديات العصر المتمثلة في تغير المناخ العالمي والاحتباس الحراري، وزيادة متوسط درجات حرارة الأرض والبحار. الشيء الذي لا يتطلب فقط بذل جهود المنظمات التي يهمها أمر الإنسان وحياته، بل أيضا جهود الباحثين والخبراء والمؤسسات العلمية والتكنولوجية المرجعية، للعمل من أجل رسم خارطة طريق، تهدي إلى وجود حلول مناسبة فيما يخص الإنتاج والاستهلاك المرشدين لكل شعوب العالم، في عصر حروب الموارد والثروات، خصوصا ماء الشرب والمنتجات الزراعية الضرورية لعيش الإنسان والحيوان.
فإذا أخذنا على سبيل المثال الإنتاج في قطاعين مختلفين كالإنتاج الزراعي والحيواني، بما فيه القطاع السمكي، نجد أن هناك إهدارا في المنتج المحلي والعالمي، متمثلا في عدم وجود الآلات والمعدات اللازمة للإنتاج، خصوصا في كثير من الدول الفقيرة المنتجة. يأتي زيادة على ذلك عد توفر الطاقة اللازمة للإنتاج من زراعة وحصاد وتخزين وتسويق. ونفس الشيء ينطبق على الإنتاج الحيواني والإنتاج السمكي بانعدام الأعلاف المناسبة للنمو أو للتسمين، وانعدام الطاقة للترحيل والحفظ والتبريد، حتى يصل المنتج للأسواق بصورة مطابقة لأساسيات الجودة وسلامة المنتج كغذاء يصلح للإنسان. وهنا علم بأن كثيرا من المنتجات ذات الجودة العالية لا تغادر مناطق الإنتاج في كثير من دول العالم الفقيرة بعد مواسم الحصاد، خصوصا الحبوب والبقوليات والخضروات والفواكه والثمار. والتي لا تتوفر لها سبل الترحيل المناسبة، خصوصا المنتجات التي تقطف غير ناضجة، لتستوي فيفترة زمنية وجيزة، تتمثل في الترحيل والتخزين قبل تسويقها. وتكون غالبا عرضة لتأثير الطقس من حرارة أو برودة أو رطوبة عالية. الشيء الذي يجعل منها منتجات متغيرة الجودة من الأحسن إلى الأسوأ بطول مدة ترحيلها أو بعد المسافة من مناطق إنتاجها إلى الأسواق أو مواني ومطارات التصدير.
يرتبط الإنتاجان المحلى والعالمي بالتعبئة والتغليف في طريقهما للأسواق والمستهلكين. الشيء الذي ينتج عنه بعد الإستهلاك أطنان من بقايا المنتج أو النفايات. بقايا المنتج يعتبر في حد ذاته من أكبر المشاكل التي تنتشر في الدول الغنية عما سواها في دول العالم الفقيرة. ففي الدول الغنية يسود الإستهلاك النوعي أو الجزئي للمنتجات، خصوصا إستهلاك المواد الغذائية. في حين نجد إستهلاك كامل للمواد الغذائية في دول العالم الفقيرة بالمقارنة. ولكن تلتقي الدول الغنية والفقيرة في كمية النفايات التي تنتج من بعد الإستهلاك والمتمثلة في مواد كثيرة ومختلفة، كالورق والكرتون والبلاستيك والزجاج والألمونيوم وغيره من مواد التعبئة والتغليف. وتختلف في نفس الحين في مقدرة الدول الغنية في جمع وتدوير النفايات للإستفادة من موادها، لكي يتم إستخدامها مجددا. الشيء الذي يوفر كثيرا من الأموال للدول التي تهتم بهذا الجانب، ويحد في نفس الآن من المخاطر البيئية التي يمكن أن تنتج عن طريق تراكم النفايات الذي يمثل ضرر بالغ على كل الكائنات الحية في مكان وجودها، بما فيه الإنسان. وفي صورة مبسطة هو إعتبار مكان تكدس مثل هذه النفايات، مرتعا للحشرات والقوارض، ومأوى لنمو للميكروبات ولتكاثر الجراثيم، وبيئة ملاءمة لوجود الأمراض الفتاكة وإنتشارها في بيئة الحيوان والإنسان معا. كما تمثل أيضا النغايات بمختلف أنواعها مهددا بيئيا لمصادر المياه والمزارع والغابات. الشيء الذي يمثل خطرا أكبر على الكائنات الحية التي تعيش فيها، والتي تستبدلها خطأ بالغذاء، تبتلعها وتموت بسببها أحيانا، الطيور أو الأبقار هنا كمثال. وأحيانا أخرى تستوحل فيها، ولا تجد طريق للخلاص، الدلافين والحيتان كمثال هنا. ولا ينحصر الإنتاج والإستهلاك المرشدين فقط على المنتجات الزراعية والحيوانية فقط، بل يحتوي أيضا على الترشيد في إستخدام منتجات أخرى، كالطاقة بمختلف أنواعها، خصوصا مصادر الطاقة الأحفورية التي تزيد من متوسط درجات الحرارة على الكرة الأرضية وتفاقم أزمة المناخ العالمي، بزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون من صنع الإنسان وكمونه في الغلاف الخارجي للكرة الأرضية. كما يحتوي الأمر أيضا لترشيد الإنتاج والإستهلاك في الملبوسات ومواد التصنيع من مختلف المواد الخام. وحتى الإستهلاك في المناطق السياحية يلعب دورا هاما في موضوع ترشيد الإستخدام والإستهلاك، في عصر لا يعي فيه المستخدم أو المستهلك مدى تأثير الإفراض في التعامل مع المنتج الموجود، والتمهيد لنفاد الموارد والثروات وتأثيره على مستقبل الأجيال القادمة، التي تنتظر نصيبها فيما يستهلك حاليا من دون إهتمام، في كل يوم، وفي كل دول العالم. وهنا علما بأن لكل منتج مستهلك كمية أو نسبة مقاسة حسابيا ومعرفة علميا.
وبالنظر للإحصائيات المقارنة للإنتاج والاستهلاك العالميين حتى العام 2023، نجد أنه لا تتم الاستفادة من ما يفوق 14 % من المنتجات الزراعية من بعد الحصاد. ويفسد في كل عام ثلث المنتجات الغذائية عالميا، لمنتج يقدر ثمنه بما يفوق 1.3 مليار دولار أمريكي بسبب انعدام مصادر الطاقة، أو إمكانيات الحصاد، أو سبل الترحيل للأسواق المستهلكة. كما يتم رمي ما يفوق 17 % من المنتجات الغذائية الصالحة للاستخدام البشري. وفيما يخص النفايات البلاستيكية التي كانت حوالي 1.5 مليون طن حتى العام 1950، بلغت هذه في العام 2020 حوالي 370 مليون طن على نطاق العالم. وهناك حوالي 80 % من هذه النفايات الضارة التي لا يتم تدويرها، بل تتوزع في مختلف الأماكن وتضر ببيئة الكائنات الحية. ويقدر بأنه في كل دقيقة ينتج العالم حوالي مليون قارورة بلاستيكية، يتم رميها لاحقا بعد استخدامها في عصر ومجتمعات الاستهلاك غير المرشد والرمي المباشر لمنتجات التغليف والتعبئة. كما تشكل النفايات الإلكترونية أكبر المشاكل البيئية حاليا، والتي تنتج في الدول الصناعية، ولا يتم إصلاحها بعد تعطلها لأقل الأسباب، بل ترمى لكي يستقر بها المقام في دول العالم الفقيرة، التي توجد بها مكبات ومحارق في الهواء الطلق لمواد أشد خطورة وضررا بكل الكائنات الحية وبيئاتها، بما فيه الإنسان. وليس بشيء نادر أن تستقر هذه النفايات في باطن الأرض أو مصادر المياه العذبة والمالحة أو الغابات والمحميات الطبيعية. وعند حرق هذه النفايات بطرق بدائية لا تلائم أساسيات صحة البيئة والكائنات الحية، تلوث هواء الجو وتكون مسببا أوليا لحدوث كثير من السرطانات، خصوصا سرطان الرئة قبل أثر التدخين. وبالأرقام: لقد تم عالميا إنتاج حوالي 7.3 كيلوجرامات من النفايات الإلكترونية للشخص الواحد في العام 2019، ولكنه لم يتم تدوير سوى 1.7 كيلوجرام منها مقابل كل شخص. كل هذا يحدث في عالمنا الحديث، في عصر محدودية الثروات والموارد، وزمن تغيرات المناخ، ووقت الازدياد المتصاعد في تعداد سكان العالم.
فيما يخص السودان في الإنتاج والاستهلاك: يلعب السودان دورا هاما في إنتاج وتوفير كثير من المواد المنتجة للمستهلك. هذا ليس فقط لأهل السودان، بل أيضا لدور الجوار والأسواق العالمية. هنا على سبيل المثال، منتجات السودان الزراعية والحيوانية التي تعتمد عليها كثير من الشعوب في سبل غذائها. يرفد السودان دولا كثيرة باللحوم والحبوب والبقوليات والخضروات والفواكه والبهارات. ونوعيا يعرف السودان بأهميته للأسواق العالمية في إنتاج وتسويق الصمغ العربي والسنا والكركدى والسمسم. منتجات لا تدخل فقط في تصنيع الأغذية، بل أيضا في المنتجات الطبية والصيدلانية والتصنيع الدقيق.
للسودان أيضا مصادر مائية كثيرة، تتيح له أن يكون في مقدمة الدول التي تنتج الأسماك للإكتفاء الذاتي وللأسواق العالمية. زيادة على ذلك تأتي الظروف الملاءمة لإنتاج الأسماك عن طريق مزارع الأسماك. هذا القطاع المهمل، الذي يمكن أن يحقق عائدا بما تجود به سماء السودان من ماء في كل فصل مطير. الشيء الذي يمهد في المقام الأول للاكتفاء المحلي، ومن ثم تصدير الفائض منه لدول الجوار بأثمان تعود بالنفع على المواطن السوداني أينما كان. ونفس الشيء ينطبق على التوسع في زراعة وإنتاج الخضر والثمار والفاكهة والأعشاب الطبية وكثير من المنتجات في بيوت الإنبات والإنماء خارج الفصل المطير.
زيادة على كل ذلك تأتي ثروات أخرى تنضح بها أرض السودان لتفيض، تتمثل في مياه الشرب العذبة في زمن تغير المناخ واحترار الأرض وعصر حروب المياه. كما لا ننسى ما يجود به السودان من كنوز معدنية تحت الأرض في الوقت الذي يشارف فيه العالم على التخلي عن استخدامات الطاقة الأحفورية المفاقمة لأزمة المناخ العالمي، بارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، المؤدية للاحتباس الحراري في غلاف الأرض الخارجي، وحتى الآن ما يعادل 1.5 درجة مئوية في المتوسط العالمي.
فيما يخص الإستهلاك في السودان: لا بد من إعادة النظر في إستيراد المنتجات غير المطابقة للجودة للإستهلاك المحلي، خصوصا المركبات والأثاثات والمنسوجات من ملابس وغيره. كما يجب أن ينظر في أمر إستخدام المنتجات البلاستيكية في بلد زراعي ورعوي وذو مصادر مائية متعددة كالسودان. هذه المنتجات التي تنتهي بتحولها لنفايات لا تدور، وتمثل خطرا بيئيا كامنا، ينتشر في المرزارع والمراعي والغابات، ليغطي أخير حتى قمم الأشجار (الأكياس البلاستيكية مثال)، أو يؤدي بحياة الماشية والحيوانات التي تعيش في المياه، التي تستبدلها بالغذاء. وبخصوص هذه النقطة "النفايات، طرق جمعها، سبل تدويرها، وإمكانية الإستفادة منها" لا بد من وجود طرق بديلة صديقة للبيئة وكائناتها الحية ومآويها، تعمل على حل المشكلة كليا، حتى لا تصبح هذه النفايات الضارة هي المصاحب للمواطن والملازم للزائر في المنازل والشوارع والطرقات. ويأتي أيضا دور الترحيل والمواصلات في شبكة الإستهلاك، بحيث يتطلب الأمر أيضا وضع خطط تنفذ لتجعل مسافات التواصل أقصر، وتكون ملاءمة للسفر والترحال في المناطق، ومن دون مشقة وعناء للمواطن.
ماذا يتطلب الأمر حاليا للوصول لهذا الهدف في السودان " الاستهلاك والإنتاج المسؤولان"؟ الأساس هو إحلال سلام دائم ينعم به المواطن بعد أن حورب وشرد ونهب. هذه الحرب التي تدور رحاها حتى الآن إلى ما يقارب العام هي حقا ظلم لمواطن السودان المسالم، الذي لم يتنازل عن السلمية المطلقة حتى في آخر ثوراته للتغيير للأفضل. الشعب الذي طالب بنظام حكم ديمقراطي رشيد، مبنيا على الحرية والسلام والعدل في ثورة كانت أنموزج لثورات الشعوب التي عرفت نوعا بالعدوانية والعنف المطلق. ما زال العالم مشغولا بحروب أخرى، متجاهلا حرب السودان الشاملة. الآن نحن على أبواب الصيف الحار في بلد تفوق معدلات درجة حرارته ال 48 درجة مئوية تحت الظل. الشيء الذي إذا لم ينتبه له جيدا، لقضى على حياة الأشجار والإنسان والحيوان على حد سواء. حدوث مجاعة طاحنة في السودان في ظروف هذه الحرب بحلول الصيف القادم، يعني حدوث مجاعة طاحنة في أكثر من بلد مجاور للسودان. فاللمجتمع الدولي الآن الخيار في أن يساعد السودان لوضع نهاية لهذه الحرب التي بدأت تأخذ طابع "فضيحة عالمية في حماية كرامة وحقوق وممتلكات الإنسان"، أو يستعد لمجابهة تحديات مستقبلية أخرى، تتمثل في مجاعات أفريقية شاملة، تضاف إلى رصيد الحروب وتغير المناخ والهروب والمجازفة بالسفر عبر البحار لدول الغرب، متوجا بجرائم الإتجار بالبشر والجريمة المنظمة في بلدان المهجر.
ولنذكر الجهات المتحاربة في السودان هنا: إذا كان الهدف الأول والأخير لهذه الحرب هو الديمقراطية كنظام حكم، فلا يعقل ولا يمكن أن يسوق لشعب واع نظام حكم ديمقراطي بهذا النهج. بعد المرارات التي عاشها شعب السودان في هذه الحرب من ظلم وقمع وذل وهوان، سوف لن يأت بمن يجور في حقه بقية العمر والزمان. لقد خاب الظن الحسن، وتلقن الشعب السوداني الدرس الآن ثلاثة مرات: للأسف في زمن الجهادية، في زمن الإنقاذ، وفي زمن الجنجويد. لكل من له شغل غير الحكم أن يشغله (العندو شغلة يمشي يقضانها). المواطن السوداني سوف يأتي حتما بمن يحكمه بصوته، وليس بأصوات أناس آخرين.
(نواصل في الهدف الثالث عشر: العمل المناخي...)
E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de
يعمل الهدف الثاني عشر من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وحتى العام 2030 على خلق التوازن بين الاستهلاك والإنتاج على النطاق العالمي. هذا يأتي في عصر تزداد فيه حوجة الشعوب للمنتجات الضروري بازدياد تعداد سكان العالم، وفقا لزيادة الاستهلاك في خط أفقي. الشيء الذي لا يتوافق مع متطلبات المجتمعات الحديثة لتأمين عيشها، ولا يتوازى مع المنتج القديم إذا لم تعد صياغة شكليته وكميته وجودته وسبل ترشيده لمقابلة الانفجار السكاني العالمي المتوقع بحلول العام 2050 في كثير من بقاع العالم. ربما ترآى للمتلقي عدم جدوى هذا الهدف بعنوان " الاستهلاك والإنتاج المسؤولان"، الذي يأخذ ولا يعطي، مجسم في الاستهلاك العالمي الذي له حدود أيضا حدود بمحدودية الثروات والموارد، ولكن هناك مسؤولية كبرى، تقع هنا على عاتق المنظمات التي تكون مهمتها المستقبلية، وفي غضون سنوات قليلة هي مجابهة النقص في المقام الأول لمتطلبات الإنسان الضرورية للحياة، على سبيل المثال الماء النقي الصالح للشرب، والغذاء الغني بالمواد الأساسية للجسم. كل هذا يحدث في وقت يواجه فيه الإنسان أينما وجد أكبر تحديات العصر المتمثلة في تغير المناخ العالمي والاحتباس الحراري، وزيادة متوسط درجات حرارة الأرض والبحار. الشيء الذي لا يتطلب فقط بذل جهود المنظمات التي يهمها أمر الإنسان وحياته، بل أيضا جهود الباحثين والخبراء والمؤسسات العلمية والتكنولوجية المرجعية، للعمل من أجل رسم خارطة طريق، تهدي إلى وجود حلول مناسبة فيما يخص الإنتاج والاستهلاك المرشدين لكل شعوب العالم، في عصر حروب الموارد والثروات، خصوصا ماء الشرب والمنتجات الزراعية الضرورية لعيش الإنسان والحيوان.
فإذا أخذنا على سبيل المثال الإنتاج في قطاعين مختلفين كالإنتاج الزراعي والحيواني، بما فيه القطاع السمكي، نجد أن هناك إهدارا في المنتج المحلي والعالمي، متمثلا في عدم وجود الآلات والمعدات اللازمة للإنتاج، خصوصا في كثير من الدول الفقيرة المنتجة. يأتي زيادة على ذلك عد توفر الطاقة اللازمة للإنتاج من زراعة وحصاد وتخزين وتسويق. ونفس الشيء ينطبق على الإنتاج الحيواني والإنتاج السمكي بانعدام الأعلاف المناسبة للنمو أو للتسمين، وانعدام الطاقة للترحيل والحفظ والتبريد، حتى يصل المنتج للأسواق بصورة مطابقة لأساسيات الجودة وسلامة المنتج كغذاء يصلح للإنسان. وهنا علم بأن كثيرا من المنتجات ذات الجودة العالية لا تغادر مناطق الإنتاج في كثير من دول العالم الفقيرة بعد مواسم الحصاد، خصوصا الحبوب والبقوليات والخضروات والفواكه والثمار. والتي لا تتوفر لها سبل الترحيل المناسبة، خصوصا المنتجات التي تقطف غير ناضجة، لتستوي فيفترة زمنية وجيزة، تتمثل في الترحيل والتخزين قبل تسويقها. وتكون غالبا عرضة لتأثير الطقس من حرارة أو برودة أو رطوبة عالية. الشيء الذي يجعل منها منتجات متغيرة الجودة من الأحسن إلى الأسوأ بطول مدة ترحيلها أو بعد المسافة من مناطق إنتاجها إلى الأسواق أو مواني ومطارات التصدير.
يرتبط الإنتاجان المحلى والعالمي بالتعبئة والتغليف في طريقهما للأسواق والمستهلكين. الشيء الذي ينتج عنه بعد الإستهلاك أطنان من بقايا المنتج أو النفايات. بقايا المنتج يعتبر في حد ذاته من أكبر المشاكل التي تنتشر في الدول الغنية عما سواها في دول العالم الفقيرة. ففي الدول الغنية يسود الإستهلاك النوعي أو الجزئي للمنتجات، خصوصا إستهلاك المواد الغذائية. في حين نجد إستهلاك كامل للمواد الغذائية في دول العالم الفقيرة بالمقارنة. ولكن تلتقي الدول الغنية والفقيرة في كمية النفايات التي تنتج من بعد الإستهلاك والمتمثلة في مواد كثيرة ومختلفة، كالورق والكرتون والبلاستيك والزجاج والألمونيوم وغيره من مواد التعبئة والتغليف. وتختلف في نفس الحين في مقدرة الدول الغنية في جمع وتدوير النفايات للإستفادة من موادها، لكي يتم إستخدامها مجددا. الشيء الذي يوفر كثيرا من الأموال للدول التي تهتم بهذا الجانب، ويحد في نفس الآن من المخاطر البيئية التي يمكن أن تنتج عن طريق تراكم النفايات الذي يمثل ضرر بالغ على كل الكائنات الحية في مكان وجودها، بما فيه الإنسان. وفي صورة مبسطة هو إعتبار مكان تكدس مثل هذه النفايات، مرتعا للحشرات والقوارض، ومأوى لنمو للميكروبات ولتكاثر الجراثيم، وبيئة ملاءمة لوجود الأمراض الفتاكة وإنتشارها في بيئة الحيوان والإنسان معا. كما تمثل أيضا النغايات بمختلف أنواعها مهددا بيئيا لمصادر المياه والمزارع والغابات. الشيء الذي يمثل خطرا أكبر على الكائنات الحية التي تعيش فيها، والتي تستبدلها خطأ بالغذاء، تبتلعها وتموت بسببها أحيانا، الطيور أو الأبقار هنا كمثال. وأحيانا أخرى تستوحل فيها، ولا تجد طريق للخلاص، الدلافين والحيتان كمثال هنا. ولا ينحصر الإنتاج والإستهلاك المرشدين فقط على المنتجات الزراعية والحيوانية فقط، بل يحتوي أيضا على الترشيد في إستخدام منتجات أخرى، كالطاقة بمختلف أنواعها، خصوصا مصادر الطاقة الأحفورية التي تزيد من متوسط درجات الحرارة على الكرة الأرضية وتفاقم أزمة المناخ العالمي، بزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون من صنع الإنسان وكمونه في الغلاف الخارجي للكرة الأرضية. كما يحتوي الأمر أيضا لترشيد الإنتاج والإستهلاك في الملبوسات ومواد التصنيع من مختلف المواد الخام. وحتى الإستهلاك في المناطق السياحية يلعب دورا هاما في موضوع ترشيد الإستخدام والإستهلاك، في عصر لا يعي فيه المستخدم أو المستهلك مدى تأثير الإفراض في التعامل مع المنتج الموجود، والتمهيد لنفاد الموارد والثروات وتأثيره على مستقبل الأجيال القادمة، التي تنتظر نصيبها فيما يستهلك حاليا من دون إهتمام، في كل يوم، وفي كل دول العالم. وهنا علما بأن لكل منتج مستهلك كمية أو نسبة مقاسة حسابيا ومعرفة علميا.
وبالنظر للإحصائيات المقارنة للإنتاج والاستهلاك العالميين حتى العام 2023، نجد أنه لا تتم الاستفادة من ما يفوق 14 % من المنتجات الزراعية من بعد الحصاد. ويفسد في كل عام ثلث المنتجات الغذائية عالميا، لمنتج يقدر ثمنه بما يفوق 1.3 مليار دولار أمريكي بسبب انعدام مصادر الطاقة، أو إمكانيات الحصاد، أو سبل الترحيل للأسواق المستهلكة. كما يتم رمي ما يفوق 17 % من المنتجات الغذائية الصالحة للاستخدام البشري. وفيما يخص النفايات البلاستيكية التي كانت حوالي 1.5 مليون طن حتى العام 1950، بلغت هذه في العام 2020 حوالي 370 مليون طن على نطاق العالم. وهناك حوالي 80 % من هذه النفايات الضارة التي لا يتم تدويرها، بل تتوزع في مختلف الأماكن وتضر ببيئة الكائنات الحية. ويقدر بأنه في كل دقيقة ينتج العالم حوالي مليون قارورة بلاستيكية، يتم رميها لاحقا بعد استخدامها في عصر ومجتمعات الاستهلاك غير المرشد والرمي المباشر لمنتجات التغليف والتعبئة. كما تشكل النفايات الإلكترونية أكبر المشاكل البيئية حاليا، والتي تنتج في الدول الصناعية، ولا يتم إصلاحها بعد تعطلها لأقل الأسباب، بل ترمى لكي يستقر بها المقام في دول العالم الفقيرة، التي توجد بها مكبات ومحارق في الهواء الطلق لمواد أشد خطورة وضررا بكل الكائنات الحية وبيئاتها، بما فيه الإنسان. وليس بشيء نادر أن تستقر هذه النفايات في باطن الأرض أو مصادر المياه العذبة والمالحة أو الغابات والمحميات الطبيعية. وعند حرق هذه النفايات بطرق بدائية لا تلائم أساسيات صحة البيئة والكائنات الحية، تلوث هواء الجو وتكون مسببا أوليا لحدوث كثير من السرطانات، خصوصا سرطان الرئة قبل أثر التدخين. وبالأرقام: لقد تم عالميا إنتاج حوالي 7.3 كيلوجرامات من النفايات الإلكترونية للشخص الواحد في العام 2019، ولكنه لم يتم تدوير سوى 1.7 كيلوجرام منها مقابل كل شخص. كل هذا يحدث في عالمنا الحديث، في عصر محدودية الثروات والموارد، وزمن تغيرات المناخ، ووقت الازدياد المتصاعد في تعداد سكان العالم.
فيما يخص السودان في الإنتاج والاستهلاك: يلعب السودان دورا هاما في إنتاج وتوفير كثير من المواد المنتجة للمستهلك. هذا ليس فقط لأهل السودان، بل أيضا لدور الجوار والأسواق العالمية. هنا على سبيل المثال، منتجات السودان الزراعية والحيوانية التي تعتمد عليها كثير من الشعوب في سبل غذائها. يرفد السودان دولا كثيرة باللحوم والحبوب والبقوليات والخضروات والفواكه والبهارات. ونوعيا يعرف السودان بأهميته للأسواق العالمية في إنتاج وتسويق الصمغ العربي والسنا والكركدى والسمسم. منتجات لا تدخل فقط في تصنيع الأغذية، بل أيضا في المنتجات الطبية والصيدلانية والتصنيع الدقيق.
للسودان أيضا مصادر مائية كثيرة، تتيح له أن يكون في مقدمة الدول التي تنتج الأسماك للإكتفاء الذاتي وللأسواق العالمية. زيادة على ذلك تأتي الظروف الملاءمة لإنتاج الأسماك عن طريق مزارع الأسماك. هذا القطاع المهمل، الذي يمكن أن يحقق عائدا بما تجود به سماء السودان من ماء في كل فصل مطير. الشيء الذي يمهد في المقام الأول للاكتفاء المحلي، ومن ثم تصدير الفائض منه لدول الجوار بأثمان تعود بالنفع على المواطن السوداني أينما كان. ونفس الشيء ينطبق على التوسع في زراعة وإنتاج الخضر والثمار والفاكهة والأعشاب الطبية وكثير من المنتجات في بيوت الإنبات والإنماء خارج الفصل المطير.
زيادة على كل ذلك تأتي ثروات أخرى تنضح بها أرض السودان لتفيض، تتمثل في مياه الشرب العذبة في زمن تغير المناخ واحترار الأرض وعصر حروب المياه. كما لا ننسى ما يجود به السودان من كنوز معدنية تحت الأرض في الوقت الذي يشارف فيه العالم على التخلي عن استخدامات الطاقة الأحفورية المفاقمة لأزمة المناخ العالمي، بارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، المؤدية للاحتباس الحراري في غلاف الأرض الخارجي، وحتى الآن ما يعادل 1.5 درجة مئوية في المتوسط العالمي.
فيما يخص الإستهلاك في السودان: لا بد من إعادة النظر في إستيراد المنتجات غير المطابقة للجودة للإستهلاك المحلي، خصوصا المركبات والأثاثات والمنسوجات من ملابس وغيره. كما يجب أن ينظر في أمر إستخدام المنتجات البلاستيكية في بلد زراعي ورعوي وذو مصادر مائية متعددة كالسودان. هذه المنتجات التي تنتهي بتحولها لنفايات لا تدور، وتمثل خطرا بيئيا كامنا، ينتشر في المرزارع والمراعي والغابات، ليغطي أخير حتى قمم الأشجار (الأكياس البلاستيكية مثال)، أو يؤدي بحياة الماشية والحيوانات التي تعيش في المياه، التي تستبدلها بالغذاء. وبخصوص هذه النقطة "النفايات، طرق جمعها، سبل تدويرها، وإمكانية الإستفادة منها" لا بد من وجود طرق بديلة صديقة للبيئة وكائناتها الحية ومآويها، تعمل على حل المشكلة كليا، حتى لا تصبح هذه النفايات الضارة هي المصاحب للمواطن والملازم للزائر في المنازل والشوارع والطرقات. ويأتي أيضا دور الترحيل والمواصلات في شبكة الإستهلاك، بحيث يتطلب الأمر أيضا وضع خطط تنفذ لتجعل مسافات التواصل أقصر، وتكون ملاءمة للسفر والترحال في المناطق، ومن دون مشقة وعناء للمواطن.
ماذا يتطلب الأمر حاليا للوصول لهذا الهدف في السودان " الاستهلاك والإنتاج المسؤولان"؟ الأساس هو إحلال سلام دائم ينعم به المواطن بعد أن حورب وشرد ونهب. هذه الحرب التي تدور رحاها حتى الآن إلى ما يقارب العام هي حقا ظلم لمواطن السودان المسالم، الذي لم يتنازل عن السلمية المطلقة حتى في آخر ثوراته للتغيير للأفضل. الشعب الذي طالب بنظام حكم ديمقراطي رشيد، مبنيا على الحرية والسلام والعدل في ثورة كانت أنموزج لثورات الشعوب التي عرفت نوعا بالعدوانية والعنف المطلق. ما زال العالم مشغولا بحروب أخرى، متجاهلا حرب السودان الشاملة. الآن نحن على أبواب الصيف الحار في بلد تفوق معدلات درجة حرارته ال 48 درجة مئوية تحت الظل. الشيء الذي إذا لم ينتبه له جيدا، لقضى على حياة الأشجار والإنسان والحيوان على حد سواء. حدوث مجاعة طاحنة في السودان في ظروف هذه الحرب بحلول الصيف القادم، يعني حدوث مجاعة طاحنة في أكثر من بلد مجاور للسودان. فاللمجتمع الدولي الآن الخيار في أن يساعد السودان لوضع نهاية لهذه الحرب التي بدأت تأخذ طابع "فضيحة عالمية في حماية كرامة وحقوق وممتلكات الإنسان"، أو يستعد لمجابهة تحديات مستقبلية أخرى، تتمثل في مجاعات أفريقية شاملة، تضاف إلى رصيد الحروب وتغير المناخ والهروب والمجازفة بالسفر عبر البحار لدول الغرب، متوجا بجرائم الإتجار بالبشر والجريمة المنظمة في بلدان المهجر.
ولنذكر الجهات المتحاربة في السودان هنا: إذا كان الهدف الأول والأخير لهذه الحرب هو الديمقراطية كنظام حكم، فلا يعقل ولا يمكن أن يسوق لشعب واع نظام حكم ديمقراطي بهذا النهج. بعد المرارات التي عاشها شعب السودان في هذه الحرب من ظلم وقمع وذل وهوان، سوف لن يأت بمن يجور في حقه بقية العمر والزمان. لقد خاب الظن الحسن، وتلقن الشعب السوداني الدرس الآن ثلاثة مرات: للأسف في زمن الجهادية، في زمن الإنقاذ، وفي زمن الجنجويد. لكل من له شغل غير الحكم أن يشغله (العندو شغلة يمشي يقضانها). المواطن السوداني سوف يأتي حتما بمن يحكمه بصوته، وليس بأصوات أناس آخرين.
(نواصل في الهدف الثالث عشر: العمل المناخي...)
E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de