الرأسمالية وطردية العلاقة مع الديمقراطية
طاهر عمر
25 February, 2024
25 February, 2024
طاهر عمر
الديمقراطية لها علاقة طردية مع الرأسمالية و عكسية مع الماركسية و الرأسمالية عرفت بالعقلانية عند ماكس فيبر و إستدل على عقلانيتها لأنها لم تستوعب بعد وسط نخب المجتمعات التقليدية كحال نخب السودان لذلك فشلت النخب السودانية في إنزال الديمقراطية على أرض الواقع خلال ثلاث ثورات قام بها الشعب السوداني في اكتوبر 1964 و ابريل 1985 و ثورة ديسمبر و شعارها الليبرالي حرية سلام و عدالة إلا أن النخب السودانية عجزت عن مواجهة التحدي و التغلب عليه لأنها خالية الوفاض من الفكر الليبرالي الذي حورب من قبل النخب في العالم العربي و الإسلامي منذ ما يقرب القرن و نصف أي منذ ما يعرف ببداية النهضة العربية و الإسلامية و روادها و قد وضعوا شروط قد أصبحت أكبر حائط صد و سد منيع أمام تسرب الفكر الليبرالي الى المجتمعات العربية و الإسلامية.
و من الشروط التي وضعها مفكري النهضة العربية منذ ما يقارب القرنيين أن أي فكر جديد ينبغي ألا يتعارض مع تعاليم الاسلام و هذا ما أفتكره جمال الدين الأفغاني و تلميذه محمد عبده و من حينها نجد لجلجة النخب في العالم العربي و الإسلامي كما وضحه عالم الإجتماع الفلسطيني هشام شرابي في كتابه المثقفون العرب و الغرب و كتابه الآخر أزمة المثقفين العرب و من هنا جاء الخوف من الفكر الليبرالي و قد حورب بلا هوادة في العالم العربي و الإسلامي و أصبحت علاقة العرب و المسلميين عكسية مع تطور الفكر الليبرالي.
مثلا عكسية العلاقة نجدها تبداء منذ ما يقارب القرن من الزمان في زمن الكساد الإقتصادي العظيم 1928 و هو يعلن نهاية الليبرالية التقليدية و بداية الليبرالية الحديثة و نجد في العالم العربي و الإسلامي عكسه هو زمن تأسيس جماعة الأخوان المسلمين كخطوة توضح غياب العقلانية التي تمثلها الرأسمالية و قد بدأت مسيرة الليبرالية الحديثة. و كذلك نجد نفس الشئ يتكرر بعد نهاية الكينزية كديناميكية و بداية النيوليبرالية مع تاتشر و ريغان 1979 نجدها تتزامن مع غوص العالم العربي و الإسلامي في وحل الفكر الديني محتفل بالخمينية و ظانا أنها ثورة.
و بعد نهاية النيوليبرالية كديناميكية و أزمتها نجد العالم العربي و الإسلامي يقوم بثورات الربيع العربي و يتولى أمرها الأخوان المسلمين في مصر و تونس و ليبيا و يغيب الفكر الليبرالي و الرأسمالية و عقلانيتها. و في الحقيقة تفويت فرصة الرأسمالية و العقلانية و تفويت فرصة نهاية ديناميكية الكينزية و تفويت فرصة البداية الصحيحة مع نهاية النيوليبرالية في الربيع العربي سببها آتي منذ زمن جمال الدين الأفغاني و تبعية الامام محد عبده له و جمال الدين الأفغاني بداياته كانت أيضا خاطئة عندما لم يتنبه الى فلاسفة زمانه في الغرب فطنوا لعقلانية الرأسمالية و منذ أيام جمال الدين الأفغاني كان هنك كثر من الاقتصاديين في الغرب يتحدثون عن نهاية الليبرالية التقليدية و أن قيم الجمهورية تتطلب إدخال مفاهيم فكر عقلاني لم يلتقطه جمال الدين الأفغاني في مسألة تكريس قيم الجمهورية و مسألة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و لا يمكن تحقيقها بغير التمعّن في في ثالوث الفرد و العقل و الحرية.
و بالتالي يمكننا أن نقول أن نهضة جمال الدين الأفغاني و تلميذه محمد عبده قطعت الطريق على العالم العربي و الإسلامي من أن يدرك التفكير العقلاني و قد أصبح نتيجة واضحة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية 1776 و ظهور كتاب ثروة الأمم لأدم اسمث و هو يتحدث عن مجد العقلانية و إبداع العقل البشري و مسألة تأسيس عالم أرضي وفقا لقدرات العقل البشري بعيدا عن شطحات رجال الدين و هذا الذي غاب عن جمال الدين الأفغاني و تلميذه محمد عبده و أصبحت فكرتهم بأن أي فكر جديد ألا يتعارض مع الفكر الإسلامي في حقيقة الأمر فكر الأفغاني و محمد عبده قطع طريق على بداية الفكر العقلاني في العالم العربي و الإسلامي.
و بسبب فكر النهضة في زمن الأفغاني و محمد عبده أصبح طريق الفشل مفتوح الى لحظة فشل جمال عبد الناصر في تحقيق قيم الجمهورية و بعدها قد ورثت حشوده الجماعات الإسلامية و قد فشلت هي الأخرى فشل زريع. و المضحك بعد فشل الكيزان في السودان و هو فشل يتوج مرحلة تفكير رجال الدين من قبل قرن و نصف نجدهم أي كيزان السودان يحاولون الكرة من جديد كأن شيئا لم يكن. و بالمناسبة عبد الناصر و القوميين العرب كذلك لم يدركوا أهمية عقلانية الرأسمالية و مسألة المسؤولية الإحتماعية نحو الفرد و أغلب الإشتراكيين في العالم العربي غاب عن أفقهم عقلانية الرأسمالية و الفكر الليبرالي و دوره في فك لغز مفهوم الدولة كمفهوم حديث و ممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية.
و المضحك نجد وسط النخب السودانية و هي الأقل حظ من الإدراك لعقلانية الرأسمالية مقارنة بنخب العالم العربي مثلا مقارنة باحمد لطفي السيد و تلميذه طه حسين أو علي الوردي في العراق و بعده فالح عبد الجبار و هو يتحدث عن التحول الديمقراطي نجد النخب السودانية حتى اللحظة تقول أن الفكر الليبرالي يخص تطور تجربة الغرب الأوروبي و نجد مثل هذا القول يتكرر في حديث الدكتور النور حمد و الشفيع خضر و غيرهم كثر من النخب السودانية و هي تجهل أن الفكر الليبرالي و الديمقراطية الليبرالية هي روح عقلانية الرأسمالية المرفوضة وسط النخب السودانية التي تجسد نشاط مجتمع تقليدي للغاية في وقت نجد طه حسين يقول أن مصر لا يمكن أن تسترد عقلها إلا بعد عودة عقلها الإغريقي الروماني في كتابه مستقبل الثقافة في مصر.
و الأكثر محاربة لعقلانية الرأسمالية في السودان هم أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية و في إلتباس مفهوم الدولة التي لا يؤمن بها الشيوعي السوداني نجدهم أكثر تخلف في فكرهم من فكر الأفغاني من قبل ما يقارب القرن و نصف و لهذا غاب عن حقول الرؤية السودانية عقلانية الرأسمالية و علاقة الفرد بالدولة و المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و تتحقق بتوسيع مساحة الطبقة الوسطى وفقا للتقارب الطبقي و التضامن الطبقي و التصالح الطبقي و ليس عبر الصراع الطبقي كما يتوهم الشيوعي السوداني.
على العموم في المجتمعات المتقدمة فهمت النخب الواعية بأن النظم الشمولية كالشيوعية و النازية و الفاشية هي نتاج فراغ و أرجحة ما بين نهاية الليبرالية التقليدية و الليبرالية الحديثة و في زمن الفكر المؤقت و العابر ظهرت الشيوعية و النازية و الفاشية كنظم شمولية بغيضة و قد تجاوزتها الرأسمالية بعقلانيتها في حيز الشعوب المتقدمة و بقت عبادة نصوص لريادات وطنية غير واعية كما يفعل أتباع الحزب الشيوعي السوداني مثلهم مثل الكيزان كعبدة نصوص في الساحة السودانية.
و في ظل نخب مثل الكيزان و الشيوعيين السودانين يستحيل الحديث عن تحول ديمقراطي لأنهما يجهلان أي الشيوعي و الكوز طردية العلاقة بين الرأسمالية و الديمقراطية عكسية العلاقة بين الشيوعية و الديمقراطية لأنه كلما زادت الحرية قلت العدالة و كلما زادت العدالة قلت الحرية و هنا يدخل مفهوم الدولة كمفهوم حديث و تدخلها لخلق نقطة التوازن بين الحرية و العدالة كمعادلة تمثل روح الفكر الليبرالي و بعد هذا كله نجد الشيوعي السوداني يقول أنه هم وراء شعار ثورة ديسمبر و هو شعار شيوعي و كأنهم لم يسمعوا بحديث توكفيل عن معادلة الحرية و العدالة روح الليبرالية الديمقراطية أو يكون الشيوعيون السودانيين توكفليين و الكل غير عارف. و لكن كله يدخل في إستهبال الريادات الوطنية غير الواعية التي يجسدها عرقلة الشيوعيين السودانيين لتحقيق أي إستقرار تتضح معه ملامح الدولة السودانية الحديثة التي لا يؤمن بها الشيوعي السوداني من الأساس.
بعد الكساد الإقتصادي العظيم عام 1929 مرت أوروبا بتحول في المفاهيم و أحتاج لزمن إندلعت فيها الحرب العالمية الثانية و بنهايتها إنتهت فلسفة التاريخ التقليدية التي ما زال الشيوعي السوداني يعتقد في روحها الحية و عليه نقول للنخب السودانية غياب الفكر الليبرالي و غياب مفهوم الدولة كمفهوم حديث تحدث عنه توكفيل و عن قيم الجمهورية و مسألة ترسيخ المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد يقف بينكم و فكرة التحول الديمقراطي.
عقلانية الرأسمالية هي بديل للفكر الديني الذي يرتكز عليه الامام و الختم و الكوز و حتى الشيوعي السوداني المتواطئ مع وحل الفكر الديني في علمانية محمد ابراهيم نقد المحابية للأديان. و هذا ما يجعل كمال الجزولي في لقاء نيروبي يقع في فخ الكوز خالد التجاني النور و يقول كمال الجزولي أن للدين دور في السياسة و الاجتماع و الإقتصاد.
و كمال الجزولي له رأسمال اجتماعي وسط النخب السودانية و لكنه قد أضحك عليه ماكس فيبر الذي يتحدث عن أن العالم قد إنفك من أسر الدين أو ما يعرف سحر العالم و زواله و قبله توكفيل يقول أن الديمقراطية الليبرالية هي ليست نظام حكم فحسب بل بديلا للفكر الديني بعد أن يجرد الدين من أي قوة سياسية و من أي قوة إقتصادية و في هذا الموقف نحن نصدق توكفيل و ماكس فيبر لأن كمال الجزولي لا وزن له أمام فكرهم الذي يوزن بميزان الذهب.
لهذا نقول أن نصاب الفكر الليبرالي في السودان لم يكتمل بعد و ربما يحتاج السودان لنفس زمن أوروبا لما بين الحربين العالمتين و كذلك سيعاني الشعب السوداني كما عانت شعوب أوروبا في زمن ما بين الحرب العالمتين أم النخب السودانية و السياسين اليوم لا أمل لهم في تحقيق سودان مستقر و مزدهر لأنهم قد جاءوا لأفق الثورة بأفكار نخب الستينيات من القرن المنصرم.
لذلك في ظل الحرب العبثية الدائرة الآن في السودان سوف يكون هناك موت و تشرد و جوع لدرجة يقول فيها الكل أنها نهاية العالم و لكنها هذه ليست النهاية بل مبتداء الأوجاع كما قال السيد المسيح الى لحظة يتنامى فيها الوعي وسط أجيال قادمة تدرك أن الفكر الرأسمالي و قيم الجمهورية و علاقة الفرد بالدولة و المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد هي نتاج إبداع العقل البشري في قطيعته مع تراثة و نتيجة للقطيعة تزدهر نزعة إنسانية تؤسس لعالم وفقا لقدرات العقل البشري في تجربته و ضمير الوجود.
taheromer86@yahoo.com
الديمقراطية لها علاقة طردية مع الرأسمالية و عكسية مع الماركسية و الرأسمالية عرفت بالعقلانية عند ماكس فيبر و إستدل على عقلانيتها لأنها لم تستوعب بعد وسط نخب المجتمعات التقليدية كحال نخب السودان لذلك فشلت النخب السودانية في إنزال الديمقراطية على أرض الواقع خلال ثلاث ثورات قام بها الشعب السوداني في اكتوبر 1964 و ابريل 1985 و ثورة ديسمبر و شعارها الليبرالي حرية سلام و عدالة إلا أن النخب السودانية عجزت عن مواجهة التحدي و التغلب عليه لأنها خالية الوفاض من الفكر الليبرالي الذي حورب من قبل النخب في العالم العربي و الإسلامي منذ ما يقرب القرن و نصف أي منذ ما يعرف ببداية النهضة العربية و الإسلامية و روادها و قد وضعوا شروط قد أصبحت أكبر حائط صد و سد منيع أمام تسرب الفكر الليبرالي الى المجتمعات العربية و الإسلامية.
و من الشروط التي وضعها مفكري النهضة العربية منذ ما يقارب القرنيين أن أي فكر جديد ينبغي ألا يتعارض مع تعاليم الاسلام و هذا ما أفتكره جمال الدين الأفغاني و تلميذه محمد عبده و من حينها نجد لجلجة النخب في العالم العربي و الإسلامي كما وضحه عالم الإجتماع الفلسطيني هشام شرابي في كتابه المثقفون العرب و الغرب و كتابه الآخر أزمة المثقفين العرب و من هنا جاء الخوف من الفكر الليبرالي و قد حورب بلا هوادة في العالم العربي و الإسلامي و أصبحت علاقة العرب و المسلميين عكسية مع تطور الفكر الليبرالي.
مثلا عكسية العلاقة نجدها تبداء منذ ما يقارب القرن من الزمان في زمن الكساد الإقتصادي العظيم 1928 و هو يعلن نهاية الليبرالية التقليدية و بداية الليبرالية الحديثة و نجد في العالم العربي و الإسلامي عكسه هو زمن تأسيس جماعة الأخوان المسلمين كخطوة توضح غياب العقلانية التي تمثلها الرأسمالية و قد بدأت مسيرة الليبرالية الحديثة. و كذلك نجد نفس الشئ يتكرر بعد نهاية الكينزية كديناميكية و بداية النيوليبرالية مع تاتشر و ريغان 1979 نجدها تتزامن مع غوص العالم العربي و الإسلامي في وحل الفكر الديني محتفل بالخمينية و ظانا أنها ثورة.
و بعد نهاية النيوليبرالية كديناميكية و أزمتها نجد العالم العربي و الإسلامي يقوم بثورات الربيع العربي و يتولى أمرها الأخوان المسلمين في مصر و تونس و ليبيا و يغيب الفكر الليبرالي و الرأسمالية و عقلانيتها. و في الحقيقة تفويت فرصة الرأسمالية و العقلانية و تفويت فرصة نهاية ديناميكية الكينزية و تفويت فرصة البداية الصحيحة مع نهاية النيوليبرالية في الربيع العربي سببها آتي منذ زمن جمال الدين الأفغاني و تبعية الامام محد عبده له و جمال الدين الأفغاني بداياته كانت أيضا خاطئة عندما لم يتنبه الى فلاسفة زمانه في الغرب فطنوا لعقلانية الرأسمالية و منذ أيام جمال الدين الأفغاني كان هنك كثر من الاقتصاديين في الغرب يتحدثون عن نهاية الليبرالية التقليدية و أن قيم الجمهورية تتطلب إدخال مفاهيم فكر عقلاني لم يلتقطه جمال الدين الأفغاني في مسألة تكريس قيم الجمهورية و مسألة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و لا يمكن تحقيقها بغير التمعّن في في ثالوث الفرد و العقل و الحرية.
و بالتالي يمكننا أن نقول أن نهضة جمال الدين الأفغاني و تلميذه محمد عبده قطعت الطريق على العالم العربي و الإسلامي من أن يدرك التفكير العقلاني و قد أصبح نتيجة واضحة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية 1776 و ظهور كتاب ثروة الأمم لأدم اسمث و هو يتحدث عن مجد العقلانية و إبداع العقل البشري و مسألة تأسيس عالم أرضي وفقا لقدرات العقل البشري بعيدا عن شطحات رجال الدين و هذا الذي غاب عن جمال الدين الأفغاني و تلميذه محمد عبده و أصبحت فكرتهم بأن أي فكر جديد ألا يتعارض مع الفكر الإسلامي في حقيقة الأمر فكر الأفغاني و محمد عبده قطع طريق على بداية الفكر العقلاني في العالم العربي و الإسلامي.
و بسبب فكر النهضة في زمن الأفغاني و محمد عبده أصبح طريق الفشل مفتوح الى لحظة فشل جمال عبد الناصر في تحقيق قيم الجمهورية و بعدها قد ورثت حشوده الجماعات الإسلامية و قد فشلت هي الأخرى فشل زريع. و المضحك بعد فشل الكيزان في السودان و هو فشل يتوج مرحلة تفكير رجال الدين من قبل قرن و نصف نجدهم أي كيزان السودان يحاولون الكرة من جديد كأن شيئا لم يكن. و بالمناسبة عبد الناصر و القوميين العرب كذلك لم يدركوا أهمية عقلانية الرأسمالية و مسألة المسؤولية الإحتماعية نحو الفرد و أغلب الإشتراكيين في العالم العربي غاب عن أفقهم عقلانية الرأسمالية و الفكر الليبرالي و دوره في فك لغز مفهوم الدولة كمفهوم حديث و ممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية.
و المضحك نجد وسط النخب السودانية و هي الأقل حظ من الإدراك لعقلانية الرأسمالية مقارنة بنخب العالم العربي مثلا مقارنة باحمد لطفي السيد و تلميذه طه حسين أو علي الوردي في العراق و بعده فالح عبد الجبار و هو يتحدث عن التحول الديمقراطي نجد النخب السودانية حتى اللحظة تقول أن الفكر الليبرالي يخص تطور تجربة الغرب الأوروبي و نجد مثل هذا القول يتكرر في حديث الدكتور النور حمد و الشفيع خضر و غيرهم كثر من النخب السودانية و هي تجهل أن الفكر الليبرالي و الديمقراطية الليبرالية هي روح عقلانية الرأسمالية المرفوضة وسط النخب السودانية التي تجسد نشاط مجتمع تقليدي للغاية في وقت نجد طه حسين يقول أن مصر لا يمكن أن تسترد عقلها إلا بعد عودة عقلها الإغريقي الروماني في كتابه مستقبل الثقافة في مصر.
و الأكثر محاربة لعقلانية الرأسمالية في السودان هم أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية و في إلتباس مفهوم الدولة التي لا يؤمن بها الشيوعي السوداني نجدهم أكثر تخلف في فكرهم من فكر الأفغاني من قبل ما يقارب القرن و نصف و لهذا غاب عن حقول الرؤية السودانية عقلانية الرأسمالية و علاقة الفرد بالدولة و المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و تتحقق بتوسيع مساحة الطبقة الوسطى وفقا للتقارب الطبقي و التضامن الطبقي و التصالح الطبقي و ليس عبر الصراع الطبقي كما يتوهم الشيوعي السوداني.
على العموم في المجتمعات المتقدمة فهمت النخب الواعية بأن النظم الشمولية كالشيوعية و النازية و الفاشية هي نتاج فراغ و أرجحة ما بين نهاية الليبرالية التقليدية و الليبرالية الحديثة و في زمن الفكر المؤقت و العابر ظهرت الشيوعية و النازية و الفاشية كنظم شمولية بغيضة و قد تجاوزتها الرأسمالية بعقلانيتها في حيز الشعوب المتقدمة و بقت عبادة نصوص لريادات وطنية غير واعية كما يفعل أتباع الحزب الشيوعي السوداني مثلهم مثل الكيزان كعبدة نصوص في الساحة السودانية.
و في ظل نخب مثل الكيزان و الشيوعيين السودانين يستحيل الحديث عن تحول ديمقراطي لأنهما يجهلان أي الشيوعي و الكوز طردية العلاقة بين الرأسمالية و الديمقراطية عكسية العلاقة بين الشيوعية و الديمقراطية لأنه كلما زادت الحرية قلت العدالة و كلما زادت العدالة قلت الحرية و هنا يدخل مفهوم الدولة كمفهوم حديث و تدخلها لخلق نقطة التوازن بين الحرية و العدالة كمعادلة تمثل روح الفكر الليبرالي و بعد هذا كله نجد الشيوعي السوداني يقول أنه هم وراء شعار ثورة ديسمبر و هو شعار شيوعي و كأنهم لم يسمعوا بحديث توكفيل عن معادلة الحرية و العدالة روح الليبرالية الديمقراطية أو يكون الشيوعيون السودانيين توكفليين و الكل غير عارف. و لكن كله يدخل في إستهبال الريادات الوطنية غير الواعية التي يجسدها عرقلة الشيوعيين السودانيين لتحقيق أي إستقرار تتضح معه ملامح الدولة السودانية الحديثة التي لا يؤمن بها الشيوعي السوداني من الأساس.
بعد الكساد الإقتصادي العظيم عام 1929 مرت أوروبا بتحول في المفاهيم و أحتاج لزمن إندلعت فيها الحرب العالمية الثانية و بنهايتها إنتهت فلسفة التاريخ التقليدية التي ما زال الشيوعي السوداني يعتقد في روحها الحية و عليه نقول للنخب السودانية غياب الفكر الليبرالي و غياب مفهوم الدولة كمفهوم حديث تحدث عنه توكفيل و عن قيم الجمهورية و مسألة ترسيخ المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد يقف بينكم و فكرة التحول الديمقراطي.
عقلانية الرأسمالية هي بديل للفكر الديني الذي يرتكز عليه الامام و الختم و الكوز و حتى الشيوعي السوداني المتواطئ مع وحل الفكر الديني في علمانية محمد ابراهيم نقد المحابية للأديان. و هذا ما يجعل كمال الجزولي في لقاء نيروبي يقع في فخ الكوز خالد التجاني النور و يقول كمال الجزولي أن للدين دور في السياسة و الاجتماع و الإقتصاد.
و كمال الجزولي له رأسمال اجتماعي وسط النخب السودانية و لكنه قد أضحك عليه ماكس فيبر الذي يتحدث عن أن العالم قد إنفك من أسر الدين أو ما يعرف سحر العالم و زواله و قبله توكفيل يقول أن الديمقراطية الليبرالية هي ليست نظام حكم فحسب بل بديلا للفكر الديني بعد أن يجرد الدين من أي قوة سياسية و من أي قوة إقتصادية و في هذا الموقف نحن نصدق توكفيل و ماكس فيبر لأن كمال الجزولي لا وزن له أمام فكرهم الذي يوزن بميزان الذهب.
لهذا نقول أن نصاب الفكر الليبرالي في السودان لم يكتمل بعد و ربما يحتاج السودان لنفس زمن أوروبا لما بين الحربين العالمتين و كذلك سيعاني الشعب السوداني كما عانت شعوب أوروبا في زمن ما بين الحرب العالمتين أم النخب السودانية و السياسين اليوم لا أمل لهم في تحقيق سودان مستقر و مزدهر لأنهم قد جاءوا لأفق الثورة بأفكار نخب الستينيات من القرن المنصرم.
لذلك في ظل الحرب العبثية الدائرة الآن في السودان سوف يكون هناك موت و تشرد و جوع لدرجة يقول فيها الكل أنها نهاية العالم و لكنها هذه ليست النهاية بل مبتداء الأوجاع كما قال السيد المسيح الى لحظة يتنامى فيها الوعي وسط أجيال قادمة تدرك أن الفكر الرأسمالي و قيم الجمهورية و علاقة الفرد بالدولة و المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد هي نتاج إبداع العقل البشري في قطيعته مع تراثة و نتيجة للقطيعة تزدهر نزعة إنسانية تؤسس لعالم وفقا لقدرات العقل البشري في تجربته و ضمير الوجود.
taheromer86@yahoo.com