الساكسفون
تاج السر الملك
27 March, 2024
27 March, 2024
تاج السر الملك
(وقول نسيتك.. انت ذاتك ما مبالي.. وقول طريتك.. دا البخلي الشعراء سبحانك تبارك .. حوا والدة الساكسفون)..(عاطف خيري)
الشارع السيافي، الذي تأخذه عن يسارك، نازلاً مندفعاً كالسيل، من الكبري، ومن تحتك تسري القاطرات، ومعيناتها، وعند البيت الأزرق الملئ بالأسرار، وياطر حقيقي معلق في ناصيته، حينما تتعدى النوافذ الخشبية المسددة، والنفرين الذين يتبادلان الحديث الجاد عن الهجرة، في رابعة النهار، يحيونك قبل أن ترفع يدك بالتحية، فإذا نظرت يميناً ويساراً، خشية التاكسيات الصفر المداهمة، تكون قد أدركت الوجه الغربي لميدان الأسرة، وفي شرق المنتزه، والشفع في المراجيح، والأبلة (ست رقية)، تحت المظلة، تجلس مثل ملكة على عرشها، بثوب ابيض مطرز، وساعتها الجوفيال، تنظر حذاءك الأغبش، ثم إلى الأطفال مثل دجاجة تتهيأ للنقار، وقميصك المحشو حشواً، وإحساسك العميق (بالشكة)، حتى تصل مباني (الجديدة)، وعن يمينك، غرفة وباحة تضيق بالجالسين، ولافتة مكتوب عليها، جمعية الصداقة الصينية السودانية، وتسمع أصوات كمانات ناشزة، يهدونك دبوس عليه نجمة حمراء، تغزه في جيب قميصك المبتل بالعرق، وقد تحس بوخزة إن اخطأت التقدير. في المساء، يعلق التلفزيون في النادي، على منصة خشبيىة عالية، يقرأ النشرة (أحمد سليمان ضو البيت)، ولكنك لا تمل طول اسمه، نتعلق مثل أكياس البلاستيك، على السلك الحاجز، فيغني وردي (إنني أومن بالشعب حبيبي وأبي)، والعازف يقف بآلته المدهشة هناك، وياسين يذكرني بكرة نمشي سوق السجانة، نجيب مجلة سوبرمان، ابوه كان ممرضاً، في مستشفى الشعب، وكان يركب عربة (موريس)، بيضاء، بمقاعد حمراء، فأقول له ، اسكت ياخي، يا إلهي، كم تمنيت ان أكون واحداً، من الطلاب الذين (يشيلون) مع وردي. في نهارات تبدأ بشمس تثقب الجبهة، فتهب فزعاً من على سريرك، كمن صرعته الكهرباء، ثم ينشأ الصبح في السودان، ويشب فتياً، يفيض بالطاقة، وتحقنك الشمس بالحمأ، فلا تملك إلا أن تهب واقفاً، حاجاً إلى (الكولدير)، تقطع (جك الليمون)، ويصدح الراديو، المسجون وراء اسياخ النافذة، فيجيئك صوت الساكسفون، مثل بشارة المطر، وسط هذا المحل، يخرج من أعطافه ندياً، صوت (عثمان حسين)، ينبع مثل الماء القراح، من داخل سولو ساكسفون(السنجك)، وفي متنه تقدل اغنية (الدرب الأخضر)، فتعتدل حواسك، ويسكن روعك في حضرة الجمال، ويمشي الكون على إيقاع مزماره، المزمار الجديد الشائك، الملئ بالاشجان، فتغني معه تهيم خطواتي نشوانة ثم وبعقيرة عالية تاااا تتا تاااا وفي المساء تراه بشلوخة المميزة، بنصف انحناءة، ودون أن يعلمك بوجوده ويغني زكي عبد الكريم .. في لمحة غزل ومجرد امل فيكون الساكسفون، لحمة اللحن وسداه. عاش واغتيل، دون أن تسلبه الأضواء رزانته، فكان هو الضوء. عاش يغذي الأغنيات بالدفء والحنين الذي يهب حياتنا معانيها ورحل غيلة وغدراً. له الرحمة. وحوا والدة السكسفون.
تاج السر الملك
tajmultimedia@gmail.com
(وقول نسيتك.. انت ذاتك ما مبالي.. وقول طريتك.. دا البخلي الشعراء سبحانك تبارك .. حوا والدة الساكسفون)..(عاطف خيري)
الشارع السيافي، الذي تأخذه عن يسارك، نازلاً مندفعاً كالسيل، من الكبري، ومن تحتك تسري القاطرات، ومعيناتها، وعند البيت الأزرق الملئ بالأسرار، وياطر حقيقي معلق في ناصيته، حينما تتعدى النوافذ الخشبية المسددة، والنفرين الذين يتبادلان الحديث الجاد عن الهجرة، في رابعة النهار، يحيونك قبل أن ترفع يدك بالتحية، فإذا نظرت يميناً ويساراً، خشية التاكسيات الصفر المداهمة، تكون قد أدركت الوجه الغربي لميدان الأسرة، وفي شرق المنتزه، والشفع في المراجيح، والأبلة (ست رقية)، تحت المظلة، تجلس مثل ملكة على عرشها، بثوب ابيض مطرز، وساعتها الجوفيال، تنظر حذاءك الأغبش، ثم إلى الأطفال مثل دجاجة تتهيأ للنقار، وقميصك المحشو حشواً، وإحساسك العميق (بالشكة)، حتى تصل مباني (الجديدة)، وعن يمينك، غرفة وباحة تضيق بالجالسين، ولافتة مكتوب عليها، جمعية الصداقة الصينية السودانية، وتسمع أصوات كمانات ناشزة، يهدونك دبوس عليه نجمة حمراء، تغزه في جيب قميصك المبتل بالعرق، وقد تحس بوخزة إن اخطأت التقدير. في المساء، يعلق التلفزيون في النادي، على منصة خشبيىة عالية، يقرأ النشرة (أحمد سليمان ضو البيت)، ولكنك لا تمل طول اسمه، نتعلق مثل أكياس البلاستيك، على السلك الحاجز، فيغني وردي (إنني أومن بالشعب حبيبي وأبي)، والعازف يقف بآلته المدهشة هناك، وياسين يذكرني بكرة نمشي سوق السجانة، نجيب مجلة سوبرمان، ابوه كان ممرضاً، في مستشفى الشعب، وكان يركب عربة (موريس)، بيضاء، بمقاعد حمراء، فأقول له ، اسكت ياخي، يا إلهي، كم تمنيت ان أكون واحداً، من الطلاب الذين (يشيلون) مع وردي. في نهارات تبدأ بشمس تثقب الجبهة، فتهب فزعاً من على سريرك، كمن صرعته الكهرباء، ثم ينشأ الصبح في السودان، ويشب فتياً، يفيض بالطاقة، وتحقنك الشمس بالحمأ، فلا تملك إلا أن تهب واقفاً، حاجاً إلى (الكولدير)، تقطع (جك الليمون)، ويصدح الراديو، المسجون وراء اسياخ النافذة، فيجيئك صوت الساكسفون، مثل بشارة المطر، وسط هذا المحل، يخرج من أعطافه ندياً، صوت (عثمان حسين)، ينبع مثل الماء القراح، من داخل سولو ساكسفون(السنجك)، وفي متنه تقدل اغنية (الدرب الأخضر)، فتعتدل حواسك، ويسكن روعك في حضرة الجمال، ويمشي الكون على إيقاع مزماره، المزمار الجديد الشائك، الملئ بالاشجان، فتغني معه تهيم خطواتي نشوانة ثم وبعقيرة عالية تاااا تتا تاااا وفي المساء تراه بشلوخة المميزة، بنصف انحناءة، ودون أن يعلمك بوجوده ويغني زكي عبد الكريم .. في لمحة غزل ومجرد امل فيكون الساكسفون، لحمة اللحن وسداه. عاش واغتيل، دون أن تسلبه الأضواء رزانته، فكان هو الضوء. عاش يغذي الأغنيات بالدفء والحنين الذي يهب حياتنا معانيها ورحل غيلة وغدراً. له الرحمة. وحوا والدة السكسفون.
تاج السر الملك
tajmultimedia@gmail.com