وإذا ما توقفت الحرب

 


 

فيصل بسمة
2 November, 2024

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

المنطق يقول أن وقف الإحتراب و الوصول إلى إتفاق يضمن السلام يتطلب تحاور طرفي القتال ، و في حالة بلاد السودان فإن هذا يعني تفاوض الطآئفتين الباغيتين: الجيش الممثل الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (الكيزان) و تنظيماتها و مؤسساتها ، و جماعات الرَّبَّاطَة و النَّهَابَة و تمثلها مليشيات الجَنجَوِيد العشآئرية (الدعم السريع) ، و الغرض من الحوار هو بالطبع الوصول إلى إتفاق سلام ينهي الحرب و يمنع الدمار و التدهور ، و هذا يعني بالضرورة التباحث حول لمن تؤول إليه السلطة و تشكيل الحكومة و من ثم القيام بمهام تنفيذ ما يتم توصل إليه من تفاهمات حول: تحقيق السلام و تثبيت الأمن و تحقيق العدالة و إصلاح المؤسسات الأمنية و إدارة الموارد و إعمار ما دمرته الحرب و التمهيد للإنتخابات و بقية البنود التي يتم الإتفاق عليها...
و هذا يعني أن ترك مسألة المفاوضات و الإجرآءات للطآئفتين الباغيتين سوف يعود بالأزمة السودانية إلى فترة ما بعد خلع الطاغية البشير و أيام مؤامرات و دسآئس عسكر مجلس السيادة الإنتقالي (اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة) و سعيهم الدؤوب إلى القضآء على الثورة و تصفية الثوار و عزل/تحجيم/تغييب أصحاب المصلحة الحقيقية عن المشهد السياسي و منع حدوث التغيير ، و التي تعني أيضاً إستحواذ جماعة الكيزان و أذنابهم في مؤسسات و كتآئب الهوس الديني ، مع أو بدون مليشيات الجَنجَوِيد ، على السلطة و الحكم و العودة إلى ممارسة الفساد و الإفساد و إستغلال الموارد لخدمة المصالح الذاتية و الكفلآء الأجانب...
و واهمٌ من يظن أن الطآئفتين الباغيتين تتقاتلان من أجل مصلحة الشعوب السودانية ، أو أنهما سوف تتفاوضان بغرض تحقيق مطالب الثورة في الحرية و السلام و العدالة ، أو أنهما جادتان في تسليم السلطة إلى المدنيين حتى يديروا مؤسسات الدولة و يحدثوا التغيير ، فالجيش الذي أصبح مطية لجماعة الكيزان يقاتل من أجل إعادة الجماعة إلى دست الحكم و مفاصل الدولة حتى يضمن الحفاظ على السلطة و مؤسسات الإرهاب و الفساد التي أنشأتها الجماعة و المصالح الإقتصادية الضخمة المرتبطة بها ، و معلومٌ أن الجيش و المؤسسات الأمنية و منذ إنقلاب الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية قد أصبحوا مليشيات دينية تابعة لجماعة الأخوان المسلمين تساندهم كتآئب الهوس الديني ذات المسميات المتعددة ، أما مليشيات الجَنجَوِيد ، و هي أيضاً من إفرازات جماعة الكيزان ، فإن راعيها محمد حمدان دَقَلُو الملقب بِحِمِيدتِي و شقيقه عبدالرحيم و لما لمسا ضعف و هوان أهل السلطة و المركز و بلغ بهما حب السلطة و النفوذ مداه/أشده ظنا أنهما الأحق بحكم بلاد السودان و أن بإمكانهما الإستيلآء على السلطة بقوة السلاح حتى يحافظا على مصالح آل دقلو و كفيلهم الأجنبي الإقتصادية...
و لقد رأى السودانيون و لمسوا عقب خلع الطاغية عمر البشير كيف تبارى و تنافس وكلآء جماعة الكيزان في الجيش و جهاز الأمن و كتآئب الهوس الديني و مليشيات الجَنجَوِيد في المحاولات المستميتة لإعاقة الثورة و وأدها و تصفية الثوار عن طريق البطش و القتل في أيام الثورة الأولى ، ثم القتل الجماعي في مجازر فض كولومبيا و إعتصام القيادة العامة ، ثم سلسلة الإنقلابات العسكرية الفاشلة ، ثم عمليات شرآء ذمم السواقط الحزبية و الأرزقية و الطفيلية و الفواقد التربوية و المجتمعية ، ثم تآمر تحالف جماعة الموز و إعتصامهم و مطالبتهم بالإنقلاب العسكري على حكومة الفترة الإنتقالية و إستجابة البرهان للندآء في بيان إنقلاب الخامس و العشرين من أكتوبر ٢٠٢١ ميلادية ، ثم ما تلى ذلك من القمع الوحشي و قتل الثوار في مسيراتهم السلمية الرافضة للإنقلاب ، ثم تأزم الأمر و تصاعد الخلاف بين الإنقلابيين: البرهان و حِمِيدتِي و الذين يقفون من خلفهم من فرقآء جماعة الكيزان و تخاصمهم/تشاكسهم حول الإنفراد بالسلطة ، و الذي قادهم في نهاية الأمر إلى الإقتتال فيما بينهم و إلى إشعال الحرب...
و سوف يطول أمد الحرب و سوف تتعاظم و تتعقد إفرازاتها و مآلاتها ، و سوف تتواصل مساعي الطآئفتين الباغيتين للتمسك بالسلطة و إعاقة/إجهاض الثورة و عزل أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير عن السلطة و حجبهم عن إتخاذ القرارات المصيرية ، و سوف تبرز الأسئلة:
- ما هي الكيفية التي توقف بها الحرب؟...
- و كيف تُمنَع إفرازات الحرب المهددة لوجود الدولة السودانية؟...
- و كيف يكون لأصحاب المصلحة الحقيقية يد/دور في محادثات إيقاف الحرب ، و هم المدنيون الذين لا يحملون السلاح؟...
- و كيف يصبحون أصحاب قرار و فاعلون في فترة ما بعد الحرب؟...
- و ما هي قدراتهم/مقدراتهم على إقناع العسكريين و المليشيات المسلحة المختلفة بأن الخلافات يمكن حلها عن غير طريق القمع و البطش و القتل؟...
- و أن الحكم و الإشتغال بالتجارة و الإقتصاد ليس من مهام العسكر؟...
و هنالك السؤال الأكبر:
- من هم ممثلو الثوار أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير؟...
الإجابات على هذه الأسئلة ، خصوصاً السؤال الأخير ، متعددة و ليست بذات الوضوح و ربما لا تخلو من التعقيد ، لكن يبدو أن الرجوع إلى مربع الثورة الأول هو الإجابة الأرجح و الأقل تعقيداً ، إلا أنه يبدو أنه من العسير جمع الثوار أصحاب المصلحة الحقيقية في إزالة نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية (الإنقاذ/الكيزان) على كلمة سوآء و إختيار قيادات قوية قادرة و فعالة ، فقد أنهكوا و تفرقت و تشتت بهم السبل ،كما أنه و على الرغم من أن وعآء تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) يبدو خطوة في الطريق الصحيح ، لكنه يبدو أنه ليس جامعاً بالصورة الكفاية و الدرجة المطلوبة التي ترضي طموحات شرآئح مهمة في التحالف الثوري الساعي إلى التغيير ، لكن و مما يدعو إلى التفآؤل و يعزز تطلعات و رغبات الجماهير الملحة في نجاح الثورة هو تقدم وطنيين جادين و بروز تيارات تسعى و تعمل على تجميع قوى الثورة/المعارضة في كيان متناسق بغرض الوصول إلى تفاهمات و إتفاقات حول المطالب و الأهداف الرئيسية لثورة التغيير...
أما الجانب المضيء و الأكثر إشراقاً فإنه و على الرغم من الألام و الأهوال و المآسي التي سببتها الحرب إلا أن نبض الثورة و جذوتها ما زالا قويين ، و ما زالت قوى الثورة الراغبة في الحرية و السلام و العدالة و التغيير تمتلك الإرادة و العزيمة على مواصلة مشروع ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية ، و ما زالت جميع وسآئل العصيان المدني متاحة لها ، و يمكن تفعليها في أي وقت عقب توقف الحرب ، كما أن الثوار يعلمون ، علم اليقين ، أن قوتهم تكمن في عزيمتهم و تماسكهم و في تمسكهم بأهداف الثورة و ضرورة إحداث التغيير ، و أنهم قد خبروا قوتهم من قبل و جربوا فعاليتها مراراً ، و أنهم قادرون على تكرار التجربة ، و كذلك تقديم التضحيات الضرورية ، لكن يبدو أنهم ما زالوا في إنتظار الأشخاص الذين يمتلكون الصفات القيادية و العزيمة و المقدرات/القدرات على التنفيذ و تحقيق أهداف الثورة و في مقدمتها إزالة و تفكيك مؤسسات نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو الفاسد ، و في إبقآء شعارات الثورة الخالدة حية:
أي كُوز... نَدُوسُوا دُوس...
حرية ، سلام و عدالة...
مدنية خيار الشعب...
العسكر للثكنات ، و الجَنجَوِيد ينحل...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء